في انتظار جودو

 





يقول المتفلسف الوجودي إن الإنسان مسؤول عن تحديد معنى وجوده بأفعاله واختياراته، ويؤكد لنا العدمي أنه ليس ثمة معنى لوجوده، لذا لا أهمية لأن يسعى وراء أي شيء. أما العبثي، فيحاول جاهدًا أن يعثر على معنى لوجوده، لكنه في النهاية يجد نفسه قد وصل إلى نفس الضفة التي يستلقي عليها العدمي، وهو مُرهَق من طول السباحة.


مسرحية «في انتظار جودو» لصمويل بيكيت، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، عبارة عن حوارات مبعثرة لا تفضي إلى أي مكان، بين شخصين ينتظران جودو، الذي مهما طال انتظارهما له، لا يصل. من الحوارات العبثية فيها:



استرجون: «الفم مليء وبشرود» ألسنا مقيّدين؟

فلاديمير: لا أسمع شيئاً.

استرجون: «يلوك، يبتلع» أسأل إذا ما كنّا مقيّدين.

فلاديمير: مقيّدين!

استرجون: مقيّدين!

فلاديمير: كيف مقيّدين؟

استرجون: بأرجلنا وأقدامنا.

فلاديمير: بمن! وممن؟

استرجون: بصاحبك.

فلاديمير: بجودو! مقيّدان بجودو! يا لها من فكرة! لا أبداً «صمت». ليس بعد.

استرجون: اسمه جودو!

فلاديمير: أعتقد ذلك.

استرجون: غريب! «يرفع ما تبقى من الجزرة من طرف ورقتها الذابلة ويلوح بها أمام عينيه» غريب، كلما استزدنا منها فقدت لذتها.



يستمر الحوار هكذا طوال فصليّ المسرحية، دون أن يؤدي إلى أي تطور في الأحداث، حيث تستمر الشخصيات بالمراوحة في مكانها من بداية المسرحية حتى نهايتها، وهم على أمل بأن يصل جودو.


جودو الذي ينتظرانه يمكن أن يكون شمسًا تنتظرها أرض غطتها الثلوج شهورًا عديدة، أو مبلغًا ماليًا لشخص عاطل عن العمل حتى تمكن منه اليأس، أو إجابة على سؤال مُلِحّ من تلك الأسئلة التي تجلب الأرق، أو هو القدر الذي يحلّ بالإنسان (أو يتخلى عنه) رغم كل احتياطاته. وقد يكون بيكيت استوحى اسم "جودو" من كلمة God:



فلاديمير: هل له لحية، السيد جودو؟

الصبي: نعم يا سيدي.

فلاديمير : شقراء ... أم «يتردّد» أم سوداء.

الصبي: أعتقد أنها بيضاء يا سيدي.

«صمت»



الشيء الوحيد الثابت في هذه المسرحية هو محاولات الشخصيات العبثية انتظارها لمقابلة جودو، الذي لا يأتي رغم أنهم انتظروه في المكان والوقت المحددين، إلا أن محاولاتهم لم تؤدِّ إلى نتيجة. المسرحية بمثابة القطعة المجتزأة من حياة الأشخاص الغارقين في العبثية المثقلة بانتظار أشياء تخلّت عنهم.


يتساءل وديع سعادة في إحدى قصائده: كيف للسابح أن يصل والبحر يغرق؟