الموت آمن جدا


رام داس

الموت آمن جدا
بقلم:رام داس
ترجمة: علي الصباح




يوجد شاهد لضريح في مدينة آشبي بولاية ماساچوستس مكتوب عليه: "تذكّر يا صديقي, بينما تعبر من هنا, كما تكونُ الآن, كذلك كنتُ أنا. وكما أنا الآن, كذلك تصير أنت. هيّيء نفسك لتلحق بي".

حدث لي شيء ما نتيجة تجوالي بين عوالم الوعي في الخمسين سنة الماضية, حيث غيّر موقفي تجاه الموت. تخلصت من الكثير من المخاوف المتعلقة بالموت. صرت الآن أسعد حين أكون بقرب إنسان يحتضر. كم هي نعمة لا تُصدَّق. أشعر بالإثارة في صبيحة الأيام التي أعرف أني سأكون فيها بقرب شخص يحتضر, لأني أعرف أني سأنال فرصة أكون بها في حضرة الحقيقة.

في ثقافتنا المعاصرة صار لدينا تقبّل أكثر لوفاة الأفراد. لعدة عقود, أٌبعد الموت إلى ما وراء الأبواب المغلقة. لكن الآن نحن نسمح له بالظهور. من خلال نشأتي في هكذا ثقافة, كانت الأشهر التي قضيتها في الهند في الستينيات تعد تجربة مهمة. حين يموت شخص هناك, يُلَف في ملاية ويحمل في الشوارع إلى الأرض المخصصة للحرق مع ترديد ترنيمات. الموت ظاهر ليراه الجميع. الجسد هاهنا. ليس داخل تابوت. غير مخبوء. ولأن العائلة في الثقافة الهندية تتكون من عدد كبير من الأفراد, الكثير من الأشخاص يتوفون في المنزل. فيصير أغلب الناس, بينما هم يكبرون, قد عايشوا شخصا ما وهو يتوفى. لا يهربون منه ولا يختبئون عنه كما نفعل في الغرب.

كنت بالطبع كأي شخص آخر في هذه الثقافة, أختبئ من الموت. لكن بعد العقود الأخيرة تغيرت بشكل كبير. بداية التغيير كانت نتيجة لتجربة مواد كيميائية مخدرة psychedelic. صرت متصلا مع أحد جوانب وجودي التي لم أكن أعرّف نفسي من خلالها في مرحلة حياتي البالغة. كنت طبيب نفسي غربي, بروفيسور في هارڤرد, وفيلسوف مادي. التجربة التي مررت بها من خلال المواد المخدرة كانت مربكة بشدة, لأنني لم أكن أملك أي شيء في تكويني يهيئني للتعامل مع مكوّن آخر من وجودي. لحظة ما بدأت بالشعور بأنني "كائن واعي" - وليس طبيب نفسي, أو ككتلة من الأدوار الاجتماعية, غيّرت التجربة طبيعة حياتي. غيّرت من كنت أظن أنه أنا.

قبل تجربتي مع المواد المخدرة, كنت أُعرّف نفسي مع ما يموت - الذات. كنت أظن أن ذاتي هي أنا. الآن, أنا أُعرّف نفسي بشكل أكبر مع ما أكونه بحق - الروح. طالما أنك تُعرّف نفسك بما يموت, الخوف من الموت سيظل دائما موجود. الأمر الذي تخشاه ذاتنا هو الانقطاع عن الوجود. بالرغم من عدم علمي بالشكل الذي ستكون عليه روحي بعد الموت - أدركت أن جوهر وجودي - وجوهر وعيي يتعدى الموت.

الأمر المثير للانتباه بالنسبة لي مع أول تجربة مع المواد المخدرة أنها كانت عصيّة عن الوصف تماما. لم يكن لدي مفاهيم يمكنني تطبيقها على ما كنت أجده في حالة وجودي. أهداني ألدوس هكسلي نسخة من كتاب الموتى التبتي The Tibetan Book of the Dead. بينما كنت أقرأه ذُهلت من مدى وضوح وشفافية الأوصاف التفصيلية للتجارب التي مررت بها مع المواد المخدرة. كان أمرا محيرا للغاية لأن كتاب الموتى التبتي عمره ٢٥٠٠ سنة. كنت أظن, في ١٩٦١, أنني كنت في الطليعة لفهم موضوع مجهول. لكن هاهنا نص غابر يُظهر أن البوذيون التبتيون كانوا على علم - قبل ٢٥٠٠ سنة - بكل ما تعلمته للتو.

كان الكهنة البوذيون في التبت يقرأون من كتاب الموتى التبتي على زملائهم الكهنة وقت احتضارهم ولتسعة وأربعون يوما بعد وفاتهم. شرعت أنا وتيم ليري ورالف ميتزنر بالنظر إلى الكتاب من الناحية المجازية كقصة للموت النفسي وللولادة الجديدة, بالرغم من أنه وضع أساسا كمرشد خلال عملية الموت والولادة البدنية الجديدة. أنا الآن أعتقد أن فكرة الموت ثم الولادة كحقيقة, أو حكمة, أو روح هي في الواقع عملنا حين نتحدث عن الموت. حين تحرر نفسك من الارتباط الراسخ مع جسدك, ستوجد فيك المساحة التي تتيح لإمكانية أن يكون الموت جزء من عملية الحياة - وليس نهاية الحياة. أشعر بذلك بعمق.

