تعرف على انترنت الأشياء



بعد عقود قليلة من الزمن, ستمتزج الحواسيب مع معظم المنتجات الصناعية.
كارل ستينبخ, عالم كمبيوتر ألماني, ١٩٦٦

ما هي انترنت الأشياء؟

انترنت الأشياء باختصار هي أن تصير كل الأشياء من حولنا متصلة بالانترنت وتتواصل مع بعضها خلاله. مثلما أدخلنا الكهرباء إلى مدننا وفي منازلنا وشغلنا من خلالها أجهزتنا, كذلك نفعل الان مع الانترنت.

ولكن, ماهي تلك الأشياء وكيف ستتصل بالانترنت؟ ولماذا تتواصل مع بعضها؟ وألا يشكل هذا تهديدا للخصوصية؟
في هذه المقالة سأحاول أن أجيب على هذه الأسئلة.



Image source: http://www.truste.com/blog/wp-content/uploads/the-internet-of-things.jpg



عندما نقول انترنت الأشياء, فإننا نعني كل شيء وأي شيء حولنا. من معجون الأسنان إلى السيارة إلى كرسي المكتب بل حتى أجسادنا. سنتمكن من الإتصال بهذه الأشياء واستقبال المعلومات منها أو امدادها بالتعليمات من خلال الانترنت. ولتحقيق ذلك يلزمنا أن نضيف لكل شي هوية (عنوان انترنت), ومجسات Sensors تكون بمثابة الحواس لهذه الأشياء لتستقي منها المعلومات, ووسيلة اتصال (سلكية أو لاسلكية وذات طاقة منخفضة جدا) ومصدر للطاقة (بطارية).
تتوقع سيسكو أن يصل عدد الأشياء\الأجهزة المتصلة بالانترنت عام ٢٠٢٠ إلى ٥٠ مليار والتي بدورها ستولد كما هائلا من البيانات يعرف بالبيانات الكبرى Big Data نتيجة لتفاعل هذه الأشياء مع بعضها بلا حاجة للتدخل البشري.


في كتابه "الأشياء الفاتنة: التصميم, الرغبات البشرية, وانترنت الأشياء" حدد ديفيد روز خمسة إضافات يحتاجها أي جهاز ليتحول من شيء عادي إلى شيء فاتن Enchanted Object:

١- الإتصال بالسحابة\الانترنت.
٢- التخصيص Personalization, بحيث يحتوي على المعلومات الشخصية لمن يستخدمه.
٣- الإجتماعية Socialization, ليتمكن المستخدم من مشاركة نشاطه مع أصدقاءه من خلاله.
٤- المنافسة Gamification بحيث تضاف إليه خصائص المرح والمنافسة الموجودة في ألعاب الفيديو, كتجميع النقاط, والتدرج في المراحل, والحصول على الأوسمة.
٥- أن تكون له قصة, فمثلا يمكن لجهاز خاص متابعة حميتك الغذائية أن يكون الهدف منه بأن يجعلك قادرا مرة أخرى على ارتداء ثيابك القديمة.

تطبيقات انترنت الأشياء:

مثلما ذكرت في البداية, أن تطبيقات انترنت الأشياء عديدة جدا وتشمل كل ما حولنا, منها ما هو متعلق بالصحة والرياضة والترفية وأي أداة قد تبدو الان عادية وجامدة ستدب فيها الحياة وستكون بوابة لنا إلى الانترنت. سأعرض هنا بعضا من هذه الأشياء المتوفرة حاليا:

أصدرت شركة Fitbit عدة أجهزة على هيئة ساعة أو سوار للمعصم لتتابع كمية السعرات الحرارية المحروقة وحساب خطوات المشي يوميا وجودة النوم وغيرها من معلومات الصحة الشخصية, ثم ترسلها لاسلكيا إلى موقع الشركة بحيث يمكنك أن تحصل على إحصائيات ونتائج حول هذه المعلومات.


خلال مؤتمر CES 2014 أعلنت شركة Babolat Play عن أول مضرب لكرة التنس متصل بالانترنت يمكنه من تسجيل قوة ضربات الكرة عليه ونمطها ومدى ثباته أثناء اللعب, ثم يرسل هذه البيانات إلى البرنامج المخصص له على الهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي لتحصل على تحليل حول أدائك وكيف يمكنك تحسينه.


مظلة Pileus ذات التقنية العالية, بالإضافة إلى أنها تحمي مستخدمها من أشعة الشمس والمطر فهي كما يقول عنها مطورها "تجعل الأيام المطيرة ممتعة". فكذلك تحتوي على شاشة في جانبها الجواني تعرض ما يصلها من خرائط قوقل خلال الواي فاي, وكذلك تحتوي على كاميرا وبوصلة رقمية وجهاز تحديد المكان GPS ومجسات للحركة.


لا أريد أن أطيل في استعراض الأشياء الذكية لأنها كثيرة جدا, ومن يتابع الأخبار التقنية سيلاحظ كيف أن أشياء كثيرة عادية أصبحت ذكية ومن خلال اتصالها بالانترنت تمكنت من القيام بأمور متعددة على وجه أفضل.


