متعة أن تكون في الثلاثينات






متعة أن تكون في الثلاثينات
بقلم: آدم بوسولسكي
ترجمة: علي الصباح



حين تبلغ الثلاثين, لن تستطيع أن تتظاهر لفترة أطول. سيغدو من المستحيل أن تعمل في وظيفة تكرهها, أو تقيم علاقة مع شخص لا تحبه, أو تعامل جسدك باستخفاف. بعد الثلاثين ستبدأ بالشعور بشكل أقوى. ستكون متصلا بشكل أكبر مع جسدك, قلبك, وروحك.


بعض هذه التغييرات قاسية. سيبدأ جسدك برفض الأشياء التي لا يتواءم معها, كالقهوة, تناول الكحول, والسهر طوال الليل. قلبك سيكترث بشكل أقل للعلاقات العابرة وسيكون أكثر توقا للانغماس بعمق مع شخص تحبه بالفعل. روحك أكثر اتساقا مع رغباتك الحقيقية. في ثلاثينياتك, ستتوقف عن مخادعة الآخرين, وستتوقف أخيرا عن مخادعة نفسك. في ثلاثينياتك, ستبدأ بالتعرف على من تكون وماذا تريد. في ثلاثينياتك, ستكون أكثر ثقة في مواطن قوتك, لكن الأهم من ذلك, ستقر بمواطن ضعفك. في ثلاثينياتك, ستستبدل الأعذار بما هو حقيقي. في ثلاثينياتك, الآلام اللاحقة على تناول الكحول ليست مجرد صداع في صبيحة يوم الأحد, ستغدو أسوأ يوم في حياتك.


عندما بلغت الثلاثين, قاومت الكثير من هذه التغييرات. بكيت عندما أخبرني الطبيب أني يجب أن أتوقف عن تناول القهوة وإلا سأدمن دواء بريلوسِك Prilosec لبقية حياتي. أنزعج جدا عندما أتناول فقط كأسين من البيرة لأشعر في اليوم التالي بالتعب الشديد. شعرت كما لو أن بي خطب ما حين لا أجد الرغبة للخروج في ليلة الجمعة.


بعد ما يقارب الثلاث سنوات, أشعر بحب كوني في الثلاثينات.


أفعل ما يحلو لي في ليالي الجُمَع. في الغالب, أمكث في المنزل وأقرأ كتابا أو أشاهد النتفلِكس. أرتدي بنطالا رياضيا حالما أرجع إلى البيت, وأكون في السرير عند التاسعة مساءً. إن قررت الخروج فسيكون مثل ليلة الجمعة الماضية, حين ذهبت إلى فصل مسائي لليوگا مع صديقيّ كيڤن وزيب, ثم تناولت سباگيتي الرامِن مع شاي رعي الحمام بالليمون. لن تجدني أبدا داخل فصل لليوگا في ليلة جمعة حين كنت في الرابعة والعشرين, إلا إذا كان الفصل محجوزا لعرض فنون الهيپستر وتقديم بيرة مجانية.


بالطبع لازلت أتناول, من حين لآخر, كأسا (أو كأسين) من النبيذ الأحمر, إلا أن أسبوعي لا يتمحور حول الشرب. حين يسألني أحد ما إذا كنتُ أريد أن "أخرج", فإني أفترض أن هذا يعني الذهاب في مغامرة في الهواء الطلق أو رحلة ميدانية في مكان مميز - وليس للشرب في بار.


كنت أنظر إلى كبار السن الذين يستيقظون مبكرا على أنهم من كوكب آخر. أتذكر حين كنت في الجامعة, كنت مع أقرب أصدقائي أثناء العطلة الشتائية, ورجعنا إلى منزل والديّ في الساعة الخامسة صباحا بعد حفلة استمرت طوال الليل. ولج صديقي الثمل غرفة الجلوس, وتعثر ثلاث مرات لوحده, والتفت ليجد والدي مستيقظا ويهم بربط حذائه ليخرج للجري. أنا لازلت حتى الآن لا أستيقظ في الخامسة لكن -أظن أنه يجب عليك أن تكون في الخمسينات لتبدأ بفعل ذلك - أحلى أيامي هي حين أكون في الخارج منذ الصباح الباكر, أستنشق هواءً نقيا وأمارس الرياضة.


تريد أن تصاحب كل الناس حين تكون في العشرينات. كل ما ترغب به هو أن تلتقي بأشخاص, وتريد أن يجتمع كل أصدقائك مع بعضهم البعض. ترتب تلك اللقاءات الكبيرة, "يوم السبت, كلنا سنذهب إلى…", حيث تدعو ٥ أو ١٠ أو ٢٠ صديقا مختلفا إلى بار أو حفلة راقصة أو حفلة لمشاركة الطعام.


في ثلاثينياتك تصير تلك اللقاءات الجماعية لا تطاق. في ثلاثينياتك تعرف من هم أصدقائك الحقيقيون. حمدا لله, بعد سنوات من نقاشات مزيفة من نوع "هيا لنلتقِ", اللقاءات الجماعية تستبدل بلقاءات من نوع واحد إلى واحد. من حين لآخر, أرغب في الذهاب إلى حفلة كبيرة, لكن في أغلب الأوقات فقط أريد أن أقضي بعض الوقت الحميمي بالتحدث مع شخص أكترث به بشدة, شخص سيكون فعليا جزءً من حياتي, شخص سيكون موجودا في حفل زفافي - ليس شخصا فقط يضغط على زر الإعجاب على صوري في الفيسبوك.


في ثلاثينياتك ستغدو لقاءات الواحد لواحد طقسا مقدسا, ويمكنني التمييز بوضوح بين أصدقائي الذين بعمر ٢٧ عن أصدقائي الذين بعمر ٣٣, لأنك حين تخطط لشيء مع صديق عمره ٢٧ سيدعو أحد أصدقاءه ليرافقه إلى العشاء, دون أن يسألك ما إذا كان ذلك متوافقا معك. أما الصديق الذي بعمر ٣٣ فلن يفسد لقاء واحد لواحد أبدا.


كم هو مبهج أن تعامل جسدك وقلبك بالمزيد من الحنان, أن تقترب لما تكون ولما تريد, أن تجلس في المنزل أثناء ليلة الجمعة, وتقضي الوقت مع أشخاص أنت ترغب بالفعل بأن تقضي وقتك معهم.

كم هو ممتع أن أن تكون في الثلاثينيات.

هذه اللحظة كافية





هذه اللحظة كافية
بقلم: ليو باباوتا
ترجمة: علي الصباح


كنت على متن الطائرة وهي تهبط في ولاية پورتلاند, وحدقت في شروق شمس وردي متألق فوق جبال زرقاء وبنفسجية, وقلبي خفق.

لا شعوريا إلتفتُّ إلى إيڤا لأشاركها هذه اللحظة الأخّاذة, لكنها كانت نائمة. شعرت بشيء ناقص, بعدم القدرة على مشاركة هذه اللحظة معها أو مع أي شخص آخر. كان جمالها يتسرب من بين أصابعي.

هذه اللحظة كانت درسا لي: بطريقة ما شعرت أن هذه اللحظة ليست كافية بدون القدرة على مشاركتها. استغرقتني هنيهة لأذكِّر نفسي: هذه اللحظة كافية.

نشعر أن هذه اللحظة ليست كافية إلى أن نتحدث عنها, نشاركها, نرسِّخها بطريقة ما. هذه اللحظة عابرة, ونحن نريد الثبات والدوام. هذا النوع من عدم الاستقرار يرعبنا.

هذا الشعور بعدم الكفاية شائع في حياتنا بوضوح:

  • حين نجلس لتناول الطعام نشعر بأن علينا أن نقرأ شيئا من الانترنت, أو نتفقد رسائلنا, أو ننهي عملا ما. كأن تناول الطعام ليس كافيا.
  • ننزعج من الأشخاص الذين لا يتصرفون حسبما نريد - نشعر أن الطريقة التي هم عليها لا تكفي.
  • نشعر بالعبثية والضياع في الحياة, كأن حياتنا ليست كافية بالفعل.
  • نُسَوِّف حين يكون علينا أن نجلس لنؤدي عملا مهما, نذهب إلى المشتِّتات, كأن العمل ليس كافيا لنا.
  • نشعر دائما أن هناك شيئا آخر علينا أن نقوم به, ولا يمكننا أن نجلس وحسب بسكينة.
  • نبكي على الأشخاص الذين فقدناهم, الماضي, التقاليد … لأن اللحظة الراهنة تبدو وكأنها لا تكفي.
  • نفكر بشكل دائم بما سيأتي, كأنه لا يكفينا أن ننهمك بما بين أيدينا.
  • نسعى لتطوير أنفسنا بشكل دائم, أو تطوير الآخرين, كأننا وهم لسنا كافيين كما نحن.
  • نرفض ظروفا, نرفض أشخاصا, نرفض أنفسنا, لأننا نشعر أن كل هؤلاء غير كافيين.

ماذا لو تقبلنا اللحظة الراهنة, وكل شخص وكل شيء فيها, كما لو كانت كافية تماما؟
ماذا لو لم نحتاج لأي شيء أكثر؟
ماذا لو تقبلنا أن هذه اللحظة ستتسرب بعد انتهائها, ونرى الوقت العابر الذي نقضيه فيها على أنه كافٍ, بدون حاجة لمشاركته أو الإحتفاظ به؟
ماذا لو قلنا نعم للأشياء, عوضا عن رفضها؟
ماذا لو تقبلنا "السيء" مع الجيد, الإخفاقات مع المحاولات, المزعج مع الجميل, الخوف مع الفرصة, كجزء من صفقة تعرضها علينا اللحظة الراهنة؟
ماذا لو توقفنا الآن, ونظرنا إلى كل شيء من حولنا في هذه اللحظة (بما في ذلك أنفسنا), ثم فقط قدّرناها كما هي عليه, كشيء كافٍ على نحو كامل؟

