ساراماگو يتسائل: أين هي الديمقراطية؟








هنا ترجمتي لهذا الفيديو القصير الذي يتسائل فيه الكاتب البرتغالي ساراماگو عن حقيقة وجود الديمقراطية في العالم:

نتشكك في كل شيء في هذا العالم باستثناء أمر واحد, لا نشك في الديمقراطية. توقفنا عن توقع المعجزات في أي شيء إلا أننا ننظر إليها على أنها كيان مقدس ومعجز, "الديمقراطية". بدون أن نعي أن هذه الديمقراطية التي نعيش في ظلها تم الاستيلاء عليها. إنها مشروطة, ومقتطعة. لأن السلطة, سلطة المواطن, السلطة التي يمتلكها كل واحد منا, محدودة, في الميدان السياسي, أُكرر, في الميدان السياسي, لإنهاء حكومة غير جديرة, واستبدالها بأخرى قد تكون جديرة. هذا كل ما في الأمر. لكن القرارات الهامة تحدث في ميدان آخر, كلنا يعرف ما هو. المؤسسات المالية الدولية الكبرى, صندوق النقد الدولي, منظمة التجارة العالمية, البنك الدولي, منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية, هذه كلها, ليست أي واحدة من هذه المؤسسات ديمقراطية, لذلك… كيف يمكننا أن نتحدث عن الديمقراطية بينما أولئك الذين يحكمون العالم فعليا لم يتم انتخابهم من قبل الناس؟ من يختار النوّاب من مختلف الدول في هذه المؤسسات؟ مواطنو تلك الدول؟ لا. إذن أين هي الديمقراطية؟





لماذا لن تتزوجكَ\يتزوجكِ؟




لماذا لن تتزوجكَ\يتزوجكِ؟
بقلم: هيدي إيسِرن
ترجمة: علي الصباح

مع حلول فصل الربيع من كل عام تتجلى الرومانسية بشتى أشكالها. فتتفتح الورود, وتغني طيور الحب, ويمتلئ الفيسبوك بصور خواتم خطوبة حديثة. وينسرب في المدينة قلق تجاه الزواج يبعث على النرفزة في كثير من سكانها ويجعلهم يتسائلون متى سيأتي دورهم.
يشعر الرجال بضغط يدفعهم للمبادرة بـ"طلب اليد", أما النساء فيشعرن بالضغط حينما يُسألن. بغض النظر عن مدى صحة ذلك, إلا أن فكرة قيام شخص آخر باختيارنا لبقية حياتنا تشكِّل تقديرنا لذاتنا. حين لا تحدث طلبات الزواج (أو حين ترفضها النساء), فإما أن نصير مهووسين تجاه هذه المسألة ونحاول تحقيقها بأي وسيلة, أو نصير سوداويين ونفكر بوسائل درامية لإنهاء حياتنا.

عوضا عن شرب قنينة كاملة من البراندي والقفز من أعلى جسر, يجب على من لم يلبس الخاتم بعد أن يحاول معرفة تفكير شريكه تجاه الزواج ومن ثم يقرر -إما أن يهدأ أو يتجاوزه.
لمعرفة الفوبيا المحيطة بطلب التقدم بالزواج, أجريت بحثا مع مجموعة من الأشخاص من أعراق مختلفة في أحد البارات المحلية. اهتمامي كان موجها للرجال الميالون إلى النساء, مع تقديري في نفس الوقت لوجود قوس قزح من وجهات النظر الأخرى.

حسنا إذن, ما الذي يُعَطِّلهم؟

١- يعتقد أنها ستحاول تغييره
يقول النادل في بار الحي "لماذا أطلب يدها؟ حياتي مثالية كما هي الآن. أمتلك هذا البار, لدي خليلة عظيمة, وألعب البوكر كل ثلاثاء. أخشى أن الزواج سيغير كل هذا. الزوجة تتطلب أمورا أكثر مما تتطلبه الخليلة. هل أخبرتك عن كيرك, يا له من مسكين."
كيرك وشيلا يعكسان إحدى قصص الحب الكلاسيكية في سان فرانسيسكو. التقيا لأول مرة في غرفة حمراء في حفلة بأحد النوادي. في غمرة اتصال جسديها, انتبه كلاهما بأن الآخر يشاركه هوسه الجنسي في الأقدام, وحب شراب الپينا كولادا بحلاوة إضافية, وورد الترمس ذو الأوراق البيضاء التي تنمو قريبا من منحدرات جبل بيگ سور. لم يأخذا وقتا طويلا حتى وقعا في الحب. كان كيرك في منتهى السعادة. أخيرا قد وجد المرأة التي لم يتوقع أن يجد مثلها, تشاركه اهتماماته وكذلك حاجاته الجنسية المتنوعة. بعد أربع حفلات أخرى تقدم بطلب يدها. وكان زواجهما مباركا إلى لحظة وصول بطاقة دعوة للحفلة التالية بالبريد.
قالت له شيلا "نحن الآن متزوجان ولا نمارس هذه الأشياء. حان الوقت لنبني بيتا ونفكر بالأطفال."
ذُعِر كيرك. أين ذهبت تلك المرأة الجامحة التي تزوجها؟
انحنى النادل على مرفقيه وقال بصوت خافت, "كما ترين. النساء يتوقعن أن يتغير الرجال. الرجال يأملون أن لا تتغير النساء أبدًا."
يخبرني الأزواج السعداء بأن سر سعادتهم هو من خلال تكوين نظرة مستقبلية مشتركة ليتغيرا سويا في سبيل تحقيقها. إذا كان لديك أنت وشريكك نظرتين مستقبليتين مختلفتين, فسينتهي بكم الحال مثل كيرك وشيلا. الهندسة المعمارية التعاونية هي عبارة عن مخطط مشترك. ليعطي كلاكما للآخر شيئا أفضل من الحالة الراهنة ليتطلع إليه.

