سياحة في التراث: أول فلاسفة الإسلام

 




"ما ولدت أمية مثل خالد بن يزيد".

عمر بن عبدالعزيز



يقول المثل: لم تُبنَ روما في يوم واحد. البدايات دائما متواضعة، ثم يأتي جيل يقف على أكتاف من سبقوه ليكمل المسير. هذا ما حدث في النهضة العلمية في حضارتنا العربية، فقد بدأت بمحاولات بسيطة في دعم ترجمة الكتب العلمية والفلسفية في الدولة الأموية، ثم نضجت وأثمرت عصرًا ذهبيًا في الدولة العباسية. ثمة شخصية محورية انطلقت معها هذه الجهود وهي خالد بن يزيد بن معاوية. سنتعرف على حياة خالد وبعض إنجازاته العلمية، ثم نستعرض أهم الترجمات التي أُنجزت في الدولة الأموية، وأخيرًا نرى كيف أثّرت هذه العلوم والفلسفات المترجمة في تعزيز الجانب الإيماني عند خالد في مناظرته مع الراهب المسيحي.



من سدة الحكم إلى ساحات العلم

توفي يزيد بن معاوية في 683م وخلفه معاوية، أكبر أبنائه، الذي لم يتجاوز عمره 21 عامًا. حكم معاوية أشهر معدودة ثم توفي دون أن يوصي لأحد من بعده. كان أخوه خالد في الخامسة عشرة من عمره، مما دفع مروان بن الحكم إلى استغلال هذا الفراغ السياسي والصعود إلى سدة الحكم، موصيًا بالحكم لأبنائه من بعده. تكيّف خالد مع هذه الظروف الجديدة واتجه إلى طلب العلوم الطبيعية، مثل الكيمياء والفلك والطب. صار مأخوذا بهذه العلوم بعدما زار الإسكندرية وقابل علمائها، حيث استقدم بعضهم إلى دمشق لترجمة الكتب. وبسبب اشتغاله بتلك العلوم وصفه البيروني في «الآثار الباقية عن القرون الخالية» بأنه "كان أول فلاسفة الإسلام". رغم قرب عهده بالبداوة إلا أنه أصبح "أعلم قريش بفنون العلم، وله يدٌ طولى في الطب، وكلامٌ كثير في الكيمياء، وكان خالد فصيحًا بليغًا شاعرًا منطقيًّا"  حسب تعبير ابن كثير في «البداية والنهاية». فقد كان مولعًا بالكتب، وهو أول من ترجم كتبًا إلى العربية في الإسلام كما ذكر الجاحظ في «البيان والتبيين» بأنه "أوَّل مَن تَرجَم كتب النجوم والطب والكيمياء" وفي موضع آخر يصفه بأنه "كان أوَّل من أعطى التراجمة والفلاسفة".


ذُكِر على لسان خالد، في كتاب الكيمياء المنسوب إليه، قصة تفيد معرفته باليونانية وأنه بدأ يتعلم الكيمياء من الكتب وعندما استعصت عليه ذهب إلى راهب يدعى مريانس، يقول: "قرأت كثيرا من كتبهم وفسرت كلام بعضهم ببعض، فتميزت ولم أجد سبيلا إلى فهم ما أشاروا إليه حتى أحوجني ذلك إلى الخروج إلى مريانس، رغبة فيها والتماسا لمعرفتها، فأتيته وكتمته نسبي، ولزمت خدمته، فلما رأى معرفتي وحسن أدبي، وأني أهل لكشف سره، كشفه إليّ بألفاظ بينة تقرب إلى الفهم حتى إذا فعل ذلك وأظهر لي معاني الصنعة.. وأُخبِر أني مسلم وأني ابن ملك العرب، وبان له أمري، فقال ما الذي حملك على هذا؟ فقلت رغبة في العلم. قال انصرف الآن فقد قضيت وطرك، فانصرفت..".


رأى ابن النديم مجموعة من الكتب المنسوبة إلى خالد مثل: «الحَرَارَات»، و«الصَّحِيفَة الكَبِير» و«الصَّحِيفَة الصَّغِير» و«وَصِيَّته إلى ابنه في الصَّنْعَة». ويورد بروكلمان مجموعة أخرى من العناوين التي اطَّلع على مخطوطاتها، مثل: «ديوان النجوم»، و«رسالة الكيمياء»، و«فردوس الحكمة»، و«رسائل خالد لماريانس الراهب»، و«رسالة ماريانس»، «اختيارات خالد».