سبع أشياء تعلمتها في سبع سنوات من القراءة والكتابة والحياة


ماريا پوپوڤا


سبع أشياء تعلمتها في سبع سنوات من القراءة والكتابة والحياة
بقلم: ماريا پوپوڤا
ترجمة: علي الصباح



١- تعوّد على عدم الراحة المصاحبة لتغيير أفكارك.
عودنا أنفسنا على ما يُعرَف بالقدرات السلبية. نعيش في ثقافة يُعد فيها شيئا من العار أن لا تمتلك رأيا حول موضوع ما, لذلك نعتمد دائما على الانطباعات السطحية لتشكيل "آرائنا" أو نستعير أفكار الآخرين، دون أن نضع الوقت والتفكير اللازمين لتشكيل أي قناعة. بعد ذلك نؤكد تلك الآراء التي تسربلنا وتشبثنا بها كمرتكزات في حياتنا. من المربك جدًا أن نقول "لا أعرف". لكن امتلاكنا للفهم سيكون أكثر أهمية من محاولاتنا لأن نكون على حق - حتى لو تطلب ذلك أن تغيّر آرائك حول موضوع ما، أو أيديولوجية، أو فوق ذلك كله، عن نفسك.

٢- لا تفعل شيئا في سبيل السمعة أو المكانة الاجتماعية أو الاستحسان فقط.
كما لاحظ پول گراهام، "السمعة كالمغناطيس القوي الذي يلوي حتى معتقداتك حول ما تستمتع به. تجعلك لا تعمل فيما تحب، بل فيما يجب أن تحبه." تلك المحفزات الخارجية قد تكون بمثابة تأييد لك ولما تقوم به في لحظات معينة من الحياة، لكنها  لا تعطيك, على المدى الطويل, الإثارة اللازمة التي توقظك في الصباح الباكر وتجعلك تشعر باستحسان حين تنام في الليل - بل إنها غالبا تشتت وتحوّر تلك الأشياء التي تضفي على حياتك مردودات أعمق.

٣- كن كريمًا.
كن كريمًا في وقتك ومصادرك وبإعطاء التقدير للآخرين من خلال كلماتك. إنه من اليسير جدًا أن تصير ناقدًا على أن تكون محتفيًا. دائمًا تذكر أن هناك كائن بشري في نهاية كل تبادل ووراء كل المظاهر الثقافية التي يتم انتقادها. أن تفهم الآخرين ويفهمونك، تلك من أعظم عطايا الحياة، وكل عملية تواصل هي فرصة لتبادلها.

٤- اصنع جيوبًا من السكينة في حياتك.
تأمل. امشِ. قد دراجتك في رحلة إلى وجهة غير محددة. هناك أسباب إبداعية لأحلام اليقظة، بل وحتى للضجر. تأتينا أهم الأفكار حين نتوقف عن استدراج الإلهام بشكل فعال ونترك أجزاء التجربة المتفرقة تطفو في عقلنا اللاواعي إلى أن تتشكل تركيبة مناسبة. من دون هذه العملية الهامة من العملية اللاواعية، يتعطل كل تدفق للعملية الإبداعية.
الأهم من ذلك، النوم. بالإضافة إلى كونه أعظم مثير للشهوة الإبداعية، النوم كذلك يؤثر على كل لحظات يقظتنا، ينظم رتمنا الإجتماعي، بل حتى يسوي أمزجتنا المتعكرة. كن متشددًا ومنضبطًا حيال نومك كما تكون حيال عملك. نميل إلى إنهاك قوانا من خلال الحصول على فترات نوم قصيرة وكأنها شارة شرف تؤكد أخلاقنا العملية. لكن هذا التصرف في الحقيقة هو فشل ذريع في احترام الذات والأولويات. ما الذي يمكنه أن يكون أكثر أهمية من صحتك البدنية والعقلية، اللتان يتفرع كل شيء منهما.

٥- تنصحنا مايا أنجيلو بأن نصدق الآخرين حين يخبروننا من هم. بنفس القدر من الأهمية، يجب عليك أن لا تصدق الآخرين حين يخبرونك من أنت. أنت القيّم الوحيد على تكاملك، وكل الافتراضات التي يفترضها أولئك الذين لا يقدرون على فهم من أنت وما الذي تسعى إليه تكشف الكثير عنهم ولا شيء مطلقًا عنك أنت.


٦- الحضور هو فن أكثر تعقيدًا ومكافأة من الإنتاجية.
ثقافتنا تقيس أهميتنا كبشر من خلال كفاءتنا في العمل، مدخولنا، قدرتنا على القيام بهذا أو ذاك. جماعة الإنتاجية مصيبة بعض الشيء، لكن العبادة في محرابها كل يوم يسلبنا القدرة على الابتهاج والدهشة اللتان تجعلان الحياة مستحقة للعيش - كما عبرت عن ذلك آني ديلارد "كيفية قضائنا لأيامنا هو، بالطبع، كيفية قضائنا لحياتنا".