٢- الخوف من فوات الفرص
يقول رجل يشرب بيرة غينيس إلى يميني "أحب خليلتي, ولن أخونها. لكن فكرة التخلي عن إمكانية أن أكون عاريا مع امرأة أخرى لبقية حياتي تبدو جنونية. ماذا لو كان هناك شخصا آخر يُفترض لي أن أكون معه؟"
ينتشر الكثير من الأشخاص المثيرين للاهتمام في مدينة مثل سان فرانسيسكو. التعارف بين الجنسين شبيه بالاشتراك الشهري للقارئ الإلكتروني "كيندل", كل علاقة هي رواية آسرة. حينما ينتهي الفصل الأخير منها يمكننا ببساطة اختيار كتاب آخر. أعترف بأنني أعتز بمكتبتي الشخصية وبحرية تقليب أوراق كتبي القديمة المفضلة في أي لحظة نزوة. بالرغم من ذلك, يمكنني كذلك أن أرى فوائد ملازمة رواية ملحمية واحدة, مما يتيح للشخصيات بأن تتطور بشكل كامل وكذلك تعطي فرصة للعيش في أجواء شيء أعظم من القصص الومضيّة.
تكمن المشكلة في تحديد أي كتاب سيكون التحفة الفنية التي ستعيشها لبقية حياتك؟
إذا كنتَ واثقا من أن شخصا ما هو تحفتك الفنية, إلا أن ذلك الشخص لازال يريد الاحتفاظ ببطاقته المكتبية, فعليك حينها أن تتجاوزه وتمضي. أو على الأقل أن تتظاهر بذلك. أحيانا *يظن* بعض الناس بأنهم يريدون المحافظة على حرية إقامة علاقات غرامية مع آخرين إلى أن يقوموا بذلك فعليا. ثلاث لقاءات غرامية فاشلة كافية لتحويل ذلك الشخص إلى متبتل أو إلى أفضل من ذلك, بأن يعود إليك. الفتى أو الفتاة التي تريد أن تقضي بقية حياتك معها تعلم أنك لستَ كاملا, لكنها تفضل عدم كمالك على أن تقوم بالبحث إلى الأبد عن الكمال في شخص آخر.

٣- لا يريد (لا تريد) أن يفقد استقلاله الذاتي
تقول صديقتي أليس وهي تعيد كأس السكوتش "كم أخشى أن يطلب يدي. لستُ مستعدة بعد." شكوكها حول الزواج وقدرتها على شرب الكحول تعكس ما نسبته 06.% من نساء العالم. تقول "لازلت أريد السفر مع صديقاتي, وأشرب النبيذ في الأسطح, وأرقص مع الغرباء."
بالنسبة للشخص البوهيمي المُعتمد على ذاته, يتبدى الزواج كأنه سرداب أرضي يوضع فيه الناس داخل زنازين إسمنتيّة بأيدي مكبلة ويتعرضون للضرب بالسياط (لكنهم لا يكترثون للنظر إلى مُتَع الزواج). عوضا عن أن يلبسوا كفنهم بأيديهم, يفضلون البقاء للأبد كخليل أو خليلة.
كيف تقنع شخصا بأنه سيظل محافظا على استقلاليته في نفس الوقت الذي سيكون فيه بعلاقة اعتمادية؟ الإجابة يمتلكها رجل مكسيكي غريب الأطوار يجلس خلفنا.
"في البدء لم أُرِد الزواج من گابريلا, كنت أفكر, لماذا؟ كنا مولعين بالفن بشدة وتجاوزنا عادة قديمة كهذه! لكن بكونها كاثوليكية, كان الأمر مهما لها, فسعينا إلى حل وسط. ٣٦٠ يوما بالسنة أكون لها. مقابل أن يكون لي خمسة أيام كل سنة أفعل فيها ما أشاء, بلا أسئلة. اعتقدت بأني سأستغلها كأن أتصرف بجنون, أنام مع نساء جديدات, وأركب دراجتي النارية في البراري. لكني لم أفعل! معرفتي بامتلاكي لهذه الحرية جعلت أي رغبة في استغلالها تتلاشى."
أغلب الأرواح المستقلة تتوق لرفيق رقص في الحياة. لكن الرفيق الذي يتوقون إليه "يتيح لهم" ما يكفي لعدم تقييدهم. إذا كان الشخص الحريص على الزواج يستطيع أخذ فترات استراحة, فلن يشعر الشخص المذعور من الزواج أنه مُحتَجز ولن يحاول الفرار. تتولد الرغبة من خلال وجود مساحة, وليس بعدم وجودها.
العلاقة الجيدة مثل رقصة التانغو, يجب على أحدهما أن يأخذ خطوة طويلة إلى الوراء ليستطيع الشخص الآخر أن يتقدم.

٤- التوقيت غير مناسب
يقول الرجل الجالس إلى يساري وهو يدفع ٢٠ دولارا مقابل شراب تكيلا رخيص "أريد الزواج مجددا ولكن ليس الآن. لا أريد القفز بسرعة لأكتشف أن الشيء الوحيد المشترك بيننا هو إدماننا للكحول. أعني, هكذا كان زواجي السابق."
رجل التكيلا هذا تزوج مباشرة بعد انتهائه من الجامعة أثناء لعبة "من يجرؤ" في لاس فيغاس وهو ثمل. ازداد افتراقهما عن بعض مع مرور الوقت إلى أن قررا الانفصال بعد ١٠ سنوات. بالرغم من رغبته الحثيثة في تجاوز ذلك, إلا أنه لا يستطيع أن ينسل من شريكته السابقة كجلد قديم. مفارقة شريك حياة تكون بمثابة بتر ذراع. الكثير من العلاج مطلوب حتى يتعافى النسيج المجروح.
إذا كان لشريكك مجموعة مختلفة من الأفكار والتصورات فاستعد لإطار زمني متباين. أولئك الذين مروا حديثا بالطلاق, أو الصدمات الأسرية, أو حتى فشلوا في مشروع تجاري صغير يحتاجون معاملة شديدة الخصوصية. حين يقولون "يوما ما سأتزوج مجددا", 'يوما ما' قد تعني في السنة القادمة أو في الحياة التالية -حين يتجسدون بأنفسهم مرة ثانية. إذا لم تعد قادرا على أن تكون صريحا, لطيفا, وصبورا فتجاوز الأمر. إذا لم يكن الشخص مستعدا فهو غير مستعد. لا يمكنك تعجيل الأمور فقط لأن ساعتك تعمل بشكل أسرع.

٥- الأمر ليس بالجدية التي تظنها
للأسف, يعيش الكثير من الأشخاص أحلام يقظة حول علاقتهم ويرونها كقصة حب ملحمية. لا تتخيل واقعا بديلا وتنسى الواقع الذي تعيشه. قد يكون السبب الذي يدفع شريكك بأن يكون معك ليس رغبته بالزواج منك, ولكن لأن رفقتك أفضل ولو هامشيا من أن يظل وحيدا. نصيحتي هي أن تتجاهل القصص التي يحكيها لك قلبك وتستمع إلى صراحة حدسك. إذا كانت أمعائك دائما تتلوى قلقا حول مدى أهميتك, فعليك إذن أن تعيد النظر في الوقت الذي تضعه في هذه العلاقة. كل دقيقة تقضيها مع شخص لا يشعرك بالأمان هي دقيقة مُهدرة كان يمكنك استغلالها لإيجاد ذلك الشخص لكنك لا تفعل. هناك حذاء مناسب لكل جورب ومكعب ثلجي مناسب لكل كأس ويسكي. لا تُضِع وقتك حافيا وظمآنا. بالإضافة إلى ذلك, من خلال مفارقتك له يمكنك إعادة اكتشاف ذاتك وإيجاد طرق كثيرة لتقدير أهميتك الذاتية.