يسألني الناس: "هل تؤمن بوجود استمرارية بعد الموت؟" وأجيبهم: "لا أؤمن بهذا. إنها موجودة فحسب". هذا يغضب أصدقائي ذوي الخلفيات العلمية بشدة. لكن المُعتَقَد هو شيء أنت تلتزم به بالتوافق مع فكرك. إيماني باستمرارية الحياة يذهب بعيدا جدا عن الفكر. المُعتَقَد مُشكِل لإنه منغرس بالعقل, وفي عملية الموت, العقل ينهار. الإيمان, الوعي, والإدراك كلهم موجودين في ما وراء العقل المفكر.


لدي صديق اسمه إيمانويل. بعضكم التقى به من خلال مؤلفاته. هو شبح, كائن نوراني رمى جسده. إيمانويل شارك بالكثير من الحكمة العظيمة. هو بمثابة عم بالنسبة لي. قلت له مرة: "إيمانويل, أنا غالبا ما أتعامل مع الخوف من الموت في هذه الثقافة. ما الذي يجب علي أن أخبر به الناس عن الموت؟" قال لي إيمانويل: "أخبرهم أنه آمن جدا! إنه أشبه بنزع حذاء ضيق".

في الماضي, هدفي من عقد شراكة مع ستيفن وأوندريا ليڤين, ديل بورگلوم, و بودي بي (صديق صوفي) كان في سبيل خلق مساحة رحبة حول الموت. كانت لدينا عدة وسائل مثل الخط الساخن للموت حيث يستطيع أي شخص الاتصال ليجري محادثة سرية مع أشخاص يساعدونه ليبقى واعيا أثناء عملية الوفاة. نحن كذلك - بالعودة إلى بداية الثمانينيات - كان لدينا مركز الموت في نيو مكسيكو. نموذجي هو أنني كنت أعرف أن من خلال كوني مع أشخاص يحتضرون سيساعدني ذلك للتعامل مع خوفي تجاه الموت في هذه الحياة.

من عادات البوذية الثيراڤادية, إرسال الرهبان لقضاء ليلة في المقبرة, حيث تكون الجثث ملقاة ومكشوفة والطيور تنزل عليها لتأكل. فيجلس الرهبان مع الجثث المنتفخة, الممتلئة بالذباب, والهياكل العظمية لتحصل لهم فرصة الإدراك الكامل للعملية الطبيعية. يحصلون على فرصة للإطلاع على غثيانهم وقرفهم, وكذلك مخاوفهم. لديهم الفرصة لينظروا إلى الحقيقة المرعبة التي تقول "كما أنا الآن, كذلك تصير أنت" وما تعنيه بحق. رؤية الأجساد وهي تتعفن, وتأمل ذلك التعفن يكشف لك إدراك أن هناك مكان ما داخلك لا علاقة له بالجسد - أو بالتعفن.

دفعني هذا المزيج منذ وقت مبكر, منذ سنة ١٩٦٣, إلى العمل مع الناس وهم يحتضرون وأن أكون متواجدا معهم. أنا لستُ طبيبا معالجا. لستُ ممرضا. لستُ محاميا. لستُ قسيسا. لكن ما أستطيع تقديمه لإنسان آخر هو الحضور في بيئة مقدسة ورحبة. ويمكنني تقديم الحب لهم. في تلك الرحابة من الحب ستتوفر لهم فرصة الموت بالطريقة التي يحتاجون أن يموتون فيها. ليس لدي الحق الأخلاقي لأحدد كيف يجب لإنسان آخر أن يموت. لكل شخص الكارما الخاصة به - أعمالهم التي يجب أن يواجهوها. ليست وظيفتي أن أقول, "يجب أن تموت بشكل جميل" أو "يجب أن تموت بهذه الطريقة أو تلك". ليس لدي أدنى فكرة عن كيف يجب لأي شخص آخر أن يموت.

حينما كانت والدتي تحتضر في مستشفى بولاية بوستِن سنة ١٩٦٦, كنت أراقب كل الناس الذين يدخلون إليها. كل الأطباء والأقارب كانوا يرددون, "تبدين أفضل, إنك تتحسنين". وبعد خروجهم من الغرفة يقولون, "هي لن تبقى على قيد الحياة أكثر من أسبوع". كنت أفكر كم هو غريب أن يمر إنسان بأعمق تحول في حياته, ثم يجد كل من يعرفهم ويحبهم ويثق بهم يكذبون عليه.

هل تستشعر ألم ذلك؟ لم يستطع أي شخص أن يكون مباشرا مع أمي لأنهم جميعا كانوا مذعورين. الجميع. تحدثت معها عن ذلك, وسألتني: "كيف ترى الموت؟" وأخبرتها: "لا أدري يا أمي. لكنني أنظر إليك وأنتِ صديقتي, ويبدو أنكِ في مبنى يشتعل, لكنكِ لا تزالين هنا. أشك فيما لو اشتعل المبنى بأكمله, بأنه سيذهب, لكنكِ ستظلين هنا". أنا وأمي التقينا في تلك المساحة.

