كلود شانون مؤسس نظرية المعلومات







نشأته



ولد كلود شانون في ولاية ميشيغان عام 1916 لأب رجل أعمال وأم معلمة, وكان مولعا بالعلم منذ طفولته. ففي المدرسة كان يفضل مادتي العلوم والرياضيات على بقية المواد وفي المنزل (بسبب ميله لكل ماهو ميكانيكي) صنع قاربا يتحكم به لاسلكيا وكذلك عدة نماذج لطائرات, بل أنشأ نظام تلغراف بين منزله ومنزل صديقه الذي يبعد نصف ميل, وكان يتلقى التشجيع العلمي من قبل جده الذي كان مزارعا ومخترعا لعدة آلات. وأعجب ببعض الشخصيات العلمية في طفولته مثل آينشتاين, نيوتن, دارون, فون نيومان وأديسون الذي يرتبط معه بنسب بعيد. وكانت من هواياته لعب الشطرنج والعزف على المزمار وقيادة دراجة هوائية أحادية العجلة حيث اشتهر بتجوله داخل أروقة مختبرات بل على دراجة أحادية مع اللعب بثلاث كرات في يديه وعمل على تطوير آلة تستطيع أن تقذف ثلاث كرات. وشارك في اختراع أول حاسوب يمكن لبسه Wearable. وعرف عنه حبه للشعر خاصة توماس إليوت وأوغدن داش  ورباعيات عمر الخيام.



كذلك صنع آلة عرفت بإسم الآلة المطلقة Ultimate Machine وقد رآها كاتب الخيال العلمي آرثر كلارك في مختبرات بل ووصفها بأنها :"الآلة المطلقة, النهاية في المسار. لا شيء بعدها. تجلس على مكتب كلاود شانون وتدفع الناس للجنون. لا شيء يمكن أن يكون أكثر بساطة. هي مجرد علبة خشبية صغيرة بحجم علبة السيجار, ولها مفتاح واحد على أحد جانبيها. عندما تحرك المفتاح ستسمع أزيز غاضب. سيرتفع الغطاء ببطئ ومن تحته ستخرج يد تقوم بقفل المفتاح وتعود مرة أخرى داخل الصندوق ويتوقف الأزيز ويسود السلام مرة أخرى. التأثير النفسي, إذا لم تكن متوقع لما سيحصل, مدمر. هناك شيء شرير بصمت حول آلة لا تفعل أي شيء - مطلقا لا شيء - سوى أن تطفئ نفسها."




تخرج عام 1936 من جامعة ميشيغان بشهادة بكالريوس في الهندسة الإلكترونية وأخرى في الرياضيات. ثم عمل بشكل جزئي في معهد ماساتشوستس التقني ليتمكن من أن يكمل دراسته العليا بنفس الوقت. وعمل على محلل الفارق Differential Analyzer الذي كان أفضل آلة حاسبة حينها, طوره فانيفر بوش ليقوم بالعمليات الحسابية المعقدة التي كانت تستعصي على الآلات الحاسبة آنذاك. وبناء على نصيحة بوش, درس شانون الدوائر التوجيهية لمحلل الفارق في أطروحته للماجستير.


في 1938 نشر أطروحة الماجستير "التحليل الرمزي للموجهات والتبديلات الدائرية" التي بين فيها إمكانية استخدام الجبر البوليني Boolean Algebra في الدوائر الحاسوبية. واعتبرها غولدشتاين في كتابه "الحاسوب من باسكال إلى فون نيومان" بأنها: "واحدة من أهم أطروحات الماجستير.. وعلامة مميزة حولت تصميم الدوائر الرقمية من فن إلى علم". وبعد نشرها بعامين حصل على جائزة ألفرد نوبل (وهي تختلف عن جائزة نوبل الشهيرة). وكانت أطروحته للدكتوراه بعنوان الجبر لعلم الوراثة النظري في ١٩٤٠.