ويُعد خالد أول من أنشأ النظم التعليمي، وتنسب له هذه الأبيات في تعليم الكيمياء:


يا طالبًا بوريطش الحكماءِ عِ منطقا حقا بغيرِ خفاءِ 

هو زيبق الشرق الذي هتفوا به فـي كتبهم من جُملة الأشياءِ

سمَّوه زَهْرًا في خفي رموزهم والخُرْ شُقُلا أغمضَ الأسماءِ

ودَعَوْه بابن النار كيما يصرفوا عـن صنعةٍ بُخلا عـن البعداءِ 

فإذا أردتَ مثاله فاعمدْ إلى جسم النحاس وناره الصفراءِ 

فامزجْهما مزج امريءٍ ذي حكمةٍ واحكمْ مزاوجة الهوا بالماءِ

واسْحَقْ مركَّبَك الذي أَزْوَجْتَه بالجد من صُبح إلى الإمساءِ

سَحْقًا يفتِّـُته وينهك جسمه حتى تراه كزبدةٍ بيضاءِ

واجمعه واتقنه ودَعْهُ بِصِرفه حتى الصباح وغطِّه بغطاءِ

هذا أبارُ نحاسهم فافطنْ له هذا مُذِلُّ ذوي اللحى النجباء



ويذكر ابن عساكر في «تاريخ دمشق» خبرا يفيد معرفة خالد بعملية تحلية ماء البحر: "عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَذَكَرُوا الْمَاءَ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ: مِنْهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْهُ مَا يُسْفِيهِ الْغَيْمُ مِنَ الْبَحْرِ، فَيُعْذِبُهُ الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ، فَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنَ الْبَحْرِ فَلَا يَكُونُ لَهُ نَبَاتٌ، وَأَمَّا النَّبَاتُ فَمَا كَانَ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، وَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَعْذَبْتُ مَاءَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَأَمَرَ بِقِلَالٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ وَصَفَ كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِ حَتَّى يَعْذِبَ".


لماذا هذا الاهتمام المبكر بالعلوم الطبيعية؟ الإجابة باختصار تعود إلى سعي عبدالملك بن مروان للاستقلال بالدولة الأموية عن الاعتماد على الأعاجم في إدارة شؤونها، وكذلك عن البيزنطيين فيما يتعلق بالاعتماد على عملتهم النقدية. فقد كان الموظفون الأعاجم الذين يعملون في دواوين الدولة يستخدمون علوم الحساب والفلك في أداء أعمالهم، ويحتكرون هذه المعرفة فيما بينهم. كان على موظف ديوان الأموال أن يعرف بعض العمليات الحسابية لمسح الأراضي وتوزيع الإرث واحتساب الضرائب، كما كان عليه معرفة شيء من الفلك لأن وقت دفع الضرائب يعتمد على تقويم السنوات الشمسية، والتي يوجد بينها وبين تقويم السنوات القمرية فرق يتطلب فهمه معرفة أولية بعلم الفلك. وقد لخّص ابن قتيبة مؤهلات الموظفين في الديوان في «أدب الكاتب»: ولا بد له - مع كتبنا هذه - من النظر في الأشكال لمساحة الأرضين، حتى يعرف المثلث القائم الزاوية، والمثلث الحاد، والمثلث المنفرج، ومساقط الأحجار، والمربعات المختلفات، والقسي والمدورات، والعمودين، ويمتحن معرفته بالعمل في الأرضين لا في الدفاتر، فإن المخبر ليس كالمعاين، وكانت العجم تقول: "من لم يكن عالما بإجراء المياه، وحفر فرض المشارب، وردم المهاوي، ومجاري الأيام في الزيادة والنقص، ودوران الشمس، ومطالع النجوم، وحال القمر في استهلاله وأفعاله، ووزن الموازين، وذرع المثلث والمربع والمختلف الزوايا، ونصب القناطر والجسور والدوالي والنواعير على المياه، وحال أدوات الصناع ودقائق الحساب كان ناقصًا في حال كتابته". فتعريب دواوين الدولة الذي أنجزه عبدالملك يستلزم تعريبا لهذه العلوم (الرياضيات والفلك) التي يستعين بها العاملون في الديوان لأداء أعمالهم.



