هل تقضي التكنولوجيا على الموت؟


لا أحد يريد أن يموت. حتى من يسعون للجنة لا يريدون أن يموتوا ليذهبوا إليها. مع ذلك الموت هو مصيرنا المشترك. لم ينجو منه أحد. لأن الموت هو اختراع الحياة الأوحد والأفضل. هو عامل التغيير في الحياة. يستبدل القديم بالجديد. الآن أنتم الجدد, لكن يوما ما ليس بعيدا عن اليوم, ستصبحون تدريجيا قدامى, وسَتُنَحّونَ جانبا. أعتذر عن كوني قاسيا, لكنها الحقيقة.
ستيف جوبز





القضاء على الموت! ما أكبر هذه العبارة وما أسذجها.. لكن أليس هذا هو ما يسعى إليه الإنسان منذ بدء الحضارات؟ أليس الخلاص من الموت هو ما يبرر الجزء الأكبر من أفعالنا؟ ألسنا نرفض الموت بالفطرة (بيولوجيًا)، أو كما نطلق عليها غريزة البقاء؟

منذ الأزل والإنسان يسعى ليفر من الموت إلى الخلود. فأقدم النصوص الأدبية التي وصلتنا من الألفية الثالثة قبل الميلاد تحكي قصة ملك أوروك (جلجامش) الذي استطاع أن يحصل على عشبة الخلود بعد سعي جهيد ولكنه فقدها في طريق عودته ليقتنع وهو يقف أمام السور العظيم لمدينته أن ما سيخلده هو عمله فقط. كذلك موحد الصين تشين شي هوانج  (259ق.م.-210ق.م.) عندما كبرت سنه صار يرسل قوافل إلى الشرق للبحث عن جبل بنغلاي الغامض حيث يوجد فيه ينبوع الشباب, إلا أنها كانت ترجع إما خائبة, أو لا ترجع أبدا.

فعلى مدار الزمن اختلفت تصورات الإنسان ومساعيه نحو الخلود. فمن عشبة أو نبع يتحصل منهما على ما يحفظ به عنفوان شبابه. إلى تفويض هذه المهمة للآلهة, التي من خلال نوال رضاها تبادله بالخلود. إلى الوقت الراهن الذي تراكمت فيه الكثير من معارف القرون السالفة مما فتح خيارات أوسع مما سبق.

التفرد التكنولوجي

يقول الناس أحيانا أن الموت يضفي على الحياة معنى، لأنه يجعل وقتنا محدود. لكن في الحقيقة، الموت لص كبير للمعنى وللعلاقات وللمعرفة.
راي كيرزويل

راي كيرزويل

منذ أُخترع المحرك البخاري في نهاية القرن الثامن عشر والتطور التكنولوجي يتسارع بوتيرة مستمرة. وكلما وصلت تكنولوجيا ما إلى مداها استشعر العلماء الحاجة الملحة لتطوير تكنولوجيا أحدث لئلا تتوقف مسيرة هذا التقدم. ومن خلال تتبع نمط هذا التقدم يمكننا أن نلاحظ أن بعض التكنولوجيات (مثل القدرة على معالجة البيانات) تتقدم بوتيرة أُسية. هذه هي الفكرة المحورية التي يرتكز عليها راي كيرزويل في تنبؤه بالوصول إلى التفرد التكنولوجي منتصف هذا القرن (بالتحديد 2045) حيث ستتفوق الكمبيوترات على البشر وستتمكن من تطوير نفسها بنفسها ولن يسعنا حينها اللحاق بها. قبل ذلك الحين سنتمكن من فك شفرة الدماغ البشري ثم نقل ما تحويه أدمغتنا إلى الكمبيوتر حيث سيظل وعينا حيًا وسيكون بوسعنا أن ننقله لأي جسد نريد، وسينتقل البشر حينها من أجسادهم البيولوجية بطيئة التطور إلى أجساد ربوتية واعدة بفضل تكنولوجيات حديثة كتكنولوجيا النانو. هذا باختصار هو مسار الخلود الذي يعد به كيرزويل وغيره من مبشري التفرد التكنولوجي.

يصف كيرزويل نفسه بأنه مخترع وكاتب ومتخصص بالمستقبليات. ولد في نيويورك عام 1948 وله شغف كبير في معرفة المستقبل لذا اهتم بالاختراعات حتى وّصِف بأنه وريث توماس أديسون. وهو يعمل الآن في شركة قوقل لتطوير كمبيوترات تتمكن من فهم ومعالجة اللغة البشرية.

يُعد كيرزويل من أبرز المنظرين لفكرة التفرد التكنولوجي التي تفترض لحظة ما في المستقبل ستتطور فيها الحواسيب إلى أن تبلغ مرحلة من الذكاء بحيث تصير قادرة على تطوير نفسها بنفسها. وحينئذ ستكون قد تفوقعت بذكائها على الذكاء البشري مما قد ينتج عنه عواقب لا يمكن لأحد التنبؤ بها لأن شيئا مثل هذا لم يحدث من قبل.
فحسب توقعات كيرزويل, في 2020 سيكون لدينا كمبيوترات قدراتها المعالجية توازي الدماغ البشري، إلا أننا لن نكون قد انتهينا من فك شفرة عمل أدمغتنا حتى عام 2029 (وحينها ستكون الكمبيوترات قادرة على اجتياز اختبار تورينغ بنجاح). أما في عام 2045 فستتفوق قدرات الكمبيوترات في الذكاء مليار مرة قدرات البشر وتلك اللحظة تُسمى لحظة التفرد التكنولوجي.

في هذا الفيديو يتحدث كيرزويل عن كيفية الوصول إلى الخلود من خلال الإندماج بين البشر والكمبيوترات: