فرانكنشتاين



اسم الكتاب: فرانكنشتاين
المؤلفة: ماري شيلي
ترجمة: فايقة جرجس
عدد الصفحات: 107
دار النشر: كلمات عربية للترجمة والنشر


مصدر الصورة موسوعة ويكيبيديا




إن الإمكانيات التي تمتلكها العلوم اليوم غير محدودة مثل العقول التي تسعى وراءها (ص24)
ماري شيلي


رواية فرانكنشتاين للبريطانية ماري شيلي تعد من أوائل روايات الخيال العلمي, إن لم تكن الأولى. صدرت طبعتها الأولى في لندن من عام 1818, وفرانكنشتاين هو اسم الدكتور الذي تمكن من صنع جسد بشري حي بث فيه الروح ثم صار مسخا. الرواية تلامس مواضيع عديدة ذات أبعاد فلسفية وأخلاقية وإجتماعية ودينية وعلمية, ولا زالت روايات الخيال العلمي اليوم تطرح نفس الموضوع, وإن كان من زوايا مختلفة, أعني إمكانية صنع إنسان حي.


شخصية بطل الرواية, الدكتور فيكتور فرانكنشتاين, وحرصه الشديد على احتراف الكيمياء ليصل إلى هدفه في خلق إنسان حي, ذكرني بشخصية العالم جابر بن حيان, الذي كان أيضا مشغولا بذات الهدف, وحاول الوصول إليه من خلال الخيمياء عبر ما يعرف بعلم التكوين.

في هذه الرواية, التي كتبت في بداية القرن التاسع عشر, تنقل لنا المؤلفة التباين الشديد بين شخصيات تلك الحقبة الأولى من الثورة الصناعية. حيث اتخذ بعضهم نظرة علمية منطقية للعالم, وهمشوا كل ما يتعلق بالفنون والآداب, أو العكس. وينتج عن هذا صعوبة فهم أحدهما للآخر, نظرا لسلوكهم مسارين مختلفين في النظر إلى الحياة. ولعل أشهر مثال على ذلك هو الشاعر البريطاني الشهير اللورد بايرون والذي كان ذو شخصية أدبية تميل إلى الذوق والخيال والحدس, وأما زوجته فكانت على العكس تماما, تميل إلى المنطق والنظر إلى الأمور من منظار الحقائق, وانتهت حياتهما بالطلاق, والذي رأت زوجته أنه كان نتيجة لاختلاف نظرتهم للحياة. أما في الرواية فتحاول المؤلفة أن تعالج هذه الإشكالية في ما بين أبناء مجتمعها البريطاني, فتعطينا صورة جميلة عن إمكانية وجود هذا النوع من الاختلاف في الشخصيات مع بقاء التفاهم والحب فيما بينهم كما حصل مع الدكتور فرانكنشتاين وإليزابيث.

"كنا مختلفين أيما اختلاف, فما كان من هذا الاختلاف إلا أن عزز أكثر حب أحدنا للآخر. أحبت إليزابيث الشعر والأشياء الجميلة: الأزهار البرية, وشروق الشمس, والفراشات. أما أنا فقد أحببت العلوم, وعالم الطبيعة, والمفكرين العظماء." (ص15)


وبعد أن أصبح الدكتور فرانكنشتاين مأخوذا بالعلم واتخذ قراره بأن يكمل مسيرته العلمية في هذا المجال, بدأ يتسائل حول آلية عمل الجسم البشري وكيفية بعث الحياة فيه. وكانت صورة شخصية العالم في الرواية بأنه الذي يقدم التضحيات ويرجئ التمتع بمباهج الحياة  في سبيل اكتشاف فتح علمي كبير, فنرى أن الدكتور فرانكنشتاين يعيش لسنوات بعيدا عن عائلته ليدرس في الجامعة, ويؤجل زواجه حتى يتفرغ لمشاريعه العلمية, ويمر الشتاء ثم الربيع ثم الصيف واحدا بعد الآخر ولكنه لا ينتبه بسبب إنكبابه داخل معمله وإجراء تجاربه العلمية.


وفي إشارة إلى القصة التوراتية وندم الرب على خلق البشر, نجد أن الدكتور فرانكنشتاين أصابه الهلع بعد أن بث في جسد الكائن المسخ, الحياة. كأنه لم ينتبه بل كان غافلا طوال فترة عمله من أن هذا الكائن قبيح بشدة.

