لماذا أكتب؟



كتابة طويلة الأمد

أكتب في هذه المدونة منذ ٢٠١١ لكنني كنت أكتب في مدونة أسبق منذ ٢٠٠٥ حين كانت المدونات أكثر رواجا. يغلب على كتاباتي في البداية التشتت. ثم اخترت عدة مسارات في الكتابة. منها الكتابة عن التقنية. لكني لاحظت عندما أزور المكتبة أن الكتب التقنية تصير المعلومات فيها قديمة بسرعة. يا له من جهد يضيع في كتاب عن لغة برمجة لا تعود رائجة بعد سنوات قليلة، أو نظام تشغيل يصدر ما أهو أحدث منه بعد سنتين أو ثلاث. حين أدخل إلى الجمعية تلفتني رفوف الخضروات الطازجة التي تستمر بالذبول كل ٢٤ ساعة ولا يكون ثمة حاجة إليها بعد أيام قليلة، عكس رف المعلبات الذي يمتد تاريخ صلاحيتها سنوات مديدة. أردت لكتابتي أن تكون مثل المعلبات.


كيف يمكنني أن أجمع ما الكتابة طويلة الأمد مع المواضيع التقنية؟ جاءتني عدة أفكار. منها الكتابة في التاريخ التقني. مثل تاريخ الحاسوب والانترنت وغيرها من المواضيع التقنية. كذلك الكتابة في السير الذاتية للشخصيات التي ساهمت في تطوير العديد من التقنيات. الكثير منهم كانوا علماء رياضيات وحاسوب مثل تورينغ وبابيج.


اسم جديد، مسار جديد

في نفس الوقت الذي كنت أكتب فيه هذه المواضيع لم أرد أن أحصر نفسي في مجال الكتابة التقنية. في داخلي قصص قصيرة أتفاجأ بخروجها من حين لآخر. وأريد خوض تجربة الترجمة لمواضيع أجدها مفيدة ولم أجد الكثير ممن يكتب عنها بشكل عملي وواضح بالعربية، مثل الحرية المالية، والعلاقات، والتعامل مع الذات، وعن الكتابة بشكل أفضل. الكثير من القراء استفادوا من مقال: كيف تعالج القلق. لهذه الأسباب رأيت من الأفضل تغيير اسم المدونة (هل هناك من لا يزال يتذكر الاسم القديم؟) إلى اسم عام مثل: قهوة سوداء. مع الاحتفاظ بدومين ينتهي باسم tech في محاولة للجمع بين المواضيع العامة التي تندرج تحت اسم قهوة وسوداء وبين المواضيع التقنية.


أكتب لنفسي

رغم أن الترجمة أرتني أثر كتابتي على الآخرين، وهو شعور مبهج، لكن الكثير من المواضيع التي كتبتها لاحظت لاحقا كيف استفدت أنا من كتابتها بعد توثيق الكثير من المعلومات التي كانت نتيجة بحث طويل كان سيضيع لولا هذه المواضيع التي كتبتها، مثل قصة اللؤلؤ وسلسلة حلم الدولة العربية والأفلاطونية المحدثة. فقررت أن أولي اهتماما أكبر للكتابة لنفسي. بأن تكون أولوية. فالكتابة تساعدني على ترتيب أفكاري وتجعلني أفكر بوضوح.


نعم عزيري القارئ، بعد ما يقارب ٢٠ سنة كتابة، أريد أن أكتب لنفسي. بما في ذلك هذا السؤال الذي طرحته على نفسي في أحد المقاهي: لماذا أكتب؟ ففتحت الآيباد وكتبت الإجابة، لنفسي.  

نظرية المؤامرة بين توباك ودان براون







الجماعات السرية ونظريات المؤامرة تشكلان مادة خصبة للروايات والأفلام لما تتضمناه من عناصر تشويق. الطبقة المستنيرة Illuminati هي جماعة نشأت في القرن الثامن عشر في بافاريا الألمانية بين مجموعة من العلماء والمفكرين. استهدفت استبدال تعاليم الكنيسة بتعاليم عقلانية. انتشر أتباعها في أوروبا ووصل عددهم إلى ٢٠٠٠ شخص من ضمنهم الأديب الألماني غوته. لكن لم يمضي على تأسيسها عقد من الزمن حتى أصدرت السلطات البافارية مرسوما بحلها. سُجن بعض أعضاؤها وفر مؤسسها خارج بافاريا. بعدها خيّم الصمت على أنشطة الجماعة وتوارت عن الظهور علنًا وليس لدينا دليل على وجودها اليوم. هذا الفراغ الذي خلفه اختفاء أثرها حفّز مخيلة العديدين ليتهمونها بالوقوف وراء أحداث كبرى من الثورة الفرنسية إلى اغتيال كينيدي.

وظّف دان براون معرفته العميقة عن تاريخ الكنيسة والجماعات السرية والفنانين والعلماء في روايته <ملائكة وشياطين> التي تأخذنا في رحلة مشوقة مع بطلها إلى روما والفاتيكان حيث تخطط الطبقة المستنيرة لهجوم ضد الكنيسة يوم تنصيب البابا الجديد. استطاع دان بروان بكمية المعلومات التفصيلية التي يذكرها في روايته أن يقنع القارئ باستمرارية وجود هذه الجماعة حتى اليوم وامتلاكها لسلطات واسعة وقدرات خارقة. ونتج عن ذلك قصة مليئة بالإثارة والتشويق.

بالمقابل نجد مغني الهيب هوب الشهير، توباك، يقول في مقابلة له قبيل وفاته أنه اختار أن يضع حرف k قبل اسم الجماعة لتكون Killuminati في عنوان ألبومه الأخير لأنه يريد أن يقتل فكرة وجودها وسطلتها وتأثيرها على حياة الناس. فتوباك المنغمس في هموم وقضايا الأمريكان من أصول إفريقية حين دخل السجن وسمع ترديد المساجين لحكايات عن الطبقة المستنيرة وتحكمها في العالم، أدرك أن تصديق هذا النوع من الحكايات عن نظريات المؤامرة يلهي الناس عن المشاكل الحقيقية التي يعيشونها مثل العنصرية والفقر وتفشي المخدرات. وتزعزع ثقتهم بأنفسهم وتقلل من تقديرهم لذواتهم، حسب تعبيره.


أحسن دان براون استغلال نظريات المؤامرة بكونها مادة للترفيه والمتعة والإبداع الأدبي. هي مساحة يمكننا أن نترك مخيلتنا تبحر فيها وتكون قالبا لقصة أدبية. أما توباك فأراد أن يضع حدًا لهذه الخيالات حين تتجاوز حدها وتصرف الناس عن معاناتهم الحقيقية. ثبّت قدميه في الواقع الراهن ليتحمل كل منا مسؤولية حياته ومصيره. وقبل أن نخلق مشاكل متخيلة لنصارعها يجب علينا ألا نغفل عن المشاكل الحقيقية التي تملأ عالمنا ويعاني منها الناس.




من دفتر اليوميات: ٢٠٢٣ - ترحال وتقنية وكلمات





"هل أضاع حياته كلها خلف أوهام عن موهبته؟ إن كان ماعرفه طيلة حياته مَحض زيف، فأي يأس ينتظره؟".
أحمد الفخراني، رواية بار ليالينا


أسترجع ذكريات العام الذي مضى، وأنتقي مما استقر في الذاكرة أو حفظته الكاميرا. هناك ثلاثة أشياء تمحورت عليها أيامي؛ الترحال بين البلدان والتقنية التي أقتات منها والكلمات التي أكتبها وتكتبني.


يناير
بدأتُ العام الجديد في مملكة البحرين حيث قضيت إجازة رأس السنة. في هذه الزيارة أخذت درسا عن كيفية تحضير الشاي الياباني من مقهى Chawan. رغم عشقي للشاي إلا أني كنت أجهل الكثير عن طريقة تحضيره بشكل صحيح. مثل أن مدة تنقيع أوراق الشاي الأخضر يجب أن لا تتعدى ٣٠ ثانية (أو ٤٥ ثانية على الأكثر). وبهذه الطريقة تستطيع تذوق الطعم الطبيعي للشاي دون المذاق المر الذي ينتج بسبب التنقيع لفترات طويلة. إذا كان الشاي خفيفا يمكنك زيادة الكمية لكن لا تزيد مدة التنقيع.

أعيش في عالم موراكامي داخل رواية 1Q84، حيث يحاول تنغو أن يجد حبيبة طفولته، أومامه، بعد سنوات طويلة من الفراق: "كان تنغو لا يكاد يصدّق - أنه في هذا العالم المجنون الذي يشبه المتاهة يمكن لقلبين لفتى وفتاة، أن يظلا متصلين ولا يعتريهما أيّ تغيير، رغم أنهما لم يريا بعضهما بعضًا منذ عشرين عامًا".
وفي هذا الشهر نشرت قصة قصيرة بعنوان: زنجبيل. وصار عندي فضول للتعرف أكثر على الفلسفة العدمية بعدما شاهدت فيلم Everything Everywhere All At Once، بسبب مشهد البيغل Bagel.



فبراير
شهر الربيع والأعياد الوطنية. في هذا الشهر وفرَت شركة المطاحن الخبز المعروف باسم "خلطة ١٩٩٠" التي استخدمتها في فترة الاحتلال العراقي للكويت في محاولة لصنع كمية أكبر من الخبز أوانذاك.
قرأت رواية هل تحلم الروبوتات بخراف آلية؟ للروائي الأمريكي فيليب ك. ديك. هذا الكاتب الغريب حياته مليئة بالغموض وتستحق التنقيب فيها.



