أسلوب روبرت گرين في الكتابة


Source: https://thoughtcatalog.files.wordpress.com




أسلوب روبرت گرين في الكتابة
بقلم: پاولو ريبيرو
ترجمة: علي الصباح


يدعونا أحد الأقوال المأثورة إلى إنجاز ثلاثة أشياء قبل وفاتنا: أن نؤلّف كتابًا, نربي طفلًا, نزرع شجرةً. على الرغم من أنّ الحياة ليست عبارةً عن قائمة من المهام التي نمرّ عليها لننهيَها, لكنّ هذا القول يعكس مدى الأهمية التي نوليها فعلَ تأليف الكتب، نجعله جنبًا إلى جنبٍ مع تربية الأطفال.
مع ذلك, نلاحظ أنّ عدد الأطفال الذين يولدون في كلّ عامٍ يفوق عدد الكتب التي تُؤلَّف. يلفت ذلك انتباهنا إلى مدى صعوبة كلا النشاطين. الكتابة عملٌ بالغ الصعوبة وينطوي على تعقيدٍ لاخطّي، تعقيدها يتفاقم أسرع من حجم المشروع. بعبارةٍ أخرى: كتابة قطعةٍ أطول مرتين ليس أصعب بمرتين, بل بثلاث أو أربع مرات.

أن تكونَ قادرًا على كتابة مشاركاتٍ في الفيسبوك يختلف جدًا عن كتابة مقالةٍ مدرسيةٍ، والتي ليست مماثلةً لإنشاء تدوينةٍ. دعنا لا نقارن تلك الكتابات بتأليف كتاب؛ لأن متطلباته أصعب بكثير.
للمساعدة على الإبحار في هذه المياه المترامية, يمكننا الاستعانة بتجربةٍ ذات نتائجَ مؤكدةٍ وقابلةٍ للتكرار: مَن أفضل من روبرت گرين, مؤلف خمس كتب من أكثر الكتب مبيعًا، ويمكن القول أنّه أفضل استراتيجيّ معاصرٍ؟ هذا الرجل وحش الكتابة الواقعية Non-fiction, ألّف "القوانين الـ٤٨ للسلطة", ٣٣" استراتيجيةٍ للحرب", "فن الإغواء", "القانون الـ٥٠", و"الإتقان". تعبت من مجرّد تسطيرها. لا شك أنّ روبرت هو الشخص الّذي أريده في صفّي حين يتعلق الأمر بالكتابة الواقعية، ونحن قد عرفنا تلميذه الذي شرع في كتابة مؤلفاتٍ غدت فيما بعد من أكثر الكتب مبيعًا.
بالرغم من أنّ روبرت لم يكتب عن طريقته علانيةً - بشكلٍ عام, هو يفضل الكتب على التدوينات - استطعت أن ألتقط جوهر أسلوبه الإبداعي في البحث عبر عدّة مقابلاتٍ معه. ركّبت اللغز قطعةً قطعةً. وما سيأتي  هو طريقته في الكتابة:

1. حافظ على عقل المبتدئ:

روبرت ليس مجرد مؤلف لكتبٍ حققت أكبر نسبة مبيعاتٍ في عالم الكتب. كما قلت:  هو أحد أكثر العقول المعاصرة براعةً؛ ولهذا السبب يستطيع أن ينتبه إلى مصائد النجاح. كثيرًا ما يشدّد على أنّه مع كلّ كتابٍ جديدٍ يعود إلى المربّع الأول. كما قال في كتاب" 48 قانون للسلطة":"لا شيء أكثر سُميّة من الانتصار, ولا شيء أخطر".
سيكون من اليسير عليه, باستغلال شهرته وسمعته العالمية, أن يستندَ إلى نجاحاته السابقة ليكتب كتبًا مماثلةً تجذب كلّ الاهتمام، وتجلب أموالًا رخيصةً. كما فعل روبرت كيوزاكي مع كتبه الـ 942357 عن "الأب الغني". لكن لا, في كلّ عملية تأليف كتابٍ جديدٍ, يرجع كشخصٍ مبتدئ ويتوسّع في بحثه:

".. لا يمكنك تكرار ما أنجزت في السابق فقط. الأمر لا يتعلّق بالانتباه الّذي جنيته, إنّه يتعلق بالعمل نفسه والذي يجب أن يكون هو دافعك؛ لذلك كلّ كتابٍ أؤلفه, والذي يعادل المشاريع التي يبتدئها مبادر أعمال, هو تحدٍ جديد. لن أكرر ما فعلته في الماضي, لن أعيد استخدام نفس المعادلات".

إذا أردت أن تبدع أيّ شيءٍ ذا قيمةٍ, ويُحدث فارقًا, ويكون منفتحًا, وبلا تحيزاتٍ مسبّقةٍ, ومهيأ لأن يتشكل من خلال المعرفة, فسيحتاج لأن يُحرَث. بهذه الطريقة لن تكون أقلّ عرضة لتبني آراء منحازةٍ فحسب (بأن تبتعد عن الحقيقة), لكنّ إبداعك لن يتقيدَ بالأفكار المسبّقة. يقول شونريو سوزوكي المتخصص في مدرسة زن: "في عقل المبتدئ احتمالاتٌ كثيرةٌ, لكن هناك القليل منها في عقل الخبير".


2. كلّ شيءٍ يبدأ ببحثٍ جيدٍ:

قال شوبنهاور مرةّ أنّ هناك نوعين من الكتّاب: "أولئك الذين يكتبون لأن لديهم شيءٌ يجب عليهم قوله، وأولئك الذين يكتبون لأجل الكتابة. باستثناء لو أنّك عشتَ حياةً مذهلةً بحق, فما ستكتب عنه سيكون معرفةً ثانويةً. تتوقع ما هي أفضل طريقة للتمكّن من هذه المعرفة؟ نعم, القراءة, والقراءة النهمة".
خلال مناقشته إصدار كتابه القادم (اسمه المؤقت "قوانين الطبيعة الإنسانية"), والذي يحتاج ١٢-٢٤ شهر, يخبر روبرت قرّاءهُ بأنّه يقرأ من ٣٠٠ إلى ٤٠٠ كتابٍ كاملٍ لإجراء البحث لكلّ كتاب. هذا يفوق عدد الكتب التي اعتاد الكثير من الناس قراءتها في (عدّة) حيواتٍ.
-كيف يتعامل مع هذا الكمّ الهائل من المعلومات خلال فترة البحث؟
بات من الضروري إنشاءُ منهجيةٍ لاستخلاص أكثر ما يمكن استخلاصه من كلّ كتاب. روبرت يعتمد على نظامٍ مبنيّ على مجموعةٍ من البطاقات التي يُجمّع فيها أهم الأفكار التي يعثر عليها في كلّ كتاب: "أقرأ الكتاب باهتمامٍ شديدٍ وأدوّن كلّ ما يخطر لي من أفكارٍ على الهوامش. أرجع إليه بعد أسابيعَ قليلةٍ لأنقل خربشاتي إلى البطاقات, حيث أضمّن كلّ بطاقةٍ أحد المواضيع المهمة في الكتاب".

باختصار, المبدأ الأساس للاحتفاظ بالمعارف بشكلٍ أفضل يكمن في التفاعل البنّاء مع الكتاب, عبر الممارسة الغابرة المعروفة باسم التهميش marginalia: تدوين ملاحظات, تظليل, تعليق وانتقاد العمل خلال قراءته. إنّه التطبيق العملي لمفهوم يستخدم الآن في المدارس ويعرف باسم الشرح الموسّع elaborative interrogation.
بعدما تأكدت فعاليته, يتضمن الشرح الموسّع بأن يُسأل الطلبة:  لماذا هذه الأفكار تبدو معقولةً أو لماذا هي غير متوقعة؟ هذا يحفز تكوّن شبكاتٍ أكثر تفصيلاً حول المعرفة, ويربط بين المواد الجديدة بما كان يعرفه الطالب من قبل, مما يجعلها تثبت لفترةٍ أطول. بطريقةٍ ما, هذا بالضبط ما تفعله حين تتفاعل بنشاطٍ أكثر مع ما تقرأه.