"صرخت 'ما الذي فعلته؟! يا للكارثة!'
لقد اخترت أعضاء جسمه بعناية بالغة, لكن الأمر تحول إلى كارثة. كيف أصف الرعب الذي انتابني؟ لقد رأيته قبل أن أبعث الحياة فيه, لكنني لم ألحظ أنه كان شديد القبح. والآن بعد أن أصبح على قيد الحياة ليس بوسعي أن أفعل أي شيء سوى الندم على أفعالي" (ص31)

وجاء في التوراة:
"فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته, الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء, لأني حزنت أني عملتهم.." (سفر التكوين 7:6)

ورأينا شيئا شبيها لهذا عند من صنع مادة تي ان تي المتفجرة وكذلك عند فريق عمل مشروع منهاتن الذي طور القنبلة الذرية خلال الحرب العلمية الثانية. حيث كان الندم ملاصقا للحظة خروج عملهم إلى الحياة. وهذا يجعلنا نتسائل, هل يتحمل العالم وزر وتبعات ابتكاراته؟ خاصة عندما يكون أعظم إنجاز له عبارة عن خطيئة يندم عليها فور تمامها, كما حدث مع الدكتور فرانكنشتاين.

بعد ذلك تتوالى المصائب على الدكتور فرانكنشتاين من قبل الكائن المسخ الذي صنعه, والذي قد كان قبل حلما وغدى كابوسا ولعنة تلاحقه هو وأسرته.

"لم أستطع أن أمنع نفسي عن التفكير في السبب الذي جعلك تصنعني إذا كان العالم كله سيكرهني." (ص73)

وعندما يلتقي الدكتور فرانكنشتاين مع المسخ, يشكي له بأن لا أحد يقبله, وأنه يريد, ليكف أذاه عن الآخرين, أن يصنع له مسخا آخر, أو زوجة, ليستطيع أن يعيش معها. وهنا يعيش الدكتور فرانكنشتاين في معضلة أخلاقية, فهو بصنعه لهذا المسخ قد تسبب بمشاكل عديدة, للمسخ نفسه ولغيره من الناس, واكتشف خطأ عمله, فهل يكون الحل بتكرار الخطأ وصنع مسخ آخر, وهو لا يدري كيف سيتصرف وهل سيقبل\ستقبل العيش مع المسخ الأول, فيكون قد دخل في مشكلة أخرى, أكبر.

"لا أستطيع أن أقضي المزيد من الوقت وحيدا, لا بد أن تصنع كائنا آخر. لا بد أن تصنع صديقا لي, أو زوجة. إنسانة مثلي تماما. أنت الوحيد الذي يستطيع أن يفعل هذا." (ص74)

رواية فرانكنشتاين على بساطتها, ولكنها ناقشت, بشيء من التشاؤم, مسألة لا زالت إلى اليوم تعامل بقدر من الحساسية, وهي صنع كائن حي واعي ويمتلك حرية الإرادة, بل قد تكون فكرة مرعبة كما صورتها الرواية وكثير ممن تناولها من بعد في أدب الخيال العلمي.

تاريخ التكنولوجيا في العالم


اسم الكتاب: تاريخ التكنولوجيا في العالم
المرلف: دانيال آر. هيدريك
ترجمة: د. أحمد حسن مغربي
الناشر: مشروع كلمة للترجمة
عدد الصفحات: ٢٠٨
سنة النشر: ٢٠٠٩


مصدر الصورة موقع جريدة الرياض


يعرض المؤلف تاريخ الإنسان بالتزامن مع التقنيات التي طورها في كل حقبة زمنية على هيئة سرد متواصل لأخبار الحضارات والأمم, ولا يكتفي فقط بأوروبا وأمريكا بل يغطي كل الحضارات على مدار التاريخ من الصين والهند والقارة الأمريكية مرورا بالشرق الأوسط وأوروبا إلى أستراليا.


في الفصل الأول يعود المؤلف إلى حقبة بعيدة جدا تصل لأربعة ملايين سنة, إلى سلالة الأسترالوبيثيساين Australopithecine والتي وجدت لها أثارا في تنزانيا الأفريقية. وكان لأفراد هذه السلالة أدمغة تصل إلى ثلث حجم أدمغة البشر المعاصرون. وتمكن أفرادها من الإمساك بالأشياء بقوة وبدقة عالية بسبب شكل يدها المميز, حيث حركة الإبهام المتحررة وقدرته على التحرك في مواجهة بقية أصابع الكف. وجيلا بعد جيل ازدادت قدرتهم على المشي بقامة منتصبة, وبالإمساك بالأشياء بمهارة أكثر وكذلك صنع أدوات تخدمهم.  ثم تطورت هذه السلالة إلى نوع مختلف يسميه علماء الأنثروبولوجيا هومو (لفظة لاتينية مشتقة من كلمة إنسان) بسبب مشابهتهم للبشر. وأشهر سلالة من هذا النوع هي الإنسان الماهر "هومو هابيليس" الذي عاش قبل مليوني سنة تقريبا في أفريقيا وامتلك دماغا بحجم نصف أدمغة البشر وتمكن من صناعة المطارق والأدوات الحادة القاطعة من الجهتين, ولعل أهم ما ميزه عن غيره من القردة الأخرى هو القدرة على التخطيط لأفعال مستقبلية. جاء بعده الإنسان المنتصب "هومو إيريكتس" وامتلك دماغا يعادل ثلثي حجم أدمغة البشر وتمكن من صنع الفأس اليدوية والساطور وترويض النار التي استخدمها للتدفئة من البرد وشواء اللحم وإبعاد الوحوش المفترسة عنه. وجاء بعده الإنسان العاقل "هومو سابينس" ووجد قبل ١٥٠ ألف سنة تقريبا وظهرت منه سلالتين الأولى حملت اسم ناندرثال وقد انقطعت هذه السلالة لأسباب مجهولة قبل ٤٠ ألف سنة, والثانية هي سلالة الإنسان العاقل القديم. والذي صنع من الأسنان الحجرية والعصي الخشبية رماحا وشحذ أطراف الحجارة ليصنع شفرات حادة, ونسج من جلود الحيوانات أثوابا. وبالمقارنة مع ما صنعه أسلافه الذين كان دافعهم الأول من تطوير الأدوات هو الحاجة لإستخدامها, أما هو فقد صار يهتم بجوانب أخرى, فأصبحت لديه دوافع جديدة لتطوير الأدوات مثل الفن والسحر والدين, فجوف العظام ليصنع مزمارا ونحت التماثيل من العاج وتزين بالأصداف والبحرية والخرز, وأبدى اهتماما في الحياة بعد الموت. قد يكون سبب هذا التحول الكبير في عقليته وبداية احساسه بالجمال وجوانب الحياة الأخرى أنه بدأ بتعلم الكلام.

وعاش حياة معتمدة على الصيد والتقاط الثمار, فتنقل باستمرار, ومن الأماكن الأولى القليلة التي استقر فيها جبل الكرمل في فلسطين, ومدينة أبوحورية في سوريا وجنوب اليابان الذي تميز بأجواء دافئة وممطرة. ثم بدأ بالاهتمام في الزراعة حيث أنها تعتبر مصدر للطعام يمكن التحكم فيه مقارنة مع الصيد, وبالتزامن مع الزراعة ابتدأ في تدجين بعض الحيوانات, وكانت هذه الحقبة تسمى بالعصر الحجري أو "العصر النيوليثي" بسبب اعتمادهم على الحجر في صناعة أدواتهم.


في الفصل الثاني يبدأ الحديث عن بداية الحضارات التي أنشأها الإنسان. وكان السومريون أول من شيد حضارة قبل ٦٠٠٠ سنة في بلاد الرافدين وكانت تضم عشرات الآلاف من السكان وظهرت أول مدينة فيها قبل أكثر من ٤٠٠٠ سنة وتعرف باسم مدينة عبيد Ubaid.
والمقصود بالحضارة تلك المجتمعات الكبيرة التي يرتبط بها أفرادها من خلال دفع الضرائب أو العمل أو إعلان الولاء لها, ويظهرون إحترامهم لقادتهم. وظهرت العديد من الحضارات في أماكن مختلفة مثل الصين والهند والشرق الأوسط. وكانت تطلق تسمية البرابرة على أي مجاميع بشرية تزاول الصيد وتعيش خارج تلك الحضارات.
في هذه الحقبة انتقل الإنسان من البستنة (نثر البذور وانتظارها لتنمو وتثمر بعد نزول المطر) إلى الزراعة الحقة بحرث الأرض من خلال الثيران ونثر الحبوب بآلة ترمي البذور إلى الشقوق على فترات منتظمة. ومن أهم الانجازات الأخرى للحضارات الأولى الكتابة واستخدام العملات المالية (كانت في البداية عملة طينية تعادل حيوانات أو ثمار).