المحادثة + مساحة
سواء كنت تريد الزواج أو تسعى إلى الفرار منه, تكلم مع شريكك حول هذا الموضوع. أنظر ما إذا أمكنكما تصور مستقبل مشترك. ليعطي كل شخص مساحة للآخر. مساحة للتفكير, مساحة للتطوير, مساحة لهم ليتصوروا كيف سيكون الأمر إذا ما رحلت. المساحة, وليس الضغط, تنمي الحب. إذا ما أعطيت علاقتك هواءً لتتنسمه قد تنمو لتصبح شيئا جميلا جدا وقد لا تحتاج حينها إلى شهادة زواج لتثبت ذلك.


على أية حال, تزوج. إذا كانت زوجتك (أو زوجك) جيدة, ستسعد; إذا كانت سيئة, ستصير فيلسوفا.

سقراط



موراكامي في طور التكوين: أول روايتين




موراكامي في طور التكوين: أول روايتين
بقلم: لوري پي
ترجمة: علي الصباح

في مقدمة أول روايتين له, واللتان صدرتا لأول مرة بترجمة إنگليزية جيدة, عَدّ هاروكي موراكامي رواية "مطاردة خروف بري" التي كتبها بعدهما مباشرة بأنها "البداية الحقيقية لمهنتي كروائي". "استمع لغناء الريح" (1979)  و"لعبة الكرة والدبابيس, 1973" (1980) كانتا بمثابة روايات تدريببة, كفترة تمرين, والأرضية التي مهدت لبدايته الحقيقية. ينظر موراكامي إليهما بكونهما "لا بديل عنهما" مع ذلك يرى بأنه لو استمر في الكتابة على ذلك المنوال فإنه, حسب تعبيره, "سرعان ما سأصطدم بحائط". ينظر إلى تلكما الروايتين "بحب ممزوج بشيء من الخجل"; كانتا ضروريتان ليصير كاتبا, مع ذلك, لو لم يتجاوزهما لما استطاع أن يستمر في الكتابة.


كلتا الروايتين تتمحوران حول نفس الراوي\البطل المجهول وصاحبه, الشهير بالجرذ. كلاهما, الراوي والجرذ, يريدان الكتابة: الراوي أنتج الكتابان الصغيران اللذان بحوزتنا, والجرذ, الذي بدأ "ظاهريا غريبا عن الكتب", تمخض فيما بعد بعدة روايات. فإذن روايتي "الريح" و"لعبة الدبابيس" هما كتب حول محاولة الكتابة. الجذاب في تلكما الروايتين للقارئ الذي اطلع على أعمال موراكامي اللاحقة هو إمكانية ملاحظة التطور التدريجي لهذا الكاتب العالمي باتجاه "بدايته الحقيقية".


بعد أن أصدر موراكامي "الغابة النرويجية" عام 1987 صار نجما أدبيا -نتيجة لم يكن يتوقعها- وشعبيته الواسعة لم تخبو منذ ذلك الحين. قد يرى قراءه من خارج اليابان أن أعماله يابانية بعمق, إلا أن المؤسسات الثقافية اليابانية لها رأي آخر; فكتاباته تحتل فضاءً ثقافيا خاصا به هو وحده. تأخذ حيزا في عالم تسوده الوحدة مع أمل بإمكانية الحب رغم كل شيء. أحداث ساحرة وغير مفهومة تحدث لأشخاص عاديون جدا مما يؤدي إلى عمليات من البحث واختبارات كثيرة تنتهي بلا إجابات. كل وجود فردي هو كيان مستقل بحد ذاته يحتاج إلى إعادة تأكيد مستمرة من خلال القصة التي يحدّث بها نفسه, وأكبر خطر هو احتمالية تعرّض الراوي الشخصي للخسارة بحيث يصير فارغا تماما من الداخل. لعلّ هذا الجانب من رؤية موراكامي هو الذي يجد له صدى واسعا اليوم, حين تملأ الصور المُتلاعب بها الشاشات في كل مكان والتي لا تغزو فقط الحياة الداخلية بل كذلك تهدد باستبدالها. بغض النظر عن السبب الرئيس لشعبية موراكامي, فكتبه تُرجمت إلى 40 لغة وقد يكون هو أكثر الكتاب انتشارا ممن لا يكتبون بالإنگليزية.


الراوي المجهول في أول روايتين لموراكامي هو كاتب هاوٍ متأثر جدا بشخص يدعى ديريك هارتفيلد. هارتفيلد, الذي من المفترض أن يكون معاصرا لهيمنغواي وفيتزگيرالد, فشل فشلا ذريعا حين أنتج كما هائلا من الأدب العقيم, "عقيم بكل ما في الكلمة من معنى", ثم انتحر بالقفز من أعلى مبنى امباير ستيت, "ممسكا برسمة لأدولف هتلر في يده اليمنى وبيده اليسرى يقبض على شمسية مفتوحة". يصعب تخيل قدوة أسوأ من هذه لأي كاتب, إلا أن الراوي يقول بأنه تعلم تقريبا كل شيء من هارتفيلد, والذي يُصوّر الكتابة الجيدة على أنها: "الكتابة في الواقع هي الفعل الذي من خلاله نوثّق المسافة بيننا وبين الأشياء من حولنا. ما نحتاج إليه ليس إحساسا مرهفًا وإنما أداة للقياس."
هناك بلا شك مسافة شاسعة بين الراوي والعالم المحيط به. مثل سائر كتابات موراكامي, هذه العزلة أو المسافة ممزوجة بالواقع; إنها حالتنا الإدراكية والمعرفية كبشر:


"هوة تفصل بين ما نسعى لإدراكه وما يمكننا إدراكه. عميقة لدرجة لا يمكننا قياسها مهما طالت أداة القياس. الذي يمكنني تدوينه هنا مجرد قائمة. لن يكون رواية أو حتى أدبا, ولا هو فن كذلك. هو مجرد دفتر عليه خط بالمنتصف, قد يحتوي على قيمة أخلاقية."
الراوي يعيش في حجيرة خاصة معزولة ولا يتواصل إلا مع شخصين أو ثلاثة: صديقه الجرذ, وجي مالك حانته المفضلة, وربما بشكل مؤقت جدا, الفتاة ذات الأصابع التسعة والتي كادت أن تصبح حبيبته قبل اختفائها من حياته إلى الأبد.
 
الآن وقد صار موراكامي روائيا بارزا لعقود, يبدو تنصله من أعماله الأدبية الأولى أشبه بشكوك كاتب مبتدئ عنها من أن تكون إعلانا للاستقلالية." قد لا أنتج ما تتوقعه مني, وذلك الصنف من الكتابة قد لا يكون ممكنا بعد الآن, لكنني على أية حال أكتب, ولديّ شيء أريد قوله". يقرر البطل بعناد; هو معجب بكون ديريك هارتفيلد "محارب", وبحجم الخيبة التي تعتريه, هناك بلا شك بقايا لمعركة في داخله أيضا. يحتاج إلى تلك الحرب لينجو من فعل الكتابة, والتي عدّها  بأنها "نشاط ضار بالصحة". في كتابه "عمَّ أتحدث حين أتحدث عن الجري" والذي كان عبارة سلسلة مقالات حول جوانب من سيرته الذاتية المتعلقة بهوسه الصحي البدني والذهني, يعبر عن ذلك بقوله:
"حين نشرع بكتابة رواية أو نستخدم الكتابة لنخلق قصة, سيؤدي ذلك إلى طفو سموم غائرة عميقا في النفس البشرية, سواء أعجبنا ذلك أم لا. يجب على جميع الكتاب أن يواجهوا هذه السموم وجها لوجه, وأن يكونوا واعين بالخطر المحدق بهم منها, وأن يجدوا وسيلة للتعامل معها, لأن بدون ذلك لن يكون ممكنا لأي نشاط إبداعي أن يتحقق."


شبّه الكتابة بمعضلة أكل سمك الينفوخ, حيث يكون "أشهى جزء هو الجزء القريب من السم" يستمر موراكامي في شرحه بأن "أولئك الذين يسعون إلى مهنة كتابة طويلة الأمد عليهم أن يطوروا نظام مناعة خاص بهم يمكنه أن يقاوم مخاطر السموم (في بعض الأحيان مميتة) الكامنة فينا."
 
موراكامي لا يسمي لنا أبدا هذه السموم في كتابه. يترك السؤال عائما: ما هذه القوة العصيّة على التغيير والتي لها القدرة على الفتك, تلك القوة التي لا يرى مهربًا من مواجهتها؟ حسب روايتيّ "الريح" و"لعبة الكرة والدبابيس" هي بلاشك: الإحباط. هذا السطر الأول من رواية موراكامي الأولى: "ليس ثمة كتابة تامّة. كما أنه ليس ثمة شيء كالإحباط التامّ." فمنذ البداية تتضح الموازاة بينهما; ما يصح على أحدهما يجب أن يصح على الآخر. وجود أو عدم وجود الإحباط في تلكما الروايتين يُلوّن الحبكة, حيث ينهمك مجموعة من الفتيان الضائعين والمُبعَدين بالتفكير لإيجاد وسيلة للهرب من حياتهم الجامدة. احتوت روايات موراكامي اللاحقة على قدر أكبر من التصعيد وحبكة أكثر تعقيدا; المساعي الخطرة التي سيّرت الأحداث في "وقائع نهاية الطائر" و"1Q84" لا تحمل أي انعكاس للاجترار العبثي للأفكار كما في "استمع لغناء الريح". الشخصيات البارزة في رواياته التالية غير منغمسين بالسلبية التي نراها في "الريح" و"لعبة الدبابيس والكرة". بقدر الجبرية التي قد استحوذت عليهم كما استحوذت على الأبطال اللاحقين, إلا أنهم لا يزالون يتخذون القرارات, لعلمهم بأن ما يقدمون عليه قد يكون مسألة حياة أو موت. قريبا من نهاية رواية "مطاردة خروف بري", حتى الجرذ نفسه يتخذ قرارا بطوليا, إلا أنه في الروايات السابقة كان يصر على عبثية الحياة وعدم قبول إمكانية السعادة. على سبيل المثال, في رواية "لعبة كرة الدبابيس" يقع في حب امرأة إلا أنه يتركها بشكل متعمد, رغم كل الألم الذي صاحب ذلك لكليهما. حين يتشجع الراوي باقتراح أنه "يمكنك أن تحاول أن تكون أقوى, حتى ولو بشكل يسير", يجاوبه الجرذ:

"بكل صراحة, هل تؤمن بما تقول؟"
"نعم بالطبع"
يُطيل الجرذ نظره في كأسه ثم يقول بكل جدية, "افعل لي معروفا وقل لي أنك تكذب".
قريبا من نهاية "لعبة كرة الدبابيس", وقبل أن يغادر المدينة للأبد, يُجري الجرذ حوارا مع جي مالك الحانة, وهو أقرب ما يكون للرجل الحكيم وكاهن الاعتراف.


"انت تعرف يا جي أن الجميع سيتعفن, صح؟"
"نعم"
"وهناك طرق عدة للتعفن.. فإليك إذن خلاصتي. مهما كانت التغييرات التي يمرون خلالها, أو النمو الذي يقومون به فكل ذلك ليس إلا خطوة في طريق الاضمحلال."
لا تبدو الحياة طيبة للراوي حينما يكون في أسوأ حالاته. "وجهي وروحي ليسا إلا قواقع فارغة من الحياة, ليسا ذوي قيمة عند أي أحد." تنتهي رواية "استمع لغناء الريح" بانتحار ديريك هارتفيلد مع نقش مقولة لنيتشه على شاهد قبره -"كيف لأولئك الذين يعيشون في نور النهار أن يدركوا عمق الليل؟"- قد تكون هذه هي القيمة الأخلاقية التي وعدنا الراوي بأن "دفتره" سيحويها.
لن يكون غريبا بأن على المرء أن يكون محاربا ليستمر في الكتابة ليواجه إحباطا بهذا العمق. ليس غريبا كذلك شعور موراكامي بأنه لو استمر بالكتابة بهذه الطريقة فإنه سيصل إلى نهاية مسدودة. "استمع لغناء الريح" لا تذهب لأي مكان سوى الدوران حول نفس اليأس: بالرغم من وجود حبكة بسيطة لكنها تظل عبارة عن نص مليء بالمشاعر, والركود يمكنه أن يأخذ فقط الكاتب والقارئ بعيدا. "لعبة كرة الدبابيس, ١٩٧٣" تحتوي إلى حد ما على قصة تتقدم أكثر إلى الأمام: سعي الراوي ليلعب في آلته المفضلة للعبة كرة الدبابيس, و"سفينة الفضاء ثلاثية الزعانف" التي حطت في أحد المرات داخل حانة جي. وجدها بشكل ملغز داخل مستودع تبريد لحفظ الدجاج, لكنه لا يقوم بتشغيلها. عوضا عن ذلك, يتحدث "معها" عن الأيام الخوالي, كما لو كانا عاشقين سابقين:


تقول له "يبدو الأمر غريبا, كأنه لم يحدث."
"أوه, لقد حدث فعلا. لكنه الآن انتهى."
"هل يجعلك هذا حزينا؟"
أومأتُ برأسي: "لا. هناك شيء ما جاء من لاشيء, والآن عاد من حيث أتى, هذا كل ما في الأمر."
تنتهي الرواية بما يبدو أن ركود الراوي قد عاد; التطويق استمر. القرار الحاسم الوحيد الذي اتخذه الجرذ بعد أن هجر المدينة للأبد. قراره بالرحيل, كما أشار عليه جي, يشير إلى أنه لا يزال يرى أهمية إحداث تغيير. إحباطه ليس شاملا كما ادعى. كذلك موراكامي كان يجب عليه أن يرحل عن عالم هذين الكتابين. كان يجب عليه أن يغادرهما مغادرة فنيّة حاسمة ليستطيع الاستمرار بالكتابة, ويمكننا أن نلقي نظرة خاطفة على ما احتاج أن يخلفه وراءه.
يقول الراوي, في أحد محطات "استمع لغناء الريح":


"في وقت ما, كان الجميع يريد أن يبدو هادئًا.
قررتُ عند نهاية المرحلة الثانوية أن لا أُظهر سوى نصف ما يعتريني من مشاعر. لا أذكر السبب الرئيس وراء ذلك, ولكن هذا كان سلوكي لعدة سنوات تالية. إلى أن وصلتُ لمرحلة وجدت فيها نفسي كإنسان غير قادر على التعبير بأكثر من نصف ما يشعر به.
لا أعرف ما علاقة هذا بكون المرء هادئًا. لكن إذا أمكننا أن نَعُدّ ثلاجة يذوب فيها الثلج طوال السنة بأنها هادئة, فهذا إذن ما كنته.
لذلك استمرُ بهذه الكتابة…"


هل "لذلك" تعني أن كتابته تلك كانت محاولة ليتوقف عن أن يكون هادئا, وليتمكن من التعبير بأكثر من نصف ما يعتريه من مشاعر؟ يبدو كذلك. إلا أن في رواية "الريح" هي لم تأتي عابرة. الفقرة الخاصة حول كونه هادئًا أنشأت سياقا لما قاله الجرذ قبل أن يرحل نهائيا من حانة جي:


"انظر يا جي, الأمر ليس هكذا, تظاهُر الجميع بأنهم متوافقون بلا استفهام أو نقاش حول الأشياء -لا يوصل أي أحد لأي مكان. أكره أن أقول هذا, لكن… أشعر كما لو أنني أمضيتُ وقتًا أطول بكثير مما يجب داخل عالم من ذلك النوع."
 

ما تفوه به الجرذ داخل عالم القصة هو مسألة وجودية: الطفولة يجب أن تنتهي يوما ما. لكن من القراءة الحديثة, يبدو مغريا أن ننظر إلى هذا الوداع من موراكامي لكتابة تلك النوعية من الروايات بأنها رسالة لنفسه بأن الوقت قد حان بأن يلقي بكلِّه وأن يقول كل شيء يعنيه. في كتابه "عمَّ أتحدث حين أتحدث عن الجري", ذكر بأنه حين كتب رواية "مطاردة خروف بري", "تبدى لي الأمر بأنه إما أن أكون أو لا أكون, لذا وضعت كل ما لدي فيها." ربما هنا في "لعبة الكرة والدبابيس" كان هذا التصور قيد التنفيذ.
لن يستغرب أي مُطَّلِع على أعمال موراكامي استخدام النساء كثيرا في المجازات. يحدد فقدان حبيبة أو زوجة مسار القصة مرارا ومرارا. تفتح النساء للأبطال أبواب عوالم ملغزة من "الجانب الآخر" حيث تحدث الأمور الحاسمة. يقطعن سلبية الأبطال ويجسدن إمكانية الاتصال والأمل في عالم, لولاهن, سيكون منعزلا.


في رواية "استمع لغناء الريح", المعاناة التي واجهتها المرأة لتعبر عن ما يهمها بشدة هي من حددت المسار الذي سلكه الراوي -ووكذلك فن موراكامي- في رواية "مطاردة خروف بري". تلك المرأة هي الفتاة ذات التسعة أصابع; علاقة الراوي المتعثرة والمبهمة معها دفعت حبكة الرواية. اعترفت له بصعوبة, بعد عدة كذبات وتمويهات, بأنها تسمع أصواتا تحدثها بأشياء فظيعة, وبأنها أجهضت نفسها مؤخرا. ليس ما يحتويه هذا الإلهام هو ما يهم; لكن القصة تَعْلَق عند مدى الصعوبة التي تواجهها للتعبير عن حقيقة ما تعنيه. صعوبة التعبير الحقيقي هي التحدي الأساسي الذي واجهته الروايات الأولى.


البطل المجهول في أول روايتين هو نفسه الراوي في "مطاردة خروف بري", هذه الرواية التي وجد موراكامي فيها طريقه التي سار عليها منذ ذلك الحين. تبدأ بجنازة امرأة كانت صديقته وأحيانا تشاركه السرير, وكان عمره ٢١ سنة (نفس العمر الذي كان عليه في "استمع لغناء الريح"). في هذه الرواية, كما في سابقتيها, يجد الراوي نفسه "عالقا, غير قادر على المضي خطوة واحدة في أي اتجاه". وحين تحاول  صديقته أن تدفعه ليصرح بما يعتريه وتسأله عن ما يشغل ذهنه, يجيب الراوي: "ليس اليوم, لدي مشكلة في الحديث."


