source: http://coglil-attimo.webnode.it |
الحياة قصيرة
بقلم: پول گراهام
ترجمة: علي الصباح
الحياة قصيرة, كما هو معروف. تساءلت كثيرا عن هذه الحقيقة عندما كنت طفلا. هل الحياة فعلا قصيرة, أو أننا في الواقع نتذمر من محدوديتها؟ هل سنظل نعتقد أن الحياة قصيرة لو كانت أعمارنا أطول بعشرة أضعاف؟
ولأن لا يبدو أن هناك وسيلة لمعرفة إجابة هذا السؤال, توقفت عن التساؤل حياله. ثم أنجبت أطفال. مما أمدني بوسيلة للإجابة على هذا السؤال, والجواب هو أن الحياة بالفعل قصيرة.
إنجاب الأطفال علّمني كيف أُحوّل قيمة متواصلة, الوقت, إلى قيمة غير مترابطة. لديك فقط 52 أسبوعا مع طفلك ذو العامين. إذا كنت معه في كل كريسماس من عمر 3 إلى 10, فيكون لديك فقط 8 مرات يمكنك أن ترى فيها طفلك وهو يحتفل به. وإن كان يتعذر تحديد الكثرة من القلة في أي كمية متواصلة, إلا أن 8 ليست بالكمية الكثيرة من أي شيء. إذا كان لديك 8 حبات من الفول السوداني, أو رف يحتوي على 8 كتب لتختار منها, حتما ستبدو هذه الكمية محدودة, بغض النظر عن مدة حياتك.
حسنا, الحياة إذًا قصيرة. هل معرفة ذلك تشكّل أي فارق؟
بالنسبة لي نعم. تعني أن مناقشات مثل "الحياة قصيرة جدا لـ س" لها أهمية عظيمة. ليس مجازا أن نقول أن الحياة قصيرة بالنسبة لشيء ما. إنه ليس مجرد مرادف للتكدير. إذا وجدت نفسك تفكر بأن الحياة قصيرة لممارسة شيء ما, فعليك أن تجرب التخلي عنه إن استطعت.
حين أسأل نفسي عن الأشياء التي وجدت أن الحياة قصيرة عنها, تقفز إلى ذهني كلمة "الهراء". لاحظت أن هذه الإجابة هي بشكل ما كلام مكرر. فيكاد يكون تعريف الهراء أنه الأشياء التي تقصر عنها الحياة. ومع ذلك للهراء صفات مميزة. هناك شيء مزيف حياله. إنه مثل وجبة سريعة من التجارب.
إذا سألت نفسك عن الوقت الذي تقضيه في الهراء, فأنت على الأرجح تعرف الإجابة. لقاءات غير ضرورية, مجادلات بلا هدف, بيروقراطية, التظاهر أمام الآخرين, التعامل مع أخطاء الآخرين, الازدحامات المرورية, فترات إدمانية سابقة ليس لها أي مردود مفيد.
هناك وسيلتان من خلالهما تدخل هذه الأشياء حياتك: إما بالإكراه أو بالإغواء. إلى حد ما عليك أن تتحمل الهراء الذي تفرضه عليك الظروف. عليك أن تجني المال, وجني المال يتضمن القيام بالعديد من الأعمال. طبعا قانون العرض والطلب ينص على أن: كلما زاد عائد عمل ما, تقلصت تكلفة انجازه. قد تكون كمية الهراء المفروضة عليك أقل مما تتصور. هناك دائما تلك المجاميع من الناس التي تنسحب من العمل الروتيني اليومي المتعارف عليه وتذهب لتعيش في مكان تكون الفرص فيه أقل, لكن الحياة تكون أكثر أصالة. قد يغدو ذلك شائعا في المستقبل.
يمكنك ممارسة الهراء على نطاق أصغر دون أن تنتقل. كمية الوقت التي يجب عليك أن تقضيها في الهراء تتفاوت بين مختلف أرباب العمل. معظم المنظمات الكبيرة (والكثير من الصغيرة) غارقة فيه. لكن إذا أعطيت أولوية أعلى لتفادي الهراء فوق المال والنفوذ فستجد رب عمل يستهلك فترات أقل من وقتك.