في الفصل الثالث يستمر المؤلف في سرد مسار التطور التقني عند الحضارات المختلفة من الفترة ١٥٠٠ ق م إلى عام ٥٠٠ ميلادي. ونلاحظ في هذه الفترة الانتقال من استخدام الحجر لتصنيع الأدوات إلى الحديد الذي مكنهم من عمل أسلحة أقوى. وفي هذه الفترة كان الرومان متفوقون في الهندسة المدنية بشكل كبير, حتى أنهم اكتشفوا مادة البوزولانا الإسمنتية (تراب بركاني ممزوج بالكلس) والتي مكنتهم من بناء مباني ظلت مشيدة لألفي سنة. ولكن تكنولوجيا صناعة الإسمنت أهملت بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية ولم يلتفت إليها إلا في القرن التاسع عشر. ومن أهم إنجازات هذه الفترة هي استخدام المركبات ذات العجلات وتدجين الجياد.


في الفصل الرابع الذي يركز على القرن الخامس الميلادي إلى القرن الخامس عشر نلاحظ فيه ظهورا وتفوقا للحضارة الصينية, التي أعطت العالم الورق والبوصلة, وزرعت الرز بمهارة عالية وابتكروا اللجام للتحكم في الجياد من دون أن تتعرض للاختناق. وفي الشرق الأوسط نشط العرب في التجارة وكانت لهم مدن كبرى مزدهرة كبغداد والقاهرة وقرطبة, فبغداد وحدها كان يقطنها مليون نسمة بالمقارنة مع مدن أوروبا الغربية مثل لندن وباريس وروما حيث كان عدد سكانهم مجتمعين ٦٠ ألف نسمة.  وتفوق العرب  في الفلك والرياضيات والطب وباستيعاب معارف الحضارات السابقة.


الفصل الخامس يرصد الفترة بين القرن الرابع عشر حتى التاسع عشر والذي صنعت فيه الصين البارود الذي سماه العرب الثلج الصيني, وصنعت سفنا كبيرة تصل لأكثر من ١٢٠ مترا. ولأمر لازال مجهولا, تخلصت الصين من سفنها في القرن السادس عشر وانغلقت على نفسها. وخلال تلك الفترة طور الأتراك (الدولة العثمانية) أنواعا من المجانيق وكانت جيوشها هي الأفضل في أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر. هذا النمو التقني حول العالم أخذ في التباطؤ والتقهقر, فالصين تأثرت بحروب المغول الذين كان لهم اهتمام شديد في التسلح وتبني أشد التكتيكات القتالية نجاعة ولعلهم أسرع أمبراطورية توسعت في التاريخ. وأما العرب فبدأو بالتصرف بشكل محافظ وحذر تجاه أي تقنية جديدة, فالطباعة بالأحرف المتحركة التي ابتكرها يوهانس غوتنبرغ في منتصف القرن الخامس عشر (والتي كان لها دور ملحوظ في عصر التنوير في أوروبا)  لم يسمح الأتراك بإستعمالها داخل أراضيهم حتى القرن الثامن عشر.


الفصل السادس يركز على الثورة الصناعية الأولى من ١٧٥٠ إلى ١٨٦٩ حيث ابتكرت محركات البخار وتم تسخير الفحم الحجري. وعبرت أول سفينة بخارية المحيط الأطلسي عام ١٨٣٨. وكانت ابتكارات أوروبا التقنية تنصب حول الميكنة والأتمتة لتسريع الإنتاج وتسهيله, في المقابل نجد أن الصين لم تكترث كثيرا للسير بهذا المسار بسبب التعداد السكاني الكبير وتوفر عدد كافي من الأيدي العاملة. وفي هذه الحقبة اخترعت البطارية من قبل فولتا وتم ربط المدن سلكيا لإرسال رسائل نصية من خلال نظام التلغراف الذي ابتكره صامويل مورس.