مارس
قضيت الأسابيع الأولى من مارس في لشبونة التي تتمتع بأجواء لطيفة وشعب أعظم لطافة. لم يفتني زيارة متحف ساراماغو وتناول حلوى الناتا الشهية. عدت من البرتغال قبيل رمضان. وكنت قد عزمت أمري على تخصيص وقت في الأيام التالية للتحضير لاختبار في أمن المعلومات.


أبريل
قرأت رواية الإنسان مخلوق وحيد لـ عبدالله البصيص وكتبت عنها في قودريدز: "رواية ساخرة. البطل يصل إلى لحظة نفسية حرجة في حياته تدفعه لتقبل أفكار غريبة تصادم المجتمع. لكن بساطة تفكيره تجعلنا نضحك بينما نراقبه وهو يندفع نحو الهاوية". شاهدت فيلما كلاسيكيا بعنوان Waragames. رغم أنه صدر في بداية الثمانينات إلا أنه يتحدث عن اختراق الحواسيب بنفس الطرق المستخدمة اليوم. سابق لأوانه.

جربت أصنع حليبا من حبوب القرع. نقعت الحبوب في الماء لما يقارب ١٠ ساعات. ثم وضعتها في الخلاط مع كمية مناسبة من الماء. بعد ذلك نقيت السائل من بقايا الحبوب بقطعة قماش، وحصلت على حليب من حبوب القرع بنكهة غنية ولون يميل إلى الأخضر الفاتح.


مايو
خصصت وقت يومي للدراسة. في بعض الأحيان لا يكون المزاج صافيا، فشرعت أبحث عن مقاطع تحفيزية على اليوتيوب. لم تنفع. إلى أن استمعت إلى أغنية واكا واكا لـ شاكيرا. كلماتها ولحنها كانت كفيلة لدفعي للعمل والإنجاز. عندما علمت عن مسرحية المحترمين حرصت على حضورها وأُعجبت بما شاهدت. نجح خالد المظفر في تقديم مسرح كوميدي مختلف عن السائد. أغنية المسرحية أيضا بديعة.


يونيو
ابتدأت الشهر بالامتناع عن تناول القهوة، واصلت امتناعي ثلاثة أشهر ونصف. كتبت تدوينة عن التجربة بعنوان ٥٠ يوم بدون قهوة. في أواخر الشهر ذهبت إلى برلين بصحبة كتاب مناخ ٨٢ الذي يحتوي على مقابلات مع فرسان سوق المناخ حينما حدثت الأزمة المالية في الثمانينات. أرجعني متحف ألعاب الفيديو إلى ذكريات الطفولة. أما متحف التجسس فجعلني أجلس مع نفسي وأعيد تحليل بعض المواقف والذكريات. كتبت تدوينة عن الرحلة بعنوان برلين - حوائط صد.


يوليو
رجعت إلى عالم موراكامي مع روايته مقتل الكومنداتور، وبقيت داخل هذا العالم طوال الشهر. أعدت اكتشاف المكتبات العامة بحثا عن مكان هادئ للدراسة. المكتبات العامة كانت هادئة ومنعزلة إلى حد بعيد. مناسبة لمن يريد الاختباء.


أغسطس
دخلت إلى عالم الوجودية وأشهر رموزها مع كتاب على مقهى الوجودية. كل أسبوع أناقش جزء من الكتاب مع نادي قراءة. هذه الطريقة  في المناقشة تساعد على فهم الكتب الفكرية خاصة ذات الحجم الكبير.  بعض الأفكار كانت عصية على الفهم مثل أفكار هايدغر، لكن ماقام به سارتر وبوفوار من العيش بحرية كاملة وسباحتهم عكس تيار المجتمع فهذا يمكنني تفهمه جيدا. تقول عنهم المؤلفة: "لم يكن نموذج الزواج البرجوازي جاذبًا لهما [سارتر وبوفوار]، بأدواره الجندرية الصارمة، وخياناته الزوجية الخفية، وتفانيه في مراكمة الممتلكات والأطفال. لم ينجبا أطفالًا، ولم يمتلكا سوى أقل القليل، بل لم يقيما معًا، رغم إعلانهما علاقتهما أمام الجميع إذ كانا يتقابلان يوميًا للعمل معًا".


سبتمبر
أُخذتُ بأسلوب آلان دو بوتون في كتابه فن السفر. في كل يفصل يربط المؤلف بين كاتب أو فنان أو كتاب مع المدينة التي يزورها بالإضافة إلى فكرة عامة تخيم على المدينة. يقول: "فقد يكون من بين تطلعات حب شخص من بلد آخر أن نشدّ أنفسنا برباط أوثق إلى قيَم غائبة عن ثقافتنا".


أكتوبر
قدمت استقالتي. أن تستقيل متأخرا خير من ألا تستقيل أبدا. صار لدي وقت أكثر للتركيز على ما أريد فعله.


