بيتزا - قصة قصيرة

 



زارته في منامه، ورأى أنه يعطيها شريحة بيتزا، ثم ظلت تتبع احتفاله مع أصدقائه في كل مكان، إلى أن علقت يده في الصندوق. وفور استيقاظه من النوم، هاتفها:

  • ألو لُجين، رأيتكِ في المنام.
  • مشاري؟ ما الذي ذكّرك بي الآن؟ هل هذا مقلب جديد من مقالبك؟
  • أنا أتكلم جد.
  • لم أسمع صوتك منذ أكثر من سنتين، والآن تتصل فجأة، دون مقدمات، لتخبرني أنك حلمت بي! ماذا تريد؟

هي لم تتغير، لكنهما تبادلا الأدوار.

  • كنت في حفلة مع أصدقائي، أصدقاء الثانوية، وفجأة ظهرتِ بين الموجودين، فناولتكِ قطعة بيتزا.
  • طيّب، وبعد أن أطعمتني البيتزا بيدك، نمنا معًا، صح؟
  • لا، لا. لم أطعمكِ بيدي، ولم ننم معًا. فقط أعطيتكِ قطعة. كنت أقدّم شرائح البيتزا للحاضرين، وحين رأيتكِ، أعطيتكِ شريحة بيتزا عليها قطعة نقانق.
  • شريحة بيتزا عليها قطعة نقانق؟!
  • ما أدراني، هكذا كان الحلم.

اعتدل في سريره، وأكمل رواية الحلم:

  • ثم شرعت أوزّع علب البيرة على أصدقائي، وجلسنا نأكل ونتحدث، وأنتِ قريبة منّا، صامتة، لكن أحيانًا كنتِ تضحكين من الأشياء التي كنتُ أفعلها.
  • ما الذي يجعلك تعطيني شريحة بيتزا بعد كل هذه السنوات؟
  • الصورة.
  • أي صورة؟
  • صورة محمود درويش التي تتزين بها مكتبتي.

شهقت لجين:

  • الله! إلى الآن تحتفظ بها؟

سكت، ولم يُخبرها أنه قبل يومين وجد كيس بنّ القهوة التركية الذي أهدته إياه قبل سنوات، والذي لم يكن يستسيغه، في أحد أدراج مطبخه، وقرر الاحتفاظ به رغم انتهاء تاريخ صلاحيته.

سألته بعد لحظة صمت:

  • طيب، لماذا علِقت يدك في الصندوق؟
  • مثلما أخبرتكِ، كنا نحتفل، نأكل البيتزا ونشرب البيرة، وننتقل من مكان إلى آخر، حتى وجدنا أنفسنا في مكان لا يمكننا الشرب فيه، ولا ينبغي لأحد أن يعرف أن ما لدينا هو صندوق مليء بالثلج، وتحت الثلج تختبئ علب البيرة.

قهقهت لجين:

  • لم تتغير يا مشاري. حتى في أحلامك تشرب؟ أما زلت تتمنى ألّا تأتيك لحظة الموت وأنت بكامل وعيك؟

لجين لم تُدرك بعد كم تغيّر مشاري.

  • دعيني أكمل الحلم.
  • أكمل، أكمل.
  • حاولت أن أُخرج علبة بيرة من الصندوق دون أن يراها أحد حولنا. فخرمنا فتحة في الصندوق، أدخلتُ منها يدي باحثًا عن العلبة، لكنها كانت في مكان بعيد. مددتُ ذراعي بالكامل نحوها حتى قبضتُ عليها. حاولتُ أن أُخرج العلبة بسرعة، لكنها كانت مثقوبة، وصارت البيرة تنهمر على الثلج داخل الصندوق. استجمعتُ قواي وسحبتُ ذراعي دون جدوى؛ كانت عالقة بسبب الفتحة الضيّقة التي لم تتّسع لكفّي والعلبة. حاولت أكثر من مرة، إلى أن استيقظتُ من النوم.

انتبهت لجين لأول مرة إلى نبرة صوته المختلفة.

  • أنتَ فعلا للتو مستيقظ من النوم، يا مشاري؟
  • نعم، رأيتكِ ثم هاتفتكِ.
  • شيءٌ ما في كلامك يقول لي أنك لست مشاري الذي أعرفه. صارحني، ماذا تريد؟ وما الذي حدث لك؟

ابتلع ريقه، وقال مترددًا:

  • يعني… مثلًا… نأخذ فرصة ثانية.

يبدو أن أمرًا جللًا حدث لمشاري ليتفوه بهذه الكلمات، فكّرت لجين في نفسها.

  • قل لي الحقيقة، هل وقعتَ على وجهك في الحب؟ هل جرّبتَ الذي جرّبته أنا معك؟

تلعثم مشاري؛ فهو لم يعتد بعد على مقاس حذائها.

  • في الحقيقة… كل ما في الأمر أني حلمتُ بكِ وتذكّرتكِ.
  • من أي دولة هذه المرة؟ فرنسا؟ أم ألمانيا؟ لحظة، هل هي من اليابان؟

لم يتغيّر شيءٌ في لجين، لكن كل شيء في مشاري كان قد تغيّر.

  • الأمر ليس كما تظنّين.
  • وما الذي فعلَته تلك الفتاة حتى تتغيّر هكذا؟ ليس هذا مشاري الذي أعرفه.

أخذ نفسًا عميقًا، ثم نفثه.

  • لحظة، لحظة، مشاري… هل صحيح الذي أسمعه؟ منذ متى صرتَ تدخّن؟
  • قبل أيامٍ قليلة.

تداعَت إلى مخيّلتها لحظةٌ قديمة جمعتهما في أحد المطاعم اليابانية، حين سأل مشاري النادلة أن تُحضِر له صلصة الصويا قليلة الصوديوم.

  • مشاري، بدأتُ أقلق فعلًا. أخبرني أنك لا تمزح.

أخذ نفسًا من سيجارته، وردّ:

  • أتكلم بجدية، يا لجين.
  • وأنا لم أعهدك إلا ساخرًا من كل شيء، وفي كل وقت.

ما زالت لجين تقف على نفس الشاطئ الذي قابلها عنده أول مرة؛ هو وحده الذي دخل في لجّة بحرٍ عميق.

  • حسنًا، أخبرني إذن: ما الذي أعجبك بي إلى هذه الدرجة، وجعلك تحلم بي وتتذكّرني دون غيري؟

استحضر مشاري شعرها الناعم القصير، المختبئ تحت حجابها القطني، وثدييها العامرين، ومقلتيها الآسرتين. ثم قال:

  • لسانكِ.

تعالت ضحكة لجين، ورآها من سماعة الهاتف تميل رأسها إلى الوراء كما كانت تفعل في كل مرة تضحك فيها من قلبها.

  • يبدو أنكَ وقعتَ في حب فتاةٍ خرساء.
  • ماذا قلتِ إذن؟
  • عن ماذا؟
  • نلتقي الليلة؟
  • مشاري.
  • نعم.
  • ارجع نام.