إذا كنت تعمل بشكل مستقل أو في شركة صغيرة, فيمكنك تنفيذ ذلك على المستوى الشخصي. إذا تفاديت أو تخلصت من زبائن سامّين, ستتمكن من تقليل كمية الهراء في حياتك بمعدل يفوق كمية الدخل التي قللتها.
بينما بعض الهراء مفروض عليك لا محالة, إلا أن الهراء الذي يتسلل إلى حياتك عبر إغوائك ليس خطأ أحد سواك. ومع ذلك, الهراء الذي تختاره قد يكون أصعب في التخلص من الهراء المفروض عليك. الأشياء التي تخدعك لتضيّع وقتك في الانغماس بها يلزمها أن تكون بارعة جدا في إغوائك. مثال على ذلك يألفه الجميع هو المجادلة على الانترنت. حين يعارضك شخص ما, فهو بشكل ما يهاجمك. أحيانا بوضوح. غريزتك تهب للدفاع عنك حين تتعرض للهجوم. لكن مثل الكثير من الغرائز, هذه لم تكن مصممة للعالم الذي نعيشه الآن. خلاف ما هو متوقع, في كثير من الأحيان الأفضل أن لا تدافع عن نفسك. وإلا استلب هؤلاء الأشخاص حياتك, حرفيا.
الجدال على الانترنت يسبب الإدمان بشكل تلقائي. هناك ما هو أخطر من ذلك. كما كتبت سابقا, أحد النتائج الثانوية للتقدم التكنولوجي أن الأشياء تميل لتغدو أكثر قابلية للإدمان. مما يعني أن علينا القيام بمجهود أكثر وعيا لتجنب السلوكيات الإدمانية - لنقف خارج ذواتنا ونسأل "هل هكذا أريد أن أقضي وقتي؟".
بالإضافة إلى تجنب الهراء على المرء أيضا أن يسعى إلى الأشياء المهمة. لكن هناك أشياء مختلفة تهم أشخاص مختلفون, وعلى الكثير من الناس اكتشاف المهم بالنسبة إليهم. البعض محظوظون ليدركوا في وقت مبكر أنهم يحبون الرياضيات أو الاعتناء بالحيوانات أو الكتابة, ثم يحاولون إيجاد وسيلة لإنفاق الكثير من الوقت في ممارسة ذلك. لكن أغلب الناس يبدأون حياتهم مع خليط من الأشياء المهمة والأشياء غير المهمة, وتدريجيا يتعلمون كيف يميّزونهما عن بعضهما.
للصغار على وجه الخصوص, معظم هذا الالتباس ناتج عن المواقف المصطنعة التي يجدون أنفسهم فيها. في المرحلة المتوسطة والثانوية, نظرة الأطفال الآخرين لك تبدو كأنها أهم شيء في العالم. لكن حين تسأل البالغين عن الأخطاء التي ارتكبوها في تلك الفترة, أغلبهم سيقول لك أنهم اكترثوا أكثر مما يجب لما يفكر فيه الأطفال الآخرون عنهم.
أحد المرشدات التي تعينك على اكتشاف الأشياء المهمة هو أن تسأل نفسك ما إذا كنت ستهتم بها في المستقبل. الأشياء المزيفة في العادة يكون لها بروز حاد لتبدو على أنها مهمة. هكذا تخدعك. المنطقة التي تحت المنحنى صغيرة, لكن طبيعتها تنغرس في وعيك كالدبوس.
الأشياء المهمة ليست بالضرورة تلك الأشياء التي يسميها الناس "مهمة". احتساء القهوة مع صديق أمر مهم. لن تشعر فيما بعد أنه كان وقتا مهدرا.
أحد الأشياء العظيمة حول إنجاب الأطفال أنهم يجعلونك تقضي أوقاتك في الأشياء المهمة: هم. يمسكون بطرف كمك بينما تحدّق في هاتفك ويقولون "هلّا لعبت معي؟" والاحتمالات تقول أن هذا في الحقيقة خيار يقلّص الهراء.
إذا كانت الحياة قصيرة, فعلينا أن نتوقع أن يأخذنا قصرها بغتة. وهذا ما يحدث في العادة. تعُدُّ الأشياء على أنها من المسلمات, ثم تفقدها. تظن أنك تقدر دائما على كتابة ذلك الكتاب, أو تسلق ذلك الجبل, أو أي شيء آخر, ثم تدرك أن النافذة سُدَّت. أكثر نافذة مسدودة مثيرة للحزن حين يتوفى الآخرون. حياتهم أيضا قصيرة جدا. بعدما توفت والدتي, تمنيت لو أني قضيت المزيد من الوقت معها. عشت حياتي كما لو أنها ستكون موجودة إلى الأبد. وفي طبيعتها الهادئة ما عزز ذلك الوهم. لكنه كان وهما. أعتقد أن الكثير من الأشخاص ارتكبوا الخطأ الذي ارتكبته.
الطريقة الاعتيادية لتفادي الأخذ بغتة من قبل شيء ما هو أن نكون مدركين له بوعي. عندما كانت الحياة غير مستقرة كان الناس مدركين للموت بطريقة تبدو الآن رهيبة. لست متأكدا من ذلك, لكنني لا أرى أن من المناسب أن نذكّر أنفسنا على الدوام بأن ملك الموت يحوم فوق أكتافنا. لعل من الأفضل أن ننظر إلى المشكلة من الجهة الأخرى. شجع عادة التطلع للأشياء التي ترغب بشدة أن تنجزها. لا تنتظر إلى أن تتسلق ذلك الجبل أو تكتب ذلك الكتاب أو تزور والدتك. عليك أن تذكِّر نفسك على الدوام لماذا يجب عليك ألّا تنتظر. فقط افعله.
أستطيع أن أفكر في شيئين إضافيين يمكن للإنسان أن يجربهما حين لا يملك الكثير من شيء ما: حاول أن تجني المزيد منه, وتمتع بما لديك. كلاهما تصرف عملي.
الطريقة التي تعيش بها تؤثر على المدة التي ستحياها. أغلب الناس يمكنهم أن يكونوا أفضل. أنا من بينهم.
لكنك قد تحصل على تأثير أعلى عبر منح اهتمام أكبر للوقت الذي بحوزتك. سهل أن تجعل الأيام تمر سريعا. "التدفق" الذي يعشقه كثيرا الأشخاص المبدعون لديه جانب مظلم يعيقك عن التوقف وتذوق الحياة وسط المهام اليومية الموحلة والصخب. من أكثر الأشياء التي قرأتها لفتا للنظر لم تكن في كتاب, بل عنوان أحد الكتب: "حرق الأيام" لجيمس سالتر.
من الممكن أن تبطيء الوقت إلى حد ما. صرت أتقن ذلك بشكل أفضل. الأطفال يساعدون. حين يكون لديك أطفال صغار, سيكون هناك الكثير من اللحظات المثالية التي لن تستطيع إلا ملاحظتها.
سيساعدك شعورك بأنك تمكنت من الاستفادة من بعض التجارب إلى الحد الأقصى. سبب حزني على والدتي ليس فقط لأني أفتقدها ولكن لأنني أفكر في كل الأشياء التي كان من الممكن لنا القيام بها معا ولم نفعل. ابني الأكبر سيبلغ السابعة قريبا. رغم أني أفتقد نسخته حين كان بعمر الثلاث سنوات, إلا أنني لا أحمل أي ندم لأي شيء كان يمكن أن يكون خلاف ما كان. قضينا أمتع الأوقات التي يمكن لأب وابنه ذو الثلاث سنوات أن يحصلا عليها.
قلِّص الهراء بلا هوادة, لا تنتظر لتفعل الأشياء المهمة, وتمتع بالوقت الذي تملكه. هذا ما عليك فعله حين تكون الحياة قصيرة.