قصة الذكاء الإصطناعي




مرت أعوام طويلة
وأنا أفكر في الوداع
محبوس بإحكام في الليل
أفكر في العشق
يسحبني إلى الأزرق, والليل
خلال ما يجدر تذكره
أجزاء حياتي المحطمة
أجزاء حبي المحطمة
أصبحت بالية

قصيدة ألفها برنامج حاسوبي


بدايته وأهدافه
Artificial Intelligence is the science of making machines do things that would require intelligence if done by men. ~Marvin Minsky

تعود البذور الأولى لفكرة إنشاء حياة من مادة مصنعة إلى إسطورة بيجماليون, الذي قام بعمل نحت من العاج على صورة إمرأة جميلة جدا, لدرجة أنه وقع في حبها, وسأل آلهة الحب أن تزوجها إياه فأشفقت عليه وجعلت الحياة تدب في هذا النحت وتزوجها!

وفي تراث الكابالا (مذهب يهودي صوفي) هناك ما يعرف بالـ Golem وهو مجسم طيني تدب فيه الحياة عند قراءة مجموعة من الكلمات الإلهية تنطق بطريقة معينة بالعبرية, وهناك قصص عن بعض الأحبار (الحاخامات) الذين نجحوا في إحياء هذه المجسمات, وغالبا ما يتم صنعها باليد وتنقش كلمات الخلق على جبين المجسم الذي تستمر فيه الحياة مادامت الكلمات لم تمحى أو تتغير (قد يكتب على جبينه عبارة "الله هو الحق" فإذا مسح أول حرف من كلمة الحق emet تصبح met والتي تعني ميت بالعبرية), ويقوم المجسم بخدمة خالقه وقد يستخدم لحماية قرية ما من أعداء السامية أو لإستخراج المياه من الآبار. وجاء ذكر هذه الـ Golems في بعض القصص الخيالية والمسلسلات مثل إكس فايلز.

وفي القرن التاسع الميلادي اشتغل جابر بن حيان بعلم التكوين أو التوليد, أي محاولة إنشاء الحياة (وتشمل النبات والحيوان والإنسان) صناعيا بإستخدام الخيمياء (وليس الكيمياء), وهذه الفكرة كانت موجودة في العصور الوسطى, أي بإمكانية إنشاء وعي في الجمادات بالوسائل الخيميائية.

وكانت هناك بعض المحاولات لإنشاء أجسام تتحرك بصورة أوتوماتيكية, فقد قام الجزري في القرن الثالث عشر الميلادي بصنع فرقة موسيقية من أربعة عازفين ميكانيكيين يعملون بشكل أوتوماتيكي ويمكن برمجتهم لعزف مقطوعات موسيقية معينة.




أما أهداف الذكاء الاصطناعي فهي عمل آلات ذكية واعية تستطيع أن تفكر ولها قدرة على التعلم بذاتها ولها حرية الاختيار وكذلك بأن يكون لها أخلاق. وتمت تسميته بهذا الاسم واعتباره تخصصا أكاديميا في عام 1956 من قبل جون مكارثي ومجموعة من العلماء, فهو يعتبر من العلوم الحديثة. وهو مزيج من عدة تخصصات كالفلسفة والمنطق واللسانيات والرياضيات وعلم النفس المعرفي والأخلاق.

والشق الأول وهو الذكاء له تعريفات عدة, بل حتى أن تعريفه يتغير من زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان, فمن يعيش في الصحراء يختلف تصوره وتعريفه للذكاء بالنسبة لمن يسكن في المدينة.
ففي بداية القرن العشرين اعتبر بينيت (صاحب اختبار IQ للذكاء) العناصر التالية بأنها مكونات الذكاء الأساسية وهي: القدرة على الحكم, المعرفة الفطرية أو البديهية, المبادرة والقدرة على التكيف. أما في عام 1932 فتم تعريف الذكاء في معجم نيو انقلش بأنه "القدرة على فهم السلطة الفكرية, الحصول على المعرفة, السرعة في التفكير" أما في عام 1995 فقد جاء تعريفه في موسوعة ماكميلان بأنه "القدرة على الاستدلال والتعلم من التجارب, ويتحدد ذكاء الفرد بتداخلات معقدة وراثية وبيئية". ومؤخرا تم إضافة الوعي الروحاني أو المشاعر إلى تعريف الذكاء.
وبسبب وجود الذكاء في كائنات عديدة بأشكال مختلفة ولا نستطيع انكار ذكائها بسبب اختلافها عن ما هو موجود لدى البشر يقترح البعض تعريفا عاما للذكاء وأن لا يكون خاصا للبشر وهو"تعدد عمليات معالجة المعلومات والتي تمكن بمجموعها الكائن من البقاء".

