نظرية المؤامرة بين توباك ودان براون







الجماعات السرية ونظريات المؤامرة تشكلان مادة خصبة للروايات والأفلام لما تتضمناه من عناصر تشويق. الطبقة المستنيرة Illuminati هي جماعة نشأت في القرن الثامن عشر في بافاريا الألمانية بين مجموعة من العلماء والمفكرين. استهدفت استبدال تعاليم الكنيسة بتعاليم عقلانية. انتشر أتباعها في أوروبا ووصل عددهم إلى ٢٠٠٠ شخص من ضمنهم الأديب الألماني غوته. لكن لم يمضي على تأسيسها عقد من الزمن حتى أصدرت السلطات البافارية مرسوما بحلها. سُجن بعض أعضاؤها وفر مؤسسها خارج بافاريا. بعدها خيّم الصمت على أنشطة الجماعة وتوارت عن الظهور علنًا وليس لدينا دليل على وجودها اليوم. هذا الفراغ الذي خلفه اختفاء أثرها حفّز مخيلة العديدين ليتهمونها بالوقوف وراء أحداث كبرى من الثورة الفرنسية إلى اغتيال كينيدي.

وظّف دان براون معرفته العميقة عن تاريخ الكنيسة والجماعات السرية والفنانين والعلماء في روايته <ملائكة وشياطين> التي تأخذنا في رحلة مشوقة مع بطلها إلى روما والفاتيكان حيث تخطط الطبقة المستنيرة لهجوم ضد الكنيسة يوم تنصيب البابا الجديد. استطاع دان بروان بكمية المعلومات التفصيلية التي يذكرها في روايته أن يقنع القارئ باستمرارية وجود هذه الجماعة حتى اليوم وامتلاكها لسلطات واسعة وقدرات خارقة. ونتج عن ذلك قصة مليئة بالإثارة والتشويق.

بالمقابل نجد مغني الهيب هوب الشهير، توباك، يقول في مقابلة له قبيل وفاته أنه اختار أن يضع حرف k قبل اسم الجماعة لتكون Killuminati في عنوان ألبومه الأخير لأنه يريد أن يقتل فكرة وجودها وسطلتها وتأثيرها على حياة الناس. فتوباك المنغمس في هموم وقضايا الأمريكان من أصول إفريقية حين دخل السجن وسمع ترديد المساجين لحكايات عن الطبقة المستنيرة وتحكمها في العالم، أدرك أن تصديق هذا النوع من الحكايات عن نظريات المؤامرة يلهي الناس عن المشاكل الحقيقية التي يعيشونها مثل العنصرية والفقر وتفشي المخدرات. وتزعزع ثقتهم بأنفسهم وتقلل من تقديرهم لذواتهم، حسب تعبيره.


أحسن دان براون استغلال نظريات المؤامرة بكونها مادة للترفيه والمتعة والإبداع الأدبي. هي مساحة يمكننا أن نترك مخيلتنا تبحر فيها وتكون قالبا لقصة أدبية. أما توباك فأراد أن يضع حدًا لهذه الخيالات حين تتجاوز حدها وتصرف الناس عن معاناتهم الحقيقية. ثبّت قدميه في الواقع الراهن ليتحمل كل منا مسؤولية حياته ومصيره. وقبل أن نخلق مشاكل متخيلة لنصارعها يجب علينا ألا نغفل عن المشاكل الحقيقية التي تملأ عالمنا ويعاني منها الناس.