زواجه


لم يتكلم شانون في أي لقاء معه حول زوجته الأولى نورما بورزمان وأغلب المصادر التي تروي سيرته لا تذكرها كذلك. فهو تزوجها عام ١٩٣٩ إلى أن هجرته بعدها بعامين وقد التقيا مجددا في بداية الستينات وسألها شانون عن السبب الذي دفعها لتركه, كان جوابها بأنه كان مريض ولم يكن هناك سبيل لعلاجه. هي لا تشير إلى مرض عضوي بالطبع.
وفي أحد الفيديوات قارنت بين شانون وعالم الرياضيات الشهير جون ناش (الذي كان يعاني من بعض الإضطرابات العقلية) ولعل هذه الصفة الشديدة التي فيها شيئ من المبالغة قد تكون نتيجة الضغط الشديد الذي كان يعمل تحته شانون في تلك الفترة.


تزوج شانون مرة أخرى عام ١٩٤٩ من ماري مور وهي رياضية قابلها في مختبرات بل وأنجبت له ولدين وبنت.



الحرب العالمية الثانية



خلال الحرب العالمية الثانية عمل شانون في مختبرات بل مجال التعمية (التشفير), وسنحت له الفرصة بأن يلتقي مع العالم البريطاني آلان تورينغ والذي أعجب بأبحاثه. وخلال عمله في مختبرات بل استطاع أن يثبت بأن التعمية بإستخدام لوح المرة الواحدة One-Time Pad لا يمكن كسرها في حال استخدم بالطريقة الصحيحة بأن يكون المفتاح السري عشوائي وبحجم النص الأصلي للرسالة وبأن لا يعاد استخدامه مرة أخرى وبأن يبقى سري.



كتب ورقة علمية حول التعمية عام ١٩٤٥ بعنوان نظرية رياضية في التعمية A Mathematical Theory of Cryptography وظلت هذه الورقة سرية حتى نشرت في ١٩٤٩ بعنوان نظرية الإتصالات للأنظمة السرية Communication Theory of Secrecy Systems ويرى البعض أن هذا البحث قد نتجت عنه فيما بعد نظريته الشهيرة المعروفة بنظرية المعلومات والتي نشرت في ورقة علمية بعنوان نظرية رياضية في الإتصالات A Mathematical Theory of Communication عام ١٩٤٨.




في الذكاء الإصطناعي


أنا آلة وأنت آلة وكلانا يفكر, أليس كذلك؟
كلود شانون






كان لشانون اهتمام في مجال الذكاء الإصطناعي خاصة في فترة الخمسينات من القرن الماضي. وطور ما يعرف بفأرة شانون أو ثيسوس, وهي فأرة توضع في متاهة وتتحكم بها موجهات مغناطيسية وتحاول أن تصل للنهاية من خلال التجربة والخطأ, بعد ذلك إذا وضعت في مكان سبق أن كانت فيه ستعرف طريقها مباشرة بسبب خبرتها السابقة ولكن لو وضعت في مكان جديد ستعيد محاولة التجربة والخطأ حتى تصل للنهاية وتضيف هذا الطريق الجديد إلى ذاكرتها. وتعتبر فأرة شانون أول تطبيق عملي للتعلم الذاتي في الذكاء الإصطناعي.
وفي الخمسينات أيضا نشر شانون ورقة بعنوان برمجة الحاسوب للعب الشطرنج بين فيها كيف يمكن للحاسوب أن يلعب الشطرنج ويقوم بتقييم الخطوة التالية.






نظرية المعلومات





نشر شانون ورقة علمية بعنوان نظرية رياضية في الإتصالات A Mathematical Theory of Communication عام ١٩٤٩ والتي كانت نتيجة لبعض أبحاثه السرية في مختبرات بل خلال الحرب العالمية الثانية.
عمل شانون على دراسة الحدود النظرية لإرسال المعلومات من النقطة أ (المصدر) إلى النقطة ب (المستقبل) من خلال وسيط (القناة). المعلومات تحتاج أن يتم ترميزها Encoding قبل إرسالها في القناة والتي قسمها شانون إلى قسمين:
  • قناة متواصلة Continuous Channel: تستطيع حمل إشارات مستمرة مثل صوت الإنسان.
  • قناة غير مترابطة Discrete Channel: تستطيع حمل إشارات متقطعة مثل الأحرف التي تكتب عن طريق لوحة المفاتيح.