أما كلمة اصطناعي فلها أشكال كثيرة, فكما مر بنا أن هناك من حاول صناعته من خلال النحوت والأجسام الطينية وهناك من جرب المركبات الخيميائية والمجسمات الخشبية وفي العقود السابقة تم استخدام المعادن مثل السيليكون واليوم يسعى العلماء لصناعة الذكاء بيلوجيا باستخدام عقول بيولوجية تحتوي على أعصاب عضوية تنمو بذاتها.


الفلسفة والذكاء الأصطناعي
من العلوم المتصلة بمجال الذكاء الاصطناعي دراسة وفهم المعرفة والعقل, ويقع تحت هذا الباب مشاكل وأسئلة فلسفية عديدة تنتظر الحلول والأجوبة, منها على سبيل المثال:

  • ماهية العقل؟ وهل هو عبارة عن حاسوب عضوي؟
  • ماهية الوعي؟ وهل عملية التفكير تستلزم وجود وعي؟
  • ماهية الوجود؟
  • وماهية المعرفة؟



الإنسان الآلي
At bottom, robotics is about us. It is the discipline of emulating our lives, of wondering how we work.~Rod Grupen

مصطلح "روبوت" استخدم أول مرة في المسرحية التشيكية روبوتات روسوم العالمية عام 1921, وقصد بالروبوت المصنع بمواد عضوية وليس الروبوت المعدني الميكانيكي, لأن مؤلف الرواية يعتقد أنه لا يمكن لروبوت مصنوع من المعدن أن يتمكن من التفكير.

ويمكننا تقسيم الروبوتات إلى قسمين, الأول هو الذي يقوم بتنفيذ سلسلة من الأوامر تمت برمجتها مسبقا ويتلقى التوجيه من شخص يتحكم به, وهذا النوع موجود منذ سنوات عديدة وغالبا ما نراه في الأخبار ويدخل في حياتنا شيئا فشيئا. أما النوع الثاني وهو الذي يستطيع التفكير بذاته واتخاذ قراراته وتنفيذها ولا يحتاج لتدخل بشري ليقوم بعمله, وهذا النوع الذي يتخوف منه البعض لأنه يمكن أن يسيطر مستقبلا على الإنسان ويحل محله. ولعل وجود الحواس الخمس لدى الإنسان تقلص من كمية المعلومات التي يمكن له أن يتلقاها مقارنة بما لدى الروبوت من حواس أكثر تمكنه من الإحساس بالاشعة فوق البنفسجية وأشعة أكس والموجات فوق الصوتية مما يعطيه إمكانية أكبر لإدراك الأمور التي تحدث حولنا ولا نتمكن من إدراكها لإنتفاء وجود حواس خاصة فينا تمكننا من معرفتها.



القوانين الثلاثة للروبوتات
جاء بها كاتب الخيال العلمي إسحق اسيموف في قصته القصيرة "الهارب" عام 1942, وهي:

  • يجب على الروبوت أن لا يتسبب بجرح الإنسان, وأن لا يتسبب في إيذائه بعدم القيام بعمله.
  • يجب على الروبوت أن يطيع الأوامر التي يتلقاها من الإنسان, بإستثناء الأوامر التي تتعارض مع القانون الأول.
  • يجب على الروبوت أن يدافع عن نفسه مادام هذا لا يتعارض مع القانون الأول والثاني.


اختبار تورينغ للذكاء
هو اختبار صممه عالم الرياضيات الشهير آلان تورينغ في الخمسينات من القرن العشرين ليستخدم للحكم في ما إذا كان للآلة وعي وذكاء (قدرة على التفكير). والاختبار يتكون من ثلاث أطراف الأول هو الحكم والطرفين الأخرين هما رجل وحاسوب كل في غرفة منفصلة عن الآخر, ويتم تمرير الأسئلة بينهم بحيث يجب على الحكم ان يكتشف عن طريق الإجابات أيهما الرجل وأيهما الحاسوب, وإذا تعذر على الحكم التفريق بين أي الطرفين الإنسان وأيهما الآلة عندئذ تنجح الآلة في هذا الاختبار ويحكم بأنها ذكية لأننا لم نتمكن من التفريق بينها وبين الإنسان. الاختبار يتم كل سنة وحتى الان لم يتمكن أي حاسوب من النجاح في اختبار تورينغ.