٧- "توقع لأي شيء ذو قيمة أن يأخذ وقتًا طويلا".
هذه العبارة مستعارة من ديبي ميلمان الحكيمة والمدهشة، حيث يصعب الحصول على شيء أساسي بسبب الاستعجال في ثقافتنا الفورية. أسطورة النجاح الذي يكون بين عشية وضحاها هي مجرد - أسطورة - وهي كذلك تذكير بأن تعريفنا المعاصر للنجاح يحتاج إلى إعادة صياغة ضرورية. كما أشرت في مكان آخر، الوردة لا تتحول من التبرعم إلى التزهير دفعة واحدة، لكن، كثقافة نحن لا نكترث في فترة التزهير المملة. لكن هنا يحدث كل السحر في صناعة شخصية المرء ومصيره.

لماذا لا تزال أعزبا؟ لعلك واقع تحت تأثير الاختيار





لماذا لا تزال أعزبا؟
لعلك واقع تحت تأثير الاختيار
بقلم: كلير وليامز
ترجمة: علي الصباح



في سنة ٢٠٠٠، أجرى الدكتورين شينا س. لينگر ومارك ر. ليپِّر تجربة، حيث وضعوا طاولة للتذوق في أحد متاجر كاليفورنيا الراقية. في أيام معينة، عرضوا ستة أصناف مختلفة من المربى، وفي أيام أخرى أربعة وعشرون صنفا. بالرغم من أن العدد الأكبر جذب عددا أكثر من المتسوقين، إلا أن الناس الذين ابتاعوا المربى ابتاعوها حين كانت هناك أصناف أقل على الطاولة. يبدو أنه كلما ازدادت الخيارات أمام الناس، تصير عملية الاختيار أصعب.

مفارقة الاختيار تكشف هذه المعضلة المزعجة، حيث نُصاب بالشلل كلما كان بحوزتنا خيارات أكثر تعددا, ويتعاظم فينا تأنيب الضمير الذي يتلو عملية الشراء. لكن ما الذي يعنيه ذلك حينما لا نكون نتسوق فحسب؟ ماذا عن حينما نقوم بأشياء أكثر أهمية... مثل اختيار وظيفة، منزل، أو -تنهيدة- شريك حياة؟...
إذا ما كنت تنصت إلى كلام معلميك حين يتحدثون مع والديك، أو تابعت برنامج الحي للسيد روجرز Mr. Rogers' Neighborhood، فقد تعلمت أنك ندفة ثلج مميزة وأن العالم كله بين يديك. لكن مع جيل يمتلك قدرا أكبر من الاختيارات عما سبق، كيف تستطيع أن تختار شيئا محددا بعدما تم تلقينك بأنك تستطيع الحصول على كل شيء؟


طماع؟

يعيش العشرينيون -والثلاثينيون- اليوم الحياة والحب بشكل مختلف عن الأجيال السابقة. تَفجُّر الخيارات المتوفرة يؤثر على رغباتنا وتوقعاتنا، ويدفعنا إلى إعادة تشكيل القرارات التقليدية. يتزايد نفور الشبان والشابات من اتخاذ قرار الإلتزام النهائي والزواج, وأحد أهم أسباب ذلك هو تلك الخيارات البراقة التي تتنافس لتحوز على انتباهنا -الصداقات، النجاح المهني، مسلسل ٣٠ روك، الأشخاص الذين يعيشون في العالم ولم ترتبط معهم بعلاقة بعد.
إذا كنت تحب الاختيارات وتظن أن العالم تحت تصرفك، فأنت طماع.
في ظل العالم الذي يمكنك فيه أن تحصل على عشرين وظيفة قبل حلول عيد ميلادك الحادي والثلاثين، يلزمك فيه أن تحافظ أكثر على الاستقرار في علاقاتك.
"تأثير الاختيار" The Choice Effect هو ذلك الوجع الذي يستقر في أمعائك حالما تنصرف النادلة بعد تسجيل طلبك لتشعر أنك تريد ما في طبق شخص آخر. تأثيره حقيقي، وهو ينعكس على حياتنا العاطفية.
كيف إذن يمكن تجاوز هذه المفارقة في العلاقات؟ بحق والدتك، دوّن بعض الملاحظات.

خمس وسائل لتطويع تأثير الاختيار:
١- المعايير
قبل قراري بالاستقرار مع جي، خطيبي الأرجنتيني الحالي، كانت هناك العديد من اللحظات المهمة التي شككت فيها من أساس علاقتنا. كمغتربين في بلاد بعضنا البعض، الحواجز اللغوية والثقافية لها طابع الديمومة. احتاج عدة سنوات ليستطيع تقبل أن في بلدي نتناول الأومليت للفطور -وليس للغداء- وسبب له انزعاجي الواضح لانفصال تيپِر وآل گور بالحيرة (حسنا، قد لا يكون ذلك لاختلاف الثقافات). لكن في أحد الأيام تفاعلت بشكل كبير مع أحد العبارات الفكاهية لجون ستيوارت، ثم حدث أمر سيء. أخبرني أن ذلك لم يكن مضحكا جدا. وحينئذ سألت نفسي: هل حقا يمكنني أن أقضي بقية حياتي في شرح التفاصيل الصغيرة لبرنامج ذا دايلي شو The Daily Show لشخص مبتدئ؟
الأمور التي لا تقبل النقاش كانت موجودة منذ البداية: الدولية internationalism، الروحانية، والطموح. بالرغم من أن جي كان يوافقني بشكل كبير في هذه الأمور، إلا أننا لم نكن نسخًا كاربونية من بعضنا البعض بأي شكل من الأشكال. هو يقضي مئات الساعات في السنة في التصوير، أما أنا فقد سافرت حول العالم خلال سنة كاملة من دون أخذ الكاميرا معي. لازلت لا أعرف ما إذا كان الصوت الجهير bass والقيثارة ذات الصوت الجهير bass guitar هما الشيء نفسه، لكن هناك ثلاثة منهم في فنائنا. لم أسمع قط عن مارادونا.

نقدم بعض التنازلات في حياتنا العاطفية - "مواطن ضعف" جي الثقافية تتعوض من خلال نقاط اتفاق أساسية. صرتُ أؤمن الآن، أن الرجل الذي لم يتذوق قط زبدة الفول السوداني يمكنه رغم ذلك أن يصبح أبًا رائعا. لذا فكر فيمَ تحتاجه. لكن ليس من خلال قائمة أمنيات لانهائية تتضمن على أن يكون شريكك الكامل يريد حضور المهرجان الغنائي المتنقل ليليث فير وبأن يشاركك في حبك لقدور نيتي Neti pots.


٢ التركيز:
مثلما غنى ستيفين ستيلز مرة: "أحب الذي أنت معه".
بعد أقل من سنة من بدء علاقتي مع جي، انتقلت إلى النصف الآخر للكرة الأرضية لدراسة ماجستير إدارة الأعمال. وبشكل سريع، تحول خليلي الرائع، والذكي، والوسيم إلى صورة في برنامج المحادثة الهاتفية سكايب. أثناء ذلك، كان حولي رجال حقيقيون بدماء حارة يلعبون اللاكروس. هذا العالم سوف يجرنا إلى اتجاهات متعددة، وعليك أن تحدد ماهي غنيمتك أنت وتضعها نصب عينيك. لا تتشتت أمام أي فتى أو فتاة لديهم ما يكفي من طاقة للمعاكسة. لا تنسي حفلة التشيلو الخاصة بخطيبك لأنكِ كنت لاهية في معاكسة بالفيسبوك مع الفتى الذي كنت مفتونة به في المرحلة الثانوية. أنا مع أن تفحص خياراتك بدقة، لكن حذار من أن تصاب بمتلازمة الكرة البراقة.


٣- البداهة:
هل حياتك المثالية تتضمن كوخا طينيا في نيكاراگوا مع شريك يمتلك قدر مساوٍ من الإثارة تجاه قردة الغابة؟ إذن لا تبحثي عن رجل من الوول ستريت. إذا كنتِ مسيحية محافظة بحيث أنتِ من الذين يفضلون الأحضان الجانبية، لا تلمحين من خلال التواصل بالعيون مع الهيبي الملحد القابع في المقهى المحلي. نعم، المختلفون يجذبون بعض. هكذا قالت پاولا عبدول. لكنهم لا يشكلون نجاحا طويل المدى. لا تقع في ظل علاقة لا تتوافق حتى مع شرط واحد من شروطك. قد تظن أن هذا هو مصيرك يتلألأ أمام ناظريك، إلا أنه مجرد دفقة أدرينالين. وقد يكون عشب البتشول هو الذي تسبب بتدفقه.


٤- وقت محدد
راقب عقارب الساعة. تذكر, أن تكون انتقائيا لا يعني أن تصير مشلولا. لذا اسأل نفسك -سواء كنت تنتقي زوج أحذية، خطة صحية، أو شريك حياة- "إلى متى يجب لهذه العملية أن تستغرق؟" هل ستوافق على ما يلي: يجب عليك أن لا تقضي أكثر من ساعة من حياتك في محل گاب GAP لتختار بين عطور عادية وليس أكثر من خمس سنوات لتختار شريك حياة؟ مثل أفضل صديقاتي، التي بعد علاقة دامت لسبع سنوات مع خليلها، اعترتها خاطرة مفاجئة، "كم من المعلومات التي يمكنني أن أجنيها أكثر من هذا؟" ثم اقترحتْ أن  يفرا إلى ڤيگاس ليتزوجا. ليس عليك أن تتقيد بهذا بشكل كلي، لكن سيكون من الجيد أن تأخذ خطوة إلى الوراء، تختار رقمًا (يمكنني أن أقترح سنتان)، وتشتري ساعة.