في العالم المثالي, تصل المعلومات إلى جهة المستقبل تماما كما خرجت من عند المرسل, ولكن واقعيا القناة مليئة بأنواع كثيرة من الضجيج مما يؤدي لحدوث أخطاء لبعض البتات عند إستقبالها. فبعض الأصفار عند إرسالها قد تتغير إلى آحاد والعكس صحيح. من الطرق المستخدمة لتصحيح الخطأ إضافة بت Parity إلى نهاية كل حزمة من البتات يتم إرسالها ويقوم البت المضاف بجعل عدد الآحاد والأصفار متساويا. على سبيل المثال لو أرسلنا حزمة تتكون من ثلاث بتات, صفرين وواحد, البت المضاف سيكون رقم واحد وعندما تصل الحزمة إلى المستقبل سيقوم بعزل البت الأخير وحساب البت المضاف, فإذا كان البت المضاف الذي ولده المستقبل هو نفس البت المضاف الذي ولده المرسل فعندها يعرف بأنه لم يحدث تغيير على الرسالة أما إذا كان مختلفا فسيعرف أن المعلومات لم تصل سليمة وسيطلب إعادة إرسالها لإن هذه الطريقة تساعد في إيجاد الخطأ فقط وليس تصحيحه error detecting code. هذه الطريقة لا تخلو من السلبيات, فمثلا إذا حصل خطأ أثناء الإرسال وتغير بتين (أو أي عدد زوجي من البتات) فسيقوم المستقبل بتوليد بت مضاف مطابق للبت المضاف الذي ولده المرسل وسيعتقد بعدم وقوع أي خطأ. وفي جانب آخر يمكن (أثناء إرسال الرسالة) أن يحدث تغيير على البت المضاف فقط من دون بقية الرسالة وهذا سيجعل المستقبل يعتقد أن بعض الأخطاء وقعت للرسالة.


كذلك أوجد شانون مع هامينغ مفهوم تصحيح الأخطاء error correcting code بحيث يتم إضافة بيانات فائضة لضمان وصول البيانات صحيحة حتى لو تعرضت للتشويش. من الأمثلة التي يضربها شانون حول البيانات الإضافية هي اللغة الإنجليزية والتي يقدر بأن نصف المعلومات التي فيها فائضة فعندما نكتب بالإنجليزية فإن نصف كتابتنا تتحدد خلال قواعد اللغة والنصف الآخر يمكن اختياره بحرية, مثلا يمكن لأي شخص أن يصحح الأخطاء في الجملة التالية حتى بعد إزالة الحروف الصوتية:


MST PPL HV LTTL DFFCLTY N RDNG THS SNTNC


في الورقة العلمية لشانون جاء ذكر وحدة البيانات البت Bit التي صاغها زميله جون تكي, لأول مرة وتمثل أصغر وحدة للبيانات والتي أما أن يكون صفر أو واحد والسلسلة المكونة من ٨ بتات (أصفار وآحاد) تسمى بايت Byte. حينها كانت هناك وحدات أخرى للمعلومات مثل البان, وهي وحدة بيانات عشرية صاغها آلان تورينغ وتسبق البت بـ ٨ سنوات, البان الواحد يساوي ٣.٣٢ بت والنات الذي يساوي ١.٤٤ بت.


وأوجد شانون مفهوم سعة القناة Channel Capacity، وحددها بأنها أكبر كمية معلومات يمكن إرسالها في الثانية عبر قناة الاتصال من المصدر إلى المستقبل.



