الوقت المقدّر لقراءة التدوينة: 6 دقائق
"عايز أكتب زي غوتة، أبيع روحي للشيطان فاوست".
علي طالباب، هيبستر كلاسيكي
أحدثكم عن ثلاثة مواضيع: الأول رحلتي مع الكتابة منذ بداية 2025، والثاني عن ليلى العثمان نموذجًا للكاتبة الجريئة، والثالث عن تجربة العزلة والكتابة.
***
ورش ودورات الكتابة
بدأتُ في يناير متابعة «محاضرات الكتابة الإبداعية» للكاتب براندون ساندرسون (مؤلف وليدو الضباب) بعدما سمعت أنها واحدة من أشهر دورات الكتابة على يوتيوب. ورغم تركيزه على أدب الخيال العلمي والفنتازيا، إلا أن القواعد صالحة للتطبيق على الأنواع الأدبية الأخرى. تلقى الكاتب نصيحة في بداية مشواره الأدبي مفادها أن أول رواية لأغلب الكتّاب لن يكون مستواها جيدًا، لذلك لا داعي لقضاء وقت طويل في كتابتها مع معرفة النتيجة النهائية مسبقًا. الأفضل هو كتابة خمس روايات قبلها بهدف التمرين. روايات ليست للنشر، بل يمكن التخلص منها بعد إتمامها. ما الثمرة المرجوة من كتابتها إذن؟ الثمرة هي الكاتب نفسه. فالكتابة حرفة مثل بقية الحرف، يلزمها ممارسة طويلة لاتقانها، وهذه الروايات الخمس يتدرب فيها الكاتب على بناء العوالم وخلق الشخصيات وتطوير الحبكة والحوار.
اقتنعتُ بجدوى هذه الممارسة، وقررت أن أبدأ بتطبيقها مع روايتي التي أواصل كتابتها الآن. أخذت حيّزا شاسعًا من مخيلتي في أيام كورونا، إلى أن شرعت بكتابتها قصةً قصيرة، ثم أدركت أن الشخصيات أوسع من أن تحتملها قصة قصيرة، فحوّلتها إلى رواية في 2022، ثم توقفت بعد فترة قصيرة. إلا أن شخصياتها رفضت أن تفارقني. ووجدت في هذا العام فرصة لاستئناف كتابتها. لكنني أدرك (بعقلي لا بقلبي) أن الأفضل لي ولشخصياتي هو استخدامها في التدريب على كتابة الرواية، مع أربع روايات أخرى لاحقة.
وشعوري الآن مع شخصياتي الذين عشت معهم سنوات، وأنا أُسرع في كتابة عالمهم وانهائه، يشبه شعور أم موسى وهي تحمل طفلها وتمشي على قدميها خطوة خطوة باتجاه النيل لتُلقيه فيه. ليس كراهية به، بل أملًا أن يجد حياة أفضل في مكان آخر.
لدي أيضًا اهتمام بكتابة المقال. فإلى جانب المقالات التي أنشرها في المدونة، بدأتُ الكتابة في نشرة «إلخ» الثقافية منذ نهاية 2024. وكتابة المقال لها متعتها المختلفة عن القصة والرواية. أستمتع بكتابتها، لكنني كثيرًا ما أجد فيها شيئًا غير مكتمل، شيء ما يجب عليّ إضافته لتكون أفضل. ربما لأنني أقارن مقالاتي بما يكتبه الأكاديميون. لا أدري. لكنني في فبراير اشتركتُ في ورشة «كتابة المقال الصحفي الطويل» مع الصديق أ. عبدالوهاب سليمان، وهو مبدع في هذا المجال، وقد تحولت بعض مقالاته إلى حلقات تلفزيونية. تعلمتُ أهمية المقدمة التي تلامس القارئ، وخرجت بقائمة طويلة لمصادر ووسائل في البحث عن المعلومات لم أكن أعرفها من قبل.
وفي بداية أبريل اشتركت في «مُحترَف تكوين للكتابة الإبداعية» مع بثينة العيسى. يومًا واحدًا في الأسبوع لمدة ستة أسابيع. جربتُ دوراتها السابقة واستفدت منها. هذه الدورة مختلفة؛ فقد ركزت في كل أسبوع على عنصر من عناصر الرواية والقصة: الشخصيات، الحبكة، الوصف، المنظور. دخلت بهدف استخدام ما تعلمته في الرواية التي أكتبها، لكن وجدتني أميل أكثر إلى التركيز على القصص القصيرة. وبما أن لدي مجموعة سابقة من القصص، ارتأيت التركيز على كتابة المزيد منها حتى أتمكن من نشرها في مجموعة قصصية. وهذا ما كان. فقد خرجت في أغسطس بمجموعة بعنوان: في مزاج للحب، سوف تصدر قريبا.
وفي نهاية مايو التحقتُ في ورشة «الكتابة الوصفية» مع بثينة العيسى أيضا. وهنا عرفتُ أنني يجب أن أتوقف عن تلقي المزيد من المعلومات عن الكتابة، وأركز أكثر على الكتابة نفسها. وهذا ما كان.