مع زوجة أبي, فيليس, كنت أكثر انفتاحا, وكانت تسأل عن أي شيء يحلو لها أن تسأل عنه. لم أقل لها: "الآن سأرشدك عن الموت", لأنها لن تقبل ذلك. ثم جاءت اللحظة التي يئست بها, واستسلمت, وكانت أشبه بمشاهدة بيضة تفقس ليخرج منها كائن يشع جمالا, وهي كانت رائقة, وحاضرة, ومبتهجة.

في تلك اللحظة, ولَجَتْ مستوى مختلف من الوعي, حيث كنا تماما معا, وجود محض. كل ما في عملية الموت هو مجرد ظاهرة تحدث في غضون لحظات. لكن لحظة ما استسلمت, لم تكن منهمكة بالموت, كانت فقط موجودة… والموت كان يحدث.

في تلك اللحظة قالت: "أجلسني يا ريچارد". فأجلستها ورفعت قدميها على حافة السرير. كان جسدها يتداعى إلى الأمام, فوضعت يدي علي صدرها وتراجع جسدها إلى الخلف. فوضعت يدي الأخرى على ظهرها. كان رأسها يتدلى, فوضعت رأسى بإزاء رأسها. كنا فقط جالسين هكذا معا. أخذت ثلاث أنفاس, ثلاث أنفاس عميقة, وغادرت. الآن, إذا قرأت كتاب الموتى التبتي, ستلاحظ أن الطريقة التي يترك بها الرهبان البوذيون الواعون أجسادهم تكون عبر الجلوس, أخذ ثلاث أنفاس عميقة, ثم يغادرون.

إذن, من تراها تكون زوجة والدي؟ كيف تعلمت فعل ذلك؟

كان رامانا ماهاراشي قديسا هنديا عظيما. قال أتباعه, أثناء وفاته بسبب السرطان: "لنعالجه". ورد رامانا ماهاراشي: "لا, حان وقت إلقاء هذا الجسد". بدأ أتباعه يبكون. رجوه: "قداستك, لا تتركنا, لا تتركنا!" ونظر إليهم بحيرة وقال: "لا تكونوا سخفاء. أين يمكنني أن أذهب؟" كما تعلم, كان كأنه يقول: "لا تقلقوا. إنني فقط أبيع السيارة القديمة".



هذه الأجساد التي نعيش فيها, والذات التي نعرّف أنفسنا بها, ليست إلا ما يشابه السيارة القديمة. هي كيانات وظيفية تسافر أرواحنا خلالها عبر تجسدها فيها. لكن حين تُستهلك, تموت. من أكثر الأمور اللطيفة هي أن نتيح لها أن تموت بسلام وبشكل طبيعي - حتى "نطلق سراحها برفق". عبر هذا كله, ما نكونه هي الروح… وحين يتلاشى الجسد والذات, تواصل الروح الحياة, لأن الروح أبدية. في النهاية, في تجسّد آخر, حين ننهي عملنا, يمكن لروحنا أن تندمج مع الواحد… ترجع إلى الرب… ترجع إلى المطلق. الآن, روحنا تستخدم أجسادا, ذواتا, وشخصيات لتؤدي ما عليها من كارما جراء كل تجسّد.

10 أشياء يمكن أن يتعلمها الكتّاب من رواية الغابة النرويجية





10 أشياء يمكن أن يتعلمها الكتّاب من رواية الغابة النرويجية
بقلم: بِن ماكڤوي
ترجمة: علي الصباح




تُعد رواية الغابة النرويجية واحدة من أعظم روايات القرن العشرين ومنجم ذهب للنصائح الكتابية. يجب عليك أن تتعامل مع كل كتاب تقرأه على أنه تدريب تشحذ به المهارات اللغوية، وإبداع الشخصيات، والقصة، إذا كنت جادا لتكون كاتبا أفضل. معلمنا اليوم هو هاروكي موراكامي، وكتابنا المدرسي هو رواية «الغابة النرويجية».
استمع إلى موسيقى البيتلز، استرخِ مع كأس من البيرة، واجلب نسختك من الكتاب. سيبتدئ الفصل الآن.

تحذير: سنذكر بعض المعلومات التي ستكشف حبكة الرواية. إذا لم تكن قرأت الغابة النروجية بعد، يمكنك أن تتوقف الآن.

نُشرت رواية الغابة النرويجية في 1987 وكانت العمل الذي دفع بموراكامي ليكون في محط الأنظار الأدبية. بيعت أربعة ملايين نسخة منها فور صدورها؛ ما تسبب بجلب كثير من الاهتمام غير المرغوب فيه لموراكامي، وحثه ذلك على العودة إلى أوروبا (حيث كتب الرواية هناك).

تُروى القصة من وجهة نظر رجل كبير في السن يتأمل حياته حين كان في الجامعة، وهي تعكس بوجه كبير نوع قصة البلوغ الأدبي coming of age genre التي تصوّر محاولة تورو واتانابي ليفهم علاقته مع (ناوكو) خليلة أقرب أصدقائه (كيزوكي) بعد سنوات من انتحاره.

لا يهم أين أنت الآن في حياتك، رواية الغابة النرويجية قادرة على ترك انطباع قوي عليك. موضوعات الحب في الكتاب، والفقد، والجنس؛ ستثير زوبعة داخلك. وإذا كنت كاتبا، فسيمكنك تعلم أشياء كثيرة عن الحرفة بالدراسة الواعية لطريقة موراكامي في السرد. لنتعمق فيها إذن، ولننظر إلى الأسباب فحسب التي تجعل من الغابة النرويجية جد عظيمة.


10 أشياء يمكن أن يتعلمها الكتاب من رواية الغابة النرويجية:


1. الشهوانية - كتّاب الأدب الإيروتيكي دونوا ملاحظاتكم!
قد أكون -أو قد لا أكون- قضيت بعض الوقت من عملي في النشر الذاتي داخل الأوساط الإيروتيكية.، وفي أثناء ذلك الوقت التهمت كل (كلاسيكيات) هذا النوع الأدبي، أفضل الكتب مبيعا، وأعمالًا عظيمة أقل شهرة. عثرت على بعض الألماس الخام؛ أما الجانب الأكبر، الأدب الإيروتيكي (خاصة الموضوعات التي تصل إلى قمة قوائم أمازون اليوم) تجعلني منزعجًا لدرجة عالية.
لست وحدي الذي يجد أن هذه الكتب تسبب الانكماش. تصفح مراجعات بعض أكثر الكتب مبيعا فحسب (أغلبها سيذهب في طي النسيان في أسبوعين)، وانظر إلى الشكاوى المشتركة: كثير من التفاصيل، وشخصيات شديدة التبلد، ولا يوجد ما يكفي من التأسيس، ومصداقية غير كافية.

الكتابة الجيدة عن الجنس ليست مثل لوحة تعليمات إيكيا. أدخل القضيب (أ) في المُثَبِّت (ب) وأدر البرغي إلى أن تسمع صوت بلل = مقزز.

قراء الأدب الإيروتيكي لا يريدون تفصيلات كثيرة لكل دقيقة. لو كانوا يريدون ذلك، يمكنهم أن يجدوا أطنانا من هذا الهراء في الإنترنت (حقا، افتح تبويبا جديدا الآن… سأنتظر) عوضا عن إنفاق ثمانية دولارات من مال جُني بمشقة على كتاب.
حين يأتي الأمر لكتابة أدب إيروتيكي فعّال…
المسكوت عنه أهم مما يقال. الأمر في الرعب أيضًا، حين لا ترى الشخص الشرير حتى النهاية. دع مخيلة القارئ تتولى الأمر. لكل شخص تصوّرات مختلفة.
تحتاج إلى شخصيات لديها مشاعر حقيقية: قد تكون حبا، وقد تكون كرها، وقد تكون غيرة، وحب تملك، وخوفًا، ومللًا، وتقززًا؛ ولكن لا تقتصر على الجنس فحسب.
يجب أن يكون لديك تأسيس قابل للتصديق. حقا، الشخصيات النسائية الرئيسة لا يمكن أن تتحول من فتيات مسيحيات متزمتات إلى شبقات في ليلة وضحاها. هذا ابتذال لاستخدام المدد الغيبي deus ex machina الذي لا يخدم إلا تكديس كمية كبيرة من التوصيفات المروعة والآيلة إلى النسيان.

يمكن أن تتعلم كيف تطبق كل هذه الأشياء بقراءة الغابة النرويجية لموراكامي. الشهوانية، والحب، والجنس هي موضوعات رئيسة، وموراكامي لا يفسد هذه الموضوعات بإلقائها في الصفحة فحسب دون الأخذ في الاعتبار عناية البيئة والشخصية أولا.
لن أقتبس أيًّا من المشاهد الإيروتيكية من الغابة النرويجية لأن هناك كثيرًا من الذي يمكنني أن أختار منه؛ ولكن يكفيني القول إن موراكامي تمكن من جعل الممارسة الجنسية باليد hand job تبدو أكثر عمقا من خمسين صفحة من الحشو في بعض الكتب الأكثر مبيعا.
يفعل ذلك من طريق تركيزه على الشخصية. يصب اهتمامه على مسائل حقيقية يواجهها أناس حقيقيون كل يوم، وحين يأتي المشهد، يعرضه ويتراجع.

قائمة للقراءة السريعة لمؤلفي أدب إيروتيكي: أدرس هاروكي موراكامي، آني رايس، كازو إيشيگورو، جين أوستن، ومجموعة من رومانسيات هارلكين الكلاسيكية.


2. ناتسوكاشي - يصعب إتقان الحنين إلى الماضي (لكنه مهم)
الكتاب اليابانيون ماهرون في استخدام الحنين إلى الماضي. لا أعرف لماذا أو كيف نشأ هذا؟! ولكن يمكننا أن نلاحظ أن الحنين إلى الماضي هو جزء أساسي من الثقافة اليابانية. إحدى أشهر الكلمات اليابانية التي ستسمعها يوميا في اليابان، هي كلمة ناتسوكاشي Natsukashii وتعني (بترجمة فضفاضة) الحنين إلى الماضي.

تستمع إلى أغنية في الراديو تذكرك بطفولتك؟ ناتسوكاشيييييي!
تتذوق شراب ساكي يذكرك بأبيك الذي رحل منذ زمن طويل! ناتسوكاشيييي!
تقرأ كتابا عظيما يثير شيئا غامضا داخلك! ناتسوكاشيييي!

