ويكيبيديا |
في يوم كئيب من أيام مدينة جيلا الإيطالية، جثم نسر على ظهر سلحفاة وحلَّق بها عاليا لتكون له غداء شهيا. ومن ارتفاع شاهق أفلتها على صخرة لتتهشم قشرتها، إلا أنها وقعت على رأس رجل أصلع ظن النسر أنه صخرة، فيفارق الرجل الحياة، أما النسر فيحاول مرة ثانية في مكان آخر. كان ذلك الرجل المسكين جالسا خارج منزله، كعادته في آخر أيامه، تجنبا لسقوط سقف بيته عليه كما تنبأت له العرافة التي أخبرته بأنه سيموت بسقوط شيء من الأعلى.
هذا الرجل هو إسخيلوس (٥٢٥-٤٥٥ق.م)، كاتب المسرحيات اليوناني. ولكن لا تهم الطريقة التي مات بها، فمن منا يعرف كيف سوف يموت؟
شرع في تأليف المسرحيات حين بلغ ٢٦ سنة، حيث رأى في منامه الإله ديونيسوس الذي أمره بصرف انتباهه إلى فن التراجيديا الحديث. ضاع الكثير مما كتبه، باستثناء عدد بسيط من المسرحيات التي ترجمها إلى العربية عبدالرحمن بدوي تحت عنوان “تراجيديات إسخيلوس”. المسرحيات بديعة، وأجمل ما فيها هو الإدراك الذي يغمرك بأنك تقرأ نصوصًا دُوِّنت قبل ٢٥٠٠ سنة!
أشهر أعماله هي مسرحية پروميثيوس مغلولًا. اقتبست في العديد من الأعمال الفنية والأفلام، وبسبب طبيعة پرومثيوس المتمردة على الآلهة وعلى الأوضاع التي فرضتها المقادير اكتسبت هذه المسرحية رواجًا واسعًا في القرن التاسع عشر خاصة عند أصحاب النزعات الثورية ضد السلطة الدينية والسلطات التقليدية، بحسب رأي بدوي.
في مسرحية الفرس، صوّر إسخيلوس هزيمة الجيش الفارسي في معركة سلامين التي كان معاصرًا لها.
تبدأ المسرحية داخل القصر الملكي الفارسي، حيث يعبّر حاشية الملك عن قلقهم على حملة الشاهنشاه أحشوريش Xerxes في بلاد اليونان، وتنضم إليهم الملكة (أم أحشويرش) التي أقلقتها رؤية ابنها بالمنام وهو يمزق ثيابه. جاءهم رسول يخبرهم بما حدث من هزيمة كاسحة لجيش الفرس، مما زاد بلاءهم:
“وا أسفاه! إنها مصيبة بحد ذاتها أن أكون أول من يعلن عن مصيبة”.
ثم اتجهوا إلى قبر داريوس، والد أحشويرش وزوج الملكة، فتجلى لهم طيفه وأخبروه بالمصيبة التي حلّت بالجيش. وكان رأي داريوس أن ما حدث هو بسبب طيش أحشويرش الشاب الذي حاول يحارب عبر البحر وهي طريقة في الحرب لا يتقنها الفرس. وعندما طلبوا منه نصيحة أرشدهم إلى ألّا يقاتلوا اليونانيين أبدًا، لأن أرضهم حليفة لهم، وهي “تُهلِك بالجوع الجموع الكبيرة جدًا”.
وتُختَتَم المسرحية بظهور أحشويرش منكسرا ومتألما بعد هزيمته الفادحة.
أما مسرحية أجاممنون فتروي قصة البطل الذي يحمل اسم المسرحية. تحوي هذه المسرحية على حضور أنثوي مكثف. فهي تبدأ بالحرب التي نشبت في طروادة بسبب هروب هيلانة مع عشيقها پاريس. وحتى يضمن عودة الجيش تقترح الآلهة أرتميس على أجاممنون أن يضحي بابنته ايفجنيا، فيفعل. ليعود الجيش وبرفقته جارية تسمى الكسندرا تمتلك القدرة على التنبؤ، وتتنبأ بانتقام أم ايفجنيا. وهذا ما يحدث في النهاية. يموت أجاممنون على يد زوجته.
القصة تلامس النزاع ما بين الرجل والنساء في حياته وبين الآلهة. وهي من ضمن ثلاثية؛ تعقبها مسرحية حاملات القرابين التي يشرع فيها أوريست، ابن أجاممنون، للانتقام لأبيه بقتل قلوطمنسترا وعشيقها. وفي مسرحية المحسنات يُحاكم أوريست من آلهة الانتقام.