هذه مقتطفات من محادثة مع أحد الروبوتات والتي بها شيء من الطرافة:

INTERROGATOR: Ok, but are you always right?
JABBER WACKY: Sometimes I am left.

INTERROGATOR: How small is small anyhow?
JABBER WACKY: Small.
INTERROGATOR: Yes but exactly how small?
JABBER WACKY: Very small.

INTERROGATOR: So why don't you take over the world?
JABBER WACKY: I wouldn't know what to do with it.… Anyway, I'm pretty busy.

هناك بعض المعترضين على أن اختبار تورينغ يمكن استخدامه كدليل على أن للآلة ذكاء, حتى لو نجحت في الاختبار, وأشهرهم جون سيرل صاحب فكرة "الغرفة الصينية" التي يريد أن يثبت بها بطلان اختبار تورينغ وأن الحاسوب الذي ينجح في الاختبار هو في الحقيقة قام بمعالجة للكلمات بلا أدنى فكرة عن ما تحويه من معاني فهذا لا يمكن الاستدلال به على أن له عقل أو قدرة على الفهم أو وعي.





والبعض يعترض على اختبار تورينغ باعتباره يصنف الآلة بأنها ذكية إذا نجحت في محاكاة ذكاء الإنسان, وهذه الطريقة قد تكون في المسار الخطا, مثلما كانت محاولات الإنسان للتحليق سابقا بتقليد ومحاكاة الطيور ولكنه فشل حتى بدأ في دراسة الديناميكية الهوائية فإستطاع أن يصنع الطائرات, بل تفوقت هذه الطائرات على الطيور, فلا يوجد طير يستطيع التحليق بسرعة الصوت بالرغم من أن الطائرات تفتقد إلى الأساليب الدقيقة للطيور كالوقوف على الأغصان أو اصطياد الاسماك ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن الطائرات تحلق!


الدماغ البيولوجية


من الأفكار الحديثة في الذكاء الإصطناعي إنشاء روبوت بدماغ بيولوجي عن طريق استنبات خلايا عصبية عضوية قادرة على النمو. عملية الاستنبات للخلايا تتم في بيئة مغلقة ولكن المسعى هو زراعتها في جسد روبوت بحيث ينمو الدماغ بهذا الجسد ويستطيع الإحساس بالبيئة المحيطة به والتحرك فيها من خلال الجسد.
ويتم استنبات الخلايا العصبية بأخذها من العقل البشري ووضعها في حاضنة  وتغذيتها تحت حرارة وظروف بيئية مناسبة. ولربطها بجسم الروبوت تصف على قاعدة من الأقطاب الكهربائية المسطحة بحيث توفر واجهة كهربائية للأعصاب المستنبتة. وبعد تغذية الخلايا تبدأ بالنمو بشكل تلقائي وتتصل كل خلية بالخلية المجاورة لها وتبدأ بالتواصل الكيميائي والكهربائي. وتقوم الخلايا بتشكيل طبقة فوق صف الأقطاب الكهربائية حيث ينمو عقل ثائي الأبعاد. وهذه الطريقة أثبتت بعض التجارب عملها بنجاح, بحيث أصبح من الممكن عمل تواصل من الجهتين (جسد الروبوت والخلايا العصبية) لـ100 ألف خلية عصبية متصلة مع بعضها, وهذا الرقم ضئيل جدا إذا ما قورن مع المخ البشري الذي يحتوي على 100 مليار خلية عصبية.




المنظق الضبابي
إذا كنت من محبي شرب القهوة ساخنة, هل تشربها مباشرة ام تتركها لتقل سخونتها وتستطيع شربها؟
بعد أن تتركها لتدفئ قليلا, هل تكون القهوة ساخنة أم باردة, ام ساخنة قليلا؟
الحاسوب لا يستطيع أن يفهم معنى ساخنة قليلا, أو لنقول 80% ساخنة و20% باردة, بل هو يصنف الأشياء بطريقة جامدة, وكل شيء ينتمي إلى مجموعة أو صفة معينة, فلا يمكن أن تجتمع صفتي السخونة والبرودة بنسب متفاوتة في نفس الوقت للقهوة, هذا في المنطق الكلاسيكي أو التقليدي, كما أن الرقم 3 ينتمي إلى مجموعة الأعداد الفردية ولا يمكن أن يكون فردي وزوجي بنفس الوقت! ولهذا نحتاج المنطق الضبابي الذي يستخدم في الأنظمة الخبيرة للتعامل مع المعلومات الغير دقيقة بوضع قواعد تسير عليها الأنظمة, على سبيل المثال: إذا انحرفت العربة "قليلا" إلى اليسار فقم بإرجاعها "قليلا" إلى اليمين. وله عدة استخدامات في مكيفات الهواء والغسالات والسيارات, والأجهزة التي تطبق المنطق الضبابي تستهلك الطاقة بفعالية أكبر.

