Image source: wikimedia.org |
3 عادات كتابية لنجاح طويل الأمد: كيف كتب إسحاق عظيموف أكثر من 500 كتاب؟
ترجمة: علي الصباح
في المراحل الأولى من كتابتي لرسالة الدكتوراة, أكون محظوظا إذا ما تمكنت من تدبر جمل قليلة في اليوم الواحد. كانت الكلمات تخرج كالنفط السائل المستخرج من بقايا الديناصورات المتحللة. كل فكرة أو عبارة يتم تدقيقها, ثم إعادة تدقيقها, ثم تعديلها, ثم مسحها. في نهاية كل يوم كنت أنظر بإحباط إلى كمية الكلمات التي كتبتها. استمرت الحال هكذا لأشهر.
ثم انقلب عالمي رأسا على عقب بسبب هذا الرجل ذو السوالف الطويلة والنظارات القرنية المتوفى قبل 20 عاما. الذي علمني كيف أرفع قدرتي الكتابية اليومية من كلمات قليلة إلى أكثر من 1000 كلمة.
مقدمة عن إسحاق عظيموف
كانت لعظيموف, عميد أدب الخيال العلمي, قدرة إنتاجية تريع أكثر الروائيين غزارة في الإنتاج. فقد كتب أو حرر أكثر من 500 كتاب, ومئات القصص القصيرة والمقالات. إلى جانب ذلك, أرسل أكثر من 90 ألف رسالة وبطاقة بريدية إلى قراءه في شتى أنحاء العالم. تقع مؤلفات عظيموف ضمن 9 من 10 تصنيفات رئيسة لنظام ديوي العشري. ولو أنه وضع مؤلفا في الفلسفة لشملت مؤلفاته التصنيفات العشر كلها. هو معروف كذلك لعمله الملحمي في الخيال العلمي "سلسلة القاعدة" The Foundation Series, كذلك كتب عن شكسبير, والإنجيل, وقصائد اللمريك الفكاهية, والتاريخ القديم, ودليلا تعليميا لاستخدام المسطرة الحاسبة.
ليتمكن الكاتب العادي من هكذا إنتاج, يلزمه أن ينهي كتابا كل أسبوعين لمدة 25 سنة. أغلب كتب عظيموف كانت بمقدار 70 ألف كلمة, بمعنى جهوزية 5 آلاف كلمة يوميا للنشر. أي كاتب سيخبرك أن كتابته الأولى غير جاهزة للنشر بعد, على افتراض أن عدد كلماته اليومية أعلى بكثير.
إذا كيف كان يفعل ذلك؟ كيف تمكن من تجاوز الكتّاب الآخرين بعامل 10 أضعاف أو حتى 100 ضعف؟ هناك ثلاثة أسباب.
1- عظيموف يكتب كل يوم, سواء رغب بذلك أم لم يرغب
حسبما جاء في ملفه الشخصي في جريدة نيويورك تايمز عام 1969, يبدأ عظيموف عمله ما بين الساعة 9:30 و 10:00 صباحا يوميا. يكتب على ألآلة الطابعة الإلكترونية بسرعة تزيد على التسعين كلمة في الدقيقة, مع احتفاظه بآلة أخرى احتياطية في حال تعطل الأولى. يأخذ فترات قصيرة للراحة ويظل يعمل حتى المساء. ويخلد إلى فراشه ما بين الساعة العاشرة والحادية عشر مساءً, ولعله ينسج في حلمه مسودة للخطوط العريضة لما تبقى من كتابه. وعلى هذا النحو يحدث أن يُنهي كتابا كاملا في غضون أيام قليلة.
منهج عظيموف العملي يجعله يلقي بالكلمات على الورق حتى وإن لم يأته الإلهام. فكان يسخر من فكرة "حبسة الكاتب". فوالده كان صاحب متجر حلويات في بروكلين وكان يفتح باب المتجر في الساعة السادسة صباحا من كل يوم, سواء شعر برغبة في ذلك أم لم يشعر. فوالده كان يقوم بهذا بدون أن يشتكي يوما من "حبسة التاجر".
أسلوب عظيموف في ضخ الكلمات بكثافة جعله يبدو إلى حد ما مناقضا للنمط الشائع للكتّاب. فصورة الروائي القابع أمام آلة الكتابة, مجاهدا في توليد الكلمات, ثم أخذ الورقة وتمزيقها إن لم تكن بالمستوى المرغوب. هذه الصورة تراود خيال الكثير من الكتّاب المبتدئين. لذلك هناك الكثير ممن يرون أنفسهم كتابًا إلا أنهم لم يكتبوا قط. فهم يستخدمون لقب الكاتب كمهنة لهم إلا أن أقلامهم عاجزة عن الكتابة جراء إفراطهم في التنظير.
لكن عظيموف كان يكتب الكلمات بالجملة لإيمانه بأن الإنتاجية المستمرة أهم بكثير من التردد في سبيل تحسين الجودة.
2- استخدم أسلوبا بسيطا في الكتابة
عظيموف يفضل الكتابة بأسلوب بالغ البساطة. فشخصياته غاية في الوضوح وحوارته جدا فعالة وبالغة الإيجاز. بالرغم من الانتشار الواسع لكتاباته وتأثيره الواضح ككاتب, إلا أن ليس هناك الكثير من النقد الأدبي تجاهه. وذلك يعود إلى أنه من خلال حبكة القصص, جعل الأحداث وأسباب وقوعها واضحة للقارئ. فشخصياته لا تتحدث باستفاضة. فلا يتبقى الكثير للنقاد لتفسيره حين لا يجدون شيئا تقدمه الشخصيات.
يعزو عظيموف إنتاجه الكثيف إلى هذا الأسلوب البسيط في الكتابة أكثر من أي شيء آخر. عندما سالته مجلة رايترز دايجست Writer's Digest عن سر كتابته الخصيبة أجاب: أعتقد أني أكتب بخصوبة لأن لدي أسلوبا بسيطا ومباشرا في الكتابة.
3- لم يكترث للنقاد
يتجنب الكثير من الكتاب الأسلوب البسيط في كتابتهم ليبدون أكثر تمرسا. نتيجة لذلك, يأتون بنصوص مبهمة ليعجبوا بها النقاد "بأفكارهم العميقة". أما عظيموف فإنه تلقى انتقادات لنزوعه عن هذه الطريقة.
في عام 1980, كتب كاتب الخيال العلمي جيمس قَن James Gunn عن رواية آي روبوت I, Robot الآتي:
باستثناء قصتين من قصصه [عظيموف] -الكاذب Liar والدليل Evidence- هي ليست بالقصص التي تلعب فيها الشخصيات دورا محوريا. تقريبا كل الحبكات تدور بحوارات قليلة. وليس هناك كذلك طابع محلي أو توصيف من أي نوع. الحوارات بأحسن حال, عملية, والأسلوب بأحسن حال شفاف. قصص الروبوت مثل أغلب قصص عظيموف, تحدث على مسرح مجرد.