من خلال قراءة أولية لـ "مطاردة خروف بري" بدون الأخذ بعين الاعتبار الروايتين السابقتين, قد نصدقه حين يقول أن ما يعانيه هو تحدٍ مؤقت. لكن بعد قراءة "الريح" و"لعبة كرة الدبابيس" لا يمكننا أن نقبل كلامه على ظاهره. هذه المعاناة ليست مختزلة في فترة عابرة, بل هي مزمنة. كان جواب صديقته, "أنت غير قادر على حمل نفسك لقول ما تريد حقا أن تقوله, أليس هذا ما تقصده؟" هنا أُسُّ المشكلة, ذات العجز كان قد خلَّفه الجرذ وراءه حين غادر المدينة. تجاوز هذا العجز في الكلام هو الذي جعل من "مطاردة خروف بري" بداية حقيقية.
في الفصول الأولى من "مطاردة خروف بري", يتجلى "الجهاز المناعي" لموراكامي القادر بقوة كافية على دفع السموم على صورة امرأة تمتلك أذنان جميلتان جدا. حين يدعوها البطل إلى العشاء في مطعم راقٍ لأنه يريد رؤية أذنيها, تجيبه, "حدثني وجها لوجه, لأنها زاويتي المفضلة". كيفية التعبير هي المشكلة. تعرض تشخيصها: "يبدو أنك تحتاج المزيد من التعلم عن وسائل التعبير عن المشاعر." هي بلا شك قادرة على التعبير عن مشاعرها; تخبره بأن عليهما أن يكونا "صديقين حميمين جدا". ثم تضيف, "أمر آخر, في الوقت الحالي -لنقول خلال الأشهر القليلة القادمة- لا تتركني. موافق؟"
هذه امرأة تعرف ما تريد ويمكنها التعبير عن ذلك بوضوح. هي قطعا غير عالقة الإحباط, وأحد مهامها في الرواية دفع الراوي ليتجاوز عجزه.


"... أنت أفضل بكثير مما تظن."
قلت متحيّرا "لماذا تراودني هذه الأفكار إذن؟"
أجابت بحيوية "لأنك تعيش نصف حياة, النصف الآخر لا يزال في مكان ما غير مُستَغَل."


هذه المرأة معاونة ماهرة ليس فقط للراوي بل لموراكامي نفسه كروائي. أخذت بيد بطل الروايتين السابقتين لتعلمه كيف يعبر عن ما يقصده بالتحديد, كيف يعبر عن مشاعره. مهمتها الظاهرة في القصة هي أن تعلم حبيبها كيف يصل إلى الأجزاء الغير مستغلة من ذاته. لكن ضمنيا, يمكننا أن نشك بأنها ليست إلا خيال موراكامي يدفعه لحالة "أكون أو لا أكون", إيجاد الشجاعة اللازمة للاعتقاد بأن التواصل الأكمل ممكن, وأن الإنعزال يمكن كسره ولو بعد حين. ويبدو أن هناك بعدًا جنسيا لهذا التحول الفني; فـ "الريح" و"لعبة كرة الدبابيس" تخلوان من أي مشاهد جنسية كاملة, بينما في "الغابة النرويجية" والروايات اللاحقة نجد أن الجنس يُعرض بانفتاح, وفي الواقع, لحظة بلحظة. لعل موراكامي كان يحتاج أن يطلق المارد من القمقم قبل أن يتمكن من استظهار قواه الحقيقية كروائي.


بالرغم من أن المسار الذي اتخذته روايات موراكامي اللاحقة على "مطاردة خروف بري" لم تكن خطيّة, إلا أنها سارت في اتجاه كانت الشخصيات تمتلك خلاله القدرة على التعبير أكثر وأكثر. أصدق مثال على ذلك في "الغابة النرويجية", حيث الشخصيات -بشكل عام النساء التي يقع البطل في حبهن- يعبِّرن عن مشاعرهن بدقة شديدة تجعل من الحوار وكأنه حاد جدا ومفسر لذاته. هذا الصدق في الرواية شكل  بداية الانطلاقة, حتى غدت هذه المفارقة من الوعي الذاتي طاغية ثقافيا.


مهما يمكن أن يُقال عن تلك الرواية الشهيرة, إنها تنقل رسالة غير قابلة للدحض بأن هناك أشياء أهم في الكتابة الناجحة من أن يحاول المرء بأن يكون هادئا. الدوران حول كوكب الإحباط الأسود ليس الخيار الوحيد; إنه ليس كذبا بأن "يمكنك أن تجعل من نفسك أقوى, ولو حتى قليلا". في "استمع لغناء الريح" و"لعبة كرة الدبابيس,١٩٧٣", كان موراكامي مثل شخصية الجرذ, قد ودّع عالم المشاعر النصف معبر عنها. استطاع أن يقيس بنجاح المسافة -بينه وبين قُرّاءه, بين القلوب الإنسانية, بين ما نعرفه وما لن نتمكن من معرفته- وقرر, بالرغم من الصعاب, أن يقفز بعيدا عنها.

نانورايمو: الشهر العالمي لكتابة الرواية



حين أكتب أخرج من العالم الذي يفعل بي ما يشاء, إلى العالم الذي أفعل به ما أشاء.
جوخة الحارثي




في عام ١٩٩٩ أنشأ الكاتب المستقل كريس باتي في سان فرانسيسكو مشروع نانورايمو الغير ربحي للتشجيع على الكتابة الإبداعية بتخصيص شهر نوڤمبر من كل سنة ليشارك فيه مجموعة من الكتاب الهواة والمحترفين بتحدي لكتابة رواية من ٥٠ ألف كلمة. البداية كانت ب٢١ شخصا, واستمر المشروع في النمو حتى وصل عدد المشاركين في ٢٠١٥ إلى حوالي نصف مليون شخص من القارات الست. بعد هذا الانتشار الكبير شرعت بعض دور النشر بتبني بعض الكتابات, ونُشرت حتى الآن ٢٥٠ رواية ناتجة عن هذا المشروع. المشروع لا يتضمن أي جوائز مادية للفائزين لكنه يخلق بيئة تشجع على الانضباط والاستمرار في الكتابة.





القوانين


يمكنك أن تكتب رواية تحت أي صنف, بأي لغة, بحيث تبدأ في اليوم الأول من نوڤمبر وتنتهي في ٣٠ نوڤمبر بحصيلة كلمات تتعدى ٥٠ ألف كلمة. كل ما تحتاجه هو مواصلة الكتابة بمعدل ١٦٦٦ كلمة يوميا. لا اعتبار لطول الرواية أو حبكتها أو جودتها, فكل من ينجز كتابة ٥٠ ألف كلمة يفوز.

التحضير


  • اكتب كل يوم, مهما كانت الصعوبات فستكون البداية من جديد أصعب.
  • رتب أفكارك ودوّن الأحداث الهامة قبل أن تبدأ.
  • اقتطع وقتا للكتابة, وفرغ نفسك خلاله.
  • أهم نقطة في هذا التحدي هي إنجاز ٥٠ ألف كلمة خلال شهر, لا تدع التفاصيل الأخرى تعيقك.
  • معرفة نهاية الرواية التي تكتبها سيكون مفيدا لكي لا تتوقف.
  • ماذا لو أجبرتك مؤسسة استخبارات على العمل معها؟ ماذا لو تعرض أخوك للاختطاف؟ ماذا لو اكتشفت سرا لا يعرفه أحد عن الرئيس باراك أوباما؟  استمر في طرح أسئلة "ماذا لو" حتى تجد أفكارا مناسبة لروايتك.
  • قبل البدء بالكتابة عليك أن تعرف شخصياتك بشكل جيد وكيف سيتصرفون تجاه مختلف المواقف.


ابدأ بكتابة روايتك


مالذي يفعله الكتّاب المحترفون كل يوم؟ يكتبون. يمكنك أن تفعل ذلك أيضا, سجّل في موقع المشروع وابدأ في كتابة روايتك في الأول من نوڤمبر.




ثماني سمات في روايات موراكامي ومعانيها






ثماني سمات في روايات موراكامي ومعانيها
بقلم: بريان ولسون
ترجمة: علي الصباح


بإصداره لأكثر من عشر روايات وثلاث مجموعات قصصية (هذا فقط المُتَرجَم إلى الإنگليزية) استطاع هاروكي موراكامي أن يشكل مجموعة من السمات التي يمكننا القول بأن لها جاذبية شبيهة بجاذبية شخصياته. تكون معذورا لو ظننتَ بأن تكرار هذه السمات هو من قبيل المصادفة أو العادة, لكن كتابة الروايات ليست بهذه البساطة, وغالبا ما يضطر الكاتب إلى الدفاع عن أي شيء يُدخله إلى العمل من خلال عملية تحرير صارمة. يمكنك أن تستمع إلى تذمّر محرري موراكامي مع كل مسودة جديدة: "حقا, هاروكي؟! قطة أخرى؟!"
لا شك أن أحد مُتَع الأدب هو انفتاحه للتأويل خاصة إذا أتى من شخص مثل موراكامي المعروف بالسريالية والتجريد. بينما لا يمكننا الجزم بأن كل ما في الروايات يحمل معنى "موضوعيًا", إلا أن موراكامي بلا شك يكرر استخدام أوصاف محددة ليستدعي تأثيرا محددا. مع ذلك, يكون من الممتع أحيانا أن نحاول تخمين معاني بعض الأشياء أيضا. في النهاية, هذا ما تفعله معظم شخصيات موراكامي, ومن لا يريد أن يكون واحدا منهم؟ كل ما عليك فعله هو أن تبحث عن أقرب رواية إليكحان الوقت لنغوص بعمق في هاروكي موراكامي.




١- قطط, قطط, قطط
ما هي: لا يخفى عشق موراكامي للقطط. فهي تظهر في كل رواياته تقريبا, قد تتكلم, أو تقطن المدن, أو ببساطة تختفي. لا تُعَد الرواية موراكامِيّة حتى تظهر فيها كرة ظريفة من الشعيرات الحريرية.
معناها الحقيقي: غالبا ما تُصنف روايات موراكامي ضمن الواقعية السحرية. القصص التي تنتمي إلى هذا النوع الأدبي تميل إلى دمج العادي باللاعادي, فتصف أحداثا يومية غامضة بنبرة حقيقية. الجانب الواقعي هو مفتاح الواقعية السحرية. هو قبول ما لايصدّق في العالم المنطقي. يمكن للقطط أن تكون بمثابة مراكب مناسبة لتسهيل دخول القارئ إلى مكان لا تكون فيه الأشياء كما تبدو. فهي منتشرة ومثالية, لكن مع قليل من التضبيطات (كإعطائها القدرة على الكلام أو الاختفاء) يمكنها إضفاء شعور عن العالم الغير متوازن. ففي روايات موراكامي إذا تصرفت القطة بغرابة, فغالبا سيكون هذا هو أقل غرابة مما سيحدث لاحقا.





٢- تحضير الطعام (السباغتي وغيره)
ما هي: أبطال موراكامي يحبون تحضير الطعام. إنه أشبه بطقس ديني, ويمكنك أن تكون شبه متأكد من ظهوره في أي رواية. لكن ما الأمر اللافت في عملية تحضير الطعام؟
لعل أشهر مثال لذلك يأتي في رواية "وقائع نهاية الطائر" حينما تلقى تورو أوكادا مكالمة بذيئة أثناء إعداده طبق من السباغيتي (التورية مقصودة).
معناها الحقيقي: الوصف المطول لتحضير الطعام هو طريقة رائعة لتعريف البطل الذي تكون أبرز صفاته بأنه سوف يتناول شيئا ما. وهو وسيلة فعالة لترسيخ ما هو رتيب, ميزة أن يكون الشخص عادي بلا إثارة تماما, وهذه بالتحديد نوعية الشخصيات التي يهوى موراكامي الكتابة عنها. إلى جانب الرتابة, كثيرا ما يتحدث موراكامي عن أهمية الإيقاع في الكتابة.
سواء في الموسيقى أو الأدب, الإيقاع هو الأساس. أسلوبك يجب أن يحتوي على إيقاع جيد وطبيعي ومتدفق وإلا لن يستمر الناس في قراءة ما تكتب. تعلمت أهمية الإيقاع من الموسيقى وبالأخص من الجاز.
قد يبدو غريبا وصف تحضير الطعام, لكنه يشكل جزءً من الإيقاع السليم والمتوازن.


٣- موسيقى الجاز المتواصلة
ما هي: الجاز! الكل يعرف موسيقى الجاز. هل تستطيع تسمية رواية واحدة لموراكامي لا تأتي ولو على ذكر واحد لموسيقى الجاز؟ في الحقيقة هذا أشبه بالمستحيل. إذا ما الأمر مع كل هذا الجاز؟
معناها الحقيقي: فإلى جانب غرامه بموسيقى الجاز (كان موراكامي يملك ويدير بارا للجاز) هي تؤدي وظيفة أدبية محددة: تأسيس جَوّ. بالرغم من جهل أغلب القراء بالمقطوعات الموسيقية التي يشير إليها موراكامي, إلا أنهم يعرفون كيف يكون صوت موسيقى الجاز, والصور الذهنية المرتبطة به. حانات مفعمة بالدخان. سكّيرون سوداويون. هذا أمر مألوف من موراكامي, وهو مشابه لنوعية المشاهد التي ستجدها في قصص أحد أكبر ملهميه الأدبيين, مؤلف روايات التحري البريطاني\الأمريكي ريموند تشاندلر. فمن خلال إشارة موراكامي إلى موسيقى الجاز, هو في الواقع يؤسس لجو سائد بدون الحاجة لذكر ذلك بشكل صريح.

