آيدا لوفلس - ساحرة الأرقام





لننسى هذا العالم بمتاعبه, وإن أمكن بكل دجّاليه. فكل شيء إلى زوال إلا ساحرة الأرقام.
تشارلز بابيج




نشأتها

ولدت الكاتبة والرياضية الإنجليزية أوغستا آيدا بيرون (المعروفة لاحقا بإسم آيدا لوفلس) عام 1815 في لندن, وهي الإبنة الشرعية الوحيدة للشاعر الإنجليزي اللورد بايرون, الذي انفصل عن أمها بعد شهر واحد من ولادتها ليهاجر بعدها من بريطانيا حيث لم يلتقي بها أبدا. وقامت أمها بتغذية الإهتمام الموجود عند ابنتها في الرياضيات والمنطق لكون الأم تحمل شخصية متباينة مع شخصية والدها الشاعر الشهير اللورد بايرون حيث أنها تستعين بالتحليل والنظر إلى الحقائق وبناء القرارات على أساس موضوعي.
امتلكت آيدا عقلا علميا وخيالا واسعا, حتى أنها في طفولتها قررت الطيران, فشرعت  بتصمم آلة للطيران وقامت بقياس حجم أجنحة العصافير بالمقارنة مع أجسادها وكانت تنوي تأليف كتاب في ما أسمته علم الطيران "فلاي-يولوجي". وفي أواخر حياتها كان لها اهتمام لعمل نموذج رياضي لكيفية ظهور الخواطر والأفكار ولكيفية عمل الدماغ. من اهتماماتها الواسعة أيضا الموسيقى وكانت تعزف على القيثار وتحب ركوب الخيل, وكذلك تتقن الإيطالية.

بالرغم من اهتمامها الشديد في الرياضيات إلا أنها كانت أيضا مهتمة بالميتافيزيقيا وكانت تعدها إلى جانب الرياضيات, أدواتها لسبر أغوار العالم المجهول. وكان لها اهتمامات بالفراسة وبالتنويم الإيحائي الذي كانت تستعين به على التخفيف  من آلام السرطان في أواخر حياتها.



توفي أبوها وهي بعمر الثامنة, وكانت أخر الكلمات التي قالها: "يالإبنَتي المسكينة! عزيزتي آيد! أيها الرب, هل لي أن أنظر إليها! أرسل لها بركاتي…"

عندما بلغت سن الثالثة عشر أصيبت بالحصبة مما أفقدها القدرة على الحركة, ولزمت الفراش لما يقارب أربع سنوات, وخلال هذه الفترة وضعت لها أمها مدرسة خصوصية لتعلمها من خلال المراسلات أحيانا من خلال الزيارات أحيانا أخرى. وعندما تعافت آيدا وهي بعمر السابعة عشر استبدلت معلمتها بأكثر من معلم خصوصي لتتعلم اللغة اللاتينية والموسيقى والكيمياء. وبالرغم من أن أمها كانت تراقبها مراقبة شديدة إلا أنها تمكنت من تكوين علاقة غرامية مع أحد معلميها, بل وحاولت الهرب معه وهي بعد ابنة ١٧ ربيعا!

تشارلز بابيج

تكونت شهرة آيدا عبر كل هذه العقود بسبب عملها مع تشارلز بابيج في المحرك التحليلي وهو الحاسوب الذي كان يسعى بابيج لتطويره. فعندما لاحظ كيف أن الجداول الحسابية المستخدمة للملاحة وغيرها تحوي أخطاءً كثيرة بالرغم من أنها تُراجَع ويُتأكد منها من قبل أكثر من شخص, ولكن يظل العمل البشري لا يخلو من الأخطاء ومهما حاول فستكون هناك نسبة ولو ضئيلة من الأخطاء. لذا قرر أن يصنع آلة تقوم بالحسابات بشكل آلي, فبدأ بتصميم آلة حاسبة أسماها محرك الفارق, ولكن بسبب قصور في التمويل وبعض المشاكل في التصنيع ترك هذا المشروع ليبدأ بمشروع أشمل وأضخم منه وهو المحرك التحليلي, والذي يعتبر حاسوب للأغراض العامة ولكنه يختلف عن حواسيبنا اليوم بأنه يقوم بعملياته الحسابية من خلال التروس الميكانيكية. بل إنه احتوى على الهيكلية الحاسوبية التي ما زالت تستخدم حتى اليوم, فصمم بابيج وحدة للمعالجة أسماها المصنع ووحدة لتخزين المعلومات أسماها المخزن ووسيلة إدخال وإخراج المعلومات من خلال البطاقات المثقوبة.