الجوائز والشهادات الفخرية


حصل شانون على العديد من الجوائز العلمية مثل:
  • ١٩٤٠ جائزة ألفرد نوبل
  • ١٩٤٩ جائزة موريس ليبمان من معهد مهندسي الراديو
  • ١٩٥٥ ميدالية ستيوارت بالانتين من معهد فرانكلين
  • ١٩٥٦ جائزة مؤسسة البحوث
  • ١٩٦٢ وسام الشرف من جامعة رايس
  • ١٩٦٢ جائزة مارفين جي. كيلي
  • ١٩٦٦ وسام الشرف من جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات
  • ١٩٦٦ الميدالية الوطنية للعلوم
  • ١٩٦٧ جائزة اللوح الذهبي, قدمها الرئيس جونسون
  • ١٩٧٢ جائزة إدوارد رين
  • ١٩٧٨ جائزة جاكرد, قدمها رئيس إسرائيل
  • ١٩٧٨ جائزة هارولد بيندر
  • ١٩٨٥ الميدالية الذهبية من جمعية مهندسي الصوتيات
  • ١٩٨٥ جائزة كيوتو
  • ١٩٩١ جائزة إدوارد رين


شهادات فخرية من عدة جامعات:
  • ١٩٥٤ جامعة يال
  • ١٩٦١ جامعة ميشيغن
  • ١٩٦٢ جامعة برينستون
  • ١٩٦٤ جامعة إدنبورغ
  • ١٩٦٤ جامعة بيتسبورغ
  • ١٩٧٠ جامعة نورث ويسترن
  • ١٩٧٨ جامعة أوكسفورد
  • ١٩٨٢ جامعة إيست أنجليا
  • ١٩٨٤ جامعة كارنيجي ميلون
  • ١٩٨٧ جامعة تفتس
  • ١٩٩١ جامعة بنسلفانيا




وفاته





تقاعد شانون من معهد مساتشوستس التقني عام ١٩٧٨ بعد أن تلقى العديد من الجوائز والتقدير لإنجازاته. في عام ١٩٨٥ حضر إحدى المؤتمرات المقامة في إنجلترا وعندما انتبه الحضور بأنه هو كلود شانون تجمعوا حوله بأعداد كبيرة للحصول على توقيعه, وفي تلك الأثناء لاحظ البعض أن هناك خطب ما في تصرفات شانون. وفي السنوات التي تلت بدأ فقدان شانون للذاكرة يتزايد لدرجة أنه ينسى أحيانا كيف يعود لمنزله أثناء القيادة. في عام ١٩٩٣ تضررت صحته العقلية بشكل كبير حتى احتاج أن يوضع في دار للرعاية الصحية ولم يكن واعيا لما يحدث حوله من تطورات يومية في مجالات التقنية والإتصالات. لكنه ظل يتمتع بالسعادة وبروح مرحة.
توفي شانون في 24 فبراير ٢٠٠١ بعد أن بلغ ٨٤ عام بسبب الزهايمر الذي اتلف عقله.








روابط





مراجع


The Logician and the Engineer: How George Boole and Claude Shannon Created the Information Age by Paul J. Nahin

مايكل فاراداي أبو الكهرومغناطيسية



نشأته


I am no poet, but if you think for yourselves, as I proceed, the facts will form a poem in your minds.
Michael Faraday







ولد مايكل فاراداي عام ١٧٩١ في مقاطعة سري (لندن حاليا) بإنجلترا من أب حداد لأسرة من أصول إيرلندية تنتمي إلى أحد المذاهب المسيحية من الأقليات, ترك المدرسة بعد السنة الأولى الإبتدائية ليحصل فقط على مبادئ القراءة والكتابة والرياضيات, وعمل في محل لتجليد الكتب وهو في ١٤ من عمره. بالرغم من مستوى تعليمه المتدني (لدرجة أنه لم يكن يعرف أن كل جملة جديدة يجب أن تبدأ بحرف كبير!) وضعفه الشديد في الرياضيات, إلا أنه شُغف كثيرا بالعلم, فقرأ كل الكتب المتوفرة في محل عمله, العلمية منها خاصة, ويعتبر نموذج للعالم الذي طور نفسه بنفسه وكان يقوم بعدد كبير جدا من التجارب مع تركيز كامل لدرجة أنه كثيرا ما يتأخر على موعد أكله أو ينسى أن يأكل وأحيانا يمر أكثر من يوم وهو لا يتلفظ إلا بكلمة أو كلمتين لمساعده من شدة تركيزه.


