هنا يومياتي في أدنبرة، سكوتلندا، من منتصف يوليو إلى منتصف أغسطس 2022.
عادات السفر
عادات أحب مزاولتها في السفر:
المشي على الشواطئ، ضفاف الأنهار، الحدائق، بين المنازل، على الجسور. ساعات المشي هذه تتيح للمكان أن يترك بصمته في الذاكرة.
التقاط الصور للنباتات والورود. ثمة جمال يظهر بوضوح عندما تجد الزاوية المناسبة.
كتابة اليوميات. اقتناص اللحظة والاحتفاظ بها للعودة إليها لاحقا.
هاري بوتر وتسلق تل آرثر سيت – جزء أول
ذهبت في جولة إلى الأماكن التي كانت ج. ك. رولنگ تترد إليها حين كتبت هاري بوتر. بداية لقائي مع المرشد السياحي سمعت العبارة التي كثيرا ما أسمعها حين أسافر: “أنت أول شخص من الكويت”. كنا خمس أشخاص ثلاث فتيات من الولايات المتحدة بالإضافة إليّ والمرشد. مررنا على شارع فكتوريا الذي استوحت منه رولنگ شارع دايقون آلي الذي يقصده تلاميذ مدرسة هوگوورت ليشترون ما يحتاجون إليه للمدرسة. ثم مررنا على مقبرة گريفرايرز التي كانت تتجول فيها المؤلفة واقتبست، اقتداءً بديكنز، بعض أسماء شخصياتها من أسماء الموتى في هذه المقبرة. منها اسم شخصية منيرڤا مكگونگال McGonagall. ومن المقبرة يمكنك أن ترى مدرسة جورج هريوت التي استوحت المؤلفة منها فكرة مدرسة هوگوورت. غير بعيد من المقبرة نجد مقهى بيت الفيل الذي كانت تتردد عليه المؤلفة لكتابة بعض فصول هاري بوتر. للأسف كان المقهى مغلقا لأنه تعرض لحريق قبل عدة شهور، لكن لحسن حظي أني زرته سابقا بالمصادفة ثم عرفت أنه مشهور جدًا لارتباطه مع مؤلفة هاري بوتر. أذكر أني جلست إلى طاولة بها إطلالة لطيفة على .. المقبرة!
هاري بوتر وتسلق تل آرثر سيت – جزء ثانٍ
ثم انطلقنا إلى قمة تل آرثر سيت. السماء صافية. نريد أن نصل القمة لمشاهدة الغروب. الصعود كان متوسط الصعوبة، أي شخص بلياقة عادية يمكنه أن يتسلقه، باستثناء مكانين أو ثلاثة كان الانحناء فيهم شديدًا. يستغرق الصعود ٢٥ دقيقة. شعرت بالتعب وتزايد خفقات القلب، لكن لدهشتي لم أحتج أبدًا إلى استخدام بخاخ الربو. يبدو أن ما يتعب رئتيّ، حين كنت في الكويت، ليس المجهود الرياضي، لكن ما يعلق في الهواء ويلوثه. قرب القمة سرنا بمحاذاة الحافة، استشعرت خوفي من الأماكن المرتفعة، ولاحظت حين واجهته، أنه أقل مما كنت أتصور.
عند القمة كانت الريح شديدة لدرجة أني خشيت أن تطير نظارتي. كان الوصول إلى القمة أسهل من البقاء فيها، حرفيا. العديد من الناس يلتقطون الصور ويتأملون المدينة من الأعلى. شهدنا الغروب ونزلنا بدرب مختلف. أيسر. استغرقنا ما يقارب الساعة حتى خرجنا من الطبيعة ووصلنا قلب المدينة.