![]() |
محترف تكوين للكتابة الإبداعية (تصوير: بدر الفضلي) |
عادات وطقوس الكتابة
وكانت لدي بعض العادات والطقوس أثناء الكتابة اليومية، منها: أنني أستخدم المؤقِّت. فمن خلال خاصية Timers في تطبيق الساعة على الآيباد، ضبطتُ توقيتين: الأول 50 دقيقة زمن الكتابة، والثاني 10 دقائق وقت الراحة، أحرص خلالها على مغادرة الكرسي. أهمية المؤقِّت أنني حين أنظر إلى الوقت المتبقي يدفعني ذلك إلى التركيز ويصرف عني التشتت. هذه العادة تعلمتها من أيام كورونا، حين كنت أعيش وحدي. وأثناء القراءة كنت أفتح التلفاز على يوتيوب وأختار أي فيديو بعنوان Study With Me، حيث يجلس شخص أمام مكتب وهو يقرأ أو يكتب. في تلك الفترة لم يكن الذهاب إلى المقهى متاحًا، فكانت القراءة برفقة هذه المقاطع تؤنس وحدتي وتساعدني على التركيز فيما أقرأ.
العادة الثانية هي استخدام سماعات عازلة للضجيج وتشغيل صوت المطر. طريقة فعّالة جدًا خاصة حين أكتب في المقاهي. وتعلمتها من أحد مقابلات الروائي أحمد مراد.
ما الكمية التي أهدف إلى كتابتها يوميًا؟
سعيد أنك سألتني هذا السؤال. شوف، في البداية لم أكن أضع هدفًا لعدد الكلمات التي أريد كتابتها كل يوم. أكتفي بتخصيص ساعة أو ساعتين أو ثلاث للكتابة. لكنني مؤخرًا، قبل فترة ليست طويلة من كتابة هذه التدوينة، استحسنت تحديد هدف أسبوعي للكلمات. فلا أعاتب نفسي إن لم أتمكن من الكتابة يومًا أو يومين، طالما أنني في نهاية الأسبوع حققت الهدف. بدأت بأسهل شيء: 700 كلمة في الأسبوع. لا تضحك! أردت أن أبدأ بهدف سهل، وفي كل أسبوع أحقق فيه هذا الرقم أرفعه في الأسبوع التالي، حتى أصل إلى هدف مستدام.
حسنا، ما الذي يحفزني للكتابة كل يوم؟
مصادري الأساسية للتحفيز على الكتابة هم الكتّاب أنفسهم، حين أتعرف على روتينهم اليومي في الكتابة. هناك مقاطع على يوتيوب في قناة Christy Anne Jones حيث تجرب صاحبة القناة روتين أحد الروائيين من حين لآخر. أعجبني روتين ساياكا موراتا، إذ كانت تبدأ كتابتها صباحًا في أحد المقاهي، ثم تخرج للتجول على قدميها حتى تصل إلى مقهى آخر وتستأنف الكتابة، ثم تتجول مرة ثانية وتذهب لمقهى ثالث عند الظهر وتكمل الكتابة.
كتب عن الكتابة
رغم أنني قررت التوقف عن حضور ورش الكتابة، رأيت أنه من الأفضل أن أقرأ من حين لآخر كتبًا عن الكتابة وعالمها، أما بشكل مباشر، مثل الكتب التي يجمع فيها الروائيون خبراتهم، أو بشكل غير مباشر، مثل سيرهم ويومياتهم، أو حتى الكتب التي تتضمن حوارات معهم.
من الكتب التي خرجت منها بفائدة جمّة وأجاب عن تساؤلات كانت تشغلني هو كتاب «مهنتي هي الرواية» لـ هاروكي موراكامي. لن أطيل الحديث عنه، سأكتفي بنقل أكثر اقتباس لامسني:
"كانت تلك لحظةً حاسمةً في حياتي، وكان لا بدَّ من اتِّخاذ قرارٍ حازم، والالتزام به. أردتُ أن أستخدم كلَّ ما عندي كي أركّز على كتابة رواية، حتى ولو لمرَّةٍ واحدة. قد لا ينجح الأمر؟ فليكن. بوسعي أن أبدأ من جديد. تلك هي الأفكار التي كانت تراودني آنذاك. وهكذا بِعت المقهى، وتركتُ شقَّتي في طوكيو كي أركِّز على الكتابة. غادرتُ المدينة، وبدأتُ أنام باكرًا وأصحو باكرًا، وبدأتُ أركض كلَّ يوم للحفاظ على لياقتي. أي أنِّي، بعبارةٍ أخرى، أجريتُ تغييرًا كاملًا في نمط حياتي".
وفي أغسطس وقع اختياري على كتاب «أنفض عني الغبار» الذي تروي فيه الأديبة ليلى العثمان سيرة حياتها، والذي بقراءته تولّد عندي فضول لقراءة روايتها «المحاكمة»، التي وثقّت فيها تجربتها حين رفع عليها أفراء من التيار الديني قضايا بسبب كتبها، ثم يومياتها أثناء الغزو العراقي للكويت في «يوميات المر والصبر». والذي سيكون، لمؤلفته وتجربتها في الكتابة، موضوع الجزء الثاني من المقالة.
اشترك في القائمة البريدية من هنا