كان مايكل يرى أن عدم قدرته على النطق بحرف الراء ستشكل له عائقا في المستقبل, فصمم في إحدى الليالي على أن يتعلم كيفية نطقه  وطلب من أخته أن تفتح فمها وتنطق حرف الراء بالطريقة الصحيحة ثم بالطريقة التي يلفظها هو, مستعينا بشمعة تكاد تحرق شفتيها, وبدأ يتمرن مرات عديدة حتى تمكن من نطق الحرف بالصورة الصحيحة.



تجليد الكتب





وافق السيد ريباو (صاحب محل تجليد كتب) على توظيف فاراداي ليوصل الصحف لزبائنه ثم قبله عنده فيما بعد كمتدرب وعلمه في محله لتجليد الكتب لمدة ٧ سنوات وكان يقوم بخياطة الصفحات ورصها وطباعة العنوان على ظهر الكتاب وتقطيق الجلد وجمع أجزاء الكتاب كلها مع بعض. هذا العمل اليدوي السريع والدقيق استفاد منه مايكل لاحقا في تركيب الآلات والأجهزة التي يحتاجها للقيام بتجاربه في المعمل والتي بطبيعتها حساسة جدا وتحتاج للكثير الكثير من الصبر وكانت هذه الصفات التي يتمتع بها مايكل والتي دفعت بالجمعية الملكية لإختياره كمساعد في الجانب التجريبي للأبحاث, خاصة المتعلقة بالزجاج البصري.



عقيدته


That sounds like a strange sect, but really we’re just simple Christians who take the Bible seriously.
Michael Faraday



انتمى جد فاراداي لأحد المذاهب المسيحية التي تبنت تفسيرا صارما للإنجيل ويعرفون بالساندمانيون Sandemanian  (نسبة لروبرت ساندمان) وتركز تعاليمها على الفصل بين الكنيسة والدولة (تطبيقا لقول المسيح: مملكتي ليست من هذا العالم) ويحرص أتباعها على الزهد في المسائل المالية والمتع الدنيوية بنفس طيبة لإستشعارهم أنهم يرضون الرب بذلك. وتركز مواعظهم على المحبة والرجاء فللمنتمين لهذه الطائفة إيمانا هادئا ساكنا. ويمتنعون عن أكل ما لم يسل دمه ولا يتزوجون من خارج طائفتهم.
ونشأ مايكل في بيت متدين, وكان تدينه هو الحجر الأساس الذي بنى عليه بقية حياته فيما بعد, فكان هدفه من طلب العلم واضحا, وهو التوصل لمعرفة القوانين الربانية التي وضعها الله في الكون والتي تعكس إحسان الرب على مخلوقاته بتسخير هذا الكون لهم. فهو من خلال تجاربه العلمية يقوم بقراءة كتاب الطبيعة الذي كتب بإصبع الرب, كما يقول فاراداي.



الكهرباء


But still try, for who knows what is possible...
Michael Faraday



صدفة, وقعت عيني فاراداي على مقالة عن الكهرباء في الموسوعة البريطانية للكيميائي جيمس تايتلر تشرح بإسهاب وبالصور التجارب الكهربائية في القرن السابق, ولم يشعر فاراداي بنفسه إلا بعد فترة نسي خلالها أن عليه عمل يريد أن ينجزه, فأجبر نفسه على غلق الكتاب وزاول عمله لكن تفكيره كان في ما قرأه عن الكهرباء من الموسوعة وقرر بأن يقوم ببعض التجارب ليرى إن كان ما ذُكر في الموسوعة صحيحا أم لا.


فأحضر قطعة من الكهرمان (مادة عضوية متحجرة) وحكها ببنطاله ثم قربها من مجموعة من الورق الممزق, ورأى, غير مصدق, نتف الأوراق كيف تدب فيها الحياة كأن هناك مجموعة خيوط خفية انطلقت من الكهرمان لتتحكم بالأوراق.
قفز فاراداي من كرسيه فرحا ومرددا "إنها تعمل! إنها تعمل!".