حديقة نباتية ورقصة باتشاتا
اتفقت مع يولا أن نلتقي بعد الظهر في الحديقة الملكية النباتية. سبت. طقس مشمس ولطيف للتجول على القدمين. تجولنا في الحديقة إلى أن بلغنا المقهى. جلسنا نحتسي قهوتنا ونتحدث؛ عن الصين، تونس، الكويت. التاريخ والفكر والدين. هي تونسية عاشت فترة في الصين، ووصلت إلى أدنبرة قبل أسبوع. لديها معرفة ممتازة بالتاريخ. يولا هو اسمها الصيني. تتحدث بشغف عن ديهيا، الكاهنة التي وحدت القبائل الأمازيغية واستطاعت أن تهزم الجيوش العربية. عن بورقيبة والاستعمار الفرنسي. عن الحريات في تونس التي أتاحت للكثير من المفكرين طرح ومناقشة ما لا يستطيع الكثير من العرب مناقشته في بلدانهم. كانت يولا تظن أن أغلب سكان الكويت بشرتهم سمراء لأن أغلب أعضاء فرقة ميامي، التي تعرفها منذ طفولتها، من ذوي البشرة السمراء وكذلك المشهور الكويتي أبوفلة. لخَّصْت لها تاريخ الكويت بدقائق. كيف هاجر الكويتيون الأوائل. كيف نشأت الإمارة دون حرب. كيف بدأ أول مجلس شورى في شبه الجزيرة العربية. كيف شكّل تنوع المهاجرين من البلدان المجاورة مزيجا فريدًا. حياة يولا لسنوات في الصين جعلتها تحن للطعام الشرق الأوسطي الذي لا تجده دائما. اخترنا مطعما إيرانيا للعشاء. حين عرفتْ عن ولعي باليابان رشحت لي بعض قصص المانگا التي تحبها كثيرا. أثارت فضولي واحدة من القصص التي رشحتها وهي Black Butler. لديها ولع في الرقص. بعد العشاء الأيراني اقترحت أن نزور إحدى الحانات التي تقدم دروسًا في رقصة الباتشاتا التي سمعت عنها لأول مرة. فنستطيع أن نجلس ونشاهدهم. وصلنا قبيل الثامنة. درس الرقص في الدور الأسفل. نزلنا. مدرب رقص لاتيني يقف أمام صف من الشباب والبنات. وقفنا نشاهد، وإذا بالمدرب يدعونا للانضمام إليهم. رمقتني يولا بنظرة تساؤلية، أومأتُ لها “لنفعل ذلك”. هكذا. جئت لأشاهد من بعيد لأجدني في قلب المشهد. مبادئ رقصة الباتشاتا بسيطة. قائد وتابع. وتزامن في الخطوات والحركات. تمرنا ساعة ونصف، ثم خرجنا والشمس ما تزال مشرقة.
أفكار مكررة
حين أريد التوقف عن التفكير في فكرة تتكرر في ذهني عدة أيام، أفعل التالي: أعد عكسيًا من ٥ إلى ١، ثم أفكر بشيء أريد فعله في هذا اليوم.
على صعيد آخر كلمة جديدة تعلمتها. في الإنگليزية السكوتلندية تطلق كلمة burn على النهر الصغير، يقابلها بالعربية كلمة جعفر.
رسالة من المطر
جلست في المقهى أحتسي قهوة سوداء وأتناول حلوى الناتا وأقرأ كتابا في الكندل. كتابي الحالي هو Save the cat، يعد أشهر كتاب يتناول موضوع كتابة السيناريو. يشرح بأسلوب رائع القواعد التي تقوم عليها أفلام هوليوود. كنت منهمكا في تظليل عناوين الأفلام الكثيرة التي رشحها المؤلف لأشاهدها لاحقا وأرى كيف ينطبق تحليله عليها. وفكرت أنني سأكتفي برفقة هذا الكتاب إلى نهاية الرحلة، ولن أشتت نفسي بقراءة كتابين في نفس الوقت. ثم… تجمعت فوق شاشة الكندل قطرات المطر. فتوقفت عن القراءة وشرعت أجوب الشوارع تحت الرذاذ. قادتني خطواتي إلى مكتبة Typewronger فقلت لأدخل ألقي نظرة سريعة على الكتب، رغم عدم حاجتي لشراء أي كتاب لأن لدي الكندل وفيه ما يكفي من كتب. وأنا أقلب عينيّ على أسماء المؤلفين استوقفني اسم ساياكا موراتا! أوه! صدر لها كتاب جديد؟ كيف لم أسمع عنه؟ عرفت أنه صدر قبل عشرة أيام فقط. قصص قصيرة بعنوان Life Ceremony. كما لو أن قطرات المطر كانت تنبهني إلى أن عليّ التوقف عن القراءة والسير في الشارع الذي سيأخذني إلى المكتبة التي سأجد فيها نسخة واحدة من كتاب موراتا الجديد. شكرا للمطر.
