غريس هوبر - سيدة البرمجيات العظيمة








Come sit, little one
Let me tell you a story
About a girl solving problems
Who never said sorry.

اجلس يا صغيري
لأحكي لك قصة
عن فتاة تحل المعضلات
ولم تعتذر البتة








نشأتها

ولدت عالمة الرياضيات والحاسوب غريس موراي هوبر (أو غرايس المذهلة كما تُلَقَّب) عام ١٩٠٢ في ولاية نيويورك. وعرفت في طفولتها بفضولها إتجاه كيفية عمل الأشياء, ولازمتها هذه الصفة طوال حياتها, فعندما كانت في السابعة من عمرها, أرادت أن تعرف كيف تعمل ساعة المنبه, فقامت بلا تردد بفكها, وعندما تناثرت أجزائها على الأرض ولم تتمكن من رؤيتها وهي تعمل فكّت ستة ساعات أخرى في المنزل حتى انتبهت لها أمها وأوقفتها. وكانت تحب اللعب من خلال تركيب الأشياء وتعلمت العزف على البيانو في طفولتها, وكانت الكتب دائما ما تحتل الأولوية في قائمة الأمنيات لكل كريسماس, فقضت الكثير من الأوقات الصيفية بمزاولة القراءة. وأثناء سنوات الدراسة أحبت الرياضيات كثيرا فتخرجت بشهادة بكالريوس في الرياضيات والفيزياء  ثم أكملت دراستها العليا في جامعة Yale حتى حصلت منها على الدكتوراه عام ١٩٣٤.

خلال الحرب العالمية الثانية, تطوعت غريس في البحرية الأمريكية وعينت برتبة ملازم في مشروع الحوسبة لجامعة هارفارد لتصبح من ضمن فريق البرمجة لحاسوب مارك الأول. وفي عام ١٩٤٩ عملت موظفة في شركة إيكارت-موكلي للحواسيب لتشارك في تطوير حاسوب يونيفاك الأول.


إنجازاتها

طلب المغفرة دائما أيسر من الإستئذان
غريس هوبر


كانت غريس مؤمنة بالحاجة لإيجاد لغة برمجة قريبة من اللغة البشرية لبرمجة الحاسوب من خلال الكلمات بدلا عن الرموز الرياضية كما في لغة الآلة أو لغة التجميع (الأسمبلي) القريبة من لغة الآلة. فبين العامين ١٩٥٢ و ١٩٥٣ وأثناء عملها على تطوير حاسوب يونيفاك طورت كذلك مترجم للغات البرمجة (كمبايلر) أسمته A-0 System ويعد أول مترجم للغات البرمجة, وساهم بعد سنوات قليلة في تطوير لغة كوبول والتي تعد أشهر لغة برمجية للبرامج التجارية ولا زالت تستخدم بشكل واسع حتى اليوم. وصدر منه أكثر من نسخة حتى صدرت نسخة A-2 والذي كانت غريس ترسله للمستخدمين متضمنا للشيفرة المصدرية الخاصة به وكانت تسألهم بأن يضيفوا أي تعديلات يرونها مناسبة له ثم يرسلونها إليها, فكان بشكل ما يعد أيضا من أوائل البرامج الحرة والمفتوحة المصدر (أوبن سورس).


أثناء عملها على تطوير حاسوب مارك الثاني عام ١٩٤٧, وجد مساعدها حشرة عالقة داخل الحاسوب, مما تسبب في إعاقة عمله, وأثناء محاولتهم لإصلاح الخلل, ذكرت غريس في سجل العمل أنهم كانوا يقومون بعمل debugging, أي إزالة الحشرة, وأخذت هذه الكلمة شهرتها منذ ذلك الحين وباتت تستخدم للتعبير عن التنقيح البرمجي وتصحيح المشاكل التي يواجها المبرمج.
أثناء كتابة غريس لتفاصيل العملية في السجل قامت بلصق الحشرة في الدفتر والذي ظل باقيا حتى اليوم في  المعهد السميثسوني في واشنطن دي سي.




وفي إحدى المقابلات معها تحدثت عن طريقة عملها حيث قالت أنه في حال كان لديك فكرة ما ولكنك لست متأكدا من صلاحيتها فلا تستأذن أحدا في تطبيقها ولكن طبقها مباشرة, فإن نجحت سيصفق لك وإن فشلت فيمكنك دوما أن تطلب المغفرة والذي يكون دائما أيسر من الإستذان. وتقول أيضا أنها لم تفكر قط في ما تريد صنعه في حياتها, بل كانت منغمسة في ما تقوم به ومستمرة على هذا النحو, حتى يأتي أمر يحول وجهتها لمسار آخر لا تدري إلى أين سيأخذها ولكنها كانت تعمل باستمرار على هذا النحو.

من أكثر الأمور التي تزعج غريس, الناس الذين لا يتصورون أي إمكانية للتغير وأن الأمور الحالية يجب أن تبقى على حالها لأنها صحيحة هكذا. فعندما طورت مترجم لغات البرمجة (الكمبايلر) لم يصدق أحد بأنه  سينجح بالرغم من أنها قدمت ورقة عنه في أحد الإجتماعات, ولكن لم تتقبل فكرة إمكانية حدوث هذا الأمر إلا بعد مرور عامين من تطويرها له حيث لم يعد يمكن ﻷي أحد أن ينكره. ولهذا تعلق غريس على حائط مكتبها ساعة بعقارب تسير بإتجاه عكسي (من اليمين إلى اليسار) وتخبر عن الوقت بشكل دقيق, لتثبت أن ليس هناك أمر يستدعي عمل الساعات بالطريقة السائدة وأن جميع الأمور الأخرى كذلك.


جوائز وتقديرات

١٩٦٩:  منحت جائزة "شخصية العام في علوم الحاسوب" من رابطة محترفي تقنية المعلومات
١٩٧١:  الإعلان عن بدأ جائزة غريس موراي هوبر لشباب الحاسوب البارعين
١٩٧٢: نالت زمالة متميزة لجمعية الحاسوب البريطانية, وهي أول شخصية تحصل عليها من خارج المملكة المتحدة
١٩٨٢: حصلت على جائزة الإنجاز من الجمعية الأمريكية للنساء الجامعيات
١٩٨٦: حصلت على وسام الدفاع للخدمة المتميزة
١٩٩١: حصلت على الميدالية الوطنية للتكنولوجيا
١٩٩٦: البحرية الأمريكية تطلق أسم "غريس المذهلة" على أحد أساطيلها البحرية
٢٠١٣: تم إقتراح إطلاق اسم "هوبر" على وحدة القياس المساوية لـ ٣٠ سنتيمتر

وحصلت كذلك على ٤٠ شهادة فخرية خلال فترة  حياتها من جامعات  من مختلف أنحاء العالم.


وفاتها






في العام ١٩٦٦ رقيت غريس لرتبة قائد في البحرية الأمريكية, ولكنها في نفس العام بلغت سن الستين سنة وانقضت الفترة القانونية لخدمتها, فتقاعدت غريس من البحرية نهاية العام ذاته, لتعود البحرية في أغسطس ١٩٦٧ لتطلبها للعمل مجددا بصورة مؤقتة والتي امتدت لتصبح غير محددة. ثم رقاها الرئيس الأمريكي رونالد ريغن لرتبة لواء في العام ١٩٨٥ وفي العام الذي تلاه تقاعدت من البحرية. وبعد تقاعدها وظفت كمستشار خبير في شركة ديجيتال إيكويبمنت كوربوريشن DEC.
توفيت غريس في اليوم الأول من شهر يناير ١٩٩٢ وهي نائمة بعد أن بلغت ٨٥ عاما. ودفنت في مقبرة أرلينغتون بفيرجينيا.

Writing on the wall: Social Media - The First 2000 years













اسم الكتاب: Writing on the wall: Social Media - The First 2000 years
المؤلف: توم ستاندج
عدد الصفحات: 288
سنة النشر: 2013



"History Retweets Itself”



الشبكات الإجتماعية غدت في تناول نسبة كبيرة جدا من مستخدمي الإنترنت الذين باتوا يعبرون فيها عن آرائهم وينشرون تفاصيل حياتهم وأصبحت وسيلة للتواصل مع الآخرين وحلت محل الإتصال المباشر في كثير من الأحيان.


يحاول الكاتب بأن يعود لألفي سنة إلى الوراء (إلى جذور الشبكات الإجتماعية) ويحلل أسباب نشوئها وتفسير اندفاعنا إلى إستخدامها. وكذلك  يناقش عدة أسئلة حول مسؤوليتنا في الشبكات الإجتماعية وكيف يجب على أصحاب السلطة أن يتعاملوا تجاه ما ينالهم من انتقادات تأتي من مستخدمي هذه الشبكات؟ وهل الشبكات الإتجتماعية فعلا تؤدي إلى إحلال نظام ديمقراطي حر وتساعد في إنجاح الثورات أم أنها تعطي مستخدميها شعورا كاذبا في الإنجاز يمنعهم من القيام بأعمال أخرى مفيدة؟ وهل الإستخدام المستمر للشبكات الإجتماعية يعد في نفسه عملا لا إجتماعي Antisocial  يؤثر سلبا على علاقاتنا الإنسانية خارجها؟ وهل هي مجرد موضة عابرة يمكننا تجاهلها؟


تبادل ونشر المعلومات داخل المجتمع الإنساني القديم سواء مع الآخرين أو عنهم Gossip (الثرثرة\لنميمة\الإشاعات)  كان له دورا في المحافظة على مكانتهم الإجتماعية داخل هذه المجموعة. فمن خلالها يمكن للفرد أن يرسل رسائل تعبر عن  خبراته ومدى موثوقيته وجدارته بأن يكون حليفا أو قرينا مناسبا. وعندما بدأ الإنسان في الكتابة تمكن من تكبير دائرته الإجتماعية وإرسال هذه المعلومات إلى أشخاص لا يتواجدون معه في نفس المكان أو الزمان. وعندما جائت الإنترنت جعلت هذه العملية أكثر إتقانا وسهولة.


الإنترنت لم تأتِ من فراغ, هي مجرد حلقة في سلسلة من التقنيات التي سبقتها, وهي أحدثهم. ويمكننا تتبع أصول الشبكات الإجتماعية الحالية بالعودة إلى نشأة الثرثرة والتي ظهرت تبعا للغة البشرية (قبل مئة ألف سنة) ثم الكتابة والتي ترجع أصولها إلى خمس آلاف سنة. وهذه الثلاثة, الثرثرة واللغة اوالكتابة, هي المبادئ الأولية الثلاثة لمشاركة المعلومات في الشبكات الإجتماعية عبر العصور.


هذا الطغيان الكبير لهذه الشبكات يجعلنا نتسائل مرارا عن فوائدها, أو في كثير من الأحيان سلبياتها, وكيف أنها أثرت على علاقاتنا مع من هم في محيطنا, وقد ينظر لها بنفس النظرة التي وجدت في المجتمع اليوناني القديم اتجاه الكتابة, حيث كان سقراط يشدد على أهمية نقل المعرفة شفهيا لأن من خلال الكتابة سيفتقد الناس إلى القدرة على التذكر وهذا يعود بنا إلى ما يحدث الآن مع ما فعلته الإنترنت بنا حيث باعتمادنا عليها لم نعد بحاجة لتذكر الكثير من الامور ما دام يمكننا دائما الدخول إلى محرك البحث قوقل والعثور على ما نريد.


كان للرومان في القرن الأول قبل الميلاد جريدة رسمية تسمى Acta Diurna تغطي أخبارا كثيرة من السياسة إلى الأمور الإجتماعية وكانت تطبع منها نسخة واحدة فقط ويقوم قرائها بعملية نسخها ونشرها كل يوم. وعلى حوائط المدينة العديد من الكتابات أو ما يعرف بالغرافيتي Graffiti وقد تحتوي على رسائل سياسة تدعم مرشحا في الإنتخابات, وبعضها يحمل دلالات ساخرة أو إباحية, وأخرى لها طابع شخصي جدا شبيهة بالكتابات المعاصرة لما يعرف بتحديث الحالة Status Update في الشبكات الإجتماعية, وهناك بعض الغرافيتي التي تحتوي على نصائح أو حكم أو أقوال شهيرة, وبعضها وُجد بشكل متكرر على عدة حوائط, وهناك رسائل كتبت لأشخاص محددين بالإسم, وهذه عينة لما يمكن للسائر في الطرقات أن يراه على الحوائط:


  • صاغة الذهب يجمعون على ترشيح غايوس كسبيوس بانسا كمسؤول للبلدة"
  • نكحت العديد من النساء هنا"
  • في نوتشيرا, ربحت 8552 دينار من خلال اللعب, لعب نظيف"
  • في 19 أبريل, صنعت خبزا".
  • لا يكون المرء باسلا حتى يحب"
  • "يا لوسيوس إستاسيدوس, من لا يدعوني على العشاء أعده شخصا غريبا"
  • "من فيرغولا إلى صديقها تيرتيوس: أنت مقرف"


وبعض الأحيان هذه العبارات ينتج عنها ردود وتعليقات, فقد قام شقيقان بكتابة رسالة على حائط منزل صديق مشترك ليأتي بعد فترة الأخ الآخر ويترك رده تحتها.



ينقل لنا القرن السادس العشر قصة نجد فيها الحضور الطاغي لسلطة مشاركة المعلومات الفردية وقوتها. بطلها هو مارتن لوثر الذي كانت له عدة اعتراضات على الكنيسة انتهت بالإنشقاق عنها وظهور المذهب البروتستانتي, طرحها بعد أن سبقه أشخاص آخرون لم ينتهوا بإعتراضهم على الكنيسة كما انتهى الحال مع لوثر, لحسن استغلاله لأحدث تقنيات وسائل الإعلام الجديدة التي ابتكرت قبل نصف قرن تقريبا من نشر اعتراضاته على الكنيسة وهي تقنية طباعة الكتب.


لم يستطع لوثر أن يتقبل فكرة بيع صكوك الغفران من الكنيسة, فوضع قائمة من ٩٥ أطروحة وطلب من البابا مناقشتها, ومما جاء فيها تساؤله للبابا عن سبب عدم إفراغه للأعراف من كل من فيها إن كان بإستطاعته ذلك؟ وتسائل إن كان من اللائق للبابا أن يستخدم أموال الفقراء التي دفعت لصكوك الغفران في بناء كنائس فخمة إلى حد الإسراف؟  وقام لوثر بلصق هذه القائمة على باب إحدى الكنائس طالبا المناظرة حولها. ويمكننا مقارنة هذا الفعل بما يعرف في تويتر اليوم بالهاش تاق, فحصل تبادل للآراء سواء من مؤيدين البابا أو مؤيدين لوثر وقام العديد من الناس بنسخ وتوزيع هذه الردود, وكانت مؤلفات لوثر حينها هي الأكثر انتشارا. فتم ترجمة القائمة من اللغة اللاتينية التي يستخدما الأكاديميون ورجال الدين إلى اللغة الألمانية المستخدمة من قبل العامة, وكان انتشارها سريعا جدا ففي ١٤ يوم فقط انتشرت في ألمانيا وخلال ٤ أسابيع  وصلت لكل أرجاء أوروبا.


في السنوات القليلة الماضية سمعنا الكثير عن دور الشبكات الإجتماعية في إنجاح الربيع العربي, ففي تونس بعدما أحرق محمد البوعزيزي جسده إعتراضا على سحب الشرطة للعربة التي يبيع عليها, ولحق ذلك تعتيم إعلامي داخل تونس, فتداول الناس صوره من خلال الشبكات الإجتماعية والتي كانت مصدرا للكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية, مما ساهم في نشر تفاصيلها حتى لخارج تونس. ثم حجبت الشبكات الإجتماعية مما أعطى رسالة للمتاظهرين بأنهم هم الجانب الأقوى وأن السلطة خائفة, مما أدى لنتائج لم تكن مقصودة, وخلال أيام قليلة هرب رئيس تونس زين العابدين بن علي بعد ٢٣ سنة  في منصبه.
بعد ذلك بأيام قليلة, اتفق العديد من الشباب المصري على النزول للتظاهر بعد سلسلة من حوادث التعذيب التي تحدث في أقسام الشرطة, ومحاولات توريث جمال مبارك للحكم خلفا لأبيه. كانت البداية مجرد مظاهرة عادية كأي مظاهرة سابقة, وليس ثورة, ولكن الذي اختلف هذه المرة هو عدد الذين استجابوا, وأما من لم ينزل فقد كان يتابع ما يحدث من خلال الفيس بوك وتويتر, فكان يتم تصوير ونشر كل ما يحدث على أرض الواقع. هذه الاحتجاجات كانت موجودة سابقا ولسنوات عديدة, ولكن الذي فعلته الشبكات الإجتماعية أنها جعلتها تنتشر لكل مكان في مصر, وربطت المحتجين مع بعضهم, فكل ما يحدث يعرف لحظة بلحظة. في مصر قامت الحكومة أيضا بقطع الإنترنت وحجب مواقع التواصل الإجتماعي, مما أظهر خوفها من تأثيرها, والحجب هنا جاء أيضا بنتيجة عكسية, لأن عددا كبيرا من المصريين يتابعون الأحداث من داخل بيوتهم وأمام شاشات التلفاز - حزب الكنبة - نزلوا إلى الشوارع بعد أن توقف مصادر الأخبار. وبعد أيام قليلة أعلن عن تنحي الرئيس محمد حسني مبارك بعد ٣٠ سنة في منصبه.