نوفمبر
قررت الذهاب إلى روما. وأول ما خطر ببالي هو فيلم طعام صلاة حب الذي يروي محاولة الكاتبة إليزابيث غيلبرت للبداية من جديد في حياتها بعد طلاقها. فذهبت إلى روما، تناولت طعاما لذيذا، وقعت في الحب، وكتبت عن تجربتها. راقت لي الفكرة. ذهبت إلى روما. تناولت طعاما لذيذا، ثم تناولت المزيد من الطعام اللذيذ. وكتبت عن تجربتي.
أكثر ما أعجبني في روما هو التاريخ الذي تجده في كل بقعة منها. حرفيًا. من الفاتيكان إلى البانثيون (معبد الآلهة الرومانية) إلى الكولسيوم الذي كانت يقام فيه القتال بين المصارعين وبين السجناء والحيوانات.
غني عن الذكر أن إقلاعي عن إدمان القهوة كان على درجة عالية من النجاح إلى أن ذهبت إلى روما. تصعب مقاومة كوب اسبرسو أو كبتشينو مع وجبة الإفطار.
شاهدت فيلم Dream Scenario. هذا الفيلم ذكرني برغبتي المؤجلة في الإطلاع على كتب علم النفس بالتحديد يونغ. كذلك نيكولاس كيج كان بارعًا في أدائه.
رجعت إلى عالم موراكامي للمرة الثالثة هذه السنة مع رواية جنوب الحدود غرب الشمس. يقول بطل الرواية عن الفتاة التي أحبها في طفولته: "احتلت لمدة طويلة مكانة خاصة في قلبي. حفظت ذاك المكان لها وحدها، مثل إشارة "محجوز" فوق طاولة في ركن هادئ في مطعم، بالرغم من أني كنت متأكدًا أنني لن أراها ثانية".



ديسمبر
أريد أن أختتم السنة مع كتاب أساطير إسكندنافية لـ نيل غايمان. المؤلف أعاد صياغة هذه الأساطير على شكل قصص قصيرة. قرأت مرة أن حياة الإنسان بلا أساطير ستغدو باردة عكس شتائنا هذا العام.

من دفتر اليوميات: ٥٠ يوم بدون قهوة

 







يومك يغدو مرهقًا حين لا تنال كفايتك من النوم. يزعجني كثيرا أنني لا أستطيع التحكم بتوقيت خلودي إلى النوم. كثير من الأشياء تتعطل في اليوم التالي، الذي أقضيه من بدايته إلى نهايته أشبه بالزومبي. لكن هل تعلم ما هو أسوأ من عدم القدرة على النوم لفترة كافية؟ أن يتكرر هذا الأمر لأربع أو خمس ليالٍ متتالية


تكررت هذه الحالة مرة تلو مرة. وكنت ألحظ تأثير القهوة المباشر على جودة نومي. فكنت أقللها إلى كوب واحد قبل الظهر، وفي بعض الأحيان أتوقف عن شربها لفترة من الزمن، يتحسن فيها نومي ثم أعود إلى تناولها لأجدني أدور في دائرة الأرق مرة أخرى.



البداية

في الثاني من يونيو ٢٠٢٣ والذي صادف يوم جمعة، مر نصف اليوم ولم أفكر في شرب القهوة، فعزمت أن أستمر كذلك إلى الغد بما أنني في عطلة نهاية الأسبوع وليس لي حاجة للكافيين. كنت أكتفي بكوب أو كوبين من الشاي الأسود أو الأخضر. كذلك في اليوم الذي تلاه. أما في يوم الإثنين فقررت أن أتوقف عن شرب الشاي أيضا. أريد أن أتخلص من الكافيين في جسمي مرة واحدةوتوقفت عن الشوكولاتة كذلك.



الأعراض

يوم الخميس بدأت أعراض التخلص من الكافيين بالظهور. صداع شديد لا ينفع معه البندول. وشعور وبالتعب والإعياء. من حسن الحظ أنها صادفت عطلة نهاية الأسبوع التي قضيتها ملقىً عليّ فوق الأريكة. استمر الصداع لمدة ٣ أو ٤ أيام وكان الشيء الوحيد الذي يخفف من حدته هو النوم. صار يأتي بعد ذلك بشكل أخف، كذلك الشعور بالتعب بعد الأسبوع الأول بدأ يقل. النوم صار يتحسن للأفضل. وانتبهت إلى أنني صرت أحلم من بعد انقطاع.


جسمي كان معتمدا على الكافيين، أو بالأحرى مدمنا عليه. بدى جليا أنني كنت أداوم على شرب القهوة لأتجنب الآثار الكريهة التي تصاحب انقطاع الكافيين أو انخفاضه عن نسبة معينة. تماما مثل أي مدمن على أي مادة لا يستطيع التوقف عنها.


من الأشياء التي ساعدتني على الاستمرار في الامتناع عن شرب القهوة مقاطع اليوتيوب التي يتحدث فيها أصحابها عن تجربتهم مع التوقف عنها، وقراءة التعليقات عليها. استمعت إلى كتاب صوتي بعنوان The Easy Way to Quit Caffeine وكان له تأثير إيجابي على فك الارتباط مع القهوة على المستوى النفسي.