٤- مشاهد جنسية كثيرة
ما هي: الجنس. لا تحتاج إلى مزيد إيضاح, أليس كذلك؟ الجنس في كل مكان في روايات موراكامي. بالرغم من ذلك, على كل ما فيه من بدهية, يصير الجنس من خلال عدسات موراكامي أمرا فريدا. سواء كان ناتجا عن عقدة أوديب أو لأن شخصا ما له ملامح شبيهة بشون كونري, أشياء كثيرة يمكن أن تحدث حين تلتقي شخصيات موراكامي تحت اللحاف.
معناها الحقيقي: قيل ما يكفي حول كثرة المشاهد الجنسية في قصص موراكامي, حيث يراها النقاد أنها غير مبررة وغير ضرورية. فاحتواء رواياته على مشاهد جنسية كثيرة هي حقيقة لا يمكن انكارها. فيهتم موراكامي, بكونه كاتبا, بتحليل الوجود الإنساني من كل جوانبه, وحين يكون أحد جوانبه تحتل مكانة مركزية مثل الجنس, سيكون بالتالي تجاهله أمرا غير مقبول. أبطال موراكامي ليسوا سوى أدوات بيد الكاتب نفسه ليسبر فيها أغوار العالم, وليكتشف تشابك العلاقات والطبيعة المعقدة للرغبة والحب. حين يأتي الأمر إلى الجنس, يصير الواقع معقدا. لماذا إذًا يجب على موراكامي أن يتجاهله؟

٥- اختفاء النساء
ما هي: في صميم قصص موراكامي هناك علاقات رومانسية بين رجل وامرأة, أو رجل وعدة نساء. كما أنهم قد يظهرون فجأة, وبنفس السرعة قد يتلاشون.
معناها الحقيقي: اختفاء النساء في قصص موراكامي هو وسيلة جيدة لتأسيس مدى تعقيدهم وفي نفس الوقت يتولد تعاطف تجاه البطل. بالرغم  من أن النساء غالبا ما يكونون عنصرا للرغبة في قصصه, إلا أنهم غالبا ما يكنّ أقل اعتمادا على الرجال, فهن نادرا ما يكبلنّ بالرجل الذي يرغبون به أو يحبونه. تختفي النساء في روايات موراكامي لأسباب غامضة, لكنهن كذلك يختفين لأن لديهن حياتهن الخاصة, حياة مستقلة تماما عن الشخصية الرئيسة. الشخصيات النسائية التي يكتبها موراكامي نادرا جدا ما يكونون بانتظار قيادة الرجل لهن. ناهيك عن مدى تأثيرهن في في إرباك البطل وخلق صراع سردي.


٦- أسماء عادية
ما هي: ستكون معذورا لو لم تدرك (خاصة لو لم تكن يابانيا) بأن أسماء شخصيات موراكامي بشكل عام غير لافتة. استخدام اسم واتانابي, على سبيل المثال, هو أمر عادي الحدوث, وهو واحد من خمس أشهر أسماء للعوائل في اليابان.
معناها الحقيقي: استخدام أسماء بسيطة هو أمر مقصود تماما للتأكيد على أن الشخصيات عادية جدا. تقريبا كل أبطال موراكامي ينظرون إلى أنفسهم على أنهم متوسطون تماما, يقتطعون مساحة صغيرة من عالم مترامي الأطراف بالكاد يدركونه. أسماء شخصيات موراكامي إلى حد ما دائما تعكس تنامي قدرتهم على الانتماء. هذه أحد الأسباب التي يُنتقد بسببها موراكاني بكونه كاتبا "غربيا" إلى أبعد الحدود, فلا يزال النقاد اليابانيون يرون أعماله على أنها أمريكية بشدة. إذا لن يكون غريبا استخدام أسماء يابانية بسيطة: هذا يسهل قراءة أعماله للقراء الذين يقطنون بالبلد التي تضم كتابه المفضلين.


٧- قصة داخل قصة
ما هي: قصة داخل قصة هو مجرد: قصة تُحكى بداخل قصة أخرى. هل تتذكر القصة الطويلة التي حكتها الملازمة ماميا لتورو عن احتلال الياباني لمانتشوكو في رواية "وقائع نهاية الطائر"؟ أو عندما قرأ تنغو جزء صغير من قصة بعنوان "بلدة القطط" في رواية "1Q84"؟ تلك أمثلة ممتازة للقصص التي بداخل القصص.
معناها الحقيقي: القصة بداخل قصة تخلق شعورا قويا بالعالم من خلال عزل الأحداث من داخل عالم الرواية, تقوم بتعريف العالم بشكل أكثر وضوحا. الذي يعنيه ذلك, أن القصص التي تروى يجب أن تحدث أو يتم التفكير فيها, وإذا لم يعاين القارئ هذه العملية فحينئذ تخلق انطباعا بعالم حي.
علاوة على ذلك, القصة داخل قصة تعكس جوانب من السرد المركزي. أحيانا تكون مقصودة لتوليد شعور ما أو جو معين. غالبا ما تثير في البطل ردة فعل ما, مثلما دفعت قصة الملازمة ماميا بتورو أن ينحدر إلى بئر عميقة.


٨- نهايات غامضة
ما هي: النهاية الغامضة هي أي نهاية لا تخبر بوضوح عن نتيجة القصة. إذا كنت قرأت ولو روايتين من روايات موراكامي, فهناك احتمال كبير أنك خبرت ذلك. مثالين على ذلك روايتي "الغابة النرويجية" و"تسوكور تَزاكي عديم اللون وسنوات حجه".
معناها الحقيقي: كما ذكرت سابقا, اهتمام موراكامي الرئيس هو بالتنوع الدائم للحياة, لذلك لا يكون مستغربا أن تكون خاتمة رواياته أقرب إلى الحياة الواقعية منها إلى الأدب. في الحياة الحقيقية, النهايات السعيدة لا تدوم لأكثر من أيام قليلة. لا تنتهي روايات موراكامي بقيام الأبطال بالتجول معا يدا بيد في مشهد نمطي لغروب الشمس, بل يكونون غير موقنين. من وجهة نظر أدبية, النهاية الغامضة تجني فوائد النهايات المتعددة (وفنيا ولا واحدة منهم) من خلال السماح للقارئ بتخيل ما يمكن أن يحدث. مثال جيد على ذلك هو روايته الصادرة في ٢٠١٤ "تسوكور تَزاكي عديم اللون وسنوات حجه" حيث يظل القارئ غير جازم مما إذا كانت سارة تواصلت مع تسوكور أم لا. هذا لا يفتح الباب لتعدد التفاسير فحسب, ولكنه كذلك ينسجم من الجو السوداوي الحاضر في أغلب روايات موراكامي.