في إحدى حفلات العشاء عام ١٨٣٣, التقت لوفلس ببابيج لأول مرة ودعاها ليريها المحرك الفارق وليشرح لها عن كيفية عمله, فقد كان بابيج حينذاك يحيي أمسيات علمية أسبوعية, تحضرها ألمع العقول في ذلك الوقت مثل تشارلز داروين, ومايكل فاراداي و تشارلز ديكنز.
واستمرت لقائاتهما معا, حيث أصبحت آيدا مأخوذة بالمحرك الفارق وأعجبت بأفكار بابيج وتصوراته حول أهمية الرياضيات وحضرت بداية أفكاره التي قرر عندها أن يطور ما هو أفضل من محرك الفارق وهو المحرك التحليلي. وكان بابيج يطلق عليها أكثر من لقب مثل "السيدة الخرافية" و "ساحرة الأرقام".

في عام ١٩٣٥ تزوجت آيدا وهي بعمر ١٩ من وليام كنغ وهو كذلك من أسرة ارستقراطية, ورزقت بولدين وبنت.




إنجازاتها

طلب بابيج من آيدا أن تترجم كتابات الرياضي الإيطالي لويجي مينابري  الذي شرح من خلالها طريقة عمل المحرك التحليلي, وعندما انتهت من ترجمتها بعد عدة أشهر كانت قد تركت في ختامها ملاحظات تفوق حجم النص الأصلي بثلاث مرات. وترجع أهمية آيدا التاريخية إلى ما سطرته في هذه الملاحظات, حيث تنبأت فيها بإمكانية عمل الحواسيب في أي مجال وليس فقط لحساب الأرقام, وبأنه سيتمكن من حل أي مشكلة إذا ما قدمت له القواعد السليمة, بل وسيتمكن من عزف الموسيقى. دعونا لا ننسى أنها قالت هذا الكلام والمحرك التحليلي لم يعمل بعد, وكان هذا في عام ١٨٤٣ أي قبل قرن من تطوير أول حاسوب إلكتروني. ففاق نظرها وخيالها العلمي جميع معاصريها بما فيهم بابيج نفسه.
في نفس الملاحظات دونت طريقة لحل ما يعرف بأرقام بيرنولي من خلال المحرك التحليلي, وهو ما يعد أول خوارزمية مدونة, لهذا تعتبر آيدا أول مبرمجة في العالم. ووفقت في إختيارها لأرقام بيرنولي لأن من خلالها يمكن أن تتبين قدرات المحرك التحليلي كحاسوب والفرق بينه وبين أي آلة حاسبة عادية, فلحساب أرقام بيرنولي يجب إجراء عدة عمليات حسابية ثم أخذ الناتج منها وإستخدامه في عمليات حسابية أخرى, وهذه الخاصية لا يمكن إجرائها من قبل آلة حاسبة عادية بل ولا حتى المحرك الفارق الذي كان بابيج يعمل على تطويره قبل أن يتركه ويتجه لتصميم المحرك التحليلي. وكان الفيزيائي التجريبي مايكل فاراداي أحد المعجبين بكتاباتها في ذلك الوقت.

وفاتها

بعد معاناتها مع سرطان الرحم توفت آيدا لوفلس في ١٩٥٢ وهي لازالت بعمر ٣٦ ودفنت بجوار قبر أبيها كما طلبت. وأطلقت وزارة الدفاع الأمريكية أسم آيدا  Ada على إحدى لغات البرمجة في نهاية السبعينيات تكريما لها. واستحدثت جمعية الحاسوب البريطانية ميدالية بإسمها منذ عام ١٩٩٨. ومنذ عام ٢٠٠٩ تم إطلاق يوم بإسم يوم آيدا السنوي للإحتفاء بدور المرأة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.


مراجع

Ada, the Enchantress of Numbers: Poetical Science by Betty Alexandra Toole