في عشرينيات القرن الماضي وضع علماء المنطق الفكرة الأساسية للمنطق الضبابي باعتبارهم أن كل الأشياء تتكون من درجات. وناقش برتراند رسل تناقض منطقي قديم في المنطق الكلاسيكي, فلو أكد شخص اغريقي أن الاغريق كلهم يكذبون, فهل هو يكذب؟
إذا كان يكذب فهو قد أخبر بالحقيقة, ولم يعد كاذبا, وإذا كان صادقا فهذا يلزم أن يكون هو أيضا كاذب!! وفي الحالتين تعارض.
المنطق الضبابي يقول بأن الجواب نصفه حقيقة ونصفه كذب, فالرجل الأغريقي يكذب بنسبة 50% ويكون صادقا بنسبة 50% .
وبعد برتراند رسل قام مجموعة من العلماء بالمساهمة في المنطق الضبابي ولكن لم يأخذ مسماه إلى بعد أن نشر لطفي زاده الأستاذ كرسي في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة كاليفورنا ببيركلي الورقة العلمية "المجموعات الضبابية" ولم يستخدم المنطق الضبابي عمليا إلا في السبعينات عندما قام إبراهيم ممداني بتصميم متحكم ضبابي لمحرك بخاري.





النظم الخبيرة
ظهرت في الستينات من القرن العشرين وهي نظم تسمح بتخزين المعرفة في مجال محدد واسترجاعها بطريقة ذكية. تسمى أيضا نظم مبنية على المعرفة أو نظم مبنية على القواعد Knowledge-based Systems or Rule-based Systems وهي تحتوي على مجموعة من القواعد يصممها خبراء في مجال محدد (طب, اقتصاد) لحل المشاكل المتعلقة بهذا المجال, ونجاح النظم الخبيرة يعتمد بشكل كلي على هذه القواعد.
من النظم الخبيرة المشهورة نظام ميسين الذي طورته جامعة ستانفورد في السبعينات وهو متخصص في تشخيص أمراض الدم المعدية ويقوم بترشيح بعض المضادات الحيوية المناسبة ونسبة الجرعة الدوائية المناسبة للمرضى. واحتوى ميسين على مايقارب 500 قاعدة ووصلت نسبة نجاح التشخيص 65%, وهي نسبة جيدة وتفوق نتائج تشخيص الأطباء الغير متخصصين بالعدوى البكتيرية, أما المتخصصين بالعدوى البكتيرية فتصل نسبة نجاح تشخيصهم إلى 80%. ولم يستخدم هذا النظام في المستشفيات لأسباب قانونية وأخلاقية طبية.
وتتميز النظم الخبيرة بتركيزها على مجال ضيق جدا وهذا مما ساعد في نجاحها, ولكن أحيانا يصعب وضع قاعدة عامة لمشكلة معينة لأن كل متخصص قد يتعامل مع المشكلة بطريقة مختلفة.


الشبكات العصبية
هي شبكات تتكون من مجاميع من عناصر المعالجة تسمى عقد Nodes او أعصاب. والعقل البشري يتكون من شبكة عصبية بيولوجية تتكون من مليارات الخلايا العصبية Nuerons المتصلة مع بعضها وتعمل بطريقة متوازية Parallel وليست متتالية Series كالحاسوب.

فالشبكات العصبية الصناعية تحاول محاكاة طريقة عمل العقل البشري بعمل نموذج يحاكي طريقة عمل خلايا العقل يسمى Perceptrons. وبعضها له القدرة على التعلم والاستفادة من التجارب السابقة وتطوير نفسها بنفسها من خلال التجارب. وتستخدم هذه الشبكات في تحليل الصور والتعرف على الكلام.




