جائزة ليبستر - إجابات على أسئلة محمد الموصللي






أشكر الأستاذ محمد الموصللي على الأسئلة التي مررها إليّ ضمن ما يُعرف بجائزة ليبستر، هنا إجاباتي: 


  • كيف هو طعمالسوشي؟ هل من نصائح لمن يودّ تجربته لأول مرة؟

أجمل شيء في السوشي بساطته؛ رز أبيض عليه قطعة سمك نيئة وبينهما  قليل من الوسابي اللاذع، ويُغمس في صلصة الصويا المالحة لتضفي على مذاقه شيئًا من التوازن.

الوسابي لاذع بشدة. المطاعم اليابانية تضع قليلا منه في الطبق حتى تضيف نتفة منه على السوشي. أحد أصدقائي حين جرب السوشي أول مرة حسب الوسابي، بسبب لونه الأخضر، أڤوكادو، فتناوله كله دفعة واحدة. شعر بأن فمه وأنفه يشتعلان، حسب وصفه.

السوشي الذي أتحدث عنه هو ما يعرف باسم Nigiri وهو لا يقدم ملفوفا بأعشاب البحر. في أول تجربة لك اختره إما بالسلمون أو التونا. وفي الغالب ستجد صعوبة في استخدام العصي الخشبية، لذلك أنصحك بتناوله بيدك كما يفعل اليابانيون. ضعه بين السبابة والإبهام، اغمسه في القليل من صلصلة الصويا، تناول القطعة كاملة. في حال كنت تتناول أكثر من نوع من السوشي، فتناول الزنجبيل المخلل قبل البدء في نوع مختلف، حتى تزيل الطعم السابق وتستعد لتذوق الطعم الجديد.

هنيئا مريئًا مقدمًا ^_^





شكرًا على الاطراء. الترجمة هواية فحسب. بعض المقالات التي تستوقفني مادتها أشرع في ترجمتها. مثل رسالة ساراماگو إلى جدته، والتي وجدتها مصادفة في زيارتي إلى متحف ساراماگو في لشبونة، أو قصة الحب الحزينة التي عاشتها ڤيوليتا پارا التي عبّرت عنها في قصيدة شكرا للحياة قبل أن تنتحر، أو القلق من الموت الذي وجدت في مقالة الموت آمن جدا لـ رام داس جوابا مناسبا له. وهكذاالمواضيع هي من تدفعني دفعًا لأترجمها، وفي العمل الحر لن يكون الأمر كذلك.




  • هل لديك محاولات شِعرية؟

محاولا جادة، لا. لكنني أكتب بعض أشعار الهايكو من وقت لآخر. جمعت بعضها في هذه التدوينة وهذه.




  • لماذا اخترت (قهوة سوداء) اسمًا لمدونتك؟ [أنتظر إجابة فلسفية]

عند اختياري للاسم كنت أسعى إلى البساطة أكثر من سعيي إلى أي معنى عميق أو فلسفي. لماذا قهوة سوداء؟ وجدت في هذا الاسم معنى عام يمكنه أن يحتوي شتى المواضيع التي أكتب عنها. وإذا ما قارنا بين القهوة السوداء وبين شتى أنواع القهوة الأخرى، الأولى تمتاز بأنها تحتوي على ماء وبن فقط، إن أزلت أي من مكوناتها فلن تعد قهوة، هل هناك أبسط من هذا؟







في مزاج للحب - قصة قصيرة

 


Amy Judd




امتنع سكان العمارة من أي تواصل مع العالم الخارجي منذ فُرض حظر التجوال.


تعيش يمامة وحيدة في الطابق الخامس. تعتني بنباتاتها كما تعتني بجسدها، تتناول طعاماً صحياً وتمارس الرياضة بانتظام، وتتحدث يومياً مع زوجها العالق في ڤيتنام. طعامها النباتي يجعل من يراها لا يصدق أبداً أنها على أعتاب الخمسين. 

شديدة الشبه بوالدتها، التي كثيراً ما سمعتها في طفولتها تردد كم تتمنى لو تعمل في السينما بعد عودتها من رحلة طويلة. "ممثلة؟"، تسأل يمامة. "لا ليس على الشاشة. أريد أن أتولى مسؤولية تقطيع مشاهد الفيلم إلى أن يصير مقبولاً عند جمهورنا المحافظ".

السفر في أوقات غير منتظمة بسبب وظيفتها كمضيفة يجعلها دائمة السخط على عملها، هكذا ظنت يمامة.