في الفصل السابع نلاحظ تسارعا أكبر في وتيرة التطور التقني, ففي الفترة ما بين العام ١٨٦٩ و ١٩٣٩ سهل استخدام الفولاذ من صناعة السفن وبناء شبكات السكك الحديدية, وتمكن العالم من التواصل هاتفيا وتحقق الحلم البشري في الطيران والذي تطور على نحو متسارع نتيجة للحرب العالمية الأولى.

الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية حتى اليوم يغطيها الفصل الثامن, وفيها طورت قنابل نووية عدت أنها أضخم شيئ حدث في التاريخ, وبسسب ضغط الحرب لفك تشفير رسائل الألمان  في بريطانيا ولإجراء عمليات حسابية دقيقة متعلقة بالصواريخ الباليستية في الولايات المتحدة الأمريكية, تطور الحاسوب بشكل كبير. وشاع الاهتمام الكبير للربط بين البحوث العلمية والتطبيقات العملانية لها. يقول فانيفر بوش في تقرير إلى الرئيس روزفلت "لا تظهر المنتجات الجديدة ولا الطرق الجديدة جاهزة من تلقاء ذاتها. إذ تركز على مبادئ جديدة ومفاهيم جديدة, وهذان لا يظهران إلا بعملية مضنية من البحث في أكثر حقول العلم الخالص" ص١٧٦.

والتر إزاكسون: خمس سمات للعباقرة الحقيقيين


هذه ترجمتي لهذا الموضوع. مصدر الصورة.







يميل الناس للنظر إلى العباقرة على أنهم متفردون وأن ليس لهم مثيل, حيث لا يمكن تصنيفهم ولا تشبيههم بأحد آخر. هذه بعض الحقيقة, ولكن وفقا لوالتر إزاكسون, رئيس شبكة السي أن أن السابق والذي كتب السيرة الذاتية لبينجامين فرانكلين, وألبرت أينشتاين, ومؤخرا, سيرة ستيف جوبز, هناك عدة سمات شخصية يتشارك فيها العباقرة.

في نيويورك, قام إزاكسون بإلقاء افتتاحيته على المسرح بعنوان "سبعة أيام من مهرجان العبقرية" بمشاركة أفكاره فيما يعتقده حول علامات العبقرية الحقة, بعد أن درس حياة ثلاثة من أكبر العقول العبقرية في العالم.

وهذا ما قاله:

١- لديهم شغف إلى الكمال

أهم ما يجب معرفته حول العبقرية الحقة, يقول إزاكسون, أنها ليست موازية للذكاء. "في لحظة ما في حياتك, سيكون ظاهرا أن الأذكياء متواجدون بكثرة. والذي سوف يميز شخصا ما هو امتلاكه خيالا واسعا. وتفكيره بطريقة مختلفة." قال إيزاكسون.

من هذه الإختلافات أن العباقرة -- ستيف جوبز يعد مثالا ممتازا هنا -- يمتلكون رغبة ملحة في الكمال. ولإيضاح هذه النقطة, ذكر إزاكسون قصة حدثت لستيف جوبز في طفولته عنددما كان يبني سياجا مع والده. أخبره والده, الذي كان ميكانيكي للسيارات, بأهمية صنع باطن السياج بإتقان مثل ظاهره. عندما سأل جوبز الصغير والده, عن أهمية ذلك, طالما أن لا أحد سوف يعلم عنه, جاوبه الأب, "ولكنك تعرف".

أخذ جوبز هذا الدرس معه خلال عمله في شركة أبل, لدرجة التأمل الدقيق في أكثر التفاصيل المخفية, مثل لوحات الدوائر الكهربائية داخل حاسوب الماكنتوش. وهذه, يقول إزاكسون, أحد الأسباب التي جعلت من ستيف جوبز عبقريا. "الفنان الحقيقي يبدي اهتماما حتى للأجزاء الغير مرئية," يقول إزاكسون. لهذا السبب قرر أن يبني شركة كهذه متينة ويمكنها أن تغير العالم. "الكثير من الشركات تضع الأرباح المالية نصب أعينها," يقول إزاكسون. "إذا أردت حقا أن تنشئ شركة قادرة على البقاء, ركز على جودة المنتجات التي تصنعها. إذا ركزت على جودة منتجاتك, الأرباح المالية ستكون هي النتيجة الحتمية."