والسرعة التي تنتقل بها  المعلومات في الحاسوب قريبة من سرعة الضوء (189 الف ميل بالثانية) أما الدماغ البشري فهي أبطئ بكثير (تقريبا 200 ميل بالساعة) ولكن العقل يتميز بأنه يعمل بالتوازي وليس بالتتابع كالحاسوب, فمليارات الأعصاب تعمل كلها معا بنفس الوقت. ولهذا السبب يصعب على الروبوت تمييز الأنماط المختلفة للأشياء Pattern Recognition, مع أن رؤيته أقوى من رؤية الإنسان لكنه لا يفهم ما يرى, فهو يحول كل الأشكال التي يراها إلى نقاط ثم إلى أشكال هندسية (خطوط,مربعات,دوائر) ويقارنها مع الأشكال المخزنة في ذاكرته (بعملية تأخذ الكثير من الحسابات) والتي قد تتطابق مع شكل كأس أو طاولة أو غيرها, مقارنة مع عقل الإنسان بحيث لو دخلنا لأي غرفة سنتمكن من معرفة الأشياء الموجودة وإدراكها بجزء من الثانية.
وأيضا يصعب على الحاسوب إدراك البدهيات Common Sense مثل هذه العبارات:

  • String can pull but not push
  • Spinning makes people feel dizzy
هذه العبارات البدهية تعلمناها من خلال التجربة وليس من الخلال المنطق أو لأنها مبرمجة في ذاكرتنا.
أحد العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي بجامعة كارنيجي ميلون يقول بأن بعض برامج الذكاء الاصطناعي تقترح استخدام مضاد حيوي عندما توصف  لها دراجة هوائية مكسورة!!


أشتية الذكاء الاصطناعي
The general purpose robot is a mirage. ~James Lighthill in 1973





بعض المنتقدين لأعمال الذكاء الاصطناعي يذكرون أنه في كل 30 عام تقريبا يبشر العاملون في مجال الذكاء الاصطناعي بقفزات كبيرة ستحدث في قدرة الآلات على التفكير والذكاء ولكن عندما يحين موعد توقعاتهم لا نجد شيئا فعليا. ففي الخمسينات من القرن الماضي ضخم العلماء الادوار التي من الممكن أن يقوم بها الحاسوب والمشاكل التي سيتمكن من حلها وأعطوه سمعة ومستقبلا براقا لعامة الناس وبأنه سيحل في كل منزل, سيطبخ وينظف ويفعل ويفعل, حتى أن أحد رواد الذكاء الاصطناعي أعلن في منتصف الستينات بأن الحاسوب سيتمكن, خلال 20 سنة, من القيام بكل الأعمال التي يفعلها الإنسان. ومرت السنين ولم تحدث القفزات التي وعد بها العلماء فازدادت الانتقادات بشكل كبير حتى قامت كل من حكومة الولايات المتحدة والحكومة البريطانية بإيقاف تمويل المشاريع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في عام 1974.

وخلال تلك السنوات (الحرب الباردة) كانت الحكومة الأمريكية مهتمة في مجال الترجمة الفورية للوثائق الروسية والتقارير العلمية, فبدأت بمشروعها منذ عام 1954 بتفاؤل كبير ولكن تبين عمليا أنه أصعب مما كان متوقع, فعند الترجمة إذا لم يعرف الحاسوب سياق الجملة يقوم بأخطاء مضحكة, على سبيل المثال, قام بترجمة

  • "الروح نشيطة أما الجسد فضعيف" إلى "الفودكا جيدة أما اللحم فاسد"!!
  • "the spirit is willing but the flesh is weak." to "the vodka is good but the meat is rotten"
  • "بعيد عن العين بعيد عن العقل" إلى "الأعمى الغبي"!!
  • "out of sight, out of mind" to "blind idiot"
وعلل العلماء هذه الأخطاء لعجز الحاسوب عن إدراك البديهيات.

وفي الثمانينات عاد الحماس للذكاء الاصطناعي وضخ البنتاغون الملايين لمشاريع عسكرية, وكذلك فعلت الحكومة اليابانية التي كان لها طموح كبير في ما يعرف بمشروع الجيل الخامس من الحواسيب, وخصصت له 850 مليون دولار, والذي يهدف لتطوير حاسوب قادر على إجراء محادثات كالبشر والترجمة وفهم معاني الصور التي يراها.
ولكن في التسعينات لم يحدث المراد للبنتاغون في مشاريعها او لليابان, فأوقفت اليابان المشروع وقل الانفاق على مشاريع الذكاء الصطناعي بنسبة كبيرة مرة أخرى.

وفي السنوات الأخيرة عاد الحماس والتفائل لمستقبل الذكاء الاصطناعي مرة أخرى, والبعض يعتقد بأن ربيع الذكاء الاصطناعي قريب وبعض الورود بدأت بالتفتح.


