دورة حياة التكنولوجيا


أي شيء موجود في الحياة حين ولِدتَ يُعَد صحيحا وطبيعيا.
أي شيء أُخترع وأنت بعمر 15 إلى 35 يُعَد جديدا وثوريا ومشوقا, ويمكنك إلى حد ما أن تزاول عملا يعتمد عليه.
أي شيء أٌخترع وأنت أكبر من 35 عاما سيكون أمرا يخالف سنن الطبيعة.
دوغلاس آدام





عالم الكمبيوتر والمتخصص بالمستقبليات راي كيرزويل (1948) كان مأخوذا طوال حياته بالتكنولوجيا وله العديد من الاختراعات التقنية كالقارئ الضوئي للنصوص وآلة عزف إلكترونية تحاكي البيانيو, وألف العديد من الكتب التي حوت على تنبؤات تقنية دقيقة. في كتابه "عصر الآلات الروحية" يصف تطور أي تكنولوجيا بهذه المراحل السبعة:

تكافح التكنولوجيات من أجل البقاء, وتتطور وتخوض دورات حياة خاصة بها, ونستطيع تحديد سبع مراحل مختلفة. خلال مرحلة الإرهاصات تتوفر المتطلبات الأساسية للتقنية, وقد يستطيع الحالمون تصور اتحاد هذه العناصر معا, لكننا لا نعتبر الحلم مرادفا للاختراع, حتى لو كانت الأحلام مدونة, فقد رسم ليوناردو دا فينشي Leonardo da Vinci صورا مقنعة لطائرات وسيارات, لكننا لا نعتبره مخترعا لأي منها.
المرحلة الثانية -- وهي مرحلة نحتفي بها كثيرا في ثقافتنا -- هي الاختراع, وهي مرحلة وجيزة جدا, لا تختلف في بعض الجوانب عن عملية الميلاد بعد فترة طويلة من المخاض, وهنا يمزج المخترع حب الاستطلاع والمهارات العملية والعزيمة وقدرا من الاستعراض عادة للجمع بين الأساليب المختلفة بطريقة جديدة للخروج بتكنولوجيا جديدة.
المرحلة التالية هي التطوير, حيث يحمي الاختراع ويدعمه أوصياء لديهم شغف به (قد يكون من بينهم المخترع الأصلي), وكثيرا ما تفوق هذه المرحلة في أهميتها مرحلة الاختراع, وقد تتضمن ابتكارا إضافيا يفوق في أهميته الاختراع الأصلي. كان الكثيرون من هواة تجربة أجزاء الآلات قد انتهوا إلى إنشاء عربات ركاب بدون جياد تعمل بالتحكم اليدوي, لكن اختراع هنري فورد Henry Ford للإنتاج على نطاق واسع هو الذي أتاح للسيارة أن تحتل مكانها وتحقق النجاح.
المرحلة الرابعة هي النضج, فمع أن التكنولوجيا تواصل التطور, فإنها تكتسب عندئذ حياة ذاتية وتصبح جزءا مستقلا وراسخا في المجتع, وقد تندمج اندماجا كبيرا في نسيج الحياة حتى يبدو لكثير من المراقبين أنها ستدوم إلى الأبد, ويؤدي ذلك إلى دراما مثيرة عندما نصل إلى المرحلة التالية التي أطلق عليها مرحلة "المدعين", فهنا يهدد أحد المدعين بالقضاء على التكنولوجيا القديمة, وقبل الأوان يتوقع المتحمسون لها النصر, في حين توفر التكنولوجيا الجديدة بعض الميزات, نجد بعد إعادة النظر أن التكنولوجيا الأحدث ينقصها الجودة أو تفتقر إلى العملية, وعندما تفشل بالفعل في إزاحة النظام القائم, يرى المحافظون في ذلك دليلا على أن الأسلوب الأصلي سوف يعيش حقا إلى الأبد.
يكون ذلك في معظم الأحوال نصرا قصير الأجل للتكنولوجيا التي أصابتها الشيخوخة, وبعد وقت قصير تنجح تكنولوجيا جديدة عادة في إحالة التكنولوجيا الأصلية إلى التقاعد. في هذا الجزء من دورة الحياة تعيش التكنولوجيا سنواتها الأخيرة في تدهور تدريجي, وقد أصبح يشاركها الهدف منها ووظيفتها منافس أكثر حيوية. وتفضي هذه المرحلة -- التي قد تشكل (٥-١٠) بالمائة من دورة الحياة -- آخر الأمر إلى مرحلة الأثر التاريخي (من الأمثلة الراهنة; المركبات التي تجرها الخيول, والهاربسيكورد, والآلة الكاتبة اليدوية, والكمبيوتر الميكانيكي الكهربائي).
لتوضيح تلك المراحل تأمل أسطوانات الفونوغراف, فقد سبقها في منتصف القرن التاسع عشر العديد من الابتكارات بما فيها مسجلة الصوت البدائية phonautograph لإدوارد ليون سكوت دو مارتنفي Edouard-Leon Scott de Martinville, وكانت تسجل ذبذبات الصوت كنموذج مطبوع. غير أن توماس إديسون Thomas Edison هو الذي جمع في 1877 كل العناصر بعضها مع بعض واخترع أول جهاز يستطيع تسجيل الصوت وإعادته, وتطلب الأمر مزيدا من التنقيح للفونوغراف لكي يصبح عمليا من الناحية التجارية, وأصبح تكنولوجيا ناضجة تماما في 1948 عندما أنتجت كولومبيا الأسطوانة التي تدور بسرعة 33 دورة في الدقيقة وقدمت آر سي إي فيكتور RCA Victor الأسطوانة الصغيرة التي تدور بسرعة 45 دورة في الدقيقة. كان المدعي شريط الكاسيت الذي ظهر في الستينيات وانتشر في السبعينيات, وتنبأ المتحمسون الأوائل أن حجمه الصغير وإمكانية إعادة التسجيل عليه سيقضيان على الأسطوانات التي يعيبها كبر حجمها وقابليتها للخدش.
على الرغم من هذه الميزات الواضخة, كان ينقص أشرطة الكاسيت الوصول العشوائي (القدرة على الاستماع إلى مختارات بتتابع معين), وهي عرضة لأنواع معينة من التشويش وينقصها نقاء الصوت. وفي أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات وجهت الأقراص المضغوطة CD الضربة القاضية, فقد أتاحت هذه الأسطوانات الوصول العشوائي بالإضافة إلى مستوى من جودة الصوت يقترب من حدود الجهاز السمعي الإنساني, ودخلت أسطوانات الفونوغراف مرحلة الاختفاء التدريجي في النصف الأول من عقد التسعينيات, ومع أن هذه الأسطوانات لا تزال تُنتَج بكميات صغيرة, فإن التكنولوجيا التي ولدت على يد أديسون منذ أكثر من قرن في طريقها لأن تصبح أثرا تاريخيا.
يعد الكتاب المطبوع مثالا آخر, فهو الآن تكنولوجيا ناضجة تماما; إنه الآن في مرحلة المدعين, والمدعي هو الكتاب "الافتراضي" المعتمد على البرمجيات. ونظرا لافتقار الجيل الحالي من الكتاب الافتراضي للوضوح والتباين وغيرهما من المميزات البصرية للورق والحبر, فالجيل الحالي من الكتاب الافتراضي ليست له القدرة على إزاحة المطبوعات المعتمدة على الورق. غير أن انتصار الكتاب الورقي سيكون قصير الأجل, فسوف تنجح الأجيال المستقبلية من الكمبيوترات في توفير بديل مقبول تاما للورق.