تعريب العملة

كانت النقود المستخدمة في الأجزاء الشرقية من الدولة الأموية هي الدراهم الفارسية، وفي غربها الدنانير البيزنطية. فأراد عبدالملك بن مروان توحيدها في عملة عربية واحدة بعد خلاف حصل بينه وبين ملك بيزنطة. فاستدعى خالد بن يزيد واستشاره في هذا العمل. لماذا استشار خالد تحديدا دون غيره؟  يجيبنا جورج صليبا في «العلوم الإسلامية وقيام النهضة الأوربية»: "يمكن أن نرى عندها لماذا أصبحت كتب الكيمياء تلك بهذه الفائدة لشخص كان مهتما في إحداث نقود ذهبية جديدة. فمن غير الكيميائي كان مؤهلا لتمييز الذهب الخالص عن المعادن الأخرى؟ ومَن غير الكيميائي كان ضليعًا في كشف الممزوج والمشابه؟ فهذا يعني أن أهل الصنعة كانوا هم الذين يمتلكون الخبرة الكافية لسك الدنانير الجديدة". فحتى لو شكك أحد بنسبة الكتب الكيميائية إلى خالد أو في فاعلية ما هو مذكور فيها، لا يمكنه التشكيك في حقيقة وجود تلك الدنانير الذهبية التي هي تطبيق عملي لعلم الكيمياء. 

في البداية، أُجريت بعض التغييرات التدريجية على الدينار البيزنطي حتى صار في النهاية دينارا عربيا خالصًا. بداية التغييرات، كما يوردها ناهض عبدالرزاق في «المسكوكات وكتابة التاريخ»، كانت بتغيير شكل الصليب إلى شكل حرف T تحيط به عبارات التوحيد. ثم أُزيلت صورة الملك البيزنطي واستبدلت بصورة عبدالملك بن مروان، ثم كان التغيير الكامل عن العملة البيزنطية في 696م ليصبح الدينار الأموي على هذا الشكل:

مركز الوجه:

الله أحد الله

الصمد لم يلد

ولم يولد


الهامش:

بسم الله ضرب هذا الدينر في سنة سبع وسبعين


مركز الظهر:

لا إله إلا

الله وحده

لا شريك له


الهامش:

محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله



وكان الدينار الأموي يحتوي على ٤.٢٥ جرام ذهب، وكانت تُسك في مدينتي دمشق والفسطاط.









أبرز الترجمات والمترجمين

اشتغل في ترجمة الكتب العلمية في الدولة الأموية مجموعة من المترجمين، بعضهم عمل مع خالد بن يزيد والبعض الآخر جاء بعده، وقد أشار ابن النديم إلى هذه الحركة في «الفهرست»: "كان خالد بن يزيد بن معاوية يسمى حكيم آل مروان و كان فاضلا في نفسه وله همة ومحبة للعلوم خطر بباله الصنعة فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مدينة مصر وقد تفصح بالعربية وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة". سأذكر أشهر المترجمين آنذاك وأبرز الكتب التي تُرجمت: 


يذكر القفطي في «أخبار الحكماء» أن ماسرجيس ترجم كنَّاش القس أهرن بن أعين. قيل أنه أنجزها في زمن مروان بن الحكم وقيل في زمن عمر بن عبدالعزيز. والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات طبية، ويعد أوّل كتاب طبي يُترجم إلى العربية. وحين تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة، أمر بنشره بين الناس لينتفعوا به.


ويذكر ابن النديم أن أصطفن (استيفان) القديم ترجم لخالد كتب الكيمياء. وأمر خالد بعض العلماء في الإسكندرية بترجمة «الأورجانون»، وهو مجموعة كتب أرسطو في المنطق.


ومن الذين عملوا في زمن هشام بن عبدالملك الكاتبين أبو العلاء سالم بن عبدالرحمن وجبلة بن سالم. فترجم الأول عن اليونانية «رسائل أرسطو إلى الإسكندر»، وترجم الثاني عن الفارسية كتبا في تاريخ ملوك الفرس وسيرهم، مثل كتاب «رستم واسفنديار» وكتاب «بهرام شوس»، كما ذكر ابن النديم. وتُرجم لهشام كتاب في طب الطيور (البيزرة) أهداه إياه خاقان ملك الترك، وذكر الغطريف بن قدامة الغساني أنه اطلع عليه.


وفي 742م، ترجم حسان بن أبي سنان الأنباري كتابًا في التنجيم «عرض مفتاح النجوم» المنسوب لهرمس الحكيم، وذكر المستشرق نلِّنو أنه اطلع عليه.




"عُنيت بجمع الكتب، فما أنا من العلماء ولا من الجهال".