أجرى بعدها العديد من التجارب المماثلة, ولدهشته من هذه الظاهرة قام بقراءة كل ما وجد مما هو متعلق بهذا الموضوع. ومما قرأه عن طاليس تفسيره لما يحدثه الكهرمان بعد حكه بالورق بأن له روحا تجذب الورق, انزعج فاراداي عندما قرأ هذا الرأي لأنه يعارض الأنجيل بشكل صريح بأن البشر هم فقط من يمتلكون روح, ومع ذلك فقد ظل مأخوذا بالكهرباء, وعاهد نفسه بأن يتعلم كل ما يمكن تعلمه عنها.


في ١٨١٠ انضم مايكل إلى جمعية المدينة للفلسفة وهو بعمر ١٩, وهي جمعية أسسها مجموعة من الشباب لتطوير أنفسهم علميا, بحيث يلتقون مرة كل أسبوعين في منزل جون تاتوم لإقامة المحاضرات العلمية وبعض التجارب, وداوم فاراداي على حضور محاضرات جون تاتوم العلمية (في الكهرباء, البصريات, الجيولوجيا, الكيمياء, الفلك, والميكانيكا النظرية والعملية) والتي فتحت آفاقا رحبة في عقله وأسسته علميا. وخلال هذه المجموعة وجد نفسه بين أناس يشاركونه نفس الاهتمام والشغف العلمي والرغبة لتعلم المزيد, ولكنه بسبب مستوى تعليمه المدرسي الشبه منعدم, لاحظ أنه أقلهم فرصة للتقدم علميا, وقرر أن يستعين بمن حوله ليتغلب على بعض العقبات, وأول ما اختاره هو تطوير لغته, التي يدرك مدى ضعفه بها من ناحية التهجئة والنحو والترقيم, فطلب من زميله إدوارد مكراث أن يعطيه دروسا لساعتين اسبوعيا والتي استمرت ٧ سنوات حيث تحسنت قدرته على التعبير عن نفسه بشكل كبير. كذلك أخذ دروسا في الرسم ليتمكن من شرح تجاربه المخبرية. وأكثر من استفاد منه هو بنيامين ابوت والذي كان مستوى تعليمه الجيد وتدينه صفتين جعلتاه صديقا مناسبا لمايكل.




وفي ١٨١٣ نجح فاراداي, بعد محاولات عديدة, في الحصول على وظيفة في المعهد الملكي البريطاني كمساعد في المختبر وأعطي غرفة ليسكن فيها. وفي تلك الأثناء كان مهتما جدا بالكيمياء وكثيرا ما كان المحاضرون يستعينون به في محاضراتهم لمعرفتهم بمهارته. وبنهاية العام ذهب في رحلة خارج لندن مع الكيميائي الشهير همفري ديفي إلى فرنسا وإيطاليا وألمانيا. ولعل أكثر ما استفاده من هذه الرحلة هي ملازمته للعالم هيمفري ديفي الذي يعتبر من أشهر الكيميائين حينها.


في عام ١٨١٦ نشر فاراداي أول ورقة علمية له في الكيمياء في مجلة العلوم الفصلية ثم استمر في نشر المقالات العلمية وإلقاء المحاضرات.





وفي ١٨٢٠ مارس الكيمياء التحليلية وعمل عدة اختبارات للغازات الناتجة عن البيض بعد تركه لمدة معينة ولمجموعة من اللحوم بعد تجفيفها وكانت بعض الشركات تطلب منه تحليل بعض العينات, ونتج عن عمله في الكيمياء اكتشافه للبنزين, وأختير عضوا في المعهد الملكي البريطاني عام ١٨٢٤. وكانت فترة العشرينات من القرن التاسع عشر هي الفترة التي صب فيها فاراداي جل تركيزه في مجال الكيمياء



الكهرومغناطيسية


Faraday is, and must always remain, the father of that enlarged science of electro-magnetism.
James Clerk Maxwell






في عام ١٨٢١ طلب أحد أصدقاء فاراداي أن يكتب مقالة تاريخية عن  الفرع العلمي الجديد الذي يعرف بالكهرومغناطيسية, فقرأ مايكل أعمال أورستد (أول من لاحظ أن التيار الكهربائي يولد مجالا مغناطيسيا), وأراقو, وأمبير وأعاد القيام بتجاربهم ودرس نظرياتهم عن كثب وكان حينها يعتقد (مثل غيره) بأن القوة الكهرومغناطيسية هي قوة تسير على شكل خطوط مستقيمة, ولكن بعد معاينته للتجارب بنفسه لاحظ عدم دقة هذا التفسير.


