تحالف الروم مع عدة قبائل عربية في القرن الخامس، أبرزهم سليح بالإضافة إلى تنوخ وعذرة. وكانوا مكلفين بثلاثة مهمات:
- حماية الحدود البعيدة للإمبراطورية من هجمات البدو.
- احتواء المناذرة، حلفاء الفرس.
- المشاركة في الجيش الرومي في حروبه ضد الفرس.
لا نعرف -حتى الآن- متى ابتدأت سيطرة سليح على بلاد الشام بالتحديد. لكننا نعرف أنه مع بداية القرن الخامس الميلادي انتهى حلف تنوخ مع الروم في الشام، وحلّت سليح محلهم بتحالف الروم معهم. سليح، هو اسم القبيلة التي سيطرت على قبائل الشام في القرن الخامس الميلادي، وهي جزء من قبائل قُضاعة التي هاجرت إلى شمال الجزيرة العربية منذ زمن بعيد. أما الأسرة الحاكمة داخل القبيلة فهم الضجاعم (Zokomids)، نسبة إلى أول ملك من سليح، وهو ضجعم بن سعد بن عمرو (عمرو هو سليح). ضجعم، لقبه الذي يعني الرجل العظيم والجبار، أما اسمه فهو حماطة. لا نعرف الكثير عنه، لكنّ يبدو أنه لعب دوراً بارزاً خلال حياته، مما جعل ذريته تنتسب إلى اسمه الذي لا يحمل وقعاً جميلاً على الآذان. وقد كانت له ولأتباعه سلطة وقوة كبيرة قبل التحاقه بالروم.
كان ضجعم عقيماً، إلا أنه ظل يحمل أملاً في أن يكون له خلَفاً، وهو ما لم يتحقق لوقت طويل حتى كاد أن ييأس منه. إلى أن التقى راهباً مسيحياً تنبّأ بأنه سيرزق بولد إذا آمن بالسيد المسيح. فآمن ضجعم بالمسيح وولدت زوجته -بالرغم من عقمها- ابنه عمرو. واليوم تحمل إحدى القرى الفلسطينية اسم دير عمرو، والتي قد يكون بُني فيها سابقاً ديراً دينياً احتفاءً بمعجزة ولادة عمرو بن ضجعم. كانت سليح على المذهب المسيحي الأورثوذكسي، وانتشرت فيها الرهبانية التي شاعت بين الأوساط العربية في القرنين الخامس والسادس. لضجعم ولدان؛ عمرو وعوف، ينحدر منهما كل أمراء سليح.
حين تزعّم داود بن هبولة بن عوف بن ضجعم، خاض الكثير من الغزوات على القبائل العربية المحيطة وعُرِف بالجرّار، أي الذي يقود جيشاً من ألف مقاتل. ثم تاب وكره سفك الدماء، وتنسّك وبنى ديراً. وعرِف أيضاً باسم داوود اللثِق، لأنه كان يحمل على ظهره الماء الذي ينزل على الأرض فتتوسخ ثيابه بالطين. ورغم اعتزاله للقتال إلا أنه ظل زعيماً على سليح، فكان هدفاً للغزاة، حيث قتِل بغزوة من قبيلة كلب.
بعد داوود اللثق، جاء ابن عمه، أو أخوه، زياد. خاض إحدى أشهر حروب العرب المعروفة باسم "يوم البردان" ضد ملك كندة، حجر آكل المرار. حقق زياد نصراً في البداية إلا أنها انتهت بمقتله. بعد عدة هزائم من قبيلتي كلب ثم كندة، صارت قوة سليح تتضاءل بعد كل قائد. إلى أن جاء الحارث بن مندلة الذي قيل عنه أنه خرج في غزوة ولم يعد!.
كان على القبائل الحليفة لبيزنطة إلى جانب الدفاع عن الإمبراطورية وصد الهجمات عنها، أيضاً جمع الجزية من القبائل العربية. وفي حوالي عام 490م، هاجرت قبيلة غسان لتستقر داخل الحدود البيزنطية في الشام، فاستأذنت من سليح ودفعت لها الجزية. ثم بعد زمن ليس بالبعيد، وقع تنازع على دفع الجزية بين سليح وغسان مما أوقد شرارة العداوة بينهما. فقد ذهب سِبطة بن المنذر، المكلف بجبي الجزية إلى جذع الغساني، فكان رد الغساني أنهم في شدة من جوع ولا يملكون مالاً يقدمونه لهم، وعرض تقديم سيفه رهناً إلى حين يتوفر لديهم ما يكفي. فرد عليه سِبطة باستهزاء واحتقار مما أغضب جذعاً ودفعه إلى أن يضرب عنق سِبطة. وفي هذه الحادثة قيل المثل الشهير "خذ من جذعٍ ما أتاكَ". تسببت هذه الحادثة بقيام حرب بين سليح وغسان، وانتهت بخسارة فادحة لسليح أنهت حلفهم مع بيزنطة الذي استمر طوال القرن الخامس، ليبدأ تحالف جديد بين بيزنطة وغسان خلال عام 502.
يرى البعض أن اسم "سليح" يعود إلى التسلح. لكن بالنظر إلى تدينهم بالمسيحية فقد يعود الاسم إلى كلمة "شليحا" السريانية التي تحمل معنى رسول، واختيارهم لهذا اللقب قد يهدف للإشارة إلى مدى انتمائهم للمسيحية. اسم "مندلة" كذلك يحمل دلالة دينية، فهو يعني عبق البخور، حيث يستخدم في الأديرة آنذاك. و "داود" من الأسماء التوراتية والتي لم تكن شائعة آنذاك عند العرب. ونجِد اسماً آخر قد يحمل معنى توراتياً، وهو "سِبطة" فقد يشير إلى أسباط يعقوب الإثني عشر. أما اسم "المنذر" فمشتقّ من النذر وهو من الممارسات الدينية المعروفة.
عاد ظهور سليح في التاريخ مرة أخرى بعد انتهاء زعامتهم على الشام خلال عام 586م، حيث ورد اسم زعيم عربي سليحي يقاتل إلى جانب الجيش البيزنطي أثناء حصار ماردين. وفي فترة زمنية مقاربة، يذكر الشاعر النابغة أنه زار سليحي من آل ضجعم. ثم عاد ذكرهم في القرن السابع الميلادي حين قاتلوا المسلمين في دومة الجندل، مع مجموعة من القبائل (تنوخ وكلب وغسان) بقيادة ابن حذرجان الذي انضم إلى جبلة ابن الأيهم، حيث كان قائد المسلمين عياض بن غنم. ثم واجهوا خالد بن الوليد في معركة أخرى. وعرض عليهم أبو عبيدة الإسلام حين التقاهم في قنسرين إلا أنهم رفضوا، وحافظوا على انتمائهم المسيحي.
وفي زمن الدولة العباسية؛ يذكر بعض المؤرخين أن منهم مَن استقر في الكوفة إلى جانب حلفائهم من بني طيء. وجزء آخر استقر في بلاد الشام ما بين البلقاء، وحوارين، والزيتون، واللاذقية. ومنهم في مصر قبيلة بني حوتكة. والسليحي الوحيد الذي كان له شأن كبير في الدولة الأموية كان أسامة بن زيد التنوخي، حيث تولى مسؤولية خراج مصر، ودفع رواتب الجند ليزيد بن عبدالملك وهشام.
وفي ما يقارب عشرين كيلومتراً شمال غرب عمّان، تقع قرية السليحي. وفي شمالها نبع مائي يعرف باسم عين السليحي، أما شرق القرية فيقع وادي السليحي. وإلى جانب هذه المواقع تعيش اليوم قبيلة تعرف باسم السليحات (سليحات)، وهي تحتل نفس المواقع التي عاشت فيها قبيلة سليح خلال العهد البيزنطي.