المعنى كامن في الحروف (الكانجي) المكتوبة للكلمة. إنها مرتبطة بالشوق، الشعور بالتعلق، وافتقاد شخص ما.
في حين يبرع الكتاب اليابانيون في هذا الشعور، يتربع موراكامي على أعلى العرش كأفضلهم. يمكنني أن أتخيل كم هي صعبة كتابة الغابة النرويجية. كان عليه أن يشد على أوتار قلبه يوميا لعدة أشهر؛ لأن كل صفحة مثقلة بمشاعر الحب والفقد.
مرة أخرى، يعود الأمر إلى اختيار ما ستقوله وما ستمسك عن ذكره. إنه مرتبط باختيار لحظات الصمت بهدف نقل المشاعر القوية التي تعجز الكلمات عن التعبير عنها.
كل صفحة من صفحات الغابة النرويجية تستعرض مهارة موراكامي في استدعاء الحنين. إحدى اللحظات التي اشتبكت مع قلبي كانت تقريبا في الثلث الثاني من الكتاب حين لعب الشخصية الرئيسة، تورو، البلياردو مع ناگاساوا، خليلة صديقه زير النساء. تورو لم يلعب البلياردو منذ عدة سنوات. آخر مرة لعب فيها كانت بعد انتحار صديقه المقرب، كيزوكي. إنه وصف مثير للمشاعر، في موضع متقدم من الكتاب، حين نستنتج أن كيزوكي يريد أن يلعب لعبة مثالية أخيرة قبل أن يموت. ثم، بعد عدة سنوات، نجد هذا المشهد:

«أدخلتْ ثلاث كرات متتالية، ثم أخطأتْ في المرة الرابعة. استطعتُ أن أتدارك بإدخال كرة واحدة، ثم أضعتُ ضربة سهلة.
قالت هاتسومي لتخفف عني: «إنها بسبب الضمادة».
قلت: «لا، هذا لأنني لم ألعب منذ زمن طويل. سنتان وخمسة أشهر».
«كيف يمكنك أن تكون متأكدا إلى هذه الدرجة من المدة؟».
قلت: «صديقي توفي في الليلة التي تلت آخر لعبة لعبناها».
«لذلك توقفت عن اللعب؟»
قلت بعد تفكير: «لا، ليس صحيحا. أنا فقط لم أجد الفرصة المناسبة للّعب بعد ذلك. هذا كل ما في الأمر».
«كيف توفي صديقك؟».
«حادث سير».

هذا كل شيء. ذهبوا للعب البلياردو. ليس هناك حوارات داخلية مطوّلة حول سبب كذب الشخصية الرئيسة. نحن نعرف لماذا كذب، ويمكننا أن نستشعر ألم قراره بالكذب بوجه كبير لأنه اتخذ ما يلزم من مساحة ليتطور بنفسه. هذه المساحة تنفتح حول تلك الكلمتين الأخيرتين وتتيح للحنين، أو الناتسوكاشي، والمشاعر الحادة والمؤلمة أن تتطور.


3. التجاور - أوجد نسيجا أجمل من الحياة
أقول نسيجا لأن الروايات تشابه الأقمشة أكثر من كونها لقطة حقيقية عن الحياة. الغابة النرويجية مهيأة على وجه جيد لتحتوي على شرائح من أوقات مختلفة مثبتة جنبا إلى جنب بسبب طبيعة السرد ذاته: رجل مسن ينظر وراءه إلى ماضيه؛ ولكن حتى لو كنت تحكي قصة من منظور راو عليم ولا ترمي لتكون عميقة، يظل هناك كثير يمكنك تعلمه بدراسة كيفية ترتيب موراكامي بعض المشاهد إلى جانب الأخرى.

أحد أبرز الأمثلة للتجاور الذي يكون في محله في الغابة النرويجية هو ممارسة الجنس باليد hand job في مشهد الغابة الذي وُضِع مباشرة بعد التوصيف التراجيدي لانتحار كيزوكي. كلا المشهدين مؤثران تأثيرًا لا يصدق، ومغروس فيهما جوهر المشهد الآخر بسبب ترتيبهما.

يمكنك الاستفادة من هذه الأداة الأدبية المهمة حين تريد أن تمتنع عن التصريح عن أشياء بفعالية ومع ذلك تجعل هذه الأشياء، عمليا، تصرخ في وجه القارئ. كلا المشهدين سيأخذان مشاعر وطبيعة مختلفة تماما لو بُدلّت مواقعهما ووضعا إلى جانب مشهد آخر. ثمة حقيقة كونهما قطبين متضادين أيضًا، ووضعهما بالقرب من بعضهما يبدو أمرا استثنائيا وشديد التنافر. أحدهما عن الموت، والآخر عن الحياة. أحدهما عن الحب والفقد، والآخر عن الحب والكسب. أحدهما هائل، والآخر ضئيل. تفاصيل قليلة الأهمية جنبا إلى جنب حدث مغيّر للحياة.