شوكلاتة ساخنة على المرج
أسالت لعابي صور الشوكلاتة الساخنة التي يقدمها مقهى Uplands Roast. يقع المقهي عند ممشى المرج Middle Meadow Walk. طلبت منه الشوكلاتة الساخنة وجلست أحتسيها على الحشيش. طعمها لذيذ، لكني لم أستطع أن أصل إلى نصف الكوب. لدي هذه المشكلة من السكريات. بعد تناول الحلويات العالية بالسُكّر ينتابني إما خمول أو صداع. قدرتي على تناول الحلويات لا تتعدى القطع الصغيرة. لقمة أو لقمتين.
مهرجان الأكل
تكثر المهرجانات في أدنبرة خلال الصيف. يصل عددها إلى سبعة. من مهرجان الأفلام إلى الكتب إلى الفن والأكل.
ذهبت إلى ساحة جورج حيث مهرجان الأكل. مررت على كل الأكشاك التي ضمت مزيجا لذيذا من أصناف الطعام. مع كل هذا التنوع، إلا أنني مثل محمود درويش، لا شيء يعجبني. خرجت متجها إلى محل آخر لتناول العشاء. لكن أحد الأكشاك الخارجية استوقفني. اسمه Alandas يقدم وجبة السمك والبطاطا المقلية الشهيرة هنا.
موجة حر وموجة أفلام
قبل أسبوعين شهدت أدنبرة موجة حر مدة يومين بلغت فيهما درجة الحرارة القصوى ٣٠. لم يكن الطقس لطيفا في الخارج إلا بعد الساعة السابعة. وجوه السكوتلنديين حمراااااااااء. اخترت أن أستغل موجة الحر بمشاهدة بعض الأفلام في السينما. شاهدت فيلمين. الأول Brian and Charles وهو كوميدي لكن لم يضحكني. الآخر فيلم أنيمي ياباني Fruits Basket: Prelude وبالكاد فهمت قصته.
الأسبوع التالي اخترت أن أعيد التجربة. ذهبت لمشاهدة فيلم Top Gun: Maverick. اخترته لأنه أعجب كل من أعرف، فلابد أنه سيعجبني. القاعة ممتلئة مع أن الفيلم صدر منذ ثلاثة أشهر. يتحدث الفيلم عن نخبة النخبة. أفضل طيار حربي في أفضل جيش. يدخل البطل في مهمات لا يعتقد الكثير إمكانية تحقيقها. من صفاته أنه يُعرض عن الانصياع للأوامر حين يرى ضرورة ذلك. يتمرد. أحداث الفيلم تحبس الأنفاس. بعدما انتهى، التفت إليّ الجالس جنبي وقال: That was tough.
تركني الفيلم أتساءل: ما هو الشيء الذي أريد أن أتقنه أكثر من أي شخص آخر، لدرجة الاقتراب مما يعده الآخرون مستحيلا ؟
الفيلم الأخير كان Good luck to you, Leo Grande. استمتعت جدًا بكل دقيقة من الفيلم. تقرر البطلة أن تقوم بخطوة جريئة لأول مرة في حياتها. فبعدما تعدت الخمسين، دخلت في علاقة مع شاب مقابل المال. تتطور علاقتهما ببعض وتنكشف تفاصيل دقيقة عن حياتهما وكيف لعب أقرب الناس دورا مهما في المكان الذي هم فيه الآن. الفيلم يدفعنا لعدم الحكم على الآخرين بسبب رغباتهم. تقول البطلة بعدما تأملت التجربة التي مرت بها:
“اللذة شيء رائع. إنها شيء يجب علينا كلنا الحصول عليه”.