من الأمور التي ساعدت أيضا أنني أزلت كل ما يحتوي على الكافيين في المطبخ وخبأته في مكان لا أراه. ووضعت مكانهم كمية متنوعة من شاي الأعشاب. جربت أنواع عديدة. أعجبني منها شاي النعناع والبابونج وجربت لأول مرة مزيج من الينسون والكراوية والشمرة (Anise - Caraway - Fennel) والذي صار المفضل عندي. بالاضافة إلى قهوة الشعير الخالية من الكافيين بشكل طبيعي، والتي لها رائحة ومذاق يذكرني بالقهوة سريعة التحضير


النوم هو مصدر الطاقة، فكما كانت لدي طاقة كبيرة للحركة واللعب دون قهوة في سنوات الطفولة والمراهقة فكذلك يمكن للجسم أن يحصل على هذه الطاقة الان بدون قهوة. بل إنني لاحظت أنني أقوم بالتمارين الرياضية بشكل طبيعي جدا طالما نلت قسطا كافيا من الراحة.



الثيانين

لا أجد رغبة في شرب القهوة مجددا حتى لا ترجع دوامة الإدمان ومشاكل النوم، لكن رجعت إلى شرب الشاي الأخضر والأسود بعد شهر من الانقطاع عن الكافيين. أفضّل أنواع الشاي التي تحتوي على الثيانين L-theanine وهو حمض أميني له تأثير مهدئ يجعل الجسم يمتص الكافيين على شكل موجات وليس دفعة واحدة، وكذلك يلعب دورا في الاسترخاء وزيادة التركيز. هناك أربعة أنواع من الشاي الذي يحتوي على الثيانين وهي:


غيوكورو Gyokuro أحد أجود أنواع الشاي الياباني. الكوب الواحد يحتوي علي ٨٥ مغ من الثيانين و٣٥ مغ من الكافيين.

الماتشا هي بودرة الشاي الأخضر. يحتوي الكوب الواحد منها على ٣٦ مغ من الثيانين ومن ٧٠-١٠٠ مغ من الكافيين.

سنشا Sencha أحد أشهر أنواع الشاي الأخضر. الكوب الواحد منه يحتوي على ٢٥ مغ من الثيانين ومن ١٠-٧٠ مغ من الكافيين.

هوجيشا Hojicha شاي أخضر محمص. يحتوي على ٨ مغ من الثيانين في الكوب الواحد. ونفس الكمية من الكافيين. ما يجعله شراب مناسب في الليل.




من دفتر اليوميات: برلين - حوائط صد





 رفيق الرحلة


قبل موعد الرحلة بأربعة أيام كنت أتنقل بين مجموعة من الكتب على الكندل، أقرأ قليلا من كل كتاب ثم أتململ وأقرر أنه ليس ممتعا بما يكفي لاصطحابه معي في الرحلة. تكرر الأمر مع كتاب تلو الآخر حتى أحسست كما لو أنني فقدت الشغف بالقراءة عموما. في نفس هذه الحالة المزاجية أميل إلى إعادة قراءة كتاب أعجبني. لكن للأسف الرواية التي كنت أريد إعادة قراءتها أهديتها لأحد الأصدقاء ولم أجدها في المكتبات. فقررت اصطحاب كتاب "مناخ ٨٢" الذي يوثق قصة انهيار سوق المناخ في بداية الثمانينات بعد أن تضخمت قيمة التداولات فيه إلى ١٠٠ مليار دولار في وقت كان دخل الدولة السنوي من النفط لا يتعدى ٢١ مليار دولار. استشعرت صحبته الممتعة مذ شرعت في قراءته في المطار إلى أن أنهيت ١٠٠ صفحة منه وأنا في الطائرة. القراءة يجب أن تكون هكذا. إما كتاب يشدنا لننغمس فيه أو نركنه. الوقت محدود والكتب كثيرة.



الأهداف والسفر


كلما خططت للأشياء التي أريد أن أفعلها أجدني أنجز أقل بكثير مما خططت. لماذا أخطط للسفر؟ لأن بعض الرحلات تكون طويلة ولا أريد أن يفوت الوقت هكذا. فمع الذكريات الجميلة أريد أن أرجع بانجازات ولو بسيطة. اخترت ثلاثة أشياء: الأول: التأمل ١٠ دقاىق كل يوم. وكنت أستخدم تطبيق Waking Up لجلسات التأمل. الثاني: الدراسة مدة ساعة يوميا. فعلتها يوم واحد فقط. والثالث: تدوين اليوميات. أستخدم الهاتف لكتابة مختصر ما حدث في اليوم السابق.



التجول في المدينة


فور وصولي إلي أي مدينة أحب أن أخرج في جولة مع مرشد سياحي سيرا على الأقدام. أبحث عن هذه الرحلات في برنامج Airbnb.


حطت الطائرة في السابعة والنصف صباحا. غرفة الفندق تجهز في الثانية بعد الظهر، فما كان لي إلا أن أترك حقيبتي في الفندق وأخرج إلى أحد أفرع ستاربكس الذي منه ستبدأ الجولة. كنا ١٥ شخص والمرشدة روسية مقيمة في برلين. بدأنا عند الساعة ١٠:٣٠ وانتهينا عند الثانية. كمية كبيرة من المعلومات قذفتنا بها المرشدة. أتذكر منها أن أباطرة ألمانيا السابقين يسهل تذكر أسمائهم، فهي تتراوح ما بين ويليام أو فريدريك. كذلك الوضع الاقتصادي المزري الذي تلا خسارة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ففي ١٩١٩ كان الدولار الأمريكي يعادل ٤ مارك ألماني، أما في ١٩٢٣ وبعد التوسع في طباعة العملة لمواجهة التضخم ، فصار الدولار يعادل مليون مارك!

في البداية كان الرذاذ لطيفا. لكن من وقت لأخر تشتد زخات المطر. ثيابي تبللت. الهواء البارد جعل من المشي عملية غير مريحة. وصوت المطر الغزير يشوش على كلام المرشدة. لم أستمع لكثير مما قالته. طلبت سيارة أوبر وحين ركبت كان قائدها من أصل عربي سألني: كيف حالك؟ لم أتمالك نفسي فضحكت بصوت عالٍ وأن أنظر إلى ثيابي التي يترشش منها الماء.


قررت بعد عدة أيام القيام بجولة ثانية، وحرصت قبلها على لا تكون السماء ممطرة. المرشد ألماني اسمه هاري. يقول إن برلين لم تتعافى بعد من آثار كوفيد-١٩. فقبل ٢٠٢٠ كان يقوم بجولات يومية مع ١٥ سائح، أما الآن فبالكاد يقوم بهذه الجولات مرتين بالأسبوع. عددنا كان ١٠ أشخاص في تلك الجولة. أما عن أشهر الوجبات في ألمانيا فيقول هاري: "لو سألت أي طفل ألماني فسيخبرك أنه يحب الدونر". تلك السندويشة المحشية باللحم. ففي الستينات جاءت بعثة من الأتراك إلى ألمانيا وكان من المفترض أن يعودوا إلى تركيا بعد فترة من الزمن. إلا أنهم لم يعودوا. جلبوا معهم أسرهم وأكلاتهم ومنها الدونر التي غدت مطاعمها في كل مكان من ألمانيا. زرنا أماكن لا يتردد عليها كثير من زوار وسكان برلين. الأول مكان يحتوي على مجموعة من الأكشاك للأطعمة والمشروبات الأفريقية. اسمه YAAM.  الحشيش ممنوع في ألمانيا لكني سمعت أنه يباع هنا. المكان الثاني راق لي أكثر. اسمه Holzmarkt وفيه جلسات على النهر مظللة بالأشجار وبالقرب منه مجموعة من المخابز والمطاعم والمقاهي.



متاحف


زرت ثلاثة متاحف. الأول متحف السحر. بداية الدخول يعطونك أصفاد وسطها قطعة حديد وعليك أن تخرجها. ثم تأخذ ورقة فيها مجموعة من الأسئلة تحاول تجاوبها من خلال استخدام ما هو موجود في المعرض.

المتحف الثاني عن ألعاب الفيديو. صغير من دور واحد. لكنه يحوي كمية كبيرة من الألعاب اللي يقدر الزائر يلعبها.

المتحف الثالث عن التجسس. الأدوات المستخدمة للتجسس وقصص أشهر الجواسيس.

كلها متاحف ممتعة لجميع الأعمار (الأول والثاني سيستمتع فيه الأطفال أكثر)، ويمكنك قضاء ساعة إلى ساعة ونص في كل واحد.



حوائط صد


أول يوم في برلين كان طويل ومتعب. في نهايته خرجت أتمشى قرب الفندق إلى أن وصلت إلى حانة قريبة. كل من فيها يتحدث الألمانية. جلست أقلب نظري فيهم وأفكر في هذا الحاجز المعنوي الذي شُيّد بيننا. حاجز يعزلني عنهم رغم جلوسي بينهم؛ كلامهم بلغة لا أفهمها.


أذكر معلومة قرأتها عن نيوتن أنه اختار كتابة كتبه العلمية باللاتينية، اللغة التي لا يفهمها بها إلا النخبة، الذين يريد أن يخاطبهم، وحدهم. وأعرف أصدقاء عرب لا يعبرون عن أفكارهم في شبكات التواصل إلا بالإنجليزية. كأنهم يخلقون حائط يصد عنهم مجموعة من الناس. حوائط الصد هذه لا تقتصر على اللغة التي نتواصل بها. يمكن أن تكون الاهتمامات التي نصرف أوقاتنا إليها والعوالم التي ننغمس فيها ونعيشها إلى أن تصير صورتنا عند الآخرين موشومة بها. وهي تكمن أيضا من خلال تعبيرنا بوضوح عن أنفسنا. هذا التعبير الواضح الذي يقول للأخرين "هذا أنا"، دعنا لا نضيّع أوقات بعضنا البعض.


حوائط الصد هذه لا يسير داخلها إلا الأشخاص الذين ترغب في وجودهم. ولا تحدث فيها غير الأشياء التي أنت تهواها. ولا تنبت داخلها إلا الورود التي أنت ساقيها. اختر لغتك بعناية وشيِّد حائطًا للصد.

زنجبيل - قصة قصيرة

 

Via behance.net




يحدق فهد في فنجان قهوته الذي يهتز مع رجرجة الطائرة. يستحضر اهتزاز قلبه كلما داهمته ذكرى داليا، التي لم يكن طول الزمن كفيلا لنسيانها.


هبطت الطائرة. استقل سيارة أجرة إلى الڤيلا التي سيقضي فيها نهاية الأسبوع. صاحبة الڤيلا سيدة صينية طويلة بشكل ملفت وشعرها يحاذي أذنيها. رحبت به وأخذته بجولة تعريفية إلى أن أوصلته للغرفة التي سيقطنها. يشاركه في هذه الڤيلا نزلاء آخرون.


سرت أيامه على نحو جيد. في صبيحة يومه الأخير قرر أن يتناول فطوره في الحديقة. حضّرت له العاملة فطوره المعتاد: بيضة مسلوقة وقطعة توست مع زبدة الفول السوداني وقهوة. جلس يتناول فطوره وجلست سيدة البيت تدردش معه لتسليه. أخبرته، بإنگليزية مكسرة، أن جل نزلائها من الصين. وأنها تتلهى بإدارة هذا العقار مع عقارين آخرين. وقد استطاعت قبل سنتين أن تتقاعد في سن مبكرة بفضل العوائد المرتفعة. تقضي أيامها برتابة مع ابنتها وثلاث قطط وعاملة وسائق. بينما تتحدث بلا توقف، تداعت إلى فهد صورة داليا. وتساءل "إلى متى؟".



***



بعد ثلاثة أسابيع عاد مجددا إلى نفس المدينة. نزل في فندق مع أصدقائه. في ليلتهم الأولى ذهبوا إلى ملهى ليلي. أكثر فهد من الشرب. وأخرج هاتفه، دون اكتراث بالعواقب، وأرسل رسالة نصية إلى السيدة الصينية يخبرها أنه رجع ليقضي نهاية الأسبوع هنا، ويرغب في الخروج معها لتناول العشاء. ثم وضع هاتفه في جيبه. بعد دقائق ليست طويلة، صرخ في وجه أصدقائه "قالت نعم".


اختار مطعما يابانيًا في أحد الفنادق الفاخرة. في لوبي الفندق أخبرهم العامل أن باصا سيمر بعد دقائق ليأخذهم إلى المطعم الذي يقع في ركن بعيد. لم يكن في الباص سواهما وسائحين أوروبيين. تحدثت عن زيارتها الأولى لهذه المدينة، "لم يكن أي من هذه الأبراج موجودا أول ما وصلت"، أكملت تلخص الخمس وعشرون سنة الماضية، "في بداية التسعينات نصحني صديق والدي للانتقال هنا. الشركات الصينية العاملة هنا كثيرة والفرص وفيرة. جئت لا أعرف شيئا عن البلد الذي سأعمل فيه ولا أتحدث غير الصينية. زوجي كان يعمل في الحكومة وجاء إلى شركتنا لمتابعة مشروع بيننا وبين الوزارة التي كان يعمل فيها. كان مختلفا جدا. لم يشعرني أني أقل منه لأنني أجنبية. صينية بالتحديد. تزوجنا بعد سنتين من معرفتنا ببعض. وأنجبت ميثاء، وأهله بعد لا يعرفون شيئا عني. ثم أصيب بسرطان الدم. خاف عليّ وعلى ابنته. أخبر أهله بكل شيء، ثم رحل بعد أشهر قليلة". التفتت إلى فهد وهزت رأسها، "حدث ذلك بسرعة. بعد وفاته جاءتني مضايقات من أهل زوجي. يريدون أن أقبل بالقليل من تركته وأتنازل عن البقية، وأن تكون ميثاء في رعايتهم. رفضت في البداية. لكني شعرت بالخوف. ثمة من يلاحقني ويراقبني. فرأيت أن أقبل على شرط أن لا أُحرم من ابنتي". أنصت إليها بتركيز، "يمكنني تخيل كم كان ذلك صعبًا. لكن ألا تحنين إلى الصين وأقاربك هناك؟". حدّقت فيه لوهلة ثم فلتت منها ضحكة، "يااااه حين أتيت هنا أنت كنت طفلا، بيبي يا فهد بيبي". شاركها فهد ضحكها بوجه محمَر. وأكملت، "والدي توفى قبل سنوات قليلة. كنت إلى جانبه في مرض وفاته. أخبرني أنه يريد أن يتنازل بكل ثروته لي لأن لا أحد من أخوتي أولاه أي رعاية أو اهتمام، لكني رفضت. لا أريد لهذه الوصية أن تجلب لي عداوتهم. الآن أنا ألتقي بأخي وأختي في كل رأس سنة صينية".


جلسا إلى الطاولة. طلب فهد أطباقًا متنوعة من السوشي. تناول قطعة من السلمون، غمسها بصلصة الصويا وتناولها بينما يستمع إليها تتحدث عن أفضلية المنازل الصغيرة على الشقق لتدني سعر الرسوم المستحقة عليها. تناول قطعة أخرى من التونا، غمسها في صلصة الصويا وقبل أن يتناولها أوقفت حديثها وقالت، "خذ شريحة زنجبيل". لم يفهم فهد ما ترمي إليه. "قبل أن تنتقل من طعام إلى آخر تناول شريحة زنجبيل لتجعل حلمات لسانك مستعدة لتذوق الطعم الجديد دون تأثير من الطعم السابق". أعجبته الفكرة. أخذ شريحة زنجبيل، بالعصي الخشبية، ومضغها. استشعر مزيج الخل والسُّكَر الغريب في الزنجبيل. بينما حلمات لسانه تتخفف مما ذاقته قبل قليل، سرح فهد يتذكر آخر مرة صادف فيها داليا. كانت تسير مع صديقتها وحين شاهدته اندمجت معها فجأة بحديث ضاحك. تتحدث وتتضاحك بصوت عالٍ. ربما حتى صديقتها استغربت نوبة الضحك تلك. لم يكن فهد يعرف كم شريحة زنجبيل يجب عليه أن يتناول الآن. 


سألته في نهاية اللقاء متى سيعود مرة أخرى. أخبرها: بعد ثلاث أسابيع.



***


خلال الأسابيع الثلاثة امتلأ هاتف فهد بصور كثيرة لقطط السيدة الصينية. تفاصيل دقيقة ليومياتها مع النزلاء. وقصص عن غباء خادمتها التي تذهب معها في بعض الأيام للعب التنس. ووعود كثيرة عن رحلات يمكنها أن تصحبه فيها معها إلى الصين، حيث ستجعله يرى عالما لم يكن يحلم بوجوده.


في يوم وصوله أرسل لها عنوان الحانة البلجيكية التي سيتقابلان فيها للعشاء. أخذ طاولة مطلة على الشاطئ. طلب بيرة بلجيكية، وبينما هو ينتظرها لمح فتاة تشبه داليا. تلك الفتيات اللاتي يشبهن داليا يبدو أنهن أيضا يلاحقنه في كل مكان. وصلت السيدة الصينية بجينز أزرق وبلوزة زيتية. "أعتذر تأخرت عليك. لكن هناك بعض الأعمال التي يجب عليّ أن أنتهي منها اليوم. أخبرتهم أني لن أعود إلا في الغد". أخذ رشفة من البيرة ونادى النادلة ليطلب منها ريزوتو مع المشروم وهي طلبت سباغيتي مع كرات اللحم، وشددت على أن لا يُضاف إليه جبن. بينما يتناولان عشاءهما كان فهد ينصت إليها  وينقل بصره بينها وبين المرأة التي تشبه داليا. إلى أن استوقفه لمعانٌ عند أذنيها. لؤلؤة كبيرة بلون ذهبي خفيف تزين شحمة أذنها. وحين تلتفت تظهر لؤلؤة صغيرة خلف شحمة أذنها. أشار إليها، "بديعة". ابتسمت وتحسست شحمة أذنها، ثم أقرت، "أفضّل اللؤلؤ على سائر المجوهرات. ليس لأحد فضل في كونه جميلا وكاملا. تختبئ اللؤلؤة في ظلمة المحارة، وتتشكل يومْا بعد يوم، طبقة فوق طبقة، ثم تمكث وحيدة متوارية في عتمتها تنتظر ذلك الشجاع الذي سيغامر ويخاطر ليغوص وينتزع المحارة من القاع ثم يخلصها منها، فتكافئه بالثروة والسعادة".  نادى النادلة ليطلب كأسا ثانية من البيرة. طلب منها أن ترشح له نوعا مختلفا، فشرعت تشرح بتفصيل عن كل الأنواع المتوفرة، في تلك الأثناء انتبه إلى أن السيدة الصينية رَنَت ناحية الشاطئ. "هل هناك منفذ إلى البحر؟". سألته.


على شاطئ البحر. يسيران بأكف متشابكة. جلسا عند مقعد خشبي يحدقان في الموج الهائج. الهواء يعبث بشعرها. تنهدت، "كم لؤلؤة مخبوءة في هذا البحر؟". مر وراءهما أربعة أو خمسة صبية يتحدثون بصوت عالٍ. اقترب فهد منها وقبلها. تراجعت. قبلها ثانية. وثالثة. ولم يكن فهد، في تلك الأثناء، يفكر إلا في شيء واحد.