4. أوجد فجوات واملأها من حين إلى آخر بالجواهر
أسلوب موراكامي في الغابة النرويجية رقيق، وتقليلي، ويعتمد اعتمادًا كبيرًا على القارئ ليملأ عبر فهمه، وقراءته، ومخيلته المشاهد والشخصيات. لا شيء مكتوب كتابة كاملة. كل شيء منقوص نقصًا كبيرًا إلى درجة أن كثيرًا من القراء يمكنهم أن ينسابوا بسهولة في الصفحات ويفوتهم المعنى.
هذه الفجوات هائلة بما يكفي لتوجد هذا النوع من السرد الذي ينزلق ببطء تحت جلدك وإلى روحك، عوضا عن سرد آخر يطرق الباب ويرفض الدخول. إنه أشبه بإدمان الهيروين. لا تعرف أنك أدمنت حتى تجد نفسك غير قادر على المقاومة.

هذه الفجوات مهمة لأنها تتيح لك من حين إلى آخر، أن تُدخِل بعض التفصيلات المهمة التي تومض كالجواهر داخل السرد. إنها تبرز وتكون مثيرة للمشاعر لأن هذه التفاصيل اُختيرت بعناية لتكون بارزة. تحررت من مستنقع الغموض والاستهانة ونفذت إلى أعماقك.

إحدى هذه اللحظات التي يقدم موراكامي فيها تفاصيل مهمة ونادرة تقع بعد انتحار كيزوكي، حين يذهب تورو إلى الجامعة لأول مرة. للتو أُخبرنا أن كيزوكي غذّى سيارته N-360 بأنبوب غازيّ، ووضع شريطا لاصقا على النوافذ. بعد ذلك، انجرف المشهد، كما لو كانت الفكرة عصية على التحمّل؛ ولكن بعض التفاصيل تبقى. التفاصيل التي تجعل القشعريرة تعبر ذراعيك. تفاصيل مثل هذه:

«كان هناك شيء واحد عليّ فعله حين بدأت حياتي الجديدة في سكن الطلبة: أن أتوقف عن أخذ كل شيء بجدية. أن أؤسس مسافة مناسبة بيني وبين كل شيء آخر. أن أنسى أمر طاولات البلياردو ذات البيز الأخضر وسيارات N-360 الحمراء والورود البيضاء على المكاتب الدراسية، وعن الأدخنة المتصاعدة عن حرق جثث الموتى من الأفران العالية، وثقالات الورق الصلبة في غرف التحقيقات البوليسية».

نرى طاولات البلياردو بالوضوح الذي يراها فيه تورو. نرى سيارة N-360 بالوضوح ذاته؛ ولكننا نعرف هذه التفاصيل وأهميتها أيضًا. ثم يكمل القاعدة الثلاثية rule of three، يقترح موراكامي صورة أخرى، صورة بالورود البيضاء على المكاتب المدرسية. لا يخبرنا كيف تعاملت المدرسة مع حادثة انتحار كيزوكي. لكننا لا نحتاج أن نُخبَر بذلك. تلك الصورة معبرة بما يكفي. ثم لدينا المزيد من الصور مثل الأدخنة المتصاعدة من مداخن أفران حرق جثث الموتى وثقالات الورق في غرف التحقيق البوليسية. مجددا، لا نُخبَر بأي شيء عن هذه الحوادث، إلا أننا نلحظ تعاقبا شديد الوضوح مع القليل جدا من الكلام. نشعر بما تمنى السارد نسيانه. ونشعر به بحميمية.


5. في التراجيديات (على وجه الخصوص) استخدم الفكاهة بكثرة
هناك شيء لطالما أبهرني في أثناء دراسة مسرحيات شكسبير، وهو: أن مسرحياته التراجيدية كانت مضحكة أكثر من مسرحياته الكوميدية، والكوميدية كانت أكثر حزنا من التراجيدية (بوجه متتابع حتى المشهد الأخير). في الواقع، يمكننا أن نلحظ هذا في كل الأعمال الأدبية العظيمة. التراجيديات المعبأة بالموت والكآبة من بدايتها إلى خاتمتها تنتهي بمشاعر هزلية. نحن نطرح التجربة الحزينة. إنها لا تعني شيئا لنا، والمسرحيات الكوميدية يتخللها كثير من الأحداث السيئة أيضًا. في الحقيقة، كثير من المسلسلات التلفزيونية الكوميدية sitcoms يمكنها أن تكون تراجيدية لولا المشاهد التافهة المضحكة.

موراكامي يسخّر الفكاهة تسخيرًا مناسبًا جدا. يستخدمها ليجعل الحزن أكثر حزنا والمثير للمشاعر أكثر إثارة. في مقابلة مع ذا پاريس ريڤيو، هو بالفعل ذكر أنه يحاول أن يدخل نكتة أو شيء من الفكاهة كل (10) صفحات. أرى أن هذه وصفة عظيمة يمكنك أن تتبعها إذا أردت أن تكتب دراما. لأعيد صياغة عبارة ديڤيد فوستر والاس: «من الأنسب التعبير عن أعظم الحقائق والأحزان بوساطة نكتة».