٢- يحبون البساطة

جمال منتجات أبل هو في بساطتها, والتي يعدها إزاكسون هاجسا آخر يتملك العباقرة. أثناء العمل على تطوير الآييود, صمم ستيف جوبز على أن الوصول لأي أغنية لا يستغرق أكثر من ثلاث خطوات. "أخبر فريق عمله 'لا تعرضونه علي حتى تتمكنون من إنجاز الثلاث خطوات'" قال إزاكسون. من رحم هذه المعضلة, خرج فريق العمل بتصميم متقن لمقود دائري يتيح للمستخدم من التنقل بين الأغنيات, بدلا من النقر عليها.

المقود توافق مع معايير جوبز لتحقيق البساطة. على عكس زر التشغيل\الإغلاق كبير الحجم. "يقول ستيف, 'ما حاجتنا لهذا الزر؟'" الجواب, كما نعلم, أن الآيباد ليس بحاجة لزر تشغيل\إغلاق لكن يمكنه أن يتوقف عن العمل أو يعمل من نفسه.

٣- يدفعون الآخرين إلى القيام بما لا يتوقعون مقدرتهم على فعله

"ستيف كان شخصية بغيضة أثناء العمل لكنه يحيط نفسه بأكثر الأشخاص إخلاصا لعملهم, لأنه يوجههم للقيام بأمور هم أنفسهم لا يدركون قدرتهم على القيام بها" يقول إزاكسون. براعة جوبز تكمن في عدم تسليمه لتردد الآخرين وشكوكهم بأنفسهم. بدلا عن ذلك, حين يقول أحد الموظفين بأن مهمة ما مستحيلة, يكتفي جوبز بالتحديق فيه ويقول, "لا تخف. يمكنك إنجازه." وكان هذا التكتيك الذي مارسه على فريق عمله لإقناعهم بحذف ١٠ ثواني من زمن بدء التشغيل للماكنتوش الأصلي. في النهاية, بالرغم من اعتبارهم إياه أمرا مستحيلا, تمكنوا من حذف ٢٨ ثانية من زمن إقلاع نظام التشغيل. "جوبز يمكنه أن يقود الآخرين إلى الجنون," يقول إزاكسون, "لكنه أيضا يمكنه من أن يقودهم إلى القيام بأمور لم يكونوا يدركون أبدا مقدرتهم على القيام بها."

٤- يتحدون العباقرة الآخرين

إزاكسون عرف هذه السمة الخاصة بالعباقرة من إلبرت أينشتاين. وأينشتاين جاء بعد عدة قرون من إسحق نيوتن, والذي يعد أيضا من أصحاب العقول العظيمة التي أنتجت عدة نظريات نالت أعلى درجات التقدير في المجتمع العلمي في زمن أينشتاين. لكن من خلال تحدي نظرية واحدة من نظريات نيوتن, يقول إزاكسون, تمكن أينشتاين من التوصل إلى نظريته النسبية.

"يقول نيوتن بأن الزمن يسير ثانية بعد ثانية, بغض النظر عن كيفية إدراكنا له," يقول إزاكسون. أينشتاين, بالمقابل, رفض أن يأخذ هذه النظرية حرفيا. لكنه طور النظرية التي تقول بأن الزمن نسبي مقابل حركتنا. "مقدرته على التفكير بطريقة مغايرة, والتفكير خارج الصندوق, هما اللذان صنعا منه أينشتاين." يقول إزاكسون.

٥- يُقَدرون التنوع

بين فرانكلين, يقول إزاكسون, يمتلك ميزة لا يعدها الكثيرون من مميزات العباقرة. عبقريته تكمن, كما يقول إزاكسون, في التسامح. "كان يعلم بأنك لو أنشأت مجتمعا متنوعا بشدة وكل شخص فيه متسامح مع الآخر فسيعود ذلك على فائدة المجتمع وجعله أقوى." يقول إزاكسون.

مع التسامح يأتي التواضع والقدرة على تقبل آراء الآخرين. "معضم الأعمال الإبداعية تأتي من مجموعة من الأشخاص الذين يتبادلون أدوار بعضهم بعضا, والذين يسترون مواطن ضعفهم, ويعززون من مواطن قواهم." يقول إزاكسون. "مرة تلو الأخرى ستلاحظ حكمة فرانكلين, التي تربط الناس بعضهم ببعض, وهذا جانب من عبقريته."

