Fizdi.com
كل ما أريده هو نافذة أشرب عندها قهوة سوداء بينما أترقب طلوع الشمس لتطوقني بدفء أشعتها. أتأمل تأهب كل الأشياء لتؤدي دورها في بداية هذا اليوم الجديد؛ أغصان تتمايل، طيور تبتهل، همهمة محركات السيارات، صياح ديك الجيران، وسماء ملبدة.
وأنا أقف هنا أستنشق عبق القهوة وأجر الذكريات. لماذا ما تزال ذكراك حاضرة في صباحاتي الباكرة، رغم كل هذه السنوات؟ توصلت مؤخرًا إلى قناعة أنني يمكنني الاستمرار في العيش دون الحصول على إجابات.
أخبرتني في أول حوار بيننا أن كل ما تعرفينه عن الكويت هو الحرب التي سمعتي عنها قديما من وسائل الإعلام، وسألتني "كيف هي الآن، هل يعيش الناس هناك بأمان؟". لم أسألك عن السبب الذي دفعك إلى الهجرة والاستقرار في أمريكا. كلانا كان يلتمس طريقا جديدا.
لا أتذكر أنك تقرأين الكتب، مع ذلك كنتِ تزاولين الحياة بسعادة، متقوقعة داخل عالمك الصغير؛ تتقنين الطبخ، تحرصين على عدم استخدام البلاستك حتى لا تتضرر البيئة، تكتفين بكأس واحدة من النبيذ الأحمر حين تذاكرين في المساء، تلعبين التنس أيام السبت، تجيدين الرسم على مناديل المقاهي، وتضحكين ببراءة. هل أخبرتك كم كان شعرك ساحرا حين تداعبه الريح وكم كانت ابتسامتك آسرة؟
الحياة مليئة بأشياء جميلة، أنت واحدة من تلك الأشياء. لكن لكل شيء، مهما كان جميلا، نهاية. هكذا هي الحياة. كان لزاما عليّ أن أعود. بينما بقيتِ أنتِ هناك. عرفتُ أنكِ تعملين في وظيفة لا تتعلق بدراستك. وصرتِ أُمّاً لطفلتين. هل تذكرين محاولتي الفاشلة في تعلم العزف على الكمان، هل ما زلتِ تحتفظين به؟ كيف تقضين أيامك الآن؟ هل ما زلت تخيطين بنفسك ملابس الهالوين التنكرية؟ هل سمعتِ ألبوم جيسون مراز الجديد؟ هل تتسوقين في المجمع التجاري المقابل لمبنى سكني؟ هل تؤمنين بالمعجزات؛ أن نلتقي مصادفة في ظهيرة أحد الأيام ثم نسير في محاذاة الشاطئ نستذكر كل الأشياء المجنونة التي ارتكبناها معًا إلى أن تغيب الشمس؟
أنا توقفت عن محاولة النسيان، وفي الوقت نفسه يمكنني الاستمرار في العيش دون الحصول على إجابات. أما الآن فكل ما أريده هو نافذة أرمي فيها الأمس بكل ما فيه، أحبسك داخل إطارها، وكلما اشتقت إليك سأحمل كوب قهوتي الساخنة قبل طلوع الشمس وأستنشق هواءً نقيًا ممزوجا بعبق القهوة التي سوف أحتسيها مع طيفك، حيث تركتك، داخل النافذة.