نقطةٌ أخرى مهمة: عليك أن تستخدم هذه الملاحظات, والتي يحوّلها روبرت گرين إلى كنّاشة (ريان هوليداي, تلميذ روبرت السابق, كتب عنها هنا). وهي أيضًا ممارسةٌ غابرةٌ - كان ماركوس أوريليوس, وپِترارك, ومونتين, ورونالد ريگان وغيرهم الكثير من الرموز التاريخية يحتفظون بواحدٍة - وهي تتضمن أفضل الاقتباسات, المقتطفات, الأقوال المأثورة التي يمكن استخلاصها من الكتب التي يقرؤها.
التكنولوجيا هي ما يفتقد إليه نظامه (روبرت يستخدم الورقة والقلم), تعادلها بالفائدة, وتتيح له تكويم كثبان من الحقائق والأفكار المهمّة فقط خلال قراءتِه بنهمٍ.


٣. إعادة ترتيب وربط الأفكار:

ثلث المجهود يُنجز حين تكوّن معرفةً حقيقيةً عن الموضوع الذي تريد الكتابة عنه. ثلثٌ آخر من الطاقة تُستثمر في إعادة ترتيب وربط الأفكار بطريقةٍ تبدو منطقيةً، تسير بالقارئ إلى الفهم الذي تريده أن يستنتجه.
على سبيل المثال, إذا أردت أن تؤلّف كتابًا عمليًا لجمهورٍ عريضٍ, سيكون من الضروري أن تقدّم الجوانب الفنية باقتضابٍ (والتي يمكن الحصول عليها من كتابين) وبلغةٍ ميّسرةٍ مغلفةٍ بالكثير من الأمثلة العملية المستوحاة من الحياة اليوميّة (والتي يمكن الحصول عليها من عشرات الكتب). إذا كنت تستخلص العبر من التاريخ, مثل كتابي 33" استراتيجيةٍ للحرب"، و "48 قانونٍ للسلطة", فمن الضروري إغناءُ العمل بالعديد من المختارات التاريخية والحكايات لتدلّل على وجهة نظرك.
هناك أكثر من طريقة لتُنشيء وتحتفظ بكناشة, وطريقة روبرت نافعةٌ حين يأتي وقت إعادة ترتيب وربط الأفكار. لكن، إذا لم يعجبك أسلوب روبرت فهنالك خياراتٌ أخرى بديلةٌ. يمكنك أن تنشئها بشكل خطيّ كأنك تقرأ دفتر يوميات. يمكنك أن تنشئها بالاعتماد الكامل على التكنولوجيا، واستخدام برامج تدوين الملاحظات مثل: Evernote و OneNote لتحفظَ فيها سجلّاتك, ممّا يتيح لك التعامل معها بسرعةٍ أكبر وإمكانية للبحث.

في حالة روبرت, هو يدوّن كلّ فكرةٍ\فقرةٍ\قولٍ مأثورٍ مهمٍ على بطاقة, مصنفةٍ حسب الموضوع. يمكن أن يوّلد الكتاب ما بين 20 إلى 30 بطاقةً حين يكون جيدًا. عندما ينتهي من فترة البحث (بعد 300 إلى 400 كتاب), يكون قد راكم من 3000 إلى 4000 بطاقةٍ في المتوسط:

"يمكنني تقسيم كتابٍ يبدو فوضويًا. فعلى سبيل المثال, من أجل الكتاب الجديد, أنا أحب نيتشه كثيرا (كتابي القادم عن السوبرمان Ubermensch) وهناك كتابٌ قرأته له, بعنوان "إنسانٌ مفرط في إنسانيته", إنه بالفعل أكثر كتابٍ روعةً, الأفكار فيه مبعثرة. يحتوي على كلّ تلك الأقوال المأثورة والخواطر, إنّه أشبه بالدخول إلى متاهة فئران. استطعت, عبر بطاقاتي, أن أنظّم كلّ افكاره وكلّ خواطره, وأضفيت عليها شيئا من الترتيب وأظهرت الفوائد البديعة للحكمة التي استقاها هذا الرجل من عقله المجنون".

بعد أن يحدد مواضيع الفصول, يجمع البطاقات المتعلّقة بهذه المواضيع. ثم يجمع البطاقات داخل أبواب كلّ فصلٍ مرةً أخرى. ومن هنا تغدو المسألة مجرد كتابة. بطريقةٍ ما, يمكننا أن ننظرَ إليه على أنّه وسيلةٌ بديلةٌ لفكرة راي برادلي حول إعداد الكلمات\الأفكار أولًا والشروع بكتابة النص فيما بعد.


4. الكتابة بشكلٍ مكثفٍ:

مع وجود ملخّصٍ وأفكارٍ منظمةٍ يذهب الثلث الأخير من الجهد في عملية الكتابة (والتي تكون بالتشارك بين الكاتب والمحرّر, ربما بنسبة 9:1). عدة عوامل تؤخذ في الحسبان, مثل الانضباط, الروتين, وحتّى الأسلوب. تقريبًا كل كاتبٍ مهمٍ في التاريخ كتب عن الكتابة.
على سبيل المثال, بالنسبة إلى روبرت- كما يمكننا أن نستنتجَ بوضوحٍ من أعماله- تبدو مبادئ كيرت ڤونيگوت جذابةً: اكتب عمّا يهمك, لا تتنقل دون هدف, حافظ على البساطة ولتملك الشجاعة على الحذف. مثلما كتب ستيفن كينگ عن البساطة وعن تجنّب المفعول فيه adverbs.
في هذه الرحلة, هناك من يشجعون التخطيط للكتابة مع أوقاتٍ مجدوّلةٍ مسبّقًا. وآخرون يكترثون أكثر إلى التدفق, يدعون إلى "كتابةٍ بلا توقف" ما أمكن. حتى إنّه أصبح جدلًا معاصرًا فيما إذا كانت هذه العملية ممتعة; أسماء بارزة اعتادت على مناقشة ما إذا كانت الكتابة تعذيبًا للفنان أو لا.
بالنسبة إلى روبرت, عندما يحين وقت تلطيخ يديه، يعمل لفتراتٍ طويلةٍ ويمكنني أن أستنتجَ من تعليقاتهِ أنّها عمليةٌ شاقةٌ, طالما أنه يقول بأنّه ليس شخصًا رائعًا لتكون بقربه في تلك اللحظات:

"لا أكتب على الدوام؛ لأنّ كتبي تتطلب كميةً كبيرةً من البحث. لذلك أنا الآن في مرحلة البحث, حيث أقرأ بنهمٍ كتبًا عن الطبيعة الإنسانية, علم النفس, إلخ. ثم بعد سنةٍ تقريبًا سأبدأ بالكتابة، وحينها أدخل في روتين مختلفٍ تمامًا, حينها أكون أكثر جزعًا وصَعْبا لمن هم حولي".

-هل يبدو الأمر شديد الصعوبة عليك؟

من خلال قراءة كهذه, تغدو الكتابة أشبه بعمليةٍ سحريةٍ تربطنا بطريقةٍ ما بطبيعتنا الإنسانية. هناك شيءٌ كامنٌ في الجوهر الإنساني يتعلّق بالرغبة في حكاية التاريخ, بمشاركة القليل من معارفنا, أو من حياتنا مع الآخرين. قد تكون العملية شديدةٌ, لكنّ ذلك لا يعني بأنّها ليست في متناولك. مقولة "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة" هي تعبيرٌ مستهلكٌ, لكنّه صحيحٌ. حتى الجهابذة, بما لديهم من سمعةٍ عالميةٍ وكتبٍ خالدةٍ ابتدؤوا بخطواتٍ صغيرةٍ في الاتجاه الصحيح. لا شيء أكثر ملاءمةً من هذا الاقتباس الملهم من نيتشه, المنقول من آخر صفحةٍ في كتاب الإتقان لروبرت:

"مع أننا نحسن الظن بأنفسنا, لكن مع ذلك لا نعتقد أننا قادرون على إنتاج لوحةٍ مثل إحدى لوحات رفائيل أو مشهدٍ دراميّ مثل أحد مشاهد شكسبير, نقنع أنفسنا أنّ القدرة على إنجاز ذلك إعجازية بشكلٍ استثنائيّ, صدفةٌ نادرةٌ تمامًا, أو إذا كانت لا تزال لدينا ميولٌ دينيةٌ, بركةٌ من السماء.
وهكذا غرورنا, حبنا لذاتنا, يدفعنا إلى تقديس العباقرة: فقط لأننا نراهم بعيدين جدًا عنا, كمعجزةٍ, لا يزعجوننا…  لكن, بالإضافة إلى هذه الاقتراحات من غرورنا, نشاط الشخص العبقري لا يبدو بأيّ شكل مختلف عن نشاط مخترع الآلات, عالم الفلك أو التاريخ, المتقن للتكتيكات.
كلّ هذه الأنشطة قابلةٌ للتفسير إذا صوّر شخصٌ لنفسه الأشخاصَ الذين ينشط تفكيرهم في اتجاهٍ واحدٍ, الذين يوظّفون كلّ شيءٍ بوصفه أداةً, الذين يرقبون بحماسةٍ حياتهم الداخلية على الدوام وحياة الآخرين, الذين يلاحظون النماذج والدوافع في كلّ مكان, والذين لا يسأمون من مزج الوسائل التي بين أيديهم بعضها ببعض. العبقري كذلك لا يفعل شيئا سوى أنّه يتعلم في البداية كيف يجمع الطوب، ثم كيف يبني, وباستمرار يبحث عن موادٍ وباستمرار يشكلها. كلّ أنشطة الإنسان معقدةٌ بشكلٍ مذهلٍ, ليست فقط أنشطة العبقري: لكن ليس ثمة 'معجزة'".
  • فريدريك نيتشه

تاريخ الكلمات - الجزء الثالث

يمكنك قراءة الجزء الأول من هنا.
يمكنك قراءة الجزء الثاني من هنا.


كل كلمة تحمل مفاجآتها وتعرض مكافآتها على العقل المتأمل. تنوعهم المدهش يثير متعة مستمرة. لا أصدق أنني وحيد في هذا الشغف - الافتتان بالكلمات أمر يشترك فيه الناس من كل البلدان ومن كل الفئات.
جورج ميلر





تاريخ كلمة عرب من كتاب المسيحية العربية وتطورها لسلوى بالحاج صالح:


لقد أكدّت الأبحاث الحديثة أن العرب هم أصيلو بلاد Aribi فيما بين الشام وبلاد الرافدين. وقالت بوجود هجرة من الخارج أيّ من الشمال إلى داخل الجزيرة العربية قبل الميلاد ببضعة قرون. وهؤلاء المهاجرون أو ما سماهم هشام جعيّط بالعرب الأوائل Proto-Arabes هم الذين كانوا يتحكمون فعلا في العناصر الثلاثة التي حدّدت العروبة على الدوام, ألا وهي العرق واللغة وحياة الترحال.
ويتبيّن من خلال تتبع تاريخ لفظة "عرب" وتتبع معناها في اللغات السامية وفي الكتابات الآشورية والبابلية واليونانية والرومانية والعبرية أن أقدم نص وردت فيه لفظة عرب هو نص آشوري من أيام الملك شلمنصر الثالث ملك آشور في القرن التاسع عشر قبل الميلاد. ويبدو أن الآشوريين كانوا يقصدون بكلمة عرب "بداوة" وببلاد العرب "البادية" التي في غرب نهر الفرات الممتدة إلى تخوم بلاد الشام. وبمعنى البداوة وردت لفظة "عرب" في العبرانية وفي لغات سامية أخرى, وشملت لفظة "عرب" القبائل التي كانت تسكن المناطق الجافة والقفراء.
وأطلق المؤروخون اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد لفظة Arabae على بلاد العرب, البادية, وجزيرة العرب. فلفظة "العربيّة" Arabae عند اليونان وعند الرومان هي في معنى "بلاد العرب" وقد شملت جزيرة العرب وباديّة الشام. وصارت لفظة Arabae عند اليونان وعند الرومان بعد القرن الخامس قبل الميلاد عَلَمًا على الأرض المأهولة بالعرب والتي تتغلّب عليها الطبيعة الصحراوية, وصارت كلمة "عربي" عندهم عَلَمًا للشخص المقيم في تلك الأرض من بدو وحضر.
فخلاصة ما تقدّم أن لفظة "عرب" هي بمعنى التبدي في كل اللغات السامية ولم تكن تُفهم إلا بهذا المعنى في أقدم النصوص التاريخية وهي النصوص الآشورية, وقد عنت بها البدو عامة. وبهذا المعنى استعملت عن غيرهم (البابليون والفرس والعبريون…). ثم وقع توسع في استعمال اللفظة حتى صارت تشمل أكثر العرب على اعتبار أنهم أهل بادية. ومن هنا غلبت عليهم وعلى بلادهم. فصارت عَلَميّة على بلاد العرب وعلى سكانها, وأطلق لذلك المؤرخون اليونان واللاتين على بلاد العرب لفظة Arabae أي "العربيّة" بمعنى بلاد العرب.
والجدير بالملاحظة أن المؤرخين اللاتين واليونان والسريان استعملوا ألفاظًا أخرى للإدلال على "عرب". فقد استعمل اليونان كلمة Saracenes واستعملها اللاتين Saracenus وأطلقوها على قبائل عربية كانت تقيم في بادية الشام, وقد توسع مدلولها بعد الميلاد ولا سيما في القرون الرابع والخامس والسادس فأطلقت على العرب عامة. وعند أغلب الباحثين المستشرقين فإن لفظة "سرسين" هي تصحيف لـ "شرقيين" أي أبناء الشرق.
وعرف العرب عند الفرس بتسمية أخرى هي Tayayo (طيايا), وأصل الكلمة أُخذ على ما يظهر من لفظ "طيء" اسم القبيلة العربية الكبيرة المشهورة التي كانت تنزل في البادية المتاخمة لحدود الإمبراطورية الفارسية وكانت من أقوى القبائل العربية في تلك الأيام. ولهذا صار اسمها مرادفا للفظة "عرب", وقد شاعت هذه التسمية قرب الميلاد وانتشرت في القرون الأولى للميلاد كما يتبين في المصادر السريانية. إلا أن استعمال هذه التسميات لم يبلغ لفظة "عرب" في الشهرة والانتشار. فقد صارت لفظة "عرب" عَلَمًا على جنس معلوم, له موطن معلوم وله لسان خاص به من بعد الميلاد حتى اليوم.


تاريخ كلمة أمي من كتاب مدخل إلى القرآن الكريم: في التعريف بالقرآن لمحمد عابد الجابري:


عندما نبهت في فقرة سابقة … إلى خلو اللغة العربية من أصل للفظ "أمي" وما اشتق منه ("أمية" و"أميون"), وقلت إن هذه الكلمة معرّبة وأن أصلها يرجع إلى لفظ "الأمم" الذي أطلقه اليهود على غيرهم ممن ليس لهم كتاب منزل, لم أكن أنطق عن الهوى, بل كان ذلك عندي نتيجة بحث واستقصاء ترتب عليهما موقف نقدي لتلك الفكرة التي تلقيتها (لست أدري كيف ومتى!) والتي تربط اسم "الأمي" والمصدر الاصطناعي "الأمية" بعدم معرفة القراءة والكتابة, وهو المعنى الذي نستعملهما إلى اليوم من دون أن يكون لهذا الاستعمال أصل في اللغة العربية يسنده, سوى ما جرت عليه العادة.
العادة في مجال اللغة والفكر قتَّالة. فكم من كلمات نستعملها من دون أن نكلف أنفسنا السؤال عن أصلها ومصدرها, وكم من فكرة نتمسك بها من دون أن نعي أننا لا نعرف لها أصلًا, بل كم من لفظ نستعمله في لغتنا العربية القديمة\الجديدة من دون أن ننتبه إلى أننا نُحمِّل ذلك اللفظ معنى لا أصل له في اللغة.
نعم, العادة والاستعمال من المرجعيات الأساسية في كُلّ لغة, ما في ذلك شك. لكن ليس هذا شأن لفظ "الأمي"! فهذا اللفظ - مفردًا وجمعًا - مصطلح قرآني خاص, مثله مثل المصطلحات القرآنية الأخرى التي ليس لها أصل في اللغة العربية. دليل ذلك أن أيًا من المعاجم العربية لم تذكر شاهدًا من الشعر أو النثر العربي قبل الإسلام ورد فيه لفظ "الأمي" بمعنى عدم المعرفة بالقراءة والكتابة. كُلّ ما فعلته تلك المعاجم هو أنها حاولت أن تجد لهذا اللفظ صلة مع لفظ "الأم". وكان اللغوي الزجّاج قد اقترح أن يكون لفظ "الأمي" نسبة إلى الأم, ثُمّ أوّله تأويلا فقال: سمّي بذلك لأنه يكون على الحال التي تلده عليه أمه: لا يقرأ ولا يكتب! وقد أخذ عنه آخرون هذا "التأويل" وتبناه صاحب لسان العرب مما أعطى له صدقية. فصار "الأمي" هو "من لا يعرف القراءة والكتابة".
وواضح أن هذا مجرد تأويل! وهو في نظري تأويل ضعيف. ذلك أن الزجّاج توفي سنة 310هـ, فليس هو من جامعي اللغة, فعصر جمع اللغة كان قد انتهى وجاء بعده عصر "الكلام" في اللغة والعقائد إلخ. والزجّاج "متكلم" فيهما, والمتكلم "مؤول", صاحب مذهب! فهو عندما يشرح معاني ألفاظ القرآن, كلفظ "النبي الأمي", يفعل ذلك ليس كلغوي وحسب بل كمتكلم أيضًا. ويبدو أنّه لم يسبق لأحد من اللغويين أن فسرّ لفظ "الأمي" بما فسره به الزجاج. دليل ذلك أن صاحب لسان العرب قد نسبه إليه وحده.
وإذًا فتأويل لفظ "الأمي" بعدم المعرفة بالقراءة والكتابة حدث في عصر لا يعدّ علماؤه مرجعا في اللغة. لكن بما أن هذا اللفظ قد وُصِف به النبي في القرآن ("النبي الأمي") فقد حُمِّلَ ذلك المعنى الذي أعطاه له الزجاج, ومن ثُمّ استقر في أذهان الناس أن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام كان "أميًا" بمعنى أنّه "لا يقرأ ولا يكتب". وبسرعة وظف هذا الفهم في تأكيد كون القرآن معجزة له (صلى الله عليه وسلم) لكونه تحدى خصومه أن يأتوا بسورة مثله فعجزوا, بينما جاء به هو, صلى الله عليه وسلم, وهو "لا يعرف القراءة والكتابة". حصل ذلك في عصر انشغل فيه المتكلمون والبلاغيون بمسألة إعجاز القرآن. وهكذا صار تأويل الزجاج لكلمة "أمي", في خدمة "المذهب" الكلامي البلاغي, لا بل في خدمة "المقدس" أيضا, الأمر الذي جعل فكرة كون "الأمي" هو من لا يعرف القراءة والكتابة, تتحول إلى واحدة من الأفكار المسماة بـ (Idées reçues, Received Ideas), الأفكار التي يسلم لها الناس من دون أن يعوا أنهم يسلّمون بها من دون فحص ولا نقد. وهكذا صار من الصعب قبول المس بها لأن "الأفكار المتلقاة" تصوغ عالم المتلقي لها, وذلك إلى درجة أن هذا الأخير يقوم بصورة آلية برد فعل سلبي رافض أمام كُلّ نقد يَمُسّها وكأنه يخاف أن ينهار عالمه ذلك. ومن جملة ردود الفعل السلبية هذه ما يكون لاشعوريًا - وهذا أخطر - ويتجلى في كون العقل المكبَّل بـ"الأفكار المتلقاة" لا "يرى", لا بقلبه ولا ببصره, أي وجهة نظر تقترح رأيًا مخالفًا حتّى ولو قرأ وجهة النظر تلك ألف مرة!
ذلك ما يفسر كون العقل المكبل بـ"الأفكار المتلقاة" لا يسأل نفسه: هل تستقيم نسبة "الأمي" إلى "الأم"؟ إن طرح سؤال مثل هذا, بدافع الرغبة في البحث عن الحقيقة, كان سيدفع صاحبه إلى الرجوع إلى "مقاييس اللغة", أعني المقاييس التي تضبط بها ألفاظ اللغة العربية من حيثُ ارتباط الفروع فيها بأصولها. وسواء قبلنا بمثل هذه المقاييس من ناحية ما تقرر في "اللسانيات الحديثة" أم لا, فإن مما لا يمكن إنكاره هو أن "صانعي" اللغة العربية الفصحى, وأعني الذين وضعوا قواعد وضوابط لأوزانها وصيغها قد استلهموا نموذج "القبيلة" في بناء صرحها الدلالي,  فأرجعوا جميع ألفاظها إلى أصول معينة (شيوخ القبائل), ثُمّ عينوا لكُلّ واحد من هذه الأصول معنى لا يتغير بتغير موقع حروفه بعضها بالنسبة لبعض, وجعلوا ذلك المعنى ينساب في فروع تلك الأصول, وسموا هذا بالاشتقاق الأكبر (مثل: ضرب, ضبر, ربض, رضب إلخ).
ذلك ما دوَّنه ابن فارس في كتابه الشهير مقاييس اللغة حيثُ نقرأ بصدد الأصل المؤّلف من الهمزة والميم "أم" (أصل كلمة أمي) ما يلي: "وأما الهمزة والميم فأصلٌ واحدٌ, يتفرَّع منه أربعة أبواب هي: الأصل, والمرجِع, والجماعة, والدِّين. وهذه الأربعَة متقاربة, وبعد ذلك أصولٌ ثلاثة, وهي: القامة, والحِين, والقَصْد"! وسواء قبلنا بهذا النوع من التنميط للغة العربية أم لا, فإن الشاهد عندنا هو أنّه ليس في الأصول ولا في الفروع التي قال بها اللغويون المقعِّدون للغة العربية ما يجعل لفظ "الأمي" يتضمن معنى عدم المعرفة بالقراءة والكتابة! هذا يؤكد ما سبق أن قلناه من أن لفظ "الأمي" - مفردًا وجمعًا - مصطلح قرآني خالص.
وأما غياب أصل لغوي للفظ "أمي", في العربية, ذهب الكثير من المتأخرين مذاهب مختلفة في البحث عن أصل مرجعي قرآني لهذا اللفظ في القرآن نفسه, خارج تأويل الزجاج الذي لا يستقيم مع كثير من الآيات التي ورد فيها اللفظ, كما بينّا قبل. قال بعضهم: إن المقصود بـ"الأمي" في قوله تعالى "النبي الأمي" أنه المنسوب إلى "أم القرى", أي مكة وأن "الأميين" هم أهلها, وذلك استنادًا إلى قوله تعالى: "ولتنذر أم القرى ومن حولها", وقال آخرون إن النسبة في "النبي الأمي" هي إلى "أم الكتاب", لقوله تعالى عن القرآن "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم" وهكذا صارت كلمة "أمّ" مرجعًا للفظ "أمي" سواء قصد بها "الأم" في مقابل الأب, أو "الأم" بمعنى أصل الشيء أو. أو.
والحق أن لفظ "أمّ" بهذا المعنى قد صار يشكل عائقًا معرفيًا.
ذلك ما يفسر كون العقل المكبل بـ"الأفكار المتلقاة" لا يعير أي اهتمام لآراء علماء في اللغة في مستوى الزجاج مثل الفراء الذي قال: "الأميون" هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب! هذا مع أن الفراء  (أبو زكريا يحيى بن زياد) كان أحق أن يتبع, بدلًا من الزجاج. ذلك لأن الفراء سبق الزجاج بقرن من الزمن (توفي سنة 207هـ) وألف عدة كتب من بينها كتاب معاني القرآن الذي قال فيه اللغوي المشهور أبو العباس ثعلب: "لم يعمل أحد قبله ولا أحسب أن أحدًا يزيد عليه".
ذلك ما يفسر أيضًا كون العقل المكبل بالأفكار المتلقاة لا يعير أي انتباه لكون علماء كبار, مفسرين وفقهاء, قد ترددوا في قبول تأويل الزجاج, وأخذوا برأي الفراء, فجعلوا لفظ "الأمي" منسوبا لا إلى "الأم", بل إلى "الأمة", وبالتالي إلى الأمم التي ليس لديها كتاب منزل.
من هؤلاء العلماء الفقيه والباحث المحقق ابن تيمية, الذي اختار هذا الرأي, رأي الفراء. قال: "الأميون نسبة إلى الأمة. قال بعضهم: إلى الأمة وما عليه العامة. فمعنى الأمي: العامي الذي لا تمييز له. وقال الزجاج: هو على خلق الأمة التي لم تتعلم فهو على جبلّته, وقال غيره: هو نسبة إلى أمه, لأن الكتابة كانت في الرجال من دون النساء; ولأنه على ما ولدته أمه". ويضيف الشيخ ابن تيمية معترضًا على هذا الرأي قائلا: "والصواب: أنه نسبة إلى الأمة, كما يقال: عامي نسبة إلى العامة التي لم تتميز بما تمتاز به الخاصة, وكذلك هذا (يعني الأمي) لم يتميز عن الأمة بما يمتاز به الخاصة من الكتابة والقراءة". ثُمّ أضاف: "ويقال الأمي لمن لا يقرأ ولا يكتب كتابًا, ثُمّ يقال لمن لمن ليس لهم كتاب منزل من الله يقرؤونه وإن كان قد يكتب ويقرأ ما لم ينزل, وبهذا المعنى كان العرب كلهم أميين, فإنه لم يكن عندهم كتاب منزل من الله, قال الله تعالى: "ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن اسلموا فقد اهتدوا" وقال: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم", وقد كان في العرب كثير ممن يكتب ويقرأ المكتوب, وكلهم أميون (...) فالمسلمون أمة أمية بعد نزول القرآن وحفظه". وقال في معنى "الأمي" في قوله تعالى: فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي" "هو أمي بهذا الاعتبار; لأنه لا يكتب ولا يقرأ ما في الكتب (يعني التوراة والإنجيل), لا باعتبار أنّه لا يقرأ من حفظه, بل كان يحفظ القرآن أحسن حفظ". ثُمّ أضاف: "وقد يقال: إن قوله: "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون" أي: لا يحسنون الخط, وإنما يحسنون التلاوة, ويتناول - أيضًا - من يحن الخط والتلاوة, ولا يفهم ما يقرؤه ويكتبه كما قال ابن عباس وقتادة: غير عارفين معاني الكتاب, يعلمونها حفظُا وقراءة بلا فهم, ولا يدرون ما فيه". ويشرح ابن تيمية المقصود بالكتاب هنا فيقول: "والكتاب هنا المراد به: الكتاب المنزل, وهو التوراة; ليس المراد به الخطّ, فإنه قال: "وإن هم إلا يظنون" فهذا يدلّ على أنّه نفى عنهم العلم بمعاني الكتاب (...), وهؤلاء وإن كانوا يكتبون ويقرؤون فهم أميون من أهل الكتاب كما نقول نحن لمن كان كذلك: هو أمي, وساذج, وعامي, وإن كان يحفظ القرآن ويقرأ المكتوب إذا كان يعرف معناه".
هل تحررنا من "العائق" اللغوي الذي وضعه الزجّاج من دون أن يقصد ذلك (لأنه كان يريد الشرح والبيان, أي إزالة عائق الجهل, فاجتهد فأخطأ, والمخطئ في هذا المجال, وبهذا القصد, غير ملام؟!".
لا أعتقد! فالعوائق عندما تلتصق بالمقدس تصبح مقدسة. والمقدس هنا هو "المعجزة" التي دليلاها - ويا للعجب - عدم المعرفة بالقراءة والكتابة!
ومهما يكن, فليس تأويل الزجاج لمعنى "النبي الأمي" هو وحده الذي يجب التحرر منه. هناك عوائق أخرى من هذا القبيل!



تاريخ كلمة المقذاف من كتاب اللسان والإنسان: مدخل إلى معرفة اللغة لحسن ظاظا:


هو تلك الخشبة الطويلة المفلطحة من طرفها الغائص في الماء, التي تستعمل في دفع السفن والقوارب وكأنها تقذفها إلى الأمام, أو لأنها تقذف الماء أثناء تحريكها, أو لأنها تسبب السير السريع, من قولهم: ناقة قاذف وقذاف وقَذُوف وقُذُوف, وهي التي تتقدم من سرعتها وترمي بنفسها أمام الإبل في سيرها ويقال له أيضا المِقذف. وقد ورد فيه أيضًا لفظ مجذاف من قول العرب جذف الطائر أي أسرع بجناحيه, وجاءت هذه المادة كلها بالدال المهملة كذلك, إلَّا أن شارح القاموس قد ذكر "مجذاف السفينة" وروي عن الجوهري أن ابن دريد قال هو بالدال والذال جميعًا, لغتان فصيحتان, وفي "المحكم": مجداف السفينة: خشبة في رأسها لوح عريض يدفع بها, مشتق من جدف, الطائر, وقال أبوعمرو: جدف الطائر, وجدف الملاح بالمجداف وهو المِرْدَى والمِقْذَف والمِقْذاف. وإن كنا نلاحظ أن صاحب "القاموس" ذكر مجذافة السفينة, وعقب عليه الشارح بقوله هكذا في النسخ والأَوْلى مجذاف. وقال الشرتوني في أقرب الموارد: جَدَفَ الطائر - مثل جلس - طار وهو مقصوص كأنه يَرُدُّ جناحيه إلى خلفه. وواضح من تعدد أشكال النطق في هذه الكلمة, ومن محاولة اللغويين ربطها بأفعال تخص حركة الإبل أو الطيور أنها مبتدعة, وهذا ليس بعجيب; فصلة العرب بالملاحة البحرية, فيما عدا بعض القبائل المقيمة في الخليج, لم تكن أصيلة في حضارتهم, ولا قديمة العهد عندهم.

تاريخ كلمة القطار من كتاب اللسان والإنسان: مدخل إلى معرفة اللغة لحسن ظاظا:


كان عند العرب مجموعة من الجِمال يسير الواحد منها وراء الآخر وقد قَرُب بعضها إلى بعض, يقال جاءت الإبل قِطارًا بالكسر أي مقطورة. واستعمل القطار لكل سرب من الكائنات الحية يسير الواحد منهم وراء الآخر, حتى قيل قطار النمل قال أبو النجم العجلي:
وانْحَتَّ من حَرْشاء فلجٍ خَرْدَلُهْ وأقبل النمل قِطارًا تَنْقلُهْ
ونُقِلَ اللفظ في العصر الحديث للدلالة على الصف من مركبات السكة الحديد المربوطة بعضها في بعض والمقطورة بقاطرة. وهكذا يوصلنا القطار المولد إلى القاطرة والمقطورة معًا.



تاريخ كلمة سراب من كتاب الساميون ولغاتهم: تعريف بالقرابات اللغوية والحضارية عند العرب لحسن ظاظا:


من الفارسية (سر) يعني المخيلة, و(آب) أي الماء, والمعنى, ما يصوره الخيال كأنه ماء. (هذا ما يقوله بعض اللغويين في هذه الكلمة; وعندنا أنها قد تكون سامية أصيلة من نفس الأصل الذي جاءت منه اللفظة العبرية "شراب", أي شدة الحر في الصيف, وقد اشتقوا منها في العبرية المتوسطة والآرامية الفعل "شرب" بمعنى جَفَّ من شدة الحر, ولعل هذا هو الأصل الذي تطور عنه أيضًا الفعل العربي "شرب" الذي يتم بامتصاص الماء أو غيره من السوائل وابتلاعه, وذلك يكون واضحًا عند الكائنات الحية وكثير من المواد المسامية عندما يشتد الحر ويكثر الجفاف).