آيدا لوفلس - ساحرة الأرقام





لننسى هذا العالم بمتاعبه, وإن أمكن بكل دجّاليه. فكل شيء إلى زوال إلا ساحرة الأرقام.
تشارلز بابيج




نشأتها

ولدت الكاتبة والرياضية الإنجليزية أوغستا آيدا بيرون (المعروفة لاحقا بإسم آيدا لوفلس) عام 1815 في لندن, وهي الإبنة الشرعية الوحيدة للشاعر الإنجليزي اللورد بايرون, الذي انفصل عن أمها بعد شهر واحد من ولادتها ليهاجر بعدها من بريطانيا حيث لم يلتقي بها أبدا. وقامت أمها بتغذية الإهتمام الموجود عند ابنتها في الرياضيات والمنطق لكون الأم تحمل شخصية متباينة مع شخصية والدها الشاعر الشهير اللورد بايرون حيث أنها تستعين بالتحليل والنظر إلى الحقائق وبناء القرارات على أساس موضوعي.
امتلكت آيدا عقلا علميا وخيالا واسعا, حتى أنها في طفولتها قررت الطيران, فشرعت  بتصمم آلة للطيران وقامت بقياس حجم أجنحة العصافير بالمقارنة مع أجسادها وكانت تنوي تأليف كتاب في ما أسمته علم الطيران "فلاي-يولوجي". وفي أواخر حياتها كان لها اهتمام لعمل نموذج رياضي لكيفية ظهور الخواطر والأفكار ولكيفية عمل الدماغ. من اهتماماتها الواسعة أيضا الموسيقى وكانت تعزف على القيثار وتحب ركوب الخيل, وكذلك تتقن الإيطالية.

بالرغم من اهتمامها الشديد في الرياضيات إلا أنها كانت أيضا مهتمة بالميتافيزيقيا وكانت تعدها إلى جانب الرياضيات, أدواتها لسبر أغوار العالم المجهول. وكان لها اهتمامات بالفراسة وبالتنويم الإيحائي الذي كانت تستعين به على التخفيف  من آلام السرطان في أواخر حياتها.



توفي أبوها وهي بعمر الثامنة, وكانت أخر الكلمات التي قالها: "يالإبنَتي المسكينة! عزيزتي آيد! أيها الرب, هل لي أن أنظر إليها! أرسل لها بركاتي…"

عندما بلغت سن الثالثة عشر أصيبت بالحصبة مما أفقدها القدرة على الحركة, ولزمت الفراش لما يقارب أربع سنوات, وخلال هذه الفترة وضعت لها أمها مدرسة خصوصية لتعلمها من خلال المراسلات أحيانا من خلال الزيارات أحيانا أخرى. وعندما تعافت آيدا وهي بعمر السابعة عشر استبدلت معلمتها بأكثر من معلم خصوصي لتتعلم اللغة اللاتينية والموسيقى والكيمياء. وبالرغم من أن أمها كانت تراقبها مراقبة شديدة إلا أنها تمكنت من تكوين علاقة غرامية مع أحد معلميها, بل وحاولت الهرب معه وهي بعد ابنة ١٧ ربيعا!

تشارلز بابيج

تكونت شهرة آيدا عبر كل هذه العقود بسبب عملها مع تشارلز بابيج في المحرك التحليلي وهو الحاسوب الذي كان يسعى بابيج لتطويره. فعندما لاحظ كيف أن الجداول الحسابية المستخدمة للملاحة وغيرها تحوي أخطاءً كثيرة بالرغم من أنها تُراجَع ويُتأكد منها من قبل أكثر من شخص, ولكن يظل العمل البشري لا يخلو من الأخطاء ومهما حاول فستكون هناك نسبة ولو ضئيلة من الأخطاء. لذا قرر أن يصنع آلة تقوم بالحسابات بشكل آلي, فبدأ بتصميم آلة حاسبة أسماها محرك الفارق, ولكن بسبب قصور في التمويل وبعض المشاكل في التصنيع ترك هذا المشروع ليبدأ بمشروع أشمل وأضخم منه وهو المحرك التحليلي, والذي يعتبر حاسوب للأغراض العامة ولكنه يختلف عن حواسيبنا اليوم بأنه يقوم بعملياته الحسابية من خلال التروس الميكانيكية. بل إنه احتوى على الهيكلية الحاسوبية التي ما زالت تستخدم حتى اليوم, فصمم بابيج وحدة للمعالجة أسماها المصنع ووحدة لتخزين المعلومات أسماها المخزن ووسيلة إدخال وإخراج المعلومات من خلال البطاقات المثقوبة.

