ست رسائل لم أرسلها إليك









ترجمة: علي الصباح





أهلا!




1. مرّت عدّة أشهر منذ آخر محادثة بيننا. محادثة حقيقية. من تلك المحادثات التي اعتدنا عليها, التي أحب, وتبهجني. ذلك النوع من المحادثات الذي جذبني إليك. قراءة تلك الصفحات من الرسائل النصية أمر جميل وممتع, إلا أنه في نفس الوقت يحزنني. لم أتوقع أن ذلك اليوم سيكون آخر يوم أستمتع فيه بمحادثتك. لو أعرتك انتباها أكثر في ذلك اليوم, هل كنتُ سأرى علامات تدل على أنها آخر محادثة؟ لا أدري. ما يشغل تفكيري الآن هو مدى الفظاعة التي نقصي بها الأشخاص بعيدا عنا. كم هو فظيع أن تتعرض للإقصاء. لماذا لم نعد نتحدث معا؟ لماذا توقفت عن الحديث معي؟ كم أتمنى لو أستطيع الحصول على سبب ولو كان واهيا...





2. أتساءل كيف هي حياتك منذ ذلك اليوم. هل انتقلت إلى وظيفة جديدة؟ أو مازلت تفعل ما اعتدت القيام به؟ هل ما زلت هنا أو سافرت إلى بلد ما؟ هل مازلت تزاول الأشياء التي أعرف أنك تهواها أم أنك اكتشفت هوايات جديدة؟ كثيرا ما أشعر برغبة للاتصال بك, كنت على وشك أن أضغط زر الاتصال. لكنني خشيت أن لا ترد, خشيت أن تلغي الاتصال. لكنني كنت على وشك أن أفعل. كنت دائما ما أذكّر نفسي بأنك, إذا ما أردت الاتصال, ستفعل. كل ما في الأمر أنني افتقدت نغمة التنبيه الشخصية التي اخترتها, ونغمة الاتصال حين يكون المتصل أنت.





3. كما تعلم, هناك دائما شيء حولي يذكرني بك. سواء كنت في المنزل, العمل, المقهى, أو في مطعم… هناك دائما شيء ما يجعلني أتذكرك. يجعلني أشعر كالبلهاء. أحيانا أتمنى أن أصادفك في الأماكن التي اعتدنا الذهاب إليها, وفي أوقات أخرى أتمنى أن لا أصادفك, لأنني لستُ واثقة من ردة فعلي أو مشاعري حين أراك. بعد نهاية كل يوم عمل, وأنا في طريقي إلى المنزل, أمر بمكان يذكرني بك جدا. ذلك المرور دائما ما يرسم ابتسامة على وجهي, لكن مؤخرا, يجعل شفتي تتقوسان للأسفل.





4. ستبقى دائما واحدا من أكثر الأشخاص المحبوبين إليّ. دائما. أرجو أن تكون قادرا في يوم ما أن تسامحني إن كنت, بأي شكل من الأشكال, أسأت إليك. مازلت أتمنى لو كان بإمكاننا أن نظل أصدقاء. سأتنازل عن أي شيء مقابل فرصة ثانية. اللعنة, كم أفتقدك بجنون!





5. شكرا لك, أنا حقا أرجو أن تكون سعيدا. حسنا! أعرف أنك سعيد. يجب أن تكون. ليس ثمة شيء تريده ولا يمكنك أن تناله. ليس ثمة شيء تريد ممارسته وهناك من يمنعك عنه. لديك كل شيء ويمكنك الحصول على أي شيء, لذا أتمنى أن كل أحلامك تتحقق.





6. في النهاية, لم أتفوه بها قط, لكن نعم, أحبك. أحبك جدا.