المعايير القياسية

إحدى المعوقات الحالية لانترنت الأشياء هي الطريقة أو البروتوكول الذي سيستخدم للتواصل فيما بين هذه الأشياء, فالواي فاي بسبب استهلاكه الكبير للطاقة قد لا يكون ملائما لكل الأجهزة, خاصة الأشياء بالغة الصغر أو التي لا ترغب في استبدال بطاريتها بشكل متكرر. لهذا هناك حاجة لتطوير بروتوكول جديد بحيث يوفر متطلبات الأمن من تشفير للبيانات والتحقق من هوية المستخدم وكذالك بأن يستهلك قدرا بسيطا من الطاقة. مؤخرا ظهرت أربعة بروتوكولات جديدة, لكل منها مميزاته الخاصة, وقد يكون أحدها في طريقه ليهيمن على عالم انترنت الأشياء.


HomeKit
أثناء مؤتمر أبل الأخير في بداية شهر يونيو الماضي أعلنت عن بروتوكول جديد تحت اسم هوم كِت HomeKit  والذي سيأتي مع نظام التشغيل iOS 8 وسيحول الأيفون إلى جهاز للتحكم بالأجهزة المنزلية كالإضاءة وقفل الباب وكاميرا المراقبة والثرموستات وغيرها, بحيث تتواصل معا من خلال بروتوكول موحد يضمن لها التوافق فيما بينها بطريقة آمنة موحدة.


Thread
المجموعة الثانية تتكون من شركتي قوقل وسامسونغ, لتطوير بروتوكول ثرِد Thread الذي تم الإعلان عنه في ١٥ يوليو الماضي  لربط الأجهزة لاسلكيا من خلال بروتوكول 802.15.4, الذي صمم ليكون آمنا ومقتصدا في استهلاك الطاقة بحيث يمكن استخدام بطارية AA لعدة سنوات بدون الحاجة إلى إستبدالها, مع دعم لبروتوكول الانترنت السادس في الأجهزة ذات الطاقة المنخفضة 6LoWPAN وستكون الشبكة لا مركزية Mesh Network بحيث لن يتسبب تعطل جهاز معين من توقف الشبكة كلها عن العمل. في بداية العام ٢٠١٥ سيبدأ التصديق على الأجهزة التي تتوافق مع البروتوكول.

Open Interconnect Consortium
المجموعة الثالثة تتكون من شركة إنتل وديل وسامسونغ, لتطوير معيار مفتوح المصدر لربط أجهزة انترنت الأشياء ويتم دعمه على مختلف أنظمة التشغيل. وسيدعم عدة أنواع من الشبكات مثل شبكات الند للند Peer-to-Peer والشبكة اللامركزية Mesh Network وغيرها.

AllSeen Alliance
المجموعة الرابعة هي تحالف أول-سين AllSeen وتتكون من عدة شركات على رأسهم شركتي ميكروسوفت وكوالكوم, لتطوير بروتوكول أول-جوين AllJoyn مفتوح المصدر.وسيتمكن من ربط الأجهزة بعدة وسائل كالواي فاي وأسلاك الإيثرنت وحتى الخطوط الكهربائية, ويعمل على أنظمة مختلفة كنظام لينكس واندرويد وآي أو أس وويندوز. وأعلنت مؤسسة لينكس عن دعمها لهذا التحالف.



أخيرا

ما أود التأكيد عليه في ختام هذه المقالة هو أن انترنت الأشياء ليس تقنية مستقبلية, بل نحن الآن نتدرج فيها سنة بعد سنة, وهي على فوائدها الكثيرة في تسهيل حياتنا من خلال تحويل كل الأشياء حولنا إلى أشياء ذكية ومولدة للمعلومات نستفيد منها عند استخدامها ونتمكن من التحكم بها عن بعد, ولكنها لا تخلو من بعض المعوقات والمخاطر.
فمن معوقاتها الحالية الطاقة, فالبطاريات تتطور بوتيرة أبطأ بكثير من تطور قدرة الحاسوب على معالجة البيانات والتي تتضاعف كل سنتين حسب قانون مور, ولعلنا نجد مخرجا قريبا (آمل ذلك) لهذه المشكلة مع مادة الغرافين الواعدة والتي جذبت انتباه الباحثين وشركات التقنية في الأعوام القليلة الماضية.

وهناك أمرين أود التنبيه إليهما, الأولى أمن المعلومات, فعندما تتفاعل كل الأشياء التي نستخدمها مع بعضها عند أي حركة نفعلها وتتواصل فيما بينها عن طريق الانترنت يمكن لأي متلصص بأن يصل لمعلومات عميقة حول حياتنا ويجب على المعيار القياسي\البروتوكول الذي سوف يتم اعتماده لتتواصل الأشياء من خلاله أن يولي أمن المعلومات أهمية كبرى مثل استخدام تشفير متين للبيانات Encryption واستخدام طريقة موثوقة لتحديد الهوية Identity والتأكد من عدم إمكانية العبث في البيانات Data Integrity.
الأمر الثاني هو الخصوصية, دعونا نفكر قليلا في المبلغ الذي دفعته قوقل لشراء شركة نست Nest وهي شركة حديثة تقدم خدمة للتحكم في التكييف المنزلي بحيث يتفاعل مع أوقات تواجدنا في المنزل وتفضيلاتنا الخاصة, فدفعت قوقل مقابلها أكثر من ٣ مليارات دولار! ما الذي ستجنيه قوقل من وراء هذه الخدمة لشرائها بهذا السعر, لنضع في اعتبارنا أيضا أن خدمات قوقل كلها مجانية. الذي ستحصل عليه مقابل هذا المبلغ الكبير هو المزيد من معلوماتنا الشخصية, فلن تحصل فقط على معلومات عنا إذا فتحنا هواتفنا وحواسيبنا وتجولنا في الانترنت بل كذلك ستحصل على معلومات أكثر وأكثر من خلال قيامنا بالأمور اليومية البسيطة.