الفكاهة أداة فعالة لمزج كثير من موضوعات العمل أيضًا. خذ على سبيل المثال، هذا المشهد الحواري بين تورو وميدوري الذي يمزج بفعالية الكوميديا، والتراجيديا، والحب، والجنس، والمجاورة الصحيحة، والحنين، والفجوات التي تتيح ظهور المعنى:

قالت ميدوري بينما تنظر إلى سكن الطلبة: «هل كل الأولاد هنا يمارسون العادة السرية؟».
قلت: «على الأرجح».
«هل يفكر الأولاد في البنات حين يفعلون ذلك؟».
«أفترض ذلك. أشك في أن أي أحد منهم سيفكر في البورصة أو في اشتقاق الأفعال أو في قناة السويس حين يمارسون العادة السرية. لا، أنا متأكد أنهم كلهم يفكرون في الفتيات».
«قناة السويس؟».
«على سبيل المثال».
«إذن أفترض أنهم يفكرون في فتيات محددات، صح؟».
قلت: «أليس من الأولى أن تسألي خليلك عن هذا؟ لماذا عليّ أن أشرح لكِ مثل هذه الأمور في صبيحة يوم أحد؟».
قالت: «أنا فقط فضولية. بالإضافة إلى ذلك، سوف يغضب إذا سألته عن هذه الأمور. سيقول إنه لا ينبغي للفتيات أن يطرحن مثل هذه الأسئلة».
«سأقول، وجهة نظر عادية تماما».
«لكنني أريد أن أعرف. هذا محض فضول. هل يفكر الأولاد في فتاة محددة حين يمارسون العادة السرية؟».
استسلمت من محاولة تجنب السؤال.
«حسنا، أنا على الأقل أفعل ذلك. لا أعرف عن أي شخص أخر».
«هل فكرت قط فيني بينما تمارس ذلك؟ أخبرني بالحقيقة. لن أغضب».
أجبت بصراحة: «لا، لم أفعل».
«لماذا؟ ألستُ جذابة بما يكفي؟».
«أوه، أنتِ جذابة، تماما. أنتِ لطيفة، والملابس المثيرة تبدو رائعة عليكِ».
«لماذا إذن لا تفكر فيني؟».
«حسنا، في البداية، أنا أعدُّكِ صديقة، لذلك لا أريد اقحامك في خيالاتي الجنسية، وثانيا
«لا بد أن لديك شخصا آخر تفضل أن تفكر فيه».
قلت: «بالضبط».
قالت ميدوري: «تتحلى بأخلاق حميدة حتى حين يتعلق الأمر بأشياء كهذه. هذا ما يعجبني فيك. مع ذلك، ألا يمكنك أن تسمح لي بظهور واحد موجز؟ أريد أن أكون في أحد خيالاتك الجنسية أو أحلام يقظتك أو كما يحلو لك تسميتها. أطلب منك ذلك لأننا أصدقاء. من غيرك يمكنني أن أطلب منه هذا؟ لا يمكنني أن أذهب لأي شخص وأقول له، (هلا فكرت فيّ للحظات حين تمارس العادة السرية الليلة؟). أطلب منك هذا لأنني أعدُّك صديقا. وأريدك أن تخبرني فيما بعد كيف كان الأمر. تعرف قصدي، ماذا فعلت وهكذا».
أخرجتُ تنهيدة.
«مع ذلك، لا يمكنك أن تولجه. لأننا فقط أصدقاء. صح؟ يمكنك أن تفعل ما يحلو لك، وتفكر بما تشاء، طالما أنك لن تولجه».
قلت: «لا أدري، لم أمارسها مع هكذا تقييدات من قبل».

لدى موراكامي كثير من المشاهد الشبيهة بهذه ليخفف من حدة القلق والحزن التي تعتمل في الكتاب. من المثير للانتباه أن نلاحظ أنه يجزئ الجوانب الكوميدية والتراجيدية. على سبيل المثال، حين يريد أن يضحكك، سيجلب ميدوري أو سيجعل تورو يحكي طرفة عن رفيق حجرته غريب الأطوار، الملقب بستورم تروپر Storm Trooper. هذا تكتيك مهم لتعلم كيفية كتابة فكاهة فعالة: ثبّت لحظات كوميدية إلى شخصيات أو رموز محددة.


6.  تعلّم كيف تروي قصة داخل قصة
تأمل كيفية تطبيق موراكامي لوسيلة القصة داخل القصة في الغابة النروجية. كونراد متمرس بهذه الوسيلة وكذلك موراكامي، إلا أن موراكامي لا بد من أنه تعلم شيئا أو شيئين من كونراد؛ لأن الشخصيات تتحدث عنه بتقدير كبير. أفضّل أن أرى هذا على أنه إجلال للكاتب العظيم وإيماءة يسيرة لوسيلة القصة داخل القصة حيث تُطبّق.

تأمل كيف يستطيع موراكامي أن تكون له عدة شخصيات قادرة على إبهاجك والاستحواذ على انتباهك بما يقصونه من قصص. تأمل كيف استطاعت شخصية ريكو أن تقسّم قصتها إلى شقين وتوجد تشويقا داخليا مصغرا داخل القصة ذاتها. يحدث ذلك بفعالية كبيرة لدرجة تنسيك أنك تقرأ قصة ولست في الحقيقة تحيا داخل العالم الذي أبدعه موراكامي.
فوق ذلك كله، الكتاب بأكمله هو قصة واحدة هائلة داخل قصة بالطريقة نفسها التي تكون فيها رواية كونراد، قلب الظلام، قصة داخل قصة أيضًا.