قصة قصيرة: أشياء



انتابها فزعٌ شديدٌ عندما عرفت أنّ زوجها يُريد التّخلّص من كلّ شيءٍ لا يحتاجُ إليهِ ولا يجلب له السّعادة؛ فبعدما عاد إلى البيت ظهر الخميس -كان قد استقال من عمله- أغلقَ غرفته على نفسهِ وفتحَ كلّ الخزائن والأدراج وأخرج ما فيها.
وجدَ كميّةً كبيرةً من الملابس الّتي لم تعد تُلائم جسده، وأخرى لم يستخدمها لأكثر من سنة. وجد ثوب التّخرج الأسود مع قبّعته. أخرج أجهزةً إلكترونيّة تعودُ إلى سنواتِ الطّفولة، وهواتف قديمة وحواسيب لم تعُد تُومض، وكومةً من الكتبِ الدّراسيّة وآلة عود. وجدَ أوراقًا تعودُ إلى المرحلةِ الثّانويّة بعضها عليها كلماتٌ أغانٍ لتوپاك Tupac وأخرى عليها خطوطٌ مُلتويةٌ لا معنى لها، وألبوم صورٍ التقطها باستخدام (كاميرا) فوريّة في إحدى سفراته، ومجموعة أقراصٍ مُدمجةٍ تحتوي على أغانٍ وأفلامٍ مُقرصنة، وكوبًا من السيراميك كان قد أُهدي لهُ في عيد ميلاده يُظهرُ صورتهُ القديمة عند ملئه بالماء السّاخن، ووجد خمس حقائب سفر  احتفظ بإحداها وهي من نوع (سامسونايت) لا يذكر متى آخر مرّةٍ استخدمها، ونسخةً قديمةً من شجرةِ العائلة عليها إضافات بخطّ يده، ونقودًا معدنيّة جمعها من أكثر من دولةٍ، ومحفظةً قديمةً وجواز سفرٍ منتهٍ، وعددًا وافرًا من الفواتير.
عندما غابتِ الشّمسُ في ذلك اليوم؛ ارتفعتْ عند عتبةِ المنزل الخارجيّة أكوامٌ من الأكياس. راوده شعورٌ لذيذ بالتخفف في أثناء سيرهِ إلى (ستاربكس) القريب من منزلهِ، حاملًا في يده رواية «الخيميائي» لپاولو كويلو؛ ليقرأها للمرّةِ الثّانية.
في صباح الجُمعة كوّم عددًا من ساعاتِ اليد ونظّاراتٍ شمسيّةٍ وقدّاحاتٍ وزجاجاتِ عطرٍ في صندوق. ذهب إلى المطبخ حيث وجد معدّات طبخٍ وأدواتِ أكلٍ كثيرةٍ غير مُستخدمة، وأطعمةً بصلاحيّة مُنتهية: خردل، وصلصة معكرونة، وقهوة سريعة التّحضير. شرع يطوف في البيت بحثًا عمّا يُمكن التّخلّص منه، وقرّر أن يتخلّص من السّاعاتِ الطّويلةِ الّتي يقضيها في مُشاهدةِ التّلفزيون ومقاطع الفيديو على الإنترنت أيضًا. تخلّصه من تلك الأشياء أتاح في دماغهِ مساحات شاسعة كانت مُكتظّة بفوضى أصابته بإرباكٍ دائمٍ، وغابتْ عن ذهنه غيمةٌ من الخواطرِ الّتي ظلّت تُلاحقه بوجهٍ شبه يوميّ لعدّة سنوات.
حضّر غداءً سريعًا ثمّ ذهب إلى (ستاربكس) ليُكمل قراءة الرّواية.
استيقظ في يوم السّبت مبكّرًا، وذهب ليجري عند البحر. طبخ ما تبقّى لديه من طعامٍ لغدائه. توجّه بعد العصر إلى (ستاربكس)، وعاد إلى منزلهِ في المساء وبقيت الرّواية في المقهى بعدما أنهى قراءتها. أعدّ الملابس الّتي سيرتديها غدًا، وفور استيقاظهِ... توجّه إلى المطار.