في الطابق السادس يعيش فواز، مبرمج كمبيوتر، يبلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً. تعرف يمامة أن جارها الذي يسكن الشقة العلوية قد استيقظ حين تسمع أصوات الصرخات الصادرة من جهاز البلاي ستيشن. لم يُغيِّر حظر التجوال من نمط حياته كثيراً، فقد اعتاد العمل من شقته ونادراً ما كان يخرج إلا للضرورة.



***



الأحد:

استيقظتُ مبكراً على صوت مواء ياسمين، وضعت لها طعاماً وشرعت أنظف الشقة. دخلنا في الشهر الرابع منذ فُرض حظر التجوال. أشعر كما لو أن الكوكب قطار خرج عن مساره، لا أعرف متى سيُستأنف المسير.

أشعر بالملل. أنهيت لعبة Journey للمرة الثالثة.

وصلت وجبات الطعام عند الساعة الثانية بعد الظهر كالعادة، اتصلت على المطعم لأخبرهم برغبتي في تجديد اشتراكي لشهر آخر. أشعر بالامتنان لعدم توقف خدمة توصيل الطعام.


الاثنين:

الطقس ليس على ما يرام، وصوت اصطكاك النوافذ يفزع ياسمين. 

جاء حارس العمارة عند الحادية والربع بعد الظهر ليسألني إن كنت أستخدم أنبوبة الغاز، رغم علمه أني لا أطبخ في هذا البيت. شرح لي حاجة جارتي في الطابق الخامس استعارته، فقد نفد الغاز في مطبخها منذ أمس. محل بيع أنابيب الغاز متوقف عن العمل لعدم قدرة عماله مغادرة مناطقهم المعزولة. أخبرته بأن لا مانع.

زوّدها الحارس برقم هاتفي. اتصلت في المساء تشكرني. تبدو إنسانة لطيفة.



***



حصل بين يمامة وصديقتها ميّ اتفاق سرّي عندما كانت الأولى في بداية سن العشرين،. اتفقتا مع شاب يعمل في مركز صحي للمساج ليقدم لهن خدمة خاصة. استأجرتا شقة، وترددتا عليها مدة سنة ونصف، توقّف كل ذلك بعد زواج ميّ.

كانت يمامة تذهب إلى الشقة في عطلة نهاية الأسبوع، الجمعة لها هي. والسبت خاص بميّ، تذهب عند المغرب، ساعتين ثم تستحم وترجع منزلها. ذكرى قديمة جداً بدأت تتداعى إليها حينما فُرض حظر التجوال وصارت تقضي أيامها وحيدة. اندهشت يمامة من مدى جرأتها آنذاك، يغلبها الحنين إلى ماكانت عليه في زمن سابق قبل أن تتراكم عليها طبقات أثقلتها وغيّرتها.

تتذكر كلمات أمها، "الذكريات مثل النباتات. اغرسي قدر ما تستطيعين، وسوف تنمو. ستغمرك بظلها وثمارها حين تكبرين ويتعذر عليك خلق المزيد منها". غرست يمامة الكثير من الذكريات مع الرجال الذين مرّوا في حياتها.

تعلمت من تجربتها مع ميّ كيف تتفاعل مع من يريدون خوض غمار التجربة، لكنهم يفتقرون إلى المبادرة. أتقنت تلك المهارة، تعرف متى تتقدم خطوة، خطوتين. وتعرف كيف تسبغ على الطرف الآخر شعوراً بالانتصار، وتعرف كيف تملأه بالذنب حين تقرر الرحيل.



***



في اليوم التالي انتقت يمامة مجموعة من نباتات عباد الشمس ووضعتها في إناء زجاجي، ثم صعدت إلى الطابق السادس. رحب بها فواز ودعاها للدخول.

"تُنَقي الجو وتضيف إلى المكان الذي توضع فيه حياة"، أشارت يمامة إلى إناء عباد الشمس، أكملت "لا أتخيلني أعيش دون نباتات". اقتربت القطة من النباتات تتشمّها. "هذه ياسمين، رفيقتي بالشقة منذ سنوات"، قال فواز وهو يفتح صندوقاً يضمّ صفوفاً مختلفة من الشاي. اختارت شاي أخضر بالياسمين.

انتقلت إلى التلفاز وأخذت تقلّب أغلفة ألعاب البلاي ستيشن بينما انشغَل فواز بتحضير الشاي. "أعرف أنك مدمن على هذه الألعاب. أسمع صوتها كل يوم". احمر وجه فواز، "أعتذر إن تسببت لكِ بالإزعاج، لم أكن أدرك أن صوتها يصل إليك".

ارتفع صوت غرغرة الماء من الغلاية، ثم تبعها صوت فرقعة. قالت يمامة "ليس مزعجاً على الإطلاق. تصلني أصوات مقطوعات موسيقية جميلة أحياناً، وأتساءل عن اسمها". 

حمل كوبين من الشاي الأخضر إلى غرفة الجلوس، "كل موسيقى أستمِع إليها عادة ما تكون من لعبة ألعبها، يجعلني هذا أعيش في أجوائها". أخرج هاتفه وقام بتشغيل أكثر من مقطع موسيقي، استمر في تغيير المقاطع الموسيقية حتى تعرفت إلى أحدها. أنصتت إليها كاملة ثم طلبت منه أن يعيدها، أخذَت نفساً عميقاً وحدّقت إلى خارج النافذة؛ "هذه الموسيقى تلخص حياتي". 

تساءل فواز "كيف يمكن أن تلخصّينها فيما حياتِك لم تنتهِ بعد؟". 

ضمّت كأس الشاي بين كفيها، "عند سن معينة تنتهي حياة الإنسان وتصير مجرد تكرار". 

استوضح فواز "وما الذي يمنع من تغييرها وكسر التكرار؟" 

نظرت إلى الدخان المرتفع من كأسها "نحن. القرارات التي نتخذها في بداية حياتنا ترسم الطريق الذي سنسلكه، والنهاية التي سنصل إليها. نبادر بتكرار نفس القرارات غالباً في كل مرة تتاح لنا فرصة جديدة للتغيير، كل مرة". التفتت إلى فواز وأكملت، "لقد عشت بما يكفي لأدرك أن هناك نمطاً يتكرر في سلوك كل شخص، يتجلى مع مرور الوقت".

أطرق فواز يفكر فيما قالته. ارتفع حاجباه، "أنتِ الآن إذًا تعيشين تكراراً لنمط سابق، أليس كذلك؟". ضحكت يمامة. ضحكت بصوت مرتفع، ولو أن أحداً في شقتها الآن لسمِع ضحكتها.

قفزت ياسمين وحطت قرب يمامة. "قطة جميلة"، همست وهي تمسح ظهر ياسمين. ابتسم فواز. "تعرف يا فواز، تذكرني هذه القطة بقط وجدته متكوّماً على نفسه عند حافة الشارع، صغير جداً، وتبدو عليه علامات الإرهاق، تعجبّبت كيف تركته أمه ورحلت عنه. حملته إلى سيارتي وقررت أن أمضي به إلى البيطري، اضطررت إلى التوقف عند محطة وقود، نزلت من السيارة لأملأ الخزان، وحين رجعت لم أجده، لقد هرب. مضيت في يومي ونسيته.

لفت انتباهي بعد أيام حدوث شيء غريب داخل السيارة، اندهشت حينما وجدت بعضاً من فضلات حيوان داخل سيارتي. حاولت أن أتذكر ما إن كنت قد نسيت النافذة مفتوحة ودخل منها حيوان، لكن كيف يدخل حيوان من فتحة صغيرة في نافذة السيارة؟ نظفت السيارة وأنا لا أعرف بعد ما الذي يحدث. بعد يومين؛ زادت شكوكي بأن هناك حيواناً يعيش داخل سيارتي. وضعت طعاماً في المساء، كان الطعام قد اختفى في صباح اليوم التالي!

تملكني خوف شديد أنني أقود سيارتي برفقة حيوان. تذكرت القط الذي أخذته من الشارع، لم يهرب أبداً! بل وجد له مخبئاً داخل السيارة، سهّل له جسمه الصغير الولوج إليه والاختباء في ركن منها، ويبدو أنه لم يكن يخرج إلا حينما يتأكد من أنه وحيد في السيارة. استطعت أن أخرجه من مخبئه وأذهب به إلى البيطري الذي لاحظ وجود كسر سابق في إحدى أضلاعه وبدأ يلتئم ذاتياً. 

لا أستطيع تخيل التجربة المريرة التي مرّ بها هذا القط الصغير حيث كُسِرت ضلعه، وفقد أمه وصار يختبئ مذعوراً عن العالم. اختار أن يتوارى بنفسه داخل سيارة في أول صدمة يتعرض إليها في حياته. هل تتخيل ردة فعله حينما يمر بتجربة مريرة أخرى بعد أن يتعافى مما ألمّ به الآن، وتصالح مع العالم؟ سيختبئ مجداًا. سوف يعود إلى ما اعتاد إليه، لن يتغيّر، سيفضّل ما آلفه واعتاد عليه على أي تجربة جديدة، رغم ما يكبّده ذلك من معاناة".

بدى فواز أكثر حيرة، "لم أتوقع أن تؤثر بكِ موسيقى من لعبة فيديو إلى هذا الحد".



***



الثلاثاء:

طرقت يمامة باب بيتي قبيل المغرب، جاءت لتشكرني على إعارتها أنبوبة الغاز. لم أكن أعرف أن صوت التلفاز يصل إليها، أخبرتني إنها أُعجبت بإحدى الأغنيات التي سمِعتها مرات عديدة. كانت أغنية Nascense من لعبة Journey. تغيّرت ملامحها حين استمعت إليها وصارت تتحدث بغرابة عن حياتها المكررة التي تعيشها منذ طفولتها، وقصة القط الذي كُسِرت ضلعه. حدثتني عن زوجها الذي ذهب في رحلة عمل إلى ڤيتنام وظل هناك عدة أشهر بسبب إغلاق المطار.

وبعدما أنهت احتساء الشاي أخبرتني برغبتها في دعوتي للعشاء مساء الغد، وافقت دون تردد.



***



كان العشاء الذي أعدته يمامة جاهزاً في السابعة مساءً، معكرونة من الحنطة السوداء وقطعٍ من الفِطر، وصلصة الطماطم، وفي طبقٍ آخر سلطة خيار وفلفل أصفر وفاصوليا بيضاء. قدّمت إلى جانبها عصيراً من الجزر والتفاح الأحمر بالزنجبيل.

وصل فواز في موعده يغمره شعور غريب بأن شيئاً ما سينكسر تحت قدميه كلما تقدم في خطواته. خشِي أن تُلقي عليه محاضرة أخرى مملة عن الحياة كما فعلت بالأمس.

تحدثت طويلاً عن طفولتها، عن شعورها بالوحدة في الأسابيع الماضية، وعن معاناة صديقاتها مع أزواجهن. أنصَت إليها طويلا بصمت، لكنها لم تخبره كيف لخصت الموسيقى التي سمعتها عنده في الأمس حياتها.

انتقلا بعد العشاء إلى غرفة المعيشة، جلَس فواز على الأريكة، فيما يمامة تُلقي برأسها في حضنه. انطلقت في حديثها، داعب شعرها بأصابعه، لامس خدها، حرّك كفه بشكل دائري على خدها، ثم ببطء مرر كفه على رقبتها. توقفت عن الحديث وأغمضت عينيها. 

في تلك الأثناء، وصل إليهم مواء ياسمين، تذكر فواز أنه لم يطعمها اليوم. رغم مواء ياسمين المستمر إلا أنها لم تتناول شيئاً تلك الليلة، فلم يرجع فواز إلى شقته إلا عند الرابعة صباحاً.



***



الخميس:

استيقظتُ في الظهيرة، قرأتُ خبراً عن إعادة تشغيل المطار بعد غد. استحوذت يمامة على تفكيري طوال اليوم، يبدو أنني لن ألتقيها مرة أخرى.



***



ألقت يمامة رأسها في حضن زوجها فيما يشاهدان فيلم In The Mood For Love. "فقط في هونغ كونغ يكون مشهد شراء امرأة للمعكرونة أو صعودها السلالم شاعرياً إلى هذه الدرجة"، قالت يمامة فيما تتابع الفيلم باهتمام شديد وكأنها تشاهده للمرة الأولى. "هل تعرف، كل الأفلام التي أخرجها وونغ كار واي قبل هذا الفيلم كانت بمثابة التدريب، ليخرج في النهاية بجوهرة مثل هذا الفيلم العظيم". يستمع زوجها إليها وعيناه على الشاشة. وبينما هما في حالة اندماج كامل مع الفيلم، تناهى إلى سمعهما صوت مواء ياسمين. رفعت يمامة كفها إلى خد زوجها، تحسست خشونة لحيته، وأباحت بصوت خافت "كم أتمنى لو أعمل في السينما".