“Pleasure is a wonderful thing. It’s something we should all have.”
المشي تحت المطر
أتجنب طلب سيارة أجرة حين تمطر. عوضًا عن ذلك، أسير تحت الرذاذ. تتجمع القطرات على نظارتي. وفوق شاشة هاتفي. أشعر بثيابي وهي تنتشي بالبلل. حين يشتد المطر أتوقف تحت شجرة وأراقب انهماره. اندفاعه. وأتذكر كم كان نزار قباني مخطئًا حين قال: أخاف أن تمطر الدنيا ولستِ معي.
تجربة الهاغيز – الطبق الوطني الاسكتلندي
الهاغيز Haggis هو طبق شهير في سكوتلندا. طبق وطني. يتكون من أعضاء الخروف كالقلب والكبد والرئتين، والتي تُفرَم مع البصل والشوفان والشحم والبهارات. ويقدم فوق طبقة من اللفت والبطاطس. لا يبدو الوصف لذيذا، لكن راق لي طعمه. جربته في مطعم Arcade المعروف باتقانه لهذا الطبق.
مهرجان Fringe – جزء أول
مهرجان Fringe في أدنبرة يعد أكبر مهرجان للفنون في العالم. يضم أكثر من ٣٠٠٠ عرض. ويأتي في المرتبة الثالثة (بعد الأولمبياد وكأس العالم) في عدد التذاكر المباعة للعروض. العروض الفنية تشمل المسرح، الموسيقى، السيرك، الرقص، الكوميديا والمزيد غيرها.
بعض الفنانين الذين وصلوا إلى العالمية كانت بدايتهم من هذا المهرجان. أحدهم روان أتكنسون الشهير بشخصية مستر بين.
مهرجان Fringe – جزء ثان
حضرت عدة عروض في مهرجان Fringe. الأول ستاند-أب كوميدي لـ يوريكو كوتاني من اليابان 🇯🇵. المختلف فيه عن بقية عروض الكوميديا أنه ليس عرضا للضحك فحسب. شاركتنا يوريكو بعض اللحظات العصيبة التي مرت بها وكيف أنها ترى في شجرة الكرز التي يكون تفتح أزهارها لفترة وجيزة تذكيرا أن كل شيء مؤقت. المصاعب تهون لأنها لن تدوم، واللحظات السعيدة يجب الاستمتاع بها، لأنها كذلك سوف تمضي. العرض الثاني كان عزفا على التشيللو. تلك الآلة الموسيقية الرخيمة. سافر بنا العازف إلى ثقافات شتى مع كل مقطوعة. من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا إلي شرق آسيا. العرض الثالث كوميدي غنائي. تقدمه جيني بيد وتحكي عن تجربتها مع الحمل بأسلوب يجمع ما بين النكت والغناء. العرض الرابع كوميدي مضحك جدا جدا. تقدمه الكندية ميشيل شاونسي وهو أول عمل لها.
لو حضرت المهرجان في السنة القادمة ووجدت هذه العروض فأنصحك بمشاهدتها.
من هنا وهناك
أهلا
١- رحلات السفر الطويلة تجعلني أفتقد قطتي. حلمت بها مرتين حتى الآن.
٢- الموسيقى الإسكوتلندية تستخدم آلة شبيهة بالهبان (قربة) لكن لا تستطيع الاندماج مع الموسيقى التي تخرج منها. كما لو أن أحدًا لعب بالنوتة وغير ترتيبها ثم سرّع العزف.
٣- لاحظت تغيّر أسعار البنزين عند محطة الوقود فسألت سائق الأوبر وأخبرني أن في الأسبوع الماضي (بداية أغسطس) بدأت الأسعار تتحسن. كانت تقريبا ٢ جنيه لليتر والآن ١.٧٨ جنيه. سعره الطبيعي عند ١.٣ جنيه.
٣- كلمة صوغة في اللهجة الكويتية تعني هدية القادم من السفر. الجمع: صوايغ.