تاريخ الكلمات - الجزء الثاني

يمكنك قراءة الجزء الأول هنا.


لكلماتنا أجنحة, إلا أنها لا تحلِّق إلى حيث نريد.
جورج إليوت








تاريخ كلمة "أدب" من كتاب اللسان والإنسان لـ حسن ظاظا:


كلمة الأدب, ونلاحظ أولا أن الهمزة والهاء تتبادلان وتتخالفان كثيرا في اللغة مثل أراق وهراق, ومثل قول بعض العرب (أَل فعلت كذا؟) أي هل. وأحيانا تتبادل الهاء وحرف المدّ في اللغة مثل "الدهر" المأخوذة من الفعل "دار" لأنه "دورة الزمن", والذهب من الفعل "ذاب" لأنه كان ما أوائل المعادن التي "أذابها الإنسان على النار, أي صهرها. وكما تتبادل الألف والهاء كذلك تتبادل الدال والذال, وهكذا تتقارب مادة (أدب) و(هذب). وأصل تهذيب الشيء ماديًا هو تنعيمه وتقويمه وإزالة ما به من خشونة ناتئة لا فائدة منها, ومثله (شذب), وهو من نفس مادة هذب بزيادة الشين التي نجدها تزاد قياسا في بعض صيغ الفعل في اللغة الآرامية, وهي سامية من أخوات العربية, كما تزاد في بعض اللهجات العامية عن العرب في أفعال مستعملة مثل: (شقلب) بمعنى قلب رأسا على عقب, و(شعلق) أي علَّق بصعوبة, و(شعبط) من عبط الشيء أي تشبث به واحتضنه, و(شخلع) أي تصرف بخلاعة ...إلخ. وأصل التشذيب هو تهذيب غصن شجرة ليتخذ منه وتد أو عصا أو عمود لخيمة أو نحو ذلك, ثم انتقل التهذيب إلى معنى التنظيم الحسي أولًا, ثم النفسي بعد ذلك, وقام إلى جانب التهذيبِ التأديبُ بالمعنى الفكري فقط, وهو إزالة الجلافة والجهالة والرذيلة من الإنسان, وفي حديث "أدَّبني ربي فأحسن تأديبي", ويعود المعنى المادي إلى الظهور في كلمة (المأدبة) وهي الخوان الممدود المرتب المهذب المعدّ لاستقبال المدعوين. ثم جاء الأدب بمعنى هذا الكلام الفني الذي لا يصدر إلا عن النفوس التي هذبتها الثقافة وصقلتها المعرفة, ولا يحس به ولا يقدره إلا من ارتفع عن حضيض الجلافة وأصبح مهذبًا, وهو في ذاته الكلام المرتب المنمق الذي اختفت منه الخشونات والفضول وأصبح كأنه في النعومة والاستقبال والجمال الغصن المقوَّم المشذّب. هذا أيضا تطور طويل ومعقّد ساير الفكر وواكب تقدم المجتمع.


تاريخ كلمة "جهنم" من كتاب اللسان والإنسان لـ حسن ظاظا:


أما "جهنم": فأصلها أشد غرابة, إذ ترجع إلى لفظتين ساميتين قديمتين هما "جي" (بالكسرة الممالة) ومعناها الوادي, ولعل الفعل "جاء" في اللغة العربية كان معناه الأصلي هبط إلى الوادي أو مشى في الوادي, والعنصر الثاني في تركيب هذه الكلمة هو لفظة "هِنُّم" (بكسر الهاء وضم النون المشددة) وهو اسم علم لقبيلة قديمة كانت تعيش في فلسطين قبل نزوح العبريين إليها, وكانت تعبد إلهًا اسمه "ملكٌ" (بضمتين) وكان من طقوسهم أن يقدموا لهذا الإله قرابين من الأطفال الصغار يذبحونهم ويحرقونهم; وكان لهم وادٍ في جنوب مدينة القدس يقومون فيه بهذه الطقوس, وكان يسمى باللغة الكنعانية والعبرية "جي بني هنُّم" أو "جي هنُّم" وكانت صورته في الأذهان هي صورة إزهاق الأرواح, وإراقة الدماء, والنيران الملتهبة, والجثث المحترقة, فاستعيرت هذه الصورة وأصبحت "جهنم" علمًا على دار العذاب في الآخرة, حيث يحترق بنارها كل من حاق بهم غضب الله.


تاريخ كلمة "حنيف" من كتاب هل قرأنا القرآن؟ أم على قلوب أقفالها لـ يوسف الصديق:


تعني كلمة "حنف", لغة, الاختلال في المشية. وانطلاقا من هذه الدلالة الأولى التي بقيت تستخدم حتى مجيء القرآن, يقدم لنا صاحب لسان العرب المعنى الأول لذلك اللفظ ثم يليه بالمعنى الذي أعطته له المؤسسة التفسيرية الدينية, يقول: "الحَنَفُ في القَدَمَين إقبالُ كل واحدة منهما على الأُخرى بإبهامها وكذلك هو في الحافر في اليد والرجل وقيل هو ميل كل واحدة من الإبهامين على صاحبتها حتى يُرى شَخْصُ أصلها خارجا وقيل هو انقلاب القدم حتى يصير بطنها ظهرها وقيل ميل في صدْر القَدَم [...] وبه سمّي الأَحْنَفُ بن قيس واسمه صخر لِحَنَفٍ كان في رجله [...] الحَنيفُ المائِلُ من خير إلى شر أو من شر إلى خير [...] وقد قيل إن الحَنَفَ الاستقامة…"
[...]
وتعود هذه الكلمة بتقديرنا إلى لفظة (hanpo وجمعها hanp) السريانية وقد تكون على صلة بمسعى اولئك المسيحيين ذوي الألف هرطقة ممن واجهوا نظام القيصرية الباباوية في أولى تجلياتها عقب نهاية حكم قسطنطينوس. ذلك لأن كلمة (hanapha) السريانية كانت تعني أيضا "الوثني" أو حتى "المنافق" حسب الروايات المسيحية الأورتوذكسية.
وحين نحيل هذه الكلمة السريانية إلى أصلها اليوناني نجد أنّ anepto لا تعني فقط "رَبَط" أو "وَصَل بالأعلى" أو "علَّق" (صورا أو تماثيل داخل معبد تحديدا), وإنما تملك معنى تؤكده نصوص بنفس القدم, وهو "الوصم بالعار" ذو الدلالة نفسها التي يحملها المثيل الصوتي العربي لـ"حن", أي "حنث" ومعناه "نكث يمينا على الشرف" وحلف زورا. أما عن معنى كلمتي "منافق" أو "وثني" فلم يندرج إلا ضمن استعمال سجالي بائد. وفي كل السياقات التي يتضمنها القرآن "يكون المرء حنيفا لأنّه مسلم", "خاضع لله" وساع نحوه كي يوفيَ بالدّيْن الذي به يتحقق الإيمان ويرتبط المخلوق بالخالق.


تاريخ كلمة "تنور" من كتاب الساميون ولغاتهم لـ حسن ظاظا:


تَنُّور: وهو الفرن, والكلمة موجودة في اللغة الآرامية, وقد تردد الباحثون في أصلها, فقالوا: إن التاء بقية من كلمة بيت, ونور في الآرامية معناها (النار) فيكون معنى الكلمة بيت النار. وقال آخرون: إنها مكونة من كلمة تن بمعنى دخان في الآرامية, ونور التي معناها النار. والظاهر أنّ الكلمة أقدم من ذلك بكثير, فهي صيغة اسمية مبتدئة بالتاء من مادة (ن أ ر - ن و ر) في اللغة الأكادية, ومعناها اشتعل والتهب وأضاء, واستعمل الأكاديون كلمة (تنور) ولكن بكسر التاء, بنفس المعنى الذي تدل عليه الكلمة في الآرامية والعربية, ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن نفس الكلمة مستعملة في العربية القديمة, وفي المصرية الفرعونية, وفي الفارسية القديمة أيضا, ومما يرجح أن مصدرها هو العراق القديم التوسع في استخدام النار قديما هناك, حتى في الأغراض الصناعية, كعمل الفخار الذي بدأ مبكرًا جدًا.


تاريخ كلمة "دامس" من كتاب الساميون ولغاتهم لـ حسن ظاظا:


دامس: بمعنى شديد الظلام, مأخوذ من (ديموسيون) dimosion, أي السجن, وكانت عادتهم أن يجعلوه جبًا مظلمًا في بطن الأرض, واستعمل العرب لفظة الدِيماس, للمكان العميق الذي لا يدخله النور, وقد سُمي به سجن للحجاج بسبب ظلمته. ولعل منه في عاميتنا الأطعمة المدمسة, كالفول مثلا, لأنه في الأصل كانت تحفر له حفرة في رماد الموقد أو التنور يدفن فيها منعزلا عن لهب النار.

تاريخ كلمة "الرحمن" من كتاب آلهة في مطبخ التاريخ لـ جمال علي الحلاق:


قيل أنّ الرحمن: صفة بُنِيَت على وزن فعلان لأن معناه الكثرة, قال الزجاجي: والرحمن إسم من أسماء الله مذكور في الكتب الأُوَل ولم يكونوا يعرفونه من أسماء الله, ومعناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة, لأنّ فعلان بناء من أبنية المبالغة (اللسان: مادة رحم), وقيل أنّ الرحمن صفة منفردة لله, لا يوصف بها غيره (الاشتقاق: 58).
وقيل في "الرحمن الرحيم":جمع بينهما لأنّ الرحمن عبراني والرحيم عربي (اللسان: مادة رحم), وفي السريانية ترد كلمة (رَحْمانا) وهي إعادة للكلمة الآشورية (رِمِنُو) التي قيل أنها وردت كصفة لآلهة عديدة في منحوتات تعود إلى القرون الثلاث الأولى عُثِر عليها في تدمر (تاريخ القرآن - نولدكه: 101).
ومن خلال حواراتي الشخصية مع آثوريين وجدت أن إسم الرحمن لديهم هو (رخمانا) لأن أبجديتهم تخلو من حرف الحاء, وهو يشير إلى اسم الرحمن كإله, ويقول الكلدانيون: (مرحمانا) ويقول الآثوريون: (مرخمانا), بينما يقول المندائيون (مرهمانا) (الصابئة المندائيون: 344) وفي الحالات الثلاث تعني (رحيم) كصفة وليس كإسم, أي أنّ حرف الميم في أوّلها يجعل الإسم صفة.
وكان المبرّد وأحمد بن يحيى ممن يقولون بعبرانية اسم الرحمن أيضا (تفسير القرآن الكريم: 65).
وقد ذُكِرَت كلمة الرحمن من ضمن غريب القرآن فقيل فيها أنها اسم من الرحمة (معجم غريب القرآن: 68), بينما حاول القرطبي - وهو ممن يعتقدون بإشتقاق الكلمة من الرحمة - تفسير ذلك فقال: "وإنكار العرب لإسم الرحمن لجهلهم بالله وبما وجب له" (تفسير القرآن العظيم: 65).
ومع هذا فقد ورد عن سلامة بن جندل - وهو من شعراء العرب قبل الإسلام - قوله:
عجلتم علينا عجلتينا عليكم وما يشأ الرحمن يَعْقِد ويُطْلِقِ
أو قول الشنفرى أحد صعاليك العرب قبل الإسلام:
لقد لطمت تلك الفتاة هجينها ألا بتر الرحمن ربّي يمينها
(الاشتقاق: 59-58)


وفي حوارية أو مسائلة شعرية بين عبيد بن الأبرص وامرئ القيس, الأول يسأل والثاني يجيب, يرد في المسائلة ذكر الرحمن لمرتين على لسان امرئ القيس باعتباره مُرسل السحاب ومُنزل الموازين (أنظر ديوان عبيد: 80, ديوان إمرئ القيس: 67).
وقيل الرحمن اسم مختصٌّ لله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره ولا يوصف, ألا ترى أنه قال: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن" فعادل به الإسم الذي لا يشركه فيه غيره (اللسان: مادة رحم), وعن ابن المبارك أنه قال: "الرحمن إذا سُئِل أعطى, والرحيم إذا لم يُسأل غضب", وجاء في حديث حديث نبوي: "من لم يسأل الله يغضب عليه" (تفسير القرآن العظيم: 65).
[...]
قيل أن الرحمن كلمة معرّبة عن أصل عبري "رحوم: rahum" [...] غير أن العرب يقولون: "إمرأة رحوم تشتكي رَحِمَها" (معجم ألفاظ القرآن: 197).
ويبدو أن (الرحمن) ككلمة وكإسم كان نادر الاستخدام في اللغة الآرامية المسيحية, لكنّها أصبحت في التلمودين - البابلي والفلسطيني - أحد أسماء الله المعروفة (تاريخ القرآن - نولدكه: 101).
وقيل أنّ الرحمن عبراني, وأصله بالخاء المعجمة, أي رخمن (تاريخ القرآن - نولدكه: 101), ويقال رخمان ورحمان: قال جرير:
أو تتركون إلى القسين هِجْرَتَكُمْ ومَسْحَكُم صُلْبَهُم رَخْمانَ قُرْبَانا؟
(اللسان: مادة رخم)


ورخمان موضع, ورخمان إسم غار ببلاد هذيل, قيل أُلقي فيه تأبطَ شرًا بعد قتله, فقالت أخته ترثيه:
نِعْمَ الفتى غادَرْتُمُ بِرَخْمانْ
بثابِتِ بن جابر بن سفيان
مَن يَقْتِلِ القِرْنَ ويَروي النَّدمانْ
(شرح ديوان الحماسة: 160/2, اللسان: مادة رخم).


ويبدو لي أن هذا الغار كان موقعا لعبادة (الرخمن) العبري التي تحولت في اللسان العربي إلى الرحمن, وهذا يتطلب البحث  في تاريخ هذيل, أو ما بقي من أخبارهم لعلّها تكون مفتاحا.


تاريخ لفظ الجلالة "الله" من كتاب الآخر والآخرون في القران لـ يوسف الصديق:


ليس من تجديد القراءة بدّ. التجديد في كل شيء. لأنه بتراكم الأسئلة وترتيبها وتبويبها نصل إلى مواكبة العصر, والفعل فيه. لا أن نكون على هامشه. تصل بنا هذه الأسئلة إلى أسئلة معرفية من قبيل "من هو الإله؟" و"لماذا نسميه الله؟" ومن الأسئلة أيضا "لماذا الله موجود من قبل السماوات والأرض؟" (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أقرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون {الزمر}), تقر الآية بوضوح أن الله ليس خاصا بالإسلام, وليس من معنى عند ذلك لما قام به بعض أهل ماليزيا في السنوات الأخيرة, من صد المسيحيين عن الإقرار بالله والتلفظ باسمه.
إذا أردنا أن نفسر كلمة "الله" أنثروبولوجيّا فهي متكونة من ثلاثة مقاطع:
  • (الـ) وهي أداة التعريف. وللعلم أنّ أداة التعريف العربية هذه ستأخذها منا اللغات المستخرجة من اللاتينية (كالفرنسية والاسبانية…) التي لا أداة تعريف لها. لقد انقلبت الـ(al) العربية, إلى (le) و(la) و(al) و(il).
  • (هـ), الهاء في آخر الكلمة هي أيضا أداة تعريف في العربية القديمة. واختصت بها في تطور اللغات اللغة العبرية, هراتز (Haaretz) هي الأرض, أما آرتز في (أرض) (Ertz).
  • (ـلا) اللام الواردة في وسط الكلمة هي لام النفي.
إذن تتكون كلمة (الله) من أداتي تعريف في البداية وفي النهاية, يتوسطهما أداة نفي (لا).
تُحدّثنا كتب التراث أنه بانتقال العرب في الشام من الكتابة بالأحرف اليونانية إلى الحروف العربية كان نظام حروف الهجاء العربية يتّبع النظام اليوناني وهو ما بقي ليومنا هذا تحت تسمية الأبجدية أي [ألف alpha], [باء beta], [جيم gamma], [دال delta],..
لمّا كلّف الخليفة عبدالملك بن مروان يحيى بن عمر ونصر بن عاصم بتولّي إصلاح هذا الأمر تحسّبا لإصلاح الإدارة واعتماد اللغة العربية اخترع هذان النحويان نظاما جديدا يعتمد صورة الأحرف المتشابهة تيسيرا للحفظ, فالباء والتاء والثاء تتوالى, كذلك الصاد والضاد, والسين والشين… ولم يحتسب صاحبا هذا المشروع في ترتيبهما الجديد للحروف حرف (لا) أو (لام ألف). ويقال إنّ مثل هذا الإقصاء أثار غضب الرسول لأنه عدّ حرف (لام ألف) من الإيمان. يورد القلقشندي في صبح الأعشى ما نصّه "يروى عن أبي ذر الغفاري ر ضي  الله عنه أنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله, كل نبيٍّ مرسل بمَ يُرسَل؟ قال: بكتاب منزّل. قلت يا رسول الله: أيُّ كتاب اُنزل على آدم؟ قال: أ, ب, ت, ث, ج, إلى آخره. قلت: يا رسول الله, كم حرف؟ قال: تسعٌ وعشرون. قلت يا رسول الله, عددتَ ثمانية وعشرين. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت عيناه, ثم قال: يا أبا ذر: والذي بعثني بالحق نبيّا! ما أنزلَ الله تعالى على آدم إلا تسعة وعشرين حرفا. قلت: يا رسول الله, فيها ألف ولام. فقال صلى الله عليه وسلم: لام ألف حرف واحد, أنزله على آدم في صحيفة واحدة. ومعه سبعون ألف مَلَك, مَن خالف لام ألف فقد كفر بما أُنزل على آدم! ومّن لم يعدّ لام ألف فهو بريء منّي وأنا بريء منه! ومَن لا يؤمن بالحروف وهي تسعة وعشرون حرفا لا يخرج من النار أبدًا مكانَهُ". وضمن كتب التراث أيضا نجد تأويلات لا تخرج عن تأكيد ثنائيّة الإثبات والنّفي أو "الإيجاد والإعدام" بتعبير صاحب الفتوحات المكيّة. يقول ابن عربي "يقول العبد: الله! فثيُثبتُ (بالألف والهاء) "أولا وأخرا", وينفي باللامين "باطنا وظاهرا".
ويقول أيضا في بيوت من الشعر:
تَعانق الألفُ العَلَّام واللَّامُ
مِثل الحبيبين فالأعوامُ أحلامُ
والتفّت السّاقُ بالساق التي عَظَمت
فَجَاءَني منها في اللفِّ إعلامُ
إن الفؤاد إذا معناه عانه
بدا له فيه إيجادٌ وإعدامُ


إن الله انطلاقا من تكوين الكلمة هو تعريف ونفي, ثم تعريف ونفي إلى ما لا نهاية له. ولقد عرف العرب منذ الجاهلية مثل هذا المعنى, فكل أصنامهم المعروفة لها نصب مادي من حجر أو من خشب… نعرف مناف وهُبل وإيساف ونائلة وودّ وسواع ويعوق ونَسر… كما نعرف آلهة مصر مثل أنوبيس المجسّد في إنسان برأس ذئب, نعرف كل أشكال الآلهة إلا الله فلا نعرف له تجسيدًا, لا عند الجاهليين ولا عند غيرهم من الشعوب. فالإنسان إذن يؤمن بقوة كبرى غائبة عن الحس ويعتقد فيها, مَدين لها, وهذا مبحث لا نقاش فيه.


تاريخ كلمة "يهوه" من كتاب أسماء الأعلام: محاضرات في اللغات السامية لـ أنو ليتمان:


وأما اسم الإله اليهودي وهو (Yahwe) فاشتقاقه مشكوك فيه وكتب العلماء الأوروبيون كتبا ومؤلفات لا تحصى عن صيغة هذا الاسم معناه. وكان من اشتقه من (Dyaus) وهو إله السماء عند أهل الهند والأمم الآرية في الشرق, وهو (Zeus) عند اليونان القدماء. ولكن هذا الاشتقاق لا يرجح وكان من قال أن (Yahwe) وزن يُفْعِل وهو في العبرية يفعيل لفعل (hawa) وأن (hawa) و (haya) لهما معنى واحد أي (كان) أما (haya) فكلمة عبرية و (hawa) فعل آرامي. فإذًا (Yahwe) معناه يكوّن اي يوجِد, وأحيانا يستعمل الفعل المضارع كاسم نحوي مثلا يغوث ويعوق وهما إلهان عند العرب قبل الإسلام. و (Yahwe) هو الاسم الأصلي ولكن اليهود حركوه (Yehowa) بحسب كلمة (adonai) يعني الرب لأنه لم يجز عندهم أن ينطقوا اسم الإله. وفي أسماء الأعلام اختصر صيغة (Yahwe) فصارت (Yahu) أو (Yau) أو (Yeho) أو (yo) أو (ya).

تاريخ كلمة "أسطورة" من مقدمة كتاب العرب والغصن الذهبي: إعادة بناء الأسطورة العربية لـ سعيد الغانمي:


وإذا كان القرآن الكريم قد استعمل كلمة (أسطورة) استعمالا سلبيا منذ الحقبة المكية المبكرة, فذلك لارتباطها بشخص النضر بن الحارث. وقد كان النضر بن الحارث هذا من شياطين قريش, أي من أذكيائها المتعلمين, درس في الحيرة وبلاد فارس. وحين جهر النبي بالدعوة إلى الإسلام, كان النضر "أشدَّ قريش مباداةً للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والأذى, وكان صاحب أحاديث". أي أنه كان قاصا مولعا باكتتاب القصص والأساطير الجاهلية العربية والفارسية. يقول الطبري إنه "تعلم في أحاديث ملوك فارس وأحاديث رستم وأسفنديار". ويصيف النيسابوري أنه "اشترى أحاديث كليلة ودمنة وقصة رستم وأسفنديار". والظاهر أن معرفته بالأساطير والقصص الفارسية والعربية القديمة قد شجعته على الاجتراء على تحدي الرسول صلى الله عليه وسلم. يقول ابن هشام نقلًا عن ابن إسحاق: "كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فذكر فيه بالله, وحذر قومه ما أصاب مَن قبلهم من الأمم من نقمة الله, خلفه في مجلسه إذا قام, ثم قال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه, فهلمَّ إليَّ, فأنا أحدثكم أحسن من حديثه, ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وأسفنديار, ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثا مني؟ قال ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني: سأنزل مثلما أنزل الله". وقد نزلت في النضر ثمان آيات. وكلّ ما ذكر في القرآن من الأساطير فهو فيه.
[...]
لقد نزل ما جاء في سورة الفرقان في مكة ردًا على تكذيب النضر بن الحارث للنبي صلى الله عليه وسلم واتهامه إياه بأنه دوّن أساطير الأولين وقصصهم: "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السرّ في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما". بينما نزلت الآية الواردة في سورة الأنفال بعد أسر النضر بن الحارث على يد المقداد بن الأسود في معركة بدر: "وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين". ويشرح الطبري الأساطير بقوله: "الأساطير جمع أسطر, وهو جمع الجمع, لأن واحد الأسطر سطر, ثم يُجمع السطر: أسطر وسطور, ثمّ يُجمع الأسطر: أساطير وأساطر. وقد كان بعض أهل العربية يقول: واحد الأساطير أسطورة". ويقول أيضا: "أساطير الأولين: أشعارهم وكهانتهم.. يعنون: أحاديثهم التي كانوا يسطرونها في كتبهم". ويبدو أن الآيات المكية كانت تركز على التدوين والاكتتاب, في حين صارت الآيات المدنية تركز على القراءة والتلاوة. ولعلّ هذه الدلالة الشفوية هي التي جعلت الكلمة تكتسب في عصر التدوين معنى الأباطيل والأكاذيب والأحاديث التي لا نظام لها. مما شجع بعض الباحثين على اعتبار الكلمة معربة عن أصل أغريقي. يقول د. جواد علي: "وهي Istoriya (إستوريا) في اليونانية, وHistoria في اللاتينية, وقد أُطلقت عندهم على كتب الأساطير والتاريخ. ويظهر أن الجاهليين قد أخذوها من الروم قبل الإسلام, واستعملوها بالشكل المذكور وبالمعنى نفسه, أي في معنى تاريخ وقصص … ولا أستبعد وجود الكتب التاريخية باليونانية وباللاتينية في مكة. فقد كان في مكة وفي غير مكة رقيق من الروم, وكانوا يتكلمون بلغتهم فيما بينهم, وينطقون بها إذا تلاقوا, كما كانوا يحتفظون بكتبهم المقدسة, وبكتب أخرى مدونة بلغتهم". وذهب باحثون آخرون إلى أن الكلمة مأخوذة من السريانية, حيث ترد سرتو serto وسرتو  sourto يمعنى سطر.
وليس من شك في أن احتكاك العرب باليونان والرومان قد أدخل كثيرًا من المفردات في اللغة العربية, ولا سيما عند احتلال الرومان للبتراء, إذ دخل اللغة العربية في ذلك الوقت عدد كبير من الألفاظ الرومانية, وخصوصا الألفاظ ذات الطابع المؤسساتي العسكري أو المفردات التي تدلّ على صناعات لم يعرفها العرب. وهذا ما يتضح بجلاء في النقوش العربية النبطية المكتشفة حديثا. إذ ترد في هذه النقوش ألفاظ مثل (استرجا) من (ستراتيجس) بمعنى قائد عسكري, و (تيطرا) من (تياتر) بمعنى المسرح, وكان ملحقا بالمعبد. لكن الجذر (سطر) على وجه التحديد من أقدم الجذور في اللغة العربية. فهو يرد في المعجم النبطي بصيغة (سطر) و(سطرا) و(سطرين) وكلها تدل على الكتابة والوثائق والمدونات. كما يرد في المعجم السبئي بصيغة (سطر) و(هسطر) و(أسطر) بالمعنى نفسه. وليس من شك في أن هذا الجذر موجود في اللغة العربية منذ أقدم عصورها وقبل الاحتكاك باليونان والرومان بدلالة الكتابة والتدوين, وبالطبع فقد كانت الكتابة حكرا على المعبد القديم واحتياجاته. هكذا نقرأ في النقوش السبئية في الفترة ما بين القرنين الخامس والثاني قبل الميلاد: "وسطر ذتن أسطرن ببيت ورفو", اي (وسطر هذه السطور ببيت أو معبد ورفو). ونحن نجد هذه الكلمة بمعنى الكتب والمدونات في الحقبة المكية حين نبحث عن كلمات أخرى مشابهة وردت  في القرآن الكريم مرتبطة بكلمتي (الأولين) و(الأولى), كما في قوله "زبر الأولين" و"الصحف الأولى" وكلتاهما تعني الكتب. بل نجدها في الشعر الجاهلي أيضا, حيث يرتبط الجذور الثلاثة بما يفيد معنى الكتب الأولى, كما في قول العجاج:
واعلم بأنّ ذا الجلال قد قدرْ في الكتب الأولى التي كان سطرْ
وفي تفسير ما ورد في سورة الأنعام عن "أساطير الأولين" كتب الطبري ما نصّه: "إن تأويله ما هذا إلا ما كتبه الأولون. وقد ذُكر عن ابن عباس وغيره أنهم كانوا يتأولونه بهذا التأويل, ويقولون معناه إن هذا إلا أحاديث الأولين". ثم يعوم الطبري إلى الاستشهاد بالمعنى الأخير الذي أُضيف إلى الكلمة في عصر التدوين, فينقل عن أبي عبيدة قوله إن أساطير الأولين في "الخرافات والترهات". وبالطبع فقد كان لكلمة (خرافة) تاريخها المماثل الذي كان إيجابيا من قبل, لأن خرافة كان قاصًا زعموا أن عائشة استمعت إلى حكاياته, وأن النبي قال عنه "أصحّ حديث حديث خرافة". لكن هذه قضية أخرى. وما يعنينا هنا أن الطبري يجمع على مستوى واحد المعاني الثلاثة للكلمة: المعنى المكي المرتبط بالمدونات والكتب, والمعنى المدني المرتبط بالأحاديث والحكايات, والمعنى الوليد في عصر التدوين حيث صارت الخرافات والترهات والأباطيل.
أما في العصر الحديث فإن كلمة (أسطورة) لم تعد تعني أيًا من هذه المعاني, وإن كانت تستفيد منها جميعا, بل هي تعني الحكاية الرمزية التأسيسية. ومن طبيعة الحكاية الرمزية التأسيسية أن تكتسيَ بغلاف خارجي يبدو وكأنه غير قابل للتصديق, كأن تتكلم الحيوانات, أو تهبط النجوم على الأرض, ولكنها في الوقت نفسه توصل ضمنا رسالة عن تأسيس مجتمع, أو تعليل ظاهرة. وبالتالي تتميز الأسطورة بانشقاقها الداخلي بين ما تتظاهر بقوله, وما تريد تسريه ضمنا. فليست كلها أباطيل, وليست كلها حقائق. بل هي تتذبذب بين التصريح بغلاف خارجي مموه, ورسالة داخلية يراد توصيلها. وقضية الغلاف الخارجي للأسطورة قضية ثقافية بحت. إذ ما من ثقافة إلا ولها حكاياتها التأسيسية وأساطيرها التي لا تنتبه لها, والتي قد تبدو غير قابلة للتصديق من لدن ثقافة أخرى.
لكننا نعرف من ناحية أخرى أن القرآن الكريم مدح القصص, وجعله نموذجا أخلاقيا رفيعا للعبرة, بل حثَّ على رواية القصص:
"نحن نقص عليك أحسن القصص"
"فاقصص القصص لعلَّهم يتفكرون"
"تلك القرى نقصُّ عليك من أنبائها"
"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"

وليس بين الأسطورة وبين القصص, من حيث الشكل البنائي, من فرق, لكن الفرق بينهما يكمن في المحتوى الآيدولوجي, أو الرسالة الأخلاقية أو الاجتماعية لكل منهما. ففي حين تمثل الأسطورة المحتوى الآيديولوجي للمخيال الجاهلي, يمثل القصص من وجهة نظر الإسلام المنبثق حديثا, رواية متطلعة إلى ما يريد الإسلام للمجتمع الذي أسسه أن يكون عليه. لقد أعاد الإسلام تشكيل المخيال العربي الجاهلي, من خلال إعادة صياغة الرموز التأسيسية, فأطلق اسم الأسطورة على المحتوى الآيديولوجي المذموم الذي يمثل منظور المجتمع القديم لنفسه, لكنه أطلق اسم القصص على المحتوى الجديد الذي يطمح أن يتبناه هذا المجتمع نفسه. ومن هنا يأتي المفهوم التكراري للعبرة. فالعبرة, برغم من أنها مطالبة باحتذاء سنّة سابقة سلكها نموذج قديم, هي في الوقت نفسه تفكُّرٌ وإعادة نظر في الذات والنموذج السابق معًا لتجنب ما قد يعترضه من عوائق. فهي بعبارة أخرى تأمل ووعي للذات من خلال وعي الآخر. وتنطوي إعادة تشكيل الرموز التأسيسية على اتصال وانقطاع معًا: على اتصال يوجب أن تكون البيئة الحاضنة لهذه الرموز التأسيسية على معرفة بتفاصيلها وملامحها البنيوية, وانقطاع عن المحتوى الآيديولوجي الراكد في صلبها.