٥- اختر مسبقا
إذا دخلت متجرا للآيسكريم، ووجدت طفلا يطلب آيسكريم بسبعة أنواع مختلفة، ستخبره كم هو أحمق (أو قد لا تفعل، لأن هذا تصرف لئيم وهو لا يزال صغيرا). لا تكن ذلك الطفل. لا يفترض أن تحوز على كل شيء.
وحتى نكون عادلين، البوفيهات تكون في البداية ممتعة، لكن طبقًا يحتوي على باستا وبيتزا وصلصة رانش وحبوب فروت لوبس يفقد جاذبيته بعد فترة. لذا حدد.
ما يمنع الكثير منا من اتخاذ التزام تجاه شيء ما هو خوفنا من أننا حين نختار نكون قد أغلقنا الباب على سائر الخيارات الأخرى. لو تزوجنا آندي، فلن تربطنا علاقة مع چارلز أبدا. صحيح. لو صرنا مهندسين معماريين فلن نصبح أبدًا مدربين لحيوان ابن مقرض. أيضا صحيح. لكن، إذا اخترنا أن نكون مهندسين معماريين فسيكون لدينا مجموعة كاملة من الخيارات البراقة لنفكر فيها! هل نبني منزلا للكلاب أم للبشر؟ هل نصبغه أزرقا أم أحمر؟ هل يكون المبنى صغيرا، متوسطا، كبير؟
الإختيار لا يحد الخيارات -إنه فقط يغيرها. لذا كن حرا في اختيار تلك المدينة، تلك الوظيفة، شريك الحياة، مع علمك أن حتى الإلتزام يحمل معه مجموعة كاملة من الخيارات -أطفال/حيوانات أليفة/منازل حمراء أو زرقاء- التي نشعر من خلالها بالإثارة.

بالمناسبة، أنا اخترت لنفسي مهندسًا معماريًا. (هل ترى كم أنا مقيدة؟)


خمس دروس يمكن للأدباء تعلمها من قصص بورخس


خورخي لويس بورخس


خمس دروس يمكن للأدباء تعلمها من قصص بورخس
بقلم: سوزان دِفريتاس
ترجمة: علي الصباح


كل محب للكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخس يتذكر لحظة اكتشافه لأعماله. يصف ويليام گيبسون هذه اللحظة:

"أناأتذكر ذلك الشعور المعقد والبسيط بشكل مخيف, المنبعث نتيجة قراءتي لقصة Tlön, Uqbar, Orbis Tertius
لو كانت مفاهيم البرامج الحاسوبية معلومة لي حينها, أتصور أني كنت سأشعر وكأني أثبّت شيئا يتوسع أُسيّا والذي سيسمى لاحقا سعة نقل البيانات Bandwidth, لكن لم أكن قادرا على تحديد سعة نقل لأي بيانات بالضبط. تلك القصص الرفيعة والفكاهية بحدود واسعة من المعلومات الخالصة (الخيالية تماما), بتسلل متدرج وبلا هوادة أبادت بشكل كامل كل ما هو عادي, وفتحت شيئا ما بداخلي لم يغلق أبدًا."

اكتشفت بورخس خلال منتصف سنوات دراستي في كلية پريسكوت, ويمكنني تذكر تأثيرا مشابها. ذُهلت حين قرأت قصص مثل The Circular Ruins و The Library of Babel و Pierre Meard, Author of the Quixote. هذه القصص لم تكن موجهة من خلال الشخصيات. وهي بالكاد تحتوي على أي شيء يمكننا أن نطلق عليه مشاهد. ومع ذلك هي تفتح بوابات إلى عالم آخر.

الأمر الذي تحتويه كل هذه القصص هو التصوّر: رجل يوجِد رجلا آخر من خلال حلم. مكتبة تحتوي على كل التراكيب الممكنة للحروف. فنان أدائي تحول إلى كاتب وقرر أن يعيد كتابة رواية دون كيخوته. تصوّرات ذكية كهذه كثيرا ما يحيلها الطلبة إلى كتابات نثرية مريعة.

قرأت ما يكفي من هذه القصص في ورشات عمل الكتابة الإبداعية مما أمكنني لأرى إلى أي مدى من السوء يمكنها أن تكون بالعادة. بالرغم من ذلك, بين يديّ هذا الرجل, الذي بالكاد أستطيع نطق اسمه, تكون تلك القصص مثيرة. بورخس كان ذكيا, نعم, لكنه أيضا كان نوعا ما مرحا, وفي العمق أجد قصصه مبهجة جماليا. وبالرغم من اختلاف قصصه الواحدة عن الأخرى,إلا أن  شيئا ما حيالهم يضفي شعورا بتشابههم. لماذا؟

في السنوات الأخيرة, أدركت أن قصص بورخس مليئة بنغمات مختلفة في نفس المواضيع, تلك المواضيع التي هو يجدها مبهجة جماليا: المرايا والانعكاسات. النمور والسيوف. المتاهات والورود. الجمعيات السرية. المكتبات.
ونعم, كان بورخس ذكيا. إلا أنه كان يكتب بطريقة يتوقع فيها أن يكون القارئ بنفس ذكاءه. هذا, حسب ملاحظتي, أحد الأشياء التي تجعل قصصه ساحرة, حتى وإن امتلأت بإشارات لأعمال كلاسيكية أنت لم تقرأها ومن المحتمل أنك لن تقرأها أبدا, حتى حين يتحدث عن أعمال لعلماء يونانيين وتلموديين مغمورين -لا يضع نفسه أبدا فوق القارئ.

وبشكل ما, رغم معرفته الواسعة إلا أن الكثير من قصصه تبدو سهلة جدا. هذا ليس مفاجئا, إذا ما عرفنا أن بورخس في شبابه أتخم نفسه من أعمال إدگار آلان پو (والذي كان يعده منشئ القصة البوليسية) وروبرت لويس ستيفنسن. قد يكون بورخس رفيع الثقافة, لكنه لم يغفل ولو للحظة أن قلب الأدب هو حكاية القصص.
جاذبية قصص بورخس التي تدفعنا للاستمرار أثناء قراءتها ترينا كيف أن الأفكار مهمة. فبينما بعض قصصه تعتمد على أسلوب "الآن فهمتها" الذي يلازم نهايتها والذي يُعزى إلى أو. هنري (على سبيل المثال قصة Emma Zunz لبورخس), بعضها مبني حول أفكار مدهشة جدا, مفارقة جدا وإعجازية, لدرجة رسوخها في ذهنك لزمن طويل بعد قراءتها. حسب تعبير گيبسون, أفكار توسع من سعة نقل بيانات الدماغ.

لو كانت هذه مقالة أكاديمية لدللت على تلك التوكيدات بأدلة من أعمال بورخس ومن حياته (ولرميت بعض الهوامش هنا وهناك). لكن لأن هذه المقالة هي للكتاب الساعون إلى شحذ مهارتهم وتوسيع نطاقهم, سأعرض عوضا عن ذلك خمس أشياء يمكننا تعلمها من قصص خورخي لويس بورخس القصيرة.



١- تعرف على شهواتك

قاموس مِريام ويبتسر يعرّف كلمة fetish بـ "رغبة أو حاجة قوية وغير اعتيادية لشيء ما", "رغبة أو حاجة لشيء, عضو جسدي, أو نشاط للمتعة الجنسية", أو "شيء ما يُعتَقد بامتلاكه لقوى سحرية". ليس أي من هذه التعريفات ينطبق على ما أعنيه, لكني أرى أن هذه الكلمة هي أقرب من أي كلمة أخرى في تبيان هذه الموضوعات, الأشياء, الحالات, والصور التي تحمل شيئا من القوى الغامضة لنا ككتاب.
كما تقول كيلي لينك, "أشد القصص غرابة تنبثق مما أنت مهووس به". في ردها على أحد النصائح التي تلقتها أثناء ورشة عمل Clarion Writers, سطّرت لينك قائمة بالأشياء التي تحب أن تجدها في القصص, والتي احتوت على "مدن الملاهي" "القصص المختلقة" وأيضا "الزومبي". ترجع لهذه القائمة بانتظام إذا أرادت أن تأتي بأفكار لقصصها.
قصص بورخس مليئة بالأشياء التي ذكرتها مسبقا, كالمرايا, السيوف, والمتاهات ( يشير گيبسون إلى "hallmark hall of mirrors") كذلك بعض الحالات مثل مواجهة أشخاص للإعدام ("The Secret Miracle"; "Deutsches Requiem"; "The God's Script") وتنقيح للقصص والمواضيع الكلاسيكية ("Three Versions of Judas"; "The House of Aterion").
ما الأشياء التي تحب أن تجدها في الأدب؟ أو بعبارة أخرى, ماهي شهواتك؟ وكيف يمكنك أن تدمجها في أعمالك؟


٢- ليس عليك أن تبدأ بشخصية

كنت أستاذا مساعدا في أحد فصول الكتابة الإبداعية في الجامعة قبل عدة سنوات. أحد الطلبة كتب افتتاحية لقصة مركزة على غلاف ألبوم القشدة ومسرات أخرى لـ هيرب ألپرت وتيوانا براس. ليس في هذه القصة الكثير مما يخص الشخصية, والتي أخبرنا الأستاذ -هو كاتب جيد ومعلم ماهر- برأيه المحدد في هذه المسألة الخلافية: لا يمكنك أن تبدأ في القصة من خلال تفاصيل تواقة وتلميحات جنسية. بل تبدأها من خلال شخصية.
هذه النصيحة بشكل عام جيدة -نصيحة يمكنها أن تساعدك لتكتب نفس نوعية الأدب المنتشر بشكل واسع في مجلات وصحف الأدب المعاصرة. لكنها ليست الطريقة الوحيدة لكتابة قصة, وقصص خورخي لويس بورخس تنبهنا إلى أن هناك طرق أخرى تستفتح بها, كأساسات بديلة تبنى عليها القصة, أحدها التصوّر.
والنتائج قد تكون أدبية تماما مثل القصة الموجهة من خلال شخصية. في غالب الأوقات, حسب خبرتي, حين تتفوق قصة من بين أكوام أخرى من القصص, يكون سبب ذلك أنها تجرأت في حكي قصة مبنية على تصوّر. ولا أنكر أن محاولات الطلبة الجامعيين في هذا النوع من القصص ينتهي إلى شيء باهت, فهذا لا يعني أنها لا تستحق المحاولة بنفسك. أحيانا تدور القصة حول ما الذي حدث, وليس لمن حدث.


٣- كل القصص بوليسية

عنصر أساسي في نجاح الأعمال التصوّرية هو طريقة الكشف عن التصوّر. في مكتبة بابل, بورخس لا يرمي علينا الفكرة مباشرة ويخبرنا أنها تدور حول مكتبة لانهائية. يبدأ بـ "الكون (الذي يسميه آخرون المكتبة) مكوّن من دهاليز سداسية الشكل غير محددة العدد وقد تكون لا نهائية". ثم يستمر في وصف هذه الدهاليز وما تحتوي عليه, من خلال بعض المفارقات الفلسفية: "لنكتفي الآن بذكري لهذا القول المأثور: المكتبة هي جسم كروي مركزه ذو شكل سداسي ومحيطه مستحيل الإدراك". إنه شيء ملغز, شيء يثير فضول القارئ, ويدفعنا في السرد.
ليس قبل أن نمضي وقتا في واقعية ذلك المكان اللاواقعي, ذو ٢٢ رمز هجائي, سلاسل الكلمات الفارغة من المعنى الموجودة في الكتب (من لغات غابرة أو قديمة), ويمهد بورخس للفكرة المركزية من خلال ذكر حقيقة عدم وجود كتابين متطابقين:

"من هذا, استنتج أمين المكتبة أنرفوفها تحتوي على كل التراكيب الممكنة من الاثنين وعشرين حرفابمعنى, كل ما يمكن التعبير عنه في كل اللغات. كل -التاريخ المفصّل للمستقبل, السير الذاتية للملائكة, الفهرس الحقيقي للمكتبة, آلاف مؤلفة من الفهارس المزيفة, دليل على زيف الفهرس الحقيقي, إنجيل بازيليد الغنوصي, شرح ذلك الإنجيل, شرح على شرح ذلك الإنجيل, القصة الحقيقة لوفاتك, ترجمة لكل كتاب في كل لغة, زيادات من كل كتاب على كل الكتب, أطروحة بيدي Bede كان يمكنها أن تكون (لكنها لم تكن) عن أساطير الشعب السكسوني, كتب تاسيتوس المفقودة."

نستنتج حسب الأدلة: المكتبة لا تحتوي فقط على كل شيء كتب منذ القدم, بل أيضا كل شيء يمكن أن يُكتَب. لكن ما هي, بالتحديد, تبعات ذلك؟ هذا بالطبع موضوع بقية القصة.
غالبا ما يظن الكتاب الشباب بأنهم إذا ما كانوا يحملون فكرة فإنها ستكون كافية لجعل القصة تستمر. في الحقيقة, طريقة الكشف عن الفكرة رويدا رويدا هو ما يجعل القصة تستمر, شعور بلغز يتكشف.


٤- الكلمات أقل أهمية من الإيقاع

في كتاب ذاكرة بورخس In Memory of Borges, المقالة المعنونة "بورخس يتحدث عن بورخس", يتحدث الكاتب عن عمله:
"حين أكتب أسعى لأن أكون صادقا ليس للأشياء التي تحدث ولكن لحلمي في ذلك الوقت بالتحديد. أعرف أن القارئ يستشعر ذلك بهذه الطريقة. إذا ما شعر القارئ أن الكاتب يكذب, سيلقي بالكتاب جانبا. إذا استشعر القارئ أن الحلم هو استجابة لحلم حقيقي سيستمر في القراءة. بهذه الطريقة أظن أن الأدب يحدث -بالحلم الصادق. ليس بتقاذف الكلمات فحسب. أحاول أن أتناسى الكلمات وأعبر عن ما أريد قوله ليس بالكلمات بل بالرغم من الكلمات, وإذا كان الكتاب جيدا بحق ستنسى الكلمات."

يستمر في كلامه:

"لكن بالتأكيد علي أن ألتزم بالإيقاع. هذا أكثر أهمية من الحبكة أو المجاز أو أي شيء آخر -الإيقاع المناسب, التنغيم المناسب لكل جملة. هذا ما يجب أن أؤكد على أهميته."

يبدو الأمر متناقضا, بأن يكون "الحلم المخلص" و "الإيقاع المناسب" هما ما تُصنع منه القصص, عوضا عن الحبكات والكلمات. لكن إذا فكرنا في الأمر, سأقول أن أغلبنا يعرف ما الذي يتحدث عنه بورخس هنا. الإيقاع المناسب يمتصنا إلى مكان تتلاشى فيه القصة نفسها والحلم الذي في جوهرها يغدو حلمنا.


٥- الحجم لا يدل على الأهمية

أخيرا, إذا كانت قصصك القصيرة لا تقترب من عدد ٥٠٠٠ كلمة الذي تفضله المجلات والمسابقات الأدبية, فلا تشعر بالإحباط. أحيانا قصة شديدة الصغر يمكنها أن تتضمن صدمة هائلة.