تاريخ كلمة المئذنة من كتاب اللسان والإنسان: مدخل إلى معرفة اللغة لحسن ظاظا:


أصل المئذنة التي جاءت منها هذه الكلمة هو الأذن, عضو السمع المعروف, والأذان في الأصل هو الإعلان والإعلام, قال الفرزدق:
وحتى علا في سور كل مدينة منادٍ ينادي فوقها بأذان
وواضحٌ أن معناه هنا الإعلان والنداء. وقال اللغويون: والتأذين مخصوصٌ في النداء إلى الصلاة والإعلام بوقتها, وقد أذّن الرجل تأذينًا وأذانًا وآذن يؤذن إيذانًا. كل هذا ملحوظٌ فيه المجاهرة بدعوة صوتية تصل إلى الأذن. أما المئذنة فهي موضع الأذان للصلاة, أو المنارة - كما في الصحاح, قال أبو زيد: يقال للمنارة المئذنة والمؤذِّنة. وقال اللحياني هي المنارة, يعني الصومعة, وأما قولهم "المأذنة" فلغة عامية. فالكلمة إذن من مصطلحات العمارة الإسلامية, تطلق اسمًا على هذا البرج المرتفع فوق المسجد لتنطلق منه الدعوة إلى الصلاة. ولم نجد شاهدًا على معرفة العرب لهذه الكلمة, لا في الجاهلية ولا في صدر الإسلام, ومع ذلك فقد أخذت مكانها في المعجم العربي وتمتعت بنطقين فصيحين, وثالث عامي كما رأينا, لشدة ارتباطها بالنمط الفكري والحضاري للأمة الإسلامية.


تاريخ اسم الجلالة: الله من كتاب إيلاف قريش لفكتور سحاب:


لقد سبقت الإشارة في باب مكة والتوحيد الديني إلى العلاقة العميقة بين التوحيد وعدم تسمية الإله, وتبّين أن الامتناع عن التسمية يدل على الإله غير المسمى هو في الراجح إله توحيد, أو في أضعف حال إله أكبر متقدم على ما سواه. وليس من شك في أن التلبيات المتشابهة في مكة, وهي تلبيات خلا معظمها من اسم الصنم أو الإله, ربّما كانت على الأقل مرحلة مهمة أُزيلت فيها عقبة نفسية خطيرة بين معتقدات القبائل, نحو الإيمان بأنها جميعا كانت تتعبد لمعبود واحد. ولا شك في أن القبائل كانت تعلم أن لكل منها صنما مختلفا, وأن التلبية تقصده هو لا غيره. لكن اختلاط الحجيج في طواف واحد, وإغفال أسماء الأصنام, أدّيا حتما إلى تهافت كثير من الحدود النفسية والعقائدية بين القبائل, حتى أضحى ممكنا في خطوة خطيرة أخرى إدماج مفهوم المعبود, بما يمهد لعقيدة التوحيد.
وقد كان ظهور اسم الجلالة: الله, مرحلة مهمة في الصراع الطويل بين عقيدة التوحيد وعبادة الأصنام. وأول ما ظهر اسم الله في آثار منحوتة, في النقوش اللحيانية على الخصوص. ويقول وِنت إن اللفظة ظهرت مرتين فقط في الكتابات العربية الجنوبية, إحداهما في كتابة معينية عُثر عليها شمال العُلا (التي كان اسمها لحيان), أما الثانية ففي النقوش السبئية, ولذا يمكن القول بثقة إن الاسم انتقل من لحيان إلى جنوب الجزيرة العربية, مع انتقال عبادة الله إلى اليمن. أما في الصلوات فلم يُعثر ضمن النقوش العربية الجنوبية على ذكر لاسم الله. وقد عثر في النقوش اللحيانية والثمودية على صلوات باسم الله, جعل وِنت تاريخها القرن الخامس قبل الميلاد. ولم يُعثر على مثل هذا في نقوش ديدان التي سبق عصرها عصر اللحيانيين في شمالي غربي جزيرة العرب. ويعرّف الإخباريون اللحيانيين بأنهم من سلالة هذيل بن مُدركة بن الياس بن مُضر, أي أنهم عرب عدنانية. لكن وِنت تساءل مع ذلك عن أصل تسمية الله, وما إذا كانت عربية. ففي الآرامية السريانية وربما في اللهجة النبطية واللهجة التدمرية, تبدأ لفظة إله بهمزة مفتوحة لا مكسورة. والهمزة المفتوحة على الألف في بداية اسم الجلالة الله, حيّرت الباحثين بعض الشيء, إذ افترضوا أن محلها في العربية لهمزة مكسورة. لكنهم حلّوا المسألة بقولهم إن أصل اللفظة الإله, أي كلمة إله معرفة بأداة التعريف, فأُدمجت اللامان بعد حذف الهمزة لاستثقال لفظها. وقد عالج الرازي هذا الأمر في تفسيره الكبير, إذ قال: "فال بعضهم هذه اللفظة ليست عربية بل عبرانية أو سريانية, فإنهم يقولون: إلها رحمانا ومرحيانا, فلما عُرِّب جُعل: الله الرحمن الرحيم, وهذا بعيد, ولا يَلزَمُ من المشابهة الحاصلة بين اللغتين الطعن في كون هذه اللفظة عربية أصيلة… أما الأكثرون فقد سلّموا كونها لفظة عربية. أما القائلون بأن هذا اللفظ اسم علم لله تعالى فقد تخلّصوا عن هذه المباحث, وأما المنكرون لذلك فلهم قولان: قال الكوفيون أصل هذه اللفظة إلاه فأُدخِلت الألف واللام عليها للتعظيم, الإلاه, فحُذفت الهمزة استثقالا لكثرة جريانها على الألسنة فاجتمع لامان فأُدغِمت الأولى فقالوا: الله. وقال البصريّون أصله: لاه, فألحقوا بها الألف واللام فقيل الله.
ويقول وِنت إن اللفظة في اللحيانية كتبت كذا: هـ ل هـ, وفي الثمودية كذا: هـ ا ل هـ, ويضيف أن اسم الإله الذي كان يُعبد عندئذ لا بد إذن وأن يكون إله فأدخل اللحيانيون هاء التعريف على هذا الاسم وكان اسم جنس, فحوّلوه إلى اسم علم, وكذلك العرب, فدخلت أداة التعريف الألف واللام على كلمة إله, التي هي اسم جنس يدل على كل ما كان يُعبد, فتحوّل الاسم في مرحلة أولى إلى اسم إله مُعرّف, ثم إلى اسم علم للإله الذي لا إله إلا هو. ولم يأخذ وِنت ببعض الاعتراضات على هذا الاستنتاج. ولا شك في أن قول هيرودوتس إن اسم اللات فيما مضى كان أليلات, إنما يعزز هذا الرأي, لأن لفظة أليلات قريبة جدا من لفظة الإلهة. وحذف الهمزة وإدغام اللامين مطابق تماما لما قال به الإخباريون المسلمون وما اعتمده وِنت.
وقد درجت في الكتابات والنقوش صفات أُطلقت على الإله, مثل: تبارك اسمه, أو رب العالم, أو الله المحسن, أو رب العالمين, وما شابه. لكن وِنت قال بعد استعراضه عددًا من النقوش الثمودية واللحيانية, إن صفة الأبتر (أي الذي لا ولد له) لم تُطلق على غير الله, فيما اشترك الآلهة الآخرون بالصفات الأخرى. ولاحظ أن هذا بيّن أن اللحيانيين كانوا يؤمنون بمكانة خاصة لله لا يؤمنون بمثلها لغيره, وقال إن هذا قد يكون أصل الإيمان بالله الأوحد في الجزيرة العربية. وهذا صحيح على الخصوص إذا كان المقصود من نعت الأبتر نفي نظرية التثليث المسيحية في قوله: "قل هو الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا أحد". (الإخلاص: 1-4).
إن هذ التطور اللغوي في لفظة اسم الجلالة كان تعبيرا ولا شك عن تطوّر في مضمون اللفظة وفكرة الإله عند اللحيانيين والثموديين. لكن اللفظة نفسها ساهمت هي أيضا في تطوير المضمون بدورها. لأن غياب اسم العلم عن المعبود, ثم تحوّل اسم الجنس المعرّف إلى اسم علم, طوّر في ذهن العرب شيئا فشيئا فكرة الإله الأوحد الذي لا يشاركه أحد في مكانته. وقد ظلت هذه الفكرة ترسخ في الإذهان, حتى أخذت مكانة الأصنام في عقيدة القبائل تتقلص. ومضى زمن طويل والعرب, كما يؤكد ذلك القرآن الكريم, يؤمنون بالله ويشركون به في آن. وتلك كانت مرحلة, وقد ذُكر الله في كثير من أشعار الجاهليين, وذهب مستشرقون إلى أن رواة الشعر الجاهلي المسلمون حذفوا أسماء الأصنام حيثما استطاعوا وجعلوا اسم الله محلّها. غير أن فيلهاوزن ارتأى أن سبب ذلك ليس تبديل الرواة الشعر, بل أدب الجاهليين ودروجهم على عدم الإسراف في ذكر أسماء الآلهة الخاصة على سبيل التأدب حيال الأرباب والأصنام, فاستعاضوا عن ذكر صنمهم بذكر الله, دون أن يعنوا إلهًا معينًا. وفي رأينا أن هذا تفسير غير مقبول, لأن القرآن الكريم يؤكد أن العرب كانوا يعظّمون الله فوق كل أصنامهم, رغم شركهم. ولا يدل معنى الشرك على إنكار الله, بل على عبادة آلهة أخرى معه, رغم الإقرار بأنه الخالق (لقمان: 25, وغيرها) ولا يستقيم أن يوفروا اسم الصنم فلا يذكروه, ويذكروا بدلًا منه اسم الله وهو عندهم فوق الأصنام. أما أن رواة الشعر أدخلوا اسم الله في الشعر الجاهلي بعد الإسلام, فذلك قول يُضعفه القرآن الكريم أيضًا حين يثبت بما لا يقبل شكًا أن الله كان في رأي المشركين أنفسهم خالق السماء والأرض, على نحو ما سلف.



