جورج بول والمنطق الجبري




Image Source: Wikimedia.org


نشأته

من أسرة إنجليزية بسيطة, ولد الرياضي والفيلسوف جورج بول في إنجلترا عام 1815. وكان تعليمه النظامي متواضع جدا, فبالرغم من أن تعليم المدارس المتوفر للطبقات الفقيرة آنذاك لم يكن يغني من العلم شيئا, فإنه بسبب فقر أسرته الشديد لم يستطع حتى أن يواصل تحصيله لأبعد من الإبتدائية. لكن وبتشجيع من والده المحب للعلوم وبمساعدة صديق له تعلم شيئا من مبادئ اللغة اللاتينية وهو في الثامنة من عمره, ثم أكمل رحلته العلمية حتى أتقن اللاتينية وتعلم إلى جانبها اللغة اليونانية. فقد عُرف بول منذ نعومة أظفاره بذكاءه, فحين كان عمره سنتين ونصف افقتده أهله في المنزل ولم يجدوا له أثرا, وفي غمرة بحثهم عنه, وجدوه في الشارع محاطا بجمع من الناس المفتونين بقدرته على تهجئة العديد من الكلمات الصعبة وكان هذا الطفل الأعجوبة يكتبها بكل أريحية ليمطروه بوابل من القطع النقدية تقديرا لمهارته المبكرة جدا.

وفي طفولته شُغف بول بالقراءة حتى أخذت منه مأخذا, فكان كثيرا ما يُرى أثناء مراهقته وهو منغمس بالقراءة. لم تقتصر مطالعاته على الكتب العلمية والتاريخية بل كان محبا للشعر والأدب كذلك, فعندما أتقن اللغة اليونانية أتى بترجمة بديعة لعدد من القصائد التي شكك الكثير حينها بأن من ترجمها صبي لم يتجاوز الثانية عشر من عمره.
عندما بلغ سن السادسة عشر عمل مدرسا مساعدا لحاجته إلى أن يساعد في إعالة أسرته. واستمر في هذا العمل أربع سنوات قضاها في تعليم الطلبة صباحا واستكمال تعليمه الذاتي مساءََ, حتى أتقن اللغة الفرنسية والألمانية والإيطالية. وظل مخلصا للعلم إلى آخر حياته حتى أنه مات ميتة درامية, تكشف مدى إخلاصه للعلم وللتعليم.

أما ولعه في الرياضيات فبدأ عند سن العشرين, حيث فتح مدرسة خاصة لتعليم الأطفال, وأثناء مطالعاته لكتب الرياضيات المقررة آنذاك, أثار تدني مستواها استغرابه وعندها أولاها جانبا أكبر من اهتمامه.


أعماله

سعى جورج بول إلى التعبير عن المنطق (أو إختزاله) في قواعد جبرية بسيطة وسهلة وهو ما يسمى بالجبر المنطقي Logical Algebra والذي يعد أهم إنجازاته. وعبر عنه بوضوح في كتابه الشهير "بحث في قوانين الفكر" An Investigation of The Laws of Thought والذي نال شهرة واسعة عند نشره, ولكنه ما لبث أن توارى في طي النسيان مع تقادم السنين حتى أشار إلى أهميته كل من برتراند رسل ووايتهد عام 1910 ثم أتى كلود شانون في ثلاثينيات القرن العشرين ليتنبه إلى إمكانية الإستفادة من تطبيقات الجبر المنطقي في نظرية المعلومات.


سأنقل, بتصرف, شرح الدكتور ماهر عبدالقادر للجبر المنطقي كما جاء في كتابه "فلسفة العلوم: المنطق الرياضي":

"إن من أهم مميزات الحساب المنطقي البولي أنه يستند إلى استخدام الرموز بالإضافة إلى قواعد تأليف تلك الرموز, ولذا فإن بول يميز بين قسمين في إطار الحساب المنطقي, وهما معا يؤلفان ما يطلق عليه جبر المنطق البولي Boolean Logical Algebra:
  • حساب المجموعات Calculus of Classes
  • حساب القضايا Calculus of Propositions
ومن خلال القسمين تبدو نظرة بول الحسابية على اعتبار أنه يستخدم علم العدد كنموذج لحسابه المنطقي, ولذا فإنه قبل أن نشير إلى هذين القسمين لا بد وأن نقف على الرموز التي يستخدمها بول في حسابه الجبري المنطقي.


رموز العمليات عند بول

يضع بول مجموعة من الرموز الأساسية التي يستخدمها في إجراء عملياته الاستنباطية التحليلية, وهي:
١- يرمز للأشياء أو الموضوعات بالرموز x, y, z التي تمثل المجموعات.
٢- يرمز للعمليات الرياضية بالرموز +, -, ×, ÷ وهي بمثابة الثوابت المنطقية Logical Constants. ووظيفة هذه الرموز أنها تؤدي إلى تأليف تصورات جديدة ابتداء من التصورات التي لدينا.
٣- يضع رمزا لعلاقة الذاتية Identity وهو علامة المساواة = المستخدمة في الجبر العادي Ordinary Algebra.
٤- يشير للمجموعة الكلية Universal Class بالقيمة "١" الذي يمثل فصول كل الأشياء المتصورة باستقلال تام عما إذا كانت هذه الأشياء موجودة في الواقع أم لا.
٥- يرمز للمجوعة الفارغة Empty Class أو اللاوجود بالقيمة "0" والمجموعة الفارغة هي المجموعة التي لا تحتوي على أي عنصر.
٦- إذا قلنا أن x = x فإن هذا يعني أن x متطابقة مع x."



ما فائدة هذا كله؟

ما فعله بول من خلال تجريد المنطق والتعامل معه على أساس رمزي خالص كان حلما يراود الكثير من الفلاسفة والمناطقة قبله, من أرسطو حتى ليبنيز, فمن خلال هذا العمل أصبح من الممكن الحصول على الاستنتاجات المنطقية من خلال الرياضيات.
وبشكل غير مقصود ولا متوقع من قبل بول, تفرعت من أعماله مفاهيم رياضية عديدة مثل المجموعات والأرقام الثنائية والفضاء الاحتمالي والدوائر الإلكترونية. وعُد عمل بول أنه نوع جديد من الرياضيات يتوافق تطبيقه مع الحواسيب وطرق تخزين المعلومات واسترجاعها, فشكل لبنة أساسية في بنيان العالم الرقمي الذي ننعم به اليوم.


وفاته

ارتبطت حياة بول بتعلقه الشديد بالعلم, وكذلك وفاته. ففي يوم ممطر من أيام نوفمبر من عام 1864 توجه بول إلى الجامعة ليلقي محاضرة, وبالرغم من الجو الماطر البارد إلا أنه اتخذ طريقه إلى هناك سيرا لثلاثة أميال, ليصل إلى الفصل مبللا تماما ثم ألقى المحاضرة بهذا الشكل. ترتب على ذلك أنه أصيب بالحمى ولازم الفراش لما يقارب الثلاثة أسابيع ليتوفى في شهر ديسمبر من نفس العام في منزله في مدينة بالينتيمبل بسبب إلتهاب رئوي.
ونال بول قدرا كبيرا من التكريم تخليدا لذكراه ومساهماته العلمية بعد مماته. فسميت مكتبة الجامعة التي درّس فيها (جامعة كورك) بإسمه وكذلك إحدى الفوهات على سطح القمر. وأعلنت جامعة كورك, التي درّس فيها بول, سنة 2015 لتكون سنة جورج بول لمرور مئتي عام على ولادته.