قصة قصيرة: أشياء



انتابها فزعٌ شديدٌ عندما عرفت أنّ زوجها يُريد التّخلّص من كلّ شيءٍ لا يحتاجُ إليهِ ولا يجلب له السّعادة؛ فبعدما عاد إلى البيت ظهر الخميس -كان قد استقال من عمله- أغلقَ غرفته على نفسهِ وفتحَ كلّ الخزائن والأدراج وأخرج ما فيها.
وجدَ كميّةً كبيرةً من الملابس الّتي لم تعد تُلائم جسده، وأخرى لم يستخدمها لأكثر من سنة. وجد ثوب التّخرج الأسود مع قبّعته. أخرج أجهزةً إلكترونيّة تعودُ إلى سنواتِ الطّفولة، وهواتف قديمة وحواسيب لم تعُد تُومض، وكومةً من الكتبِ الدّراسيّة وآلة عود. وجدَ أوراقًا تعودُ إلى المرحلةِ الثّانويّة بعضها عليها كلماتٌ أغانٍ لتوپاك Tupac وأخرى عليها خطوطٌ مُلتويةٌ لا معنى لها، وألبوم صورٍ التقطها باستخدام (كاميرا) فوريّة في إحدى سفراته، ومجموعة أقراصٍ مُدمجةٍ تحتوي على أغانٍ وأفلامٍ مُقرصنة، وكوبًا من السيراميك كان قد أُهدي لهُ في عيد ميلاده يُظهرُ صورتهُ القديمة عند ملئه بالماء السّاخن، ووجد خمس حقائب سفر  احتفظ بإحداها وهي من نوع (سامسونايت) لا يذكر متى آخر مرّةٍ استخدمها، ونسخةً قديمةً من شجرةِ العائلة عليها إضافات بخطّ يده، ونقودًا معدنيّة جمعها من أكثر من دولةٍ، ومحفظةً قديمةً وجواز سفرٍ منتهٍ، وعددًا وافرًا من الفواتير.
عندما غابتِ الشّمسُ في ذلك اليوم؛ ارتفعتْ عند عتبةِ المنزل الخارجيّة أكوامٌ من الأكياس. راوده شعورٌ لذيذ بالتخفف في أثناء سيرهِ إلى (ستاربكس) القريب من منزلهِ، حاملًا في يده رواية «الخيميائي» لپاولو كويلو؛ ليقرأها للمرّةِ الثّانية.
في صباح الجُمعة كوّم عددًا من ساعاتِ اليد ونظّاراتٍ شمسيّةٍ وقدّاحاتٍ وزجاجاتِ عطرٍ في صندوق. ذهب إلى المطبخ حيث وجد معدّات طبخٍ وأدواتِ أكلٍ كثيرةٍ غير مُستخدمة، وأطعمةً بصلاحيّة مُنتهية: خردل، وصلصة معكرونة، وقهوة سريعة التّحضير. شرع يطوف في البيت بحثًا عمّا يُمكن التّخلّص منه، وقرّر أن يتخلّص من السّاعاتِ الطّويلةِ الّتي يقضيها في مُشاهدةِ التّلفزيون ومقاطع الفيديو على الإنترنت أيضًا. تخلّصه من تلك الأشياء أتاح في دماغهِ مساحات شاسعة كانت مُكتظّة بفوضى أصابته بإرباكٍ دائمٍ، وغابتْ عن ذهنه غيمةٌ من الخواطرِ الّتي ظلّت تُلاحقه بوجهٍ شبه يوميّ لعدّة سنوات.
حضّر غداءً سريعًا ثمّ ذهب إلى (ستاربكس) ليُكمل قراءة الرّواية.
استيقظ في يوم السّبت مبكّرًا، وذهب ليجري عند البحر. طبخ ما تبقّى لديه من طعامٍ لغدائه. توجّه بعد العصر إلى (ستاربكس)، وعاد إلى منزلهِ في المساء وبقيت الرّواية في المقهى بعدما أنهى قراءتها. أعدّ الملابس الّتي سيرتديها غدًا، وفور استيقاظهِ... توجّه إلى المطار.