التفرد التقني
In contrast with our intellect, computers double their performance every 18 months. So the danger is real that they could develop intelligence and take over the world. ~Stephen Hawking

ماذا سيحدث لو استيقظنا يوما ما ووجدنا أن الروبوتات أصبحت كالبشر ذكية وواعية؟

في محادثة بين عالمي الرياضيات ستانيسلو يولام وجون فون نيومان عام 1958 تم مناقشة التفرد التقني لأول مرة, وتنقلت هذه الفكرة بين عقول العلماء لسنوات والذي زاد من شهرتها روايات كاتب الخيال العلمي وعالم الرياضيات فيرنر فينج.
ويحصل التفرد التقني عندما يتفوق ذكاء الآلة على الذكاء البشري, وقتها سيستمر تقدمها بطريقة سريعة جدا لن يستطيع الإنسان اللحاق بها ويصعب علينا في الوقت الحالي توقع ما الذي ستقوم به و أو ماذا سيحدث.

السؤال الذي يطرحه العلماء الان, متى ستصبح ذكية؟
توقعات العلماء متفاوتة بشكل كبير, فأقرب التوقعات بعد 20 سنة وأبعدها 1000 سنة, ولكن كثير من التوقعات تشير إلى أنه سيحدث خلال القرن الحالي.
يتوقع راي كيرزويل بأنه في العام 2019 سنتمكن من الحصول حاسوب شخصي بسعر 1000 دولار له قدرة حسابية تساوي قدرة العقل البشري, وفي 2029 سنتمكن من الحصول على حاسوب له قدرة حسابية أكبر بـ1000 مرة من قدرة العقل البشري بنفس التكلفة. أما في عام 2045 فسيكون الحاسوب الذي يكلف 1000 دولار له قدرة حسابية مليار مرة أكثر من جميع العقول البشرية مجتمعة!!




من الامور الاحترازية التي يفكر فيها العلماء وضع شريحة في عقل الروبوت بحيث تقوم بتوقيفه عن العمل مباشرة عندما تكتشف وجود أفكار قتالية. أو عمل روبوتات لها سرعة وقوة أعلى من بقية الروبوتات بحيث تقوم بالامساك بالروبوتات التي تصدر منها تصرفات خاطئة. ومن الأفكار الأخرى إنشاء الروبوت وبرمجته بالقيام بالاعمال المفيدة للإنسان وليس لعمليات التخريب أو ما يعرف بـ Friendly AI. ويمكن أيضا وضع شريحة في عقل الإنسان بحيث يتطور الانسان بالتوازي مع التطور الذي يحدث للروبوتات ليصبح فيما بعد "إنسان فائق" Super Human.


The key issue as to whether or not a non-biological entity deserves rights really comes down to whether or not it's conscious.... Does it have feelings? ~Ray Kurzweil






روابط


مراجع
Physics of the Future by Michio Kaku
A Brief History of Computing by Gerard O'Regan
Understanding Artificial Intelligence by Scientific American
Artificial Intelligence: The Basics by Kevin Warwick
Wikipedia

Physics of the Future








اسم الكتاب: Physics of the Future
المؤلف: Michio Kaku
عدد الصفحات: 416
سنة النشر: الطبعة الأولى 2011


في زمن التطور التقني الكبير الذي نعيشه, وتغير الحياة من حولنا بشكل ملحوظ عن الأجيال السابقة, يهتم العديد من الناس بتقنيات المستقبل والتنبؤ بالكيفية التي سيحيا بها الإنسان على الأرض, وقد كتب حول هذا الموضوع من قبل الكثير من الصحفيين والمهتمين بتطور التقنيات لكنهم ليسوا من العلماء, وذلك لإنشغال العلماء في محاولة إجراء الأبحاث وإثبات نظرياتهم مما لا يتيح لهم الوقت للكتابة في هذا الموضوع, أما هذا الكتاب فكتبه عالم فيزياء نظرية يعرف ما يدور في عقول العلماء ومطلع على أحدث أبحاثهم, وقد قام بمقابلة أكثر من 300 عالم ومفكر في مختلف المجالات ليشاهد أحدث ما توصلوا إليه وما يتنبؤون به في المستقبل, كل في مجال تخصصه, وكل التقنيات الحديثة التي سيتحدث عنها يوجد لها نموذج أولي prototype لتجربته.