في إحدى حفلات العشاء عام ١٨٣٣, التقت لوفلس ببابيج لأول مرة ودعاها ليريها المحرك الفارق وليشرح لها عن كيفية عمله, فقد كان بابيج حينذاك يحيي أمسيات علمية أسبوعية, تحضرها ألمع العقول في ذلك الوقت مثل تشارلز داروين, ومايكل فاراداي و تشارلز ديكنز.
واستمرت لقائاتهما معا, حيث أصبحت آيدا مأخوذة بالمحرك الفارق وأعجبت بأفكار بابيج وتصوراته حول أهمية الرياضيات وحضرت بداية أفكاره التي قرر عندها أن يطور ما هو أفضل من محرك الفارق وهو المحرك التحليلي. وكان بابيج يطلق عليها أكثر من لقب مثل "السيدة الخرافية" و "ساحرة الأرقام".

في عام ١٩٣٥ تزوجت آيدا وهي بعمر ١٩ من وليام كنغ وهو كذلك من أسرة ارستقراطية, ورزقت بولدين وبنت.




إنجازاتها

طلب بابيج من آيدا أن تترجم كتابات الرياضي الإيطالي لويجي مينابري  الذي شرح من خلالها طريقة عمل المحرك التحليلي, وعندما انتهت من ترجمتها بعد عدة أشهر كانت قد تركت في ختامها ملاحظات تفوق حجم النص الأصلي بثلاث مرات. وترجع أهمية آيدا التاريخية إلى ما سطرته في هذه الملاحظات, حيث تنبأت فيها بإمكانية عمل الحواسيب في أي مجال وليس فقط لحساب الأرقام, وبأنه سيتمكن من حل أي مشكلة إذا ما قدمت له القواعد السليمة, بل وسيتمكن من عزف الموسيقى. دعونا لا ننسى أنها قالت هذا الكلام والمحرك التحليلي لم يعمل بعد, وكان هذا في عام ١٨٤٣ أي قبل قرن من تطوير أول حاسوب إلكتروني. ففاق نظرها وخيالها العلمي جميع معاصريها بما فيهم بابيج نفسه.
في نفس الملاحظات دونت طريقة لحل ما يعرف بأرقام بيرنولي من خلال المحرك التحليلي, وهو ما يعد أول خوارزمية مدونة, لهذا تعتبر آيدا أول مبرمجة في العالم. ووفقت في إختيارها لأرقام بيرنولي لأن من خلالها يمكن أن تتبين قدرات المحرك التحليلي كحاسوب والفرق بينه وبين أي آلة حاسبة عادية, فلحساب أرقام بيرنولي يجب إجراء عدة عمليات حسابية ثم أخذ الناتج منها وإستخدامه في عمليات حسابية أخرى, وهذه الخاصية لا يمكن إجرائها من قبل آلة حاسبة عادية بل ولا حتى المحرك الفارق الذي كان بابيج يعمل على تطويره قبل أن يتركه ويتجه لتصميم المحرك التحليلي. وكان الفيزيائي التجريبي مايكل فاراداي أحد المعجبين بكتاباتها في ذلك الوقت.

وفاتها

بعد معاناتها مع سرطان الرحم توفت آيدا لوفلس في ١٩٥٢ وهي لازالت بعمر ٣٦ ودفنت بجوار قبر أبيها كما طلبت. وأطلقت وزارة الدفاع الأمريكية أسم آيدا  Ada على إحدى لغات البرمجة في نهاية السبعينيات تكريما لها. واستحدثت جمعية الحاسوب البريطانية ميدالية بإسمها منذ عام ١٩٩٨. ومنذ عام ٢٠٠٩ تم إطلاق يوم بإسم يوم آيدا السنوي للإحتفاء بدور المرأة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.


مراجع

Ada, the Enchantress of Numbers: Poetical Science by Betty Alexandra Toole