مسرحيات محمد صبحي




falsoo.com



هل هناك من لا يزال يتذكر الفنان محمد صبحي؟ 

هو من القلة الذين جمعوا بين الاحترافية والجماهيريةيقدم فن يحمل مسؤولية تجاه المشاهد، يجمع ما بين الترفيه والمتعة والإتقانأدمنت مسرحياته حين كنت مراهقا، والآن أعود إليها بعد أن صارت موردًا للحنين لزمن غابر غلبت عليه سذاجة الأمنيات.

اشتهر صبحي بالمسلسل العائلي عائلة ونيس الذي تحوّل إلى مسرحية فكاهية بنفس الاسم، ومجموعة من الأفلام السينمائيةلكنه لم يترك بصمة حقيقية إلا في   المسرحفقد أنشأ فرقته المسرحية "استديو الممثلقبل أكثر من خمسين عاما (١٩٦٩)،  ومن بين كل مسرحياته، أرى أن أهم اثنتين هما ماما أمريكا ومسرحية كارمن. 

تنبأ في ماما أمريكا بأحداث ١١ سبتمبروهي ترمز بشكل ساخر إلى تفرق الدول العربية ومعاداة كل دولة للأخرى، واستغلال الدول الأجنبية لهذا التشرذم   لتحقيق مصالحهاتتخذ المسرحية صبغة قومية قديمة، وهي قديمة حتى بالنسبة للوقت الذي عُرِضت فيه (١٩٩٤)، فهي تنتمي إلى حقبة الخمسينيات والستينيات حيث تبرز الأفكار القومية بقالب يغلب عليه العاطفية والمثالية على الواقعية.

أما مسرحية كارمن فهي مقتبسة من الأدب الأسباني، أعاد صبحي صياغتهافانتهج فيها أسلوب الميتامسرح metatheatre. ولعب دور المخرج الذي يبحث عن ممثلة مناسبة لأداء دور كارمنوحين وجد كريمة (سيمونأخذ يعلمها أصول التمثيل، وهنا يستعرض قدراته وخبراته الفنية (مثلا علمها كيف تجعل نصف وجهها  حزين والنصف الآخر مبتسم في نفس الوقت). تألقت سيمون ليس فقط في تمثيلها ولكن في غنائها كذلك

تناقش كارمن العلاقة مابين الحرية المطلقة والدكتاتورية، أيهما كان مبررًا لوجود الآخر؟

المثال المناسب لهذا التساؤل يظهر في الحبفحين سأل المخرج هل أحبت كريمة من قبل، أجابته بأن "الحب ضعف، وأنا بحتقر بنفسي أوي إني أكون ضعيفة".  ثم ما إن تبدأ بروفات المسرحية، يقع المخرج المتسلط بحب كريمة المتمردة ويحاول بشتى السبل أن يتحكم بها.

في غمرة حيرة كريمة مع المخرج يظهر لها "راضيعامل الملابس (اللبيسالذي يحثها على عدم الاستسلام، ثم يروي لها قصته حين كان مفعما بالفن متأملًا أن يحترف الغناء، ولكن تسلط المخرج عليه انتهى به أن جعل منه عامل الملابس في المسرحثم اتخذ الحوار شكلًا غنائيا بينهما (الحلم والتمني)؛ هو يتأسف من على   ماضيه الذي أهدره باستسلامه وهي تتعجب منه، وهو المشهد الأهم في المسرحية الذي تتجلى فيه عاقبة خضوعنا لمن يقيّد حريتنا:

مش فاهمة ليه انت راضي، ومسالم جدا وهادي
والفن جواك ينادي.. أما أنت أمرك... أمرك عجيب
وسجنت روحك بإيدك، افرح وغني نشيدك
وغني للي يريدك، خليك زيّي ... زيّي عنيد


من عيوب مسرح صبحي أنه مسرح صبحي فقط، أي لا يستقيم بدونه؛ فحضوره طاغ طوال العرض ولا تكاد توجد مشاهد هو ليس فيها إلا وتكون قصيرة ليعود  سريعا ويكمل سرد القصة بنفسه، المسافة بينه وبين بقية الممثلين كبيرة.