تاريخ كلمة إيل من كتاب معجم آلهة العرب قبل الإسلام لجورج كدر:


من آلهة العرب الجنوبيين, وذكر اسمه مستقلا كما ورد مقرونا باسم الإله "عثتر".
وعن ابن دريد في الاشتقاق, قال قومٌ من أهل اللغة: كلُّ اسم كان فيه إيلُ فهو منسوب إلى الله عز وجل, مثل شُرَحْبِيلَ ونحوه.
وفي تاريخ ثمود يقول المستشرق الهولندي براندن: هناك شبه اتفاق بين العلماء أن "إل" و"إيل" لا يقصد به إلهًا معينًا, رغم وروده في الأسماء المركبة. وكما تعبر لفظة "إله" عندنا اليوم عن اسم الجلالة دون ذكر اسمه, فإن كلمة "إيل" كانت كذلك عند بقية الساميين الأقدمين بمعنى "رب" و"إله" و"بعل", ولا يعرف العلماء معنى لفظة "أل" و"أيل" على وجه علمي دقيق, ولكنهم يفسّرونها عادة بمعنى "القدير" و"الحاكم", وهذا يعني أن "أل" نعت من نعوت الآلهة.
وعن المستشرق ستاركي ينقل براندن, أن "إيل" اسم جماعي ويعبر في الأصل عن فكرة القبيلة, ويبدو من مظهر الجذر الذي اشتقت منه كلمة "إيل" وهو "أول", أن "أيل" يعبر عن القوة والقدرة, وكلمة "آل" أي قبيلة تشير أيضا إلى هذا المعنى.
ومن أسماء ونعوت الآلهة عند اللحيانيين التي سبق وذكرناها عند حديثنا عن الإله "أل" وجدت الأسماء المركبة التالية: "كبر إيل", و"متع إيل" و"ذرح إيل" و"عذر إيل" و"وجرم إيل" و"غزال إيل" و"عم إيل" و"إيس إيل" و"سعد إيل" و"يمسك إيل".
وإيل يبرز اسمه واضحا في أسماء عظماء الملائكة التوحيدية, وهم على ما يقول النويري: جبريل وإليه أوكلت مهمة الجنود والرياح, وميكائيل على القَطر والنبات, وعزرائيل على قبض الأرواح, وإسرافيل يبلغهم ما يؤمرون به وهو أقربهم لله تعالى منزلة. ومما وصل من أسماء قوم ثمود كان اسم "عذرال" أو "عذرايل".
واللفظة الثانية في الاسم "إل وايل" هي والإله "إيل وايلو" وهو من الآلهة السامية القديمة, حسب جواد علي.
والإيل: في لغة العرب هو الوعل.
والأرجح أن هناك علاقة بين اسم إيل والاسم العربي الشهير "وائل" ففي الكتابات اللاتينية تلفظ "وعل" "وئل" وورد في الكتابات الصفوية قبيلة اسمها "وعل" أو "ويل" أو "وائل" كما يشير جواد علي في مفصله. ونرجح أن اسم "وائل" هو "نداء استغاثة للإله وايل, تماما مثلما يقول أهل الساحل السوري إلى اليوم 'أيليه' عن الاستغراب أو التعجب, وهي تعني 'يا إلهي'".
وقد عثر في نصوص ثمود على سادن اسمه "إيلياء" "إيلية". ويظهر أنه كان من الآلهة العربية العتيقة, ثم عفى أثره من الذاكرة, فلم يرد اسمه مع الأصنام التي كان يعبدها الجاهليون قبيل الإسلام.


تاريخ كلمة آمين من كتاب مقدمة في فقه اللغة العربية للويس عوض:


هناك ترجيح بين دارسي اللغات القديمة لاشتقاق الفعل العربي "أمن" ومشتقاته, وقبله, العبري, والآرامي, من "آمون" الهيروغليفية والهيراطيقية, إذ من المؤكد أن "أمين" كاسم فعل بمعنى "استجب" في لغات الأرض كافة, هو ترديد لآمين أو "آمون" الهيروغليفية والهيراطيقية ثم القبطية, ذلك أن صلوات المصريين القدماء كانت تنتهي "بآمين" منذ الدولة الوسطى, وسادت العالم المعمور في المرحلة الإمبراطورية المصرية.. وكل ما يتصل بالإيمان والاعتقاد الصحيح في المصرية القديمة مرتبط بآمون… وكذلك كل ما يتصل بالأمن والايمان في العربية والساميات الأخرى.. كان آمون - وبالإحالة في الهيراطيقية "آمين" - عَلَما على الله, وعلى العقيدة الصحيحة عند قدماء المصريين, وذلك من خلال نحت "المعنويات" من الأعلام المرتجلة… والأمن والأمان, تفريع معنوي عن "آمون" و"آمين" والإيمان, إذ تثبت بردية "توريين" في حديثها عن "اول إضراب في التاريخ" أن العمال والمثالين والحجازين لجأوا إلى معبد "آمون" محتمين به وآمنين من بطش الحرَّاس…" ويتضح من سطور البردية أن العمال والمثالين والحجازين كانوا يهددون دائما باللجوء إلى الأسوار الداخلية لمعبد آمون للاحتماء به… مما يقطع بأنه كان حرما مُقدسًا, كالكعبة عندنا الآن.
وهذا كله يُرجّح نحت "الأمن" و"الإيمان" من "آمون".
… ومن اللافت للنظر أن القاموس المحيط, ولسان العرب, ذكرا أن "الأمان" (على وزن زمان) هو الزارع.. فهل هذا من ذكريات آمون رب المصريين, والمصريون زرّاع؟!... كذلك ذكر القاموس المحيط أن آمين وأمين (بالمد والقصر) اسم من أسماء الله (كما نقل الفيروزبادي عن الواحدي في البسيط.. الجزء الرابع من القاموس المحيط 197 طبعة دار المأمون 1937)... وهذه مسألة غاية في الأهمية والخطورة حيث يوحي قول القاموس المحيط, باستعارة اللغة العربية أحد أسماء الله, من المصرية القديمة.. وهذا أمر أشبه بالحق لعراقة المصريين فيما يتصل بالإلهيات..
[...]
ومن أمثلة "أ" و"ع" المصرية القديمة التي تتحول إلى "ك" في العربية كلمة "أمين" Amen وهو اسم الإله "آمون" وهي في بدج Budge "عمين" Amen, ومعناها الأصلي فيما يظن "الخفى". ويبدو في هذه الحالة أن جذر هذه الكلمة هو جذر "كمن" العربية ومشتقاتها, وربما أيضا "خبأ" ومشتقاتها و"خفى" ومشتقاتها إذا كان جذرها الأساسي "أم" أو "عم"  أو "هم" (أنظر قانون الحلقيات). واسم "أمون" أو على الأصح "آمين" لا يزال قائما في الاسم المصري الشائع "أمين" كما أن اسم زوجته الربة "امونت" Amonet أو على الأصح "أمينت" Amenet لا يزال قائما في الاسم المصري الشائع "أمينة", وقد عرفته العرب في اسم "آمنة". كما عرفت اسم "آمون" في الدعاء" "آمين", وفي اسم "أمين" وهو من أسماء النبي الحسنى. وفي هذه الحالات بقيت "أ" المصرية القديمة على حالها في العربية دون أي تحوّل فونطيقي.


تاريخ كلمة سرد من كتاب السرد التاريخي عند بول ريكور لجنات بلخن:


أ- السرد لغة: السرد جمعه سرود من الفعل سَرَدَ.
والسّرْدُ: اسم جامع للذروع ونحوها من عمل الحلق ويسمى سَرْدًا, لأنه يسرّد فيثقب كل طرف حلقة بمسمار فذلك الحلق المسرّدُ, يقول تعالى: (أن اعمل سابغات وقدِّر في السرد واعملوا صالحا), أي لا تجعل المسمار غليظا والثقب دقيقا فينصم ولا تجعله واسعا فينخلع. والسرد في اللغة: تقدمة شيء على شيء بطريقة متسقة بعضه في أثر بعض متتابعا. تقول:
سَرَدَ القرآن: تابع قراءته في حذر.
سَرَد الصوم: ولاه وتابعه.
تسرّد الشيء أو الذر أو الدمع: تتابع.
تسرّد الماشي: تابع خطاه.
سَرد الحديث: تابعه في سياق جيد. فالسرد هو المتتابع والمِسْرَدُ هو اللسان.
نستنتج, أن السرد في معناه اللغوي يحيل على كل ما هو متتابع وهذا التتابع زماني بالأساس ولكن قد يكون أيضا تتابع مكاني أو حتى تتابع فكري ومنطقي, فأن تسرد أحداثا تاريخية مثلا هو أن تأتي بها متتالية أي حدث بعد آخر في الزمان والمكان وبطريقة منطقية.
أما كلمة narratologie علم السرد أو السرديات كما يترجمها البعض وهو المصطلح الذي اقترحه تودوروف سنة 1969م. لتسمية علم جديد هو la science du recit علم الحكي وإذا كان علم السرد هو دراسة السرد, أي يدرس السرد من حيث كونه خطابا أو شكلا تعبيريا, فإن مصطلح السردية narrativite على خلاف ذلك تماما يدرس تحليل الحكاية بصفتها نمط تمثيل القصص. من هنا, كانت السردية هي العلم الذي يهتم بمظاهر الخطاب القصصي أسلوبا ومضمونا قلبا وقالبا أو لنقل هي العلم الذي يستقصي عناصر البنية السردية للخطاب القصصي من راوي ومروي ومروي إليه والعلاقة الخفية والعلنية التي تريط هذه العناصر بعضها ببعض. يمكن القول, أن مصطلح علم السرد يهتم أكثر بموضوع المضامين السردية للقصة, أما مصطلح السردية يهتم أكثر بشكل الحكاية.
ب- السرد اصطلاحا:
إن الدلالة الاصطلاحية للسرد لا تنأى كثيرا عن الدلالة اللغوية التي تعني التتابع. إذ يتمثل السرد في نقل الوقائع وتقديمها في قالب لغوي شفهي أو كتابي من قبل شخصية أو مجموعة من الشخصيات ومن أجل توضيح موضوعة السرد la notion du recit يجب معرفة الأنماط الكبرى الأساسية للخطاب وهي: النمط الوصفي, النمط الإنشائي, النمط البرهاني, النمط السردي. هذا, ويتكون الخطاب السردي من:
  • السارد le narrateur: وهو الذي يمثل صوت الرواية يمكن أن يقوم بعدة أدوار كدور الكاتب الذي يظهر أحيانا بضمير المتكلم وأحيانا أخرى بضمير الغائب, كما يمكنه أن يسند مهمة السرد إلى شخصية أخرى من داخل الحكاية.
  • الشخصيات وهم الأشخاص الذين يتقمصون أدوار القصة.
  • المسرود له le narrataire: وهو متلقي الخطاب السردي الذي يمكن أن يكون قارئا مفردا أو جمهورا وهو لا يقل أهمية عن السارد بل ملازم للرواية مادام حديث الأنا في العمق خطاب موجه للأنت.
بهذا يمكننا القول, أن السرد كلام يرنو إلى ربط الصلة بين باث يحمل في جعبته مقولا يتوق إلى إبلاغه ومتقبل يستقبل ذات الكلام, يقول إميل بنفنيست Emile Benveniste: "مباشرة وبمجرد ما يعلن المتحدث عن نفسه وتسلم مفاتيح اللغة, فإنه يغرس الآخر أمامه مهما كانت درجة حضوره, فإن كل حديث صراحة أو ضمنا يستوجب مُخَاطَبًا له". وبناء عليه, فإن إضفاء صيغة سردية على نص ما تستوجب توافر عنصرين هما: السارد والمسرود له دونهما يخرج عن كونه نصا سرديا.

تاريخ كلمة تاريخ من كتاب السرد التاريخي عند بول ريكور لجنات بلخن:


أ- التاريخ لغة: التاريخ في اللغة مأخوذ من أَرَخَ, علما أن كلمة تاريخ لم ترد في القرآن الكريم وأغلب الظن أن المصطلح فارسي الأصل.
تقول العرب: أرخ المكان يمعنى حن واشتاق إليه.
   أرّخ الكتاب بمعنى حدد وقته.
   أرخ الحادث فصل وقته وزمانه.
والإرْخُ هو ولد البقرة الوحشية وقيل إن التأريخ مأخوذ منه لأنه شيء يحدث مثلما يحدث الولد والتاريخ مأخوذ من التأريخ لأنه حديث. أما التاريخ histoire في اللغات الأجنبية فمأخوذ من الكلمة اليونانية historia والتي تحيل على البحث recherche, التحري, بيان, استقصاء.
نستنتج, أن التاريخ لغة هو العلم الذي يبحث في حياة الأمم والمجتمعات.
ب- التاريخ اصطلاحا:
لم يكن لكلمة تاريخ في الماضي معنى واحدا فقد دلت عند سقراط Socrate على المعرفة وعند أرسطو Aristote على مجرد ركام من الوثائق مقابل عمل تفسيري بل عدّ التاريخ أحيانا من العلوم العملية في مقابل العلوم النظرية.
إذا رجعنا إلى تصنيف بيكون Bacon للعلوم نجده يحصر التاريخ في ثلاثة تصنيفات تأتي بحسب قوانا المدركة هي: التاريخ هو علم الذاكرة, والشعر هو علم المخيلة, الفلسفة وهي علم العقل هذه العلوم الثلاثة هي عبارة عن مراحل متتالية يجتازها العقل في تكوين العلوم, فالتاريخ هو تجميع والشعر هو تنظيم لها والفلسفة هي العملية العقلية التركيبية, ففي نطاق التفكير بعلم الطبيعة يأتي التاريخ ثم الشعر ثم الفلسفة, إلى الذاكرة يرجع التاريخ المدني منه والطبيعي ويندرج تحت هذا الأخير تاريخ عجائب المخلوقات وتاريخ الفنون والصنائع, علما أن التاريخ يتعارض مع الشعر لأن موضوع التاريخ الواقعي وموضع الشعر الوهمي, كما يتعارض مع الفلسفة لأن موضوعه الجزئي وموضوعها الكلي, آلته الخيال وآلتها العقل.

ومن المسلمين يعرفه ابن خلدون وهو تعريف معارض لتعريف بيكون قلبا وقالبا بأنه: "خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال, مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال", فحقيقة التاريخ عند ابن خلدون أنه خبر وإخبار عن الكائن البشري في صيغته الاجتماعية والعمرانية وما يطرأ على هذه البنية الاجتماعية من تحولات وتغيرات. وبالتالي, موضوع التاريخ عند ابن خلدون هو الإنسان بصفته جماعة ليس كما كان عند بيكون بصفته فردا.