7. استخدم الموسيقى كلازمة
تأمل كيف يستخدم موراكامي الموسيقى بوعي كلازمة طوال الغابة النرويجية. يعود باستمرار إلى فرقة البيتلز، من بين العديد من الموسيقيين الآخرين مذكرا بالفترة الزمنية، وهو يفعل ذلك بوعي حتى يخلق انسجاما وتناغما، بين الذكريات المتفاوتة التي يرويها السارد وهو ينظر إلى ماضيه، بينما كذلك تنمي شعور اللهفة والحنين.

الموسيقى - فرقة البيتلز بالتحديد - تقف كموضوع رئيس مهم طوال الكتاب مع شخصيات مدفوعة على الدوام للاستماع إلى أغنية 'الغابة النرويجية'، كما لو كانوا يريدون العودة إلى الماضي أو يتركون أنفسهم تنجرف وراء رمز من الأمل.


8. دع القارئ يخمن
طوال الكتاب، تُرك القارئ ليخمن إلى أي شخصية سينتهي أمر تورو معها: ناوكو أو ميدوري؟
برع موراكامي في لعبة التخمين هذه بمهارة لأنها، مع تكرار التأكيد على أن لا شيء كتب بشكل كامل، لا تبدو كأنها لعبة تخمين. بل حتى لا تبدو أنها ذات علاقة مع القصة. بل تشعرك كما لو كانت فكرة جانبية ونحن، القراء، نهيئ أنفسنا معها بينما نحلق فوق ماضي تورو وذكرياته.

يبدو من المستحيل بشكل متساوٍ أن ينتهي أمر تورو مع أي من هاتين الفتاتين. ولأسباب مختلفة متباعدة. ومع ذلك هو يفعل.

لكل قارئ شخصية يتعلق بها. طوال الوقت في الكتاب، كنتُ متعلقا بميدوري لتكون هي التي ينتهي أمر تورو معها. صُدمت فيما يقارب منتصف الكتاب أن القصة التي لا تحتوي على شخصية أو هدف تتعلق به ليست قصة على الإطلاق. لذا أعط قراءك شخصا أو شيئا يشجعونه. تأمل كيف يفعل موراكامي ذلك إذا أردت أن تبدو ماهرا على نحو خاص.


9. استخدم الرمزية لتبني الشخصيات
تظهر كل شخصيات الغابة النرويجية على أنها تدافع عن أهداف مثالية مختلفة؛ في حين تظهر الشخصية الرئيسة وهو تحاول شق طريقها بينهم لتجعل من كل شيء يبدو منطقيا. كثير من الكتاب يظنون أن على الشخصيات أن تكون حقيقية مثل الأفراد الذين يملؤون حياتنا يوميا. يسردون سيرة حياة طويلة وتكون النتيجة شخصيات روائية متكلفة. لكن شخصيات موراكامي هي نماذج بدائية archetypes هم ليسوا أشخاصا حقيقيين إلا أنهم يعبّرون عن الجزء الحميمي والخاص من ذواتنا. يعكسون صفات يمكننا جميعا أن نتصف بها. مثلا، قد يكونون نماذج بدائية إلا أنهم يبدون أكثر حقيقية وأكثر إثارة للعواطف عن أي شخصية وجدت في سيرة بحجم (100) صفحة عوضا عن رمز عن جوهرها.

يتطرق موراكامي إلى هذا الموضوع في مقابلته مع ذا پاريس ريڤيو:
«بطل روايتي دائما محصور بين العالم الروحاني والعالم الحقيقي. في العالم الروحاني، النساء -أو الرجال- دائما هادئون، وأذكياء، ومتواضعون، وحكماء. في العالم الحقيقي، النساء نشيطات جدا، وظريفات، وإيجابيات. لديهن حس فكاهي. عقل بطل الرواية منقسم بين هذين العالمين المختلفين تماما ولا يمكنه أن يختار أحدهما. أعتقد أن هذا أحد أهم الموضوعات في أعمالي. يبدو واضحا جدا في رواية أرض العجائب، حيث عقل البطل منقسم ماديا. في الغابة النرويجية أيضًا، ثمة فتاتان لا يستطيع أن يختار بينهما، من البداية حتى النهاية».

إذا أردت أن تتعلم أكثر عن كيفية إبداع شخصية روائية (عوضا عن أفراد حقيقيين)، فأنا أنصح بشدة بالفصول التعليمية الخاصة بكتابة السيناريو لآرون سوركين.


10. استمر بالتجريب
من الهم إدراك أن الغابة النرويجية كانت رواية موراكامي التجريبية؛ مع أنها تبدو أكثر أعماله «عادية»؛ إلا أنها كانت التحدي الذي اختاره موراكامي لنفسه. أراد أن يكتب رواية مباشرة وتحقق أعلى المبيعات ليثبت للجميع أنه يستطيع ذلك. ثم بإمكانه أن يرجع مباشرة إلى عالمه الموراكاميّ.
ما نتيجة هذه التجربة؟
دفعت موراكامي إلى شهرة وثروة عالمية. وضعته على خارطة الأدب. ونتج عنها واحدة من أفضل روايات القرن العشرين أيضًا.