خالد بن يزيد بن معاوية




المؤمن الواثق

أورد المزي في «تهذيب الكمال» هذه القصة التي يرويها خالد عن نفسه في حوار له مع راهب مسيحي، وفيها نلحظ مدى تأثره بالمنطق:



عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي أَرْضِ الْجَزِيرَةِ إِذْ مَرَرْتُ بِرُهْبَانٍ وَقِسِّيسِينَ وَأَسَاقِفَةٍ، فَسَلَّمْتُ، فَرَدُوا السَّلَامَ،

قُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟

قَالُوا: نُرِيدُ رَاهِبًا فِي هَذَا الدَّيْرِ، نَأْتِيهِ فِي كُلِّ عَامٍ، فَيُخْبِرُنَا بِمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ حَتَّى لِمِثْلِهِ مِنْ قَابَلٍ،

فَقُلْتُ: لَآتِيَنَّ هَذَا الرَّاهِبَ فَلَأَنْظُرَنَّ مَا عِنْدَهُ، وَكُنْتُ مَعْنِيًّا بِالْكُتُبِ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ عَلَى بَابِ دَيْرِهِ، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ السَّلَامَ،

ثُمَّ قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟

فَقُلْتُ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ،

قَالَ: أَمِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ؟

فَقُلْتُ: نَعَمْ،

فَقَالَ: مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنْتَ أَمْ مِنْ جُهَّالِهِمْ؟

قُلْتُ: مَا أَنَا مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَلَا أَنَا مِنْ جُهَّالِهِمْ،

قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَتَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِهَا، وَتَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِهَا، وَلَا تَبُولُونَ فِيهَا، وَلَا تَتَغَوَّطُونَ؟

قُلْتُ: نَحْنُ نَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ،

قَالَ: فَإِنَّ لَهُ مَثَلًا فِي الدُّنْيَا، فَأَخْبِرْنِي مَا هُوَ؟

قُلْتُ: مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، يَأْتِيهِ رِزْقُ اللَّهِ فِي بَطْنِهَا، وَلَا يَبُولُ وَلَا يَتَغَوَّطُ،

قَالَ: فَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ،

ثُمَّ قَالَ لِي: أَمَا أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ لَسْتَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ؟

قُلْتُ: مَا كَذَبْتُكَ، مَا أَنَا مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَلَا مِنْ جُهَّالِهِمْ. 


قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَتَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِهَا، وَتَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْهَا شَيْئًا؟

قُلْتُ: نَعَمْ، نَحْنُ نَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ،

قَالَ: فَإِنَّ لَهُ مَثَلًا فِي الدُّنْيَا، فَأَخْبِرْنِي مَا هُوَ؟

قُلْتُ: مَثَلُهُ فِي الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحِكْمَةِ، لَوْ تَعَلَّمَ مِنْهَا خَلْقُ اللَّهِ أَجْمَعُونَ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْهَا شَيْئًا،

قَالَ: فَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ،

ثُمَّ قَالَ: أَمَا أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ لَسْتَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ؟

قُلْتُ: مَا كَذَبْتُكَ، مَا أَنَا مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَلَا مِنْ جُهَّالِهِمْ. 


قَالَ: وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا؟

قُلْتُ: نَحْنُ نَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَالَ: فَإِنَّ لَهُ مَثَلًا فِي الدُّنْيَا، فَأَخْبِرْنِي مَا هُوَ؟

قُلْتُ: مَثَلُهُ فِي الدُّنْيَا كَمَثَلِ الرَّجُلِ يَمُرُّ عَلَى الْمَلَأِ فِيهِمُ الْعَشَرَةُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ السَّلَامَ أَجْمَعُونَ،

قَالَ: فَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ،

وَقَالَ: أَمَا أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ لَسْتَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ؟

قُلْتُ: مَا كَذَبْتُكَ، مَا أَنَا مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَلَا مِنْ جُهَّالِهِمْ. 


قَالَ: وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ حَقًّا عَلَيْكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ أَنْ تَسْتَغْفِرُوا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؟

قُلْتُ: نَعَمْ،

قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ،

فَقَالَ: مَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةٍ. 


قَالَ: وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ حَقًّا عَلَيْكُمْ أَنْ تَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؟

قُلْتُ: نَعَمْ،

قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ،

فَقَالَ: مَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامَ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَضَى أَوْ هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. 


قَالَ: ثُمَّ قَالَ: هَلْ فِيكُمْ ذُو الْقَرْنِ يَقُومُ إِلَيْهِ طِفْلٌ مِنْ أَطْفَالِهِ فَيَرُدُّ قَوْلَهُ، وَيَضْرِبُ وَجْهَهُ؟

قُلْتُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ،

قَالَ: هَيْهَاتَ! هَلَكَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَلَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ عَلَى دِينٍ أَرَقَّ مِنْ هَذَا الدِّينِ.

قَالَ خَالِدٌ: وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كَذِبٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: كَمْ تَعُدُّونَ الْقَرْنَ؟ قَالَ : ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً.




مراجع

نشأة العلوم الطبيعية عند المسلمين في العصر الأموي لـ لطف الله قاري

العلوم الإسلامية وقيام النهضة الأوربية لـ جورج صليبا



مواضيع متصلة

فلسفة طرفة بن العبد في الحياة

الغواية والهيام