تطور الحواسيب
عند الحديث عن مستقبل الحواسيب يجب أن لا نغفل الدور الكبير لقانون مور في تطور الحواسيب لعدة عقود, والذي صاغه مؤسس شركة إنتل غوردن مور أثناء ملاحظته لصناعة المعالجات خلال الفترة من 1958 و1965, وينص على أن عدد الترانزستور في المعالج يتضاعف كل 18 شهرا تقريبا, ويمكننا ملاحظة هذا التطور في الحواسيب التي نستخدمها اليوم مقارنة مع الحواسيب القديمة مثلا الهواتف الذكية اليوم تمتلك قوة حسابية أكثر من حواسيب ناسا في عام 1969 عندما أطلقت رائدي فضاء إلى القمر, ولعبة البلاي ستيشن التي تكلف 300 دولار تقريبا لها قدرة حسابية أعلى من سوبر كمبيوتر عسكري صنع في 1997 وكلف ملايين الدولارات. وعن طريق قانون مور يمكننا أن نتنبأ بالتطور الذي ستكون عليه حواسيب المستقبل ومعرفة إمكانياتها.


المستقبل القريب حتى عام 2030
عدسات الانترنت: وهي التي ستحل محل الهواتف الذكية اليوم ومشغل الموسيقى وستكون وسيلتنا للدخول على الانترنت والحصول على المعلومات برمشة عين, وستعطينا معلومات عن كل ما تقع عليه أعيننا وستتعرف على الاشخاص الذين نراهم خلال تزويدنا بأسمائهم وسيرتهم الذاتية, فلن ننسى في المستقبل أسماء الاشخاص الذين نقابلهم.

سيارات بلا قائد: من الكلمات التي يتوقع أن تندثر في المستقبل هي الحوادث المرورية وذلك بسبب استخدام السيارات الاوتوماتيكية بلا قائد بحيث تستطيع اتخاذ إجراءات الحماية فور شعورها بإمكانية حدوث تصادم, وسيتمكن حاسوب مركزي من تحليل بيانات السيارات على الطريق ومعرفة ما اذا كان سيحدث ازدحام مروري وكيفية تفاديه بتغيير مسار السيارات, وستسمح السيارات التي بلا قائد بالاسترخاء خلال الطريق او مشاهدة فيلم او انجاز عمل حتى يصل إلى المكان المتوجه إليه.

عوالم افتراضية: عندما يتمدد استخدام الحاسوب إلى عدسات العين, سيمكننا أن نستخدمها للدخول في عوالم افتراضية, عوالم نريد الذهاب لها فنزورها افتراضيا قبل الزيارة الحقيقية, وكذلك الذهاب لأماكن لا نستطيع الوصول لها مثل التسوق في مكان بعيد وزيارة متحف في دولة أخرى, ومن العوالم الافتراضية الاخرى كوكب نريد تجربة الحياة عليه.
هذه الزيارات لن تكون فقط بصرية فبإستخدام تقنية Haptic ستسطيع الشعور ولمس الاشياء والكائنات التي يولدها الحاسوب في العالم الافتراضي. ويمكن أيضا الاستفادة من العوالم الافتراضية في الطب, بحيث يتدرب الاطباء على إجراء عمليات جراحية ويكون المريض عبارة عن صورة هولوغرافية ثلاثية الأبعاد.

العناية الطبية في الستقبل القريب: طبيب المستقبل الذي سنقوم بزيارته سيكون عبارة عن برنامج حاسوبي لإنسان آلي نخاطبه عبر شاشة حائطية وسيمتلك سجلنا الجيني الكامل وبمقدوره تشخيص 95% من الأمراض وترشيح العلاج المناسب. وباستخدام شريحة دي ان اي DNA في الملابس وعلى المرحاض والمرآة ستراقب حالتك الصحية بشكل صامت وستكتشف اي علامات لظهور الخلايا السرطانية قبل ان يزيد عددها عن عدة مئات مما يعني أن كلمة ورم سرطاني سينتهي استخدامها تتدريجيا.


منتصف القرن من 2030 إلى 2070
نهاية قانون مور: لعلها من الأمور الحتمية هي نهاية قانون مور بحيث سيتم تصغير حجم الترانزستور إلى أن يصل لمرحلة لا يمكن بعدها تصغيره أكثر وحينها ستكون نهاية عصر السيليكون وسنحتاج أن نطور بدائل أخرى له وقد تكون مدة تطورها أبطأ من السيليكون.

مترجم عالمي: سيتمكن السائح من قراءة ترجمة فورية في اسفل عدسة الاتصال التي يرتديها عند تحدثه مع شخص أجنبي كما يقرأ الترجمة في الأفلام.

إنسان آلي للعمليات الجراحية: الدقة العالية والمهارة الفائقة مهم جدا توفرها في يد الجراح أثناء إجراء العمليات وهي أمور يتميز بها الإنسان الآلي مقارنة بالإنسان الذي قد يصيبه التعب أو عدم التركيز مما قد يتسبب ببعض الأخطاء الطبية, ولهذا سيكون استخدام الإنسان الآلي في العمليات الجراحية حلا للكثير من الأخطاء الطبية التي تقع أثناء العمليات.


المستقبل البعيد من 2070 إلى 2100
التحكم بالحاسوب باستخدام العقل: سيستطيع الحاسوب من استقبال إشارات من عقل الانسان ليفسرها وينفذها كما يتلقاها اليوم من الفأرة أو لوحة المفاتيح, وتم إجراء بعض هذه التجارب مع أحد المصابين بالشلل بحيث تمكن عن طريق المحاولة والخطأ من تحريك مؤشر الفأرة على الشاشة باستخدام عقله عن طريق توصيل قطب كهربائي صغير جدا (إلكترود) في عقله, ومع بعض التدريب تمكن من قراءة وكتابة البريد ولعب العاب الفيديو. ويمكن استخدام هذه التقنية للمصابين بالشلل بحيث تمكنهم من التحرك والتحكم ذهنيا بالكرسي المتنقل.


قراءة الأفكار: باستخدام تقنية EEG حيث توضع بعض الاقطاب الكهربائية في العقل لتحليل الإشارات التي تلتقطها يمكن معرفة التغييرات التي تحدث في الدماغ وفهم الكثير الانماط المختلفة للأفكار من خلالها وحتى عرض نتيجة تحليل الإشارات على الشاشة. وحاليا استخدمها أحد الباحثين لتدريب المصابين بشلل جزئي بكتابة جمل بسيطة بهذه الطريقة. لكن بسبب عجز هذه التقنية عن تحديد مكان الفكرة في الدماغ تم استخدام تقنية أخرى وهي التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI لتقوم كل واحدة بمسح العقل بطريقة مختلفة, والتقنية الثانية لا تعطينا فقط مكان الفكرة في الدماغ بل أيضا تمكننا من معرفة حركتها وتنقلها داخل الدماغ, بحيث تعطينا صورة ثلاثية الأبعاد لتدفق الطاقة داخل العقل المفكر.
وباستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تمكن أحد الباحثين من عرض عدة صور لحيوانات وأطعمة وغيرها وتسجيل ردة فعل العقل لكل صورة تعرض عليه, ثم قام بربطها ببرنامج حاسوبي يحتوي على أنماط عدة لهذه الصور ليتمكن فيما بعد من مسح العقل ومقارنة نتيجة المسح مع هذه الأنماط ومعرفة بماذا كان يفكر.


تحريك الأشياء بالتفكير: تقنية Telekinesis ستمكننا من تحريك الأشياء ونقلها من مكانها وترتيب الغرفة وتغيير مكان الأثاث بمجرد التفكير بها. وهذه التقنية ستغير طبيعة تعاملنا مع كثير من الاشياء كقيادة السيارة او لعب كرة القدم التي سنمارسها بمجرد التفكير فيها. وهذه التقنية ستصبح ممكنة بفضل استخدام الموصلات الفائقة superconductors, بحيث ستتوفر موصلات فائقة تعمل على درجة حرارة الغرفة حيث يولد حقل مغناطيسي هائل بطاقة قليلة وبإضافة شريحة مغناطيس فائق صغيرة جدا في كل قطعة سنتمكن من أن نتحكم بها ذهنيا.
وأكثر من سيستفيد من هذه التقنية هم العاملون في مجالات تتطلب استخدام اكثر من يدين كمطفئ الحرائق ورواد الفضاء والعسكريون.



كتاب فيزياء المستقبل مهم جدا للمهتمين بمستقبل التقنيات وتطورها خلال هذا القرن, فهو يناقش التقنيات المستقبلية بعمق شارحا كيفية عملها ومستشهدا ببعض التجارب الأولية الحالية وكذلك بعض الأحداث الهامة التي سيكون لها أثر كبير خلال العقود القادمة مثل نهاية عصري النفط والسيليكون وأنواع البدائل المتاحة لهما والسفر للفضاء ودور التقنية في علاج الكثير من الأمراض المعاصرة.


---------

نشرت هذه المقالة في العدد  17 من مجلة عرب هاردوير