كان نتاج بحثه مقالتين الأولى بعنوان Historical Sketch of Electromagnetism والثانية بعنوان On Some New Electromagnetic Motions, and on the Theory of Magnetism وخرج من تجاربه واستنتاجاته النظرية بظاهرة جديدة وهي الدوران الكهرومغناطيسي Electromagnetic Rotation بحيث قام فاراداي في إحدى تجاربه بملئ حوض صغير بالزئبق ووضع في المنتصف مغناطيس, وجعل سلكا يتدلى من أعلى الحوض موصولا بدائرة كهربائية, وعندما مر التيار الكهربائي في السلك بدأ بالدوران حول المغناطيس, أي أن فاراداي استطاع أن يحول الطاقة الكهربائية إلى طاقة ميانيكية, وهذا يعد أول موتور كهربائي. وعندما نشر مايكل عمله في ١٨٢١ ترجمت المقالة للعديد من اللغات واشتهر في أوروبا حيث لم يكد يخلو مختبر إلا واحتوى على نسخة من الجهاز الذي استخدمه فاراداي للقيام بتجربته.





ولعل عدم حصول فاراداي على التعليم والتدريب الأكاديمي ساعده في تقبل فكرة مختلفة عن الفكرة السائدة, وهي وجود قوة دائرية (وليست مستقيمة) منبعثة من القطب المغناطيسي أو السلك الحامل للتيار الكهربائي, كانت هذه الفكرة تزعج غيره من العلماء (مثل أمبير) لكونها تتعارض مع فيزياء نيوتن.


وظل فاراداي لسنوات يفكر ويتسائل في ما إذا أمكن توليد تيار كهربائي من المغناطيس (مثلما يتولد مجال مغناطيسي من التيار الكهربائي), وفي ١٨٣١ قام بالتجربة التي زادت من شهرته أكثر, بحيث اكتشف امكانية ذلك بما يعرف بالحث الكهرومغناطيسي.



واستمر فاراداي في تقديم محاضراته الأسبوعية كل ليلة أحد في المعهد الملكي البريطاني حتى عام ١٨٦٢, وكان يشرح ويبسط فيها أفكاره ونظرياته العلمية وبعضها يتعلق بالحديث حول أحدث الإكتشافات والتجارب العلمية. ومنها سلسلة محاضرات شهيرة تحولت فيما بعد إلى كتاب بعنوان The History of Candle يهدف من خلالها تحبيب الناشئة في العلم.



وفاته


No wonder that my remembrance fails me, for I shall complete my 70 years next Sunday; — and during these 70 years I have had a happy life; which still remains happy because of hope and content.
Michael Faraday






بدأت صحة فاراداي بالتدهور بعد بلوغه السبعين عاما, وكانت آخر محاضرة له في ١٨٦٢, وتوقف عن إلقاء المحاضرات بسبب معاناته من النسيان وعدم قدرته على الرسم وضعف بصره. وفي عام ١٨٦٧ توفي مايكل فاراداي وهو جالس على كرسيه بعد أن عاش ٧٦ عاما, قضى جلها في سبيل العلم, وأثناء فترة حياته العلمية الطويلة صاغ بعض المصطلحات الجديدة والتي لازالت تستخدم مثل الكاثود (القطب السالب) والإلكترود (القطب الكهربائي) والأيون واليوم يستخدم مصطلح "فاراد" لقياس السعة الكهربية. وشيد نصب تذكاري بإسمه وسميت إحدى الحدائق الصغيرة في لندن بإسمه وأطلقت الجمعية الملكية جائزة فاراداي منذ عام ١٩٨٦.








روابط





مراجع


Michael Faraday: A Biography by L. Pearce Williams
Michael Faraday: Father of Electronics by Charles Ludwig
Faraday: The Life by James Hamilton