فرانكنشتاين



اسم الكتاب: فرانكنشتاين
المؤلفة: ماري شيلي
ترجمة: فايقة جرجس
عدد الصفحات: 107
دار النشر: كلمات عربية للترجمة والنشر


مصدر الصورة موسوعة ويكيبيديا




إن الإمكانيات التي تمتلكها العلوم اليوم غير محدودة مثل العقول التي تسعى وراءها (ص24)
ماري شيلي


رواية فرانكنشتاين للبريطانية ماري شيلي تعد من أوائل روايات الخيال العلمي, إن لم تكن الأولى. صدرت طبعتها الأولى في لندن من عام 1818, وفرانكنشتاين هو اسم الدكتور الذي تمكن من صنع جسد بشري حي بث فيه الروح ثم صار مسخا. الرواية تلامس مواضيع عديدة ذات أبعاد فلسفية وأخلاقية وإجتماعية ودينية وعلمية, ولا زالت روايات الخيال العلمي اليوم تطرح نفس الموضوع, وإن كان من زوايا مختلفة, أعني إمكانية صنع إنسان حي.


شخصية بطل الرواية, الدكتور فيكتور فرانكنشتاين, وحرصه الشديد على احتراف الكيمياء ليصل إلى هدفه في خلق إنسان حي, ذكرني بشخصية العالم جابر بن حيان, الذي كان أيضا مشغولا بذات الهدف, وحاول الوصول إليه من خلال الخيمياء عبر ما يعرف بعلم التكوين.

في هذه الرواية, التي كتبت في بداية القرن التاسع عشر, تنقل لنا المؤلفة التباين الشديد بين شخصيات تلك الحقبة الأولى من الثورة الصناعية. حيث اتخذ بعضهم نظرة علمية منطقية للعالم, وهمشوا كل ما يتعلق بالفنون والآداب, أو العكس. وينتج عن هذا صعوبة فهم أحدهما للآخر, نظرا لسلوكهم مسارين مختلفين في النظر إلى الحياة. ولعل أشهر مثال على ذلك هو الشاعر البريطاني الشهير اللورد بايرون والذي كان ذو شخصية أدبية تميل إلى الذوق والخيال والحدس, وأما زوجته فكانت على العكس تماما, تميل إلى المنطق والنظر إلى الأمور من منظار الحقائق, وانتهت حياتهما بالطلاق, والذي رأت زوجته أنه كان نتيجة لاختلاف نظرتهم للحياة. أما في الرواية فتحاول المؤلفة أن تعالج هذه الإشكالية في ما بين أبناء مجتمعها البريطاني, فتعطينا صورة جميلة عن إمكانية وجود هذا النوع من الاختلاف في الشخصيات مع بقاء التفاهم والحب فيما بينهم كما حصل مع الدكتور فرانكنشتاين وإليزابيث.

"كنا مختلفين أيما اختلاف, فما كان من هذا الاختلاف إلا أن عزز أكثر حب أحدنا للآخر. أحبت إليزابيث الشعر والأشياء الجميلة: الأزهار البرية, وشروق الشمس, والفراشات. أما أنا فقد أحببت العلوم, وعالم الطبيعة, والمفكرين العظماء." (ص15)


وبعد أن أصبح الدكتور فرانكنشتاين مأخوذا بالعلم واتخذ قراره بأن يكمل مسيرته العلمية في هذا المجال, بدأ يتسائل حول آلية عمل الجسم البشري وكيفية بعث الحياة فيه. وكانت صورة شخصية العالم في الرواية بأنه الذي يقدم التضحيات ويرجئ التمتع بمباهج الحياة  في سبيل اكتشاف فتح علمي كبير, فنرى أن الدكتور فرانكنشتاين يعيش لسنوات بعيدا عن عائلته ليدرس في الجامعة, ويؤجل زواجه حتى يتفرغ لمشاريعه العلمية, ويمر الشتاء ثم الربيع ثم الصيف واحدا بعد الآخر ولكنه لا ينتبه بسبب إنكبابه داخل معمله وإجراء تجاربه العلمية.


وفي إشارة إلى القصة التوراتية وندم الرب على خلق البشر, نجد أن الدكتور فرانكنشتاين أصابه الهلع بعد أن بث في جسد الكائن المسخ, الحياة. كأنه لم ينتبه بل كان غافلا طوال فترة عمله من أن هذا الكائن قبيح بشدة.

"صرخت 'ما الذي فعلته؟! يا للكارثة!'
لقد اخترت أعضاء جسمه بعناية بالغة, لكن الأمر تحول إلى كارثة. كيف أصف الرعب الذي انتابني؟ لقد رأيته قبل أن أبعث الحياة فيه, لكنني لم ألحظ أنه كان شديد القبح. والآن بعد أن أصبح على قيد الحياة ليس بوسعي أن أفعل أي شيء سوى الندم على أفعالي" (ص31)

وجاء في التوراة:
"فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته, الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء, لأني حزنت أني عملتهم.." (سفر التكوين 7:6)

ورأينا شيئا شبيها لهذا عند من صنع مادة تي ان تي المتفجرة وكذلك عند فريق عمل مشروع منهاتن الذي طور القنبلة الذرية خلال الحرب العلمية الثانية. حيث كان الندم ملاصقا للحظة خروج عملهم إلى الحياة. وهذا يجعلنا نتسائل, هل يتحمل العالم وزر وتبعات ابتكاراته؟ خاصة عندما يكون أعظم إنجاز له عبارة عن خطيئة يندم عليها فور تمامها, كما حدث مع الدكتور فرانكنشتاين.

بعد ذلك تتوالى المصائب على الدكتور فرانكنشتاين من قبل الكائن المسخ الذي صنعه, والذي قد كان قبل حلما وغدى كابوسا ولعنة تلاحقه هو وأسرته.

"لم أستطع أن أمنع نفسي عن التفكير في السبب الذي جعلك تصنعني إذا كان العالم كله سيكرهني." (ص73)

وعندما يلتقي الدكتور فرانكنشتاين مع المسخ, يشكي له بأن لا أحد يقبله, وأنه يريد, ليكف أذاه عن الآخرين, أن يصنع له مسخا آخر, أو زوجة, ليستطيع أن يعيش معها. وهنا يعيش الدكتور فرانكنشتاين في معضلة أخلاقية, فهو بصنعه لهذا المسخ قد تسبب بمشاكل عديدة, للمسخ نفسه ولغيره من الناس, واكتشف خطأ عمله, فهل يكون الحل بتكرار الخطأ وصنع مسخ آخر, وهو لا يدري كيف سيتصرف وهل سيقبل\ستقبل العيش مع المسخ الأول, فيكون قد دخل في مشكلة أخرى, أكبر.

"لا أستطيع أن أقضي المزيد من الوقت وحيدا, لا بد أن تصنع كائنا آخر. لا بد أن تصنع صديقا لي, أو زوجة. إنسانة مثلي تماما. أنت الوحيد الذي يستطيع أن يفعل هذا." (ص74)

رواية فرانكنشتاين على بساطتها, ولكنها ناقشت, بشيء من التشاؤم, مسألة لا زالت إلى اليوم تعامل بقدر من الحساسية, وهي صنع كائن حي واعي ويمتلك حرية الإرادة, بل قد تكون فكرة مرعبة كما صورتها الرواية وكثير ممن تناولها من بعد في أدب الخيال العلمي.