حين أنظر في حياة من حولي، أرى أننا نسير في حياتنا كما تدور الكواكب في مسارات محددة؛ ندور، ونلتقي، وقد نتصادم، لكن نستمر في السير إلى الأمام، دائرةً تلو أخرى.
كل هذه المسارات محددة مسبقًا: يحددها العيب، والحرام، وإرادة أي فرد في العائلة أكبر منك بيوم واحد.
في المرحلة المتوسطة، بينما كنت أتبع المسار المحدد لي، التحقتُ بحلقة تحفيظ القرآن في مسجد حيّنا، وهناك التقيتُ بعبدالله.
توقفت الحلقة عندما رُفع أذان العشاء. "انطرني لا تدخل المسجد". قال لي عبدالله ونحن في غرفة الوضوء، فانتظرته هناك حتى سمعنا إقامة الصلاة. "تعال معاي"، قال عبدالله وهو ينتقل إلى ناحية قريبة من المسجد.
وقفنا تحت سدرة وارفة، يتناهى إلى مسامعنا صوت الإمام وهو يتلو القرآن. أخرج عبدالله من جيبه سيجارةً، ثم أشعلها ومدها إليّ. لم أكن قد دخنتُ من قبل، وكانت لديَّ رغبةٌ كامنةٌ بتجربة المحرمات التي يُستثنى من فعلها الكبار: التدخين، القهوة السوداء، والعودة إلى المنزل في وقت متأخر من الليل.
في النفس الأول، ملأتُ رئتي حتى سعلتُ بشدة. ضحك عبدالله، وأخذ نفسًا بمهارة عالية، ثم ردها إليّ. سعلتُ بدرجة أقل في النفس الثاني، ثم وضعت السيجارة بين السبابة والإبهام وأخذت نفسًا ثالثًا انتشت منه كل خلايا دماغي.
ظللنا نتناقل السيجارة كأنها كرة تنس، إلى أن رماها عبدالله على جذع السدرة، ثم قال، "بسرعة خل نلحق على الصلاة ". التحقنا بالركعة الرابعة، وتأثير النيكوتين ما زال يداعب خلايا دماغي، التي أدركت لأول مرة إمكانية الخروج من المسار الذي حُدِّد لي، ثم العودة إليه متى ما شئتُ، مثلما يفعل عبدالله ابن إمام المسجد، الذي